نادية الزقان - مبدأ التأدب في الخطاب السجالي

الخطاب السجالي هو استخدام اجتماعي للكلام، وبهذا فهو يتطرق لمختلف الخلافات والاختلافات التي يكون الغرض منها مناقشة القضايا الاجتماعية والفكرية والسياسية...التي تشغل بال المجتمع.
هذا الخطاب يقع عادة على الحدود المتغيرة باستمرار بين العنف والمؤسسات التي تحاول تنظيم وسائله والتحكم فيه، إنه خطاب مائع، لا يمكن ضبط حدوده، ينتقي بعض مقوماته من الحجاج وبعضها من الجدل، على اعتبار ذلك البعد التأسيسي للعلاقات الإنسانية التي لا تستقر على حال، فما يميزه عن الخطاب الحجاجي هو أنه خطاب عدائي، يسعى إلى الغلبة ودحض أقوال وأفكار الآخر، عن طريق استقصاء الأخطاء والهفوات والمغالطات ... فإذا كان تقديم الحجج المنطقية وشبه المنطقية وما يعرف بالاتفاق المسبق في الخطاب الحجاجي البلاغي الغرض منه الاقناع بالدعوة، ففي الخطاب السجالي يتم استحضار تلك البراهين والدلائل والحجج لأجل إفحام المساجل والغلبة عليه.
هذا الضرب من الحوار السلبي القائم على أساس إبراز عدم نجاعة حجة الخصم، وردها عليه، يكون الهدف هو إحداث تأثيرات خطابية في طرف ثالث يتابع سيرورة المساجلة ويشهد أطوارها ويحكم على وقائعها وهو الجمهور ثم بعده المتلقي والقارئ...
في البداية نؤكد أن للتأدب أدوارا محورية في حياة المرء وفي ثقافته وسلوكه وفي خطابه، باعتبار ما له من أدوار رئيسة في إنجاح الخطاب برمته، حتى يكون خطابا واعيا ذي رسالة واضحة بأغراض ومقاصد محددة...
هنا تدخل استراتيجية مبدأي التعاون والتأدب اللغويين ضمن ما يصطلح عليه بالتواصل الإنساني والتعامل الأخلاقي، فلما كان التخاطب يقتضي إشراك جانبين عاقلين في إلقاء الأقوال وإتيان الأفعال، فقد لزم أن تنضبط هذه الأقوال بقواعد تحدد وجوه فائدتها الإخبارية، أو قل فائدتها التواصلية، نسميها بقواعد التبليغ، كما لزم أن تنضبط هذه الأفعال بقواعد تحدد وجوه استقامتها الأخلاقية، أو قل التعاملية نسميها بقواعد التهذيب.
وقد عرف المبدأ التداولي الأول للتخاطب باسم مبدأ التعاون، وورد نص هذا المبدأ في اللسانيات الحديثة عند الفيلسوف الأمريكي بول غرايسPaul Grice . هذا الأخير الذي فرع مبدأ التعاون هذا إلى قواعد تخاطبية مختلفة، قسمها أربعة أقسام، انطلاقا من صيغة " ليكن انتهاضك للتخاطب على الوجه الذي يقتضيه الغرض منه"، بمعنى أن يتعاون المتكلم والمخاطب على تحقيق الهدف المرسوم من الحديث الذي دخلا فيه لقد فرع غرايس على مبدئه في التعاون قواعد تخاطبية مختلفة قسمها أربعة أقسام، يندرج كل قسم منها تحت مقولة مخصوصة وهي: الكم – الكيف – الإضافة – الجهة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى