أحمد هاشم الشريف
حكت لنا السيدة عواطف عبود – مديرة الثقافة عن أحمد هاشم الشريف، فقد كان زميلها في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية، حكت عن جرأته وحدته، فقد تشاجر مع مديره، ولم يهتم بما سيحدث له من إدارة المجلس.
وعرضت علينا أن نستقبله في ندوة القصة التي تقام مساء كل يوم إثنين، وكانت عواطف عبود تشرف عليها. وقد دعت لنا الكثير من كبار الأدباء في ذلك الوقت، أنيس منصور وثروت أياظة ومحمد إبراهيم مبروك الذي شغلنا بقصته العجيبة " نزف صوت صمت نصف طائر ".
كنا قد قرأنا قصصا كثيرة لأحمد هاشم الشريف، منها: الوهم المنشورة في مجلة الثقافة في أكتوبر 1963، وقصة غموس لحامد المنشورة في مجلة الرسالة في فبراير 1964، ونشر له يحيي حقي – رئيس تحرير مجلة المجلة - قصته " نهاية السبق " في نوفمبر 1964، وقصة السهام المنشورة بمجلة الهلال في أغسطس 1969، ونشر بمجلة القصة التي كنت أتابعها باهتمام شديد، قصص الذباب لا يموت في الطين ووجه المدينة والقمة والعذاب وحول الرقبة هذا غير مقالاته الأسبوعية في مجلة صباح الخير.
واشتهر أحمد هاشم الشريف بحكايته مع قصته الشهيرة اللصوص التي نشرها له لويس عوض - المسئول عن القسم الثقافي والأدبي في جريدة الأهرام - من شدة إعجابه بالقصة، لكن رئيس التحرير محمد حسنين هيكل، نشر القصة بدون اسم مؤلفها، وكانت سابقة ليس لها مثيل، جعلت الناس يتحدثون عنها للآن. فكيف يذكر في الأهرام اسم كاتب مغمور، فكانت عقيدة هيكل أن تكافح وتكبر خارج الأهرام، وعندما تصبح نجما وكاتبا معروفا؛ تنشر لك الأهرام، وتضع اسمك على قصصك. ثم نشرت القصة باسم صاحبها في مجلة جاليري 68.
أعطت السيدة عواطف عبود أهمية كبيرة لزيارة أحمد هاشم الشريف لقصر ثقافة الحرية، فقررت ألا يقرأ قصصا أمامه كل من هب ودب، وإنما من ينوي القراءة يسلمها القصة التي سيقرأها، وعرضت القصص على محمد حافظ رجب- أهم كاتب قصة في الإسكندرية في ذلك الوقت- فاختار ثلاث قصص: قصة لي وقصة لسعيد بدر وقصة لمصطفى بلوزة.
أذكر جيدا يوم اعلانها نتيجة الاختيار، فقد تساءل الزميل سعيد بكر عن قصته السابق تقديمها إليها، فقالت:
- لم يخترها الأستاذ محمد حافظ رجب.
وكان سعيد بكر من أهم كتاب القصة في الندوة.
وجاء أحمد هاشم الشريف، وتجمع كبار أدباء الإسكندرية حوله، وأذكر أن من سوء حظ صديقنا مصطفى بلوزة إنه لم يستطع الحضور، فهو يعمل في دكان خياط مشهور اسمه مصطفى ياقوت خلف سينما مترو، وفي هذه الليلة كان العمل كثير، وأرسلنا إلى بلوزة أكثر من مرة، فالقصر ليس بعيدا عن الدكان الذي يعمل به، لكنه لم يتمكن من الحضور، وقرأ سعيد بدر قصته، وكان فيها جو شعبي يجيد سعيد تصويره، وابتعد زميلنا السيد الهبيان وأكمل كتابة قصته وقت انعقاد الندوة، ثم أصر على قراءتها، وفشلت مديرة الندوة في منعه، وأنا جالس – كعادتي – خجلا، ولا يمكن أن أقرأ إلا عندما يؤذن لي، ومر الوقت في المناقشات الطويلة، وجلس بجواري الأستاذ محمد الصاوي الذي يسكن حي سيدي بشر البعيد عن القصر، فأحس بأنه تأخر عن بيته وزوجته، وأراد أن ينهي الندوة، فقرأ قصتي وقال لي:
- خلاص يا مصطفى نناقشها في الندوة القادمة.
فأحسست بالإحباط، وطويت الورق وصمت، لكن السيدة عواطف عبود، سألته:
- مش القصة حلوة؟
قال: أيوه لكن الوقت تأخر.
فقالت: لا، يقرأها الآن.
كانت القصة بعنوان الدخان، عن رجل يعاني ظلما في مكان عمله، فملأ السرنجة بالجاز، وحقن نفسه، حتى انفجرت عروق ساقه، وقد شاهدت هذا المشهد في المستشفى الأميري، وسمعت الطبيب ى يقول له:
- في الكونغو لا يفعلون ما فعلت.
وإذ بأحمد هاشم الشريف يعجب بالقصة، ويقول:
- ختامها مسك.
ويعلن أنها أفضل قصة قرأت أمامه في هذه الليلة.
ويأتي السيد الهبيان إلى بيتي في اليوم التالي، فأحمد هاشم الشريف مازال في الإسكندرية، ويريد مقابلتي، وأذهب لمقابلته في قصر ثقافة الحرية، ويطلب صورة مني، ويعد بكتابة مقالة عن الندوة، وفوجئت بصورتي وصورة الهبيان ومصطفى بلوزة مرسومة في مجلة صباخ الخير، ثم قدم قصتي لحمدي الكنيسي الذي قرأها في البرنامج العام، وقتها اتصل بي الهبيان في مكان عملي وأبلغني الخبر، فذهبت لمديري وحكيت له ما حدث، فلم انتظر حتى موعد الانصراف، واسرعت بالبحث عن مجلة صباح الخير.
قرأت مقالة للأستاذ محمد جبريل في مجلة البيان الكويتية منذ سنوات بعيدة بعنوان " هؤلاء الرواد الثلاثة، لماذا اختفوا؟! عن مصطفى ممتاز – أستاذ توفيق الحكيم في المسرح والذي كان أهم منه، وأشهر، ثم أحمد زكي مخلوف مؤلف رواية " نفوس مضطربة " التي أصدرها عبد الحميد جودة السحار في مشروع لجنة النشر للجامعيين، وكانت تمثل تفوقا بالقياس للروايات التي صدرت في فترة أوائل الأربعينات، ثم عادل كامل مؤلف مليم الأكبر وروايته عن إخناتون ملك من شعاع، وشدني المقال، لأننا توقعنا نجاح الكثيرين، لكن لم يستمروا وفاقهم من كانوا أقل منهم مكانة وأهمية، وأحمد هاشم الشريف من هذا النوع الذي توقع الجميع له الشهرة والتألق الأكبر، فعندما سأل فؤاد دوارة، نجيب محفوظ في كتابه «عشرة أدباء يتحدثون»، عن المواهب الشابة قال: أحمد هاشم الشريف وقال إنه صاحب موهبة فذة. وهذا ما توقعناه لمحمد إبراهيم مبروك ومحمد حافظ رجب. لكن هذا لم يحدث، وقد كنت اتساءل كثيرا أين ذهب أحمد هاشم الشريف. لدرجة أن الأستاذ سعيد الكفراوي كتب عنه قائلا:
- وبسبب عزوفه ورغبته فى العزلة اعتقدت انه ودع الدنيا.
يعني ظنه مات من قبل أن يموت.
وقد مر أحمد هاشم الشريف بأزمة غيرت حياته، فقد توفي ابنه أحمد وكان عمره ثمانية عشر عاما، وهذه الصدمة عزلته عن الحياة. ولقد عانيت من مشكلة مشابهة لمشكلة أحمد هاشم الشريف، فقد مات ابني في عام 1994، وكان في التاسعة عشر من عمره، وموته أثر في حياتي، ومازلت أقول: لم أكسب منذ أن مات ابني الشاب.
حكت لنا السيدة عواطف عبود – مديرة الثقافة عن أحمد هاشم الشريف، فقد كان زميلها في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية، حكت عن جرأته وحدته، فقد تشاجر مع مديره، ولم يهتم بما سيحدث له من إدارة المجلس.
وعرضت علينا أن نستقبله في ندوة القصة التي تقام مساء كل يوم إثنين، وكانت عواطف عبود تشرف عليها. وقد دعت لنا الكثير من كبار الأدباء في ذلك الوقت، أنيس منصور وثروت أياظة ومحمد إبراهيم مبروك الذي شغلنا بقصته العجيبة " نزف صوت صمت نصف طائر ".
كنا قد قرأنا قصصا كثيرة لأحمد هاشم الشريف، منها: الوهم المنشورة في مجلة الثقافة في أكتوبر 1963، وقصة غموس لحامد المنشورة في مجلة الرسالة في فبراير 1964، ونشر له يحيي حقي – رئيس تحرير مجلة المجلة - قصته " نهاية السبق " في نوفمبر 1964، وقصة السهام المنشورة بمجلة الهلال في أغسطس 1969، ونشر بمجلة القصة التي كنت أتابعها باهتمام شديد، قصص الذباب لا يموت في الطين ووجه المدينة والقمة والعذاب وحول الرقبة هذا غير مقالاته الأسبوعية في مجلة صباح الخير.
واشتهر أحمد هاشم الشريف بحكايته مع قصته الشهيرة اللصوص التي نشرها له لويس عوض - المسئول عن القسم الثقافي والأدبي في جريدة الأهرام - من شدة إعجابه بالقصة، لكن رئيس التحرير محمد حسنين هيكل، نشر القصة بدون اسم مؤلفها، وكانت سابقة ليس لها مثيل، جعلت الناس يتحدثون عنها للآن. فكيف يذكر في الأهرام اسم كاتب مغمور، فكانت عقيدة هيكل أن تكافح وتكبر خارج الأهرام، وعندما تصبح نجما وكاتبا معروفا؛ تنشر لك الأهرام، وتضع اسمك على قصصك. ثم نشرت القصة باسم صاحبها في مجلة جاليري 68.
أعطت السيدة عواطف عبود أهمية كبيرة لزيارة أحمد هاشم الشريف لقصر ثقافة الحرية، فقررت ألا يقرأ قصصا أمامه كل من هب ودب، وإنما من ينوي القراءة يسلمها القصة التي سيقرأها، وعرضت القصص على محمد حافظ رجب- أهم كاتب قصة في الإسكندرية في ذلك الوقت- فاختار ثلاث قصص: قصة لي وقصة لسعيد بدر وقصة لمصطفى بلوزة.
أذكر جيدا يوم اعلانها نتيجة الاختيار، فقد تساءل الزميل سعيد بكر عن قصته السابق تقديمها إليها، فقالت:
- لم يخترها الأستاذ محمد حافظ رجب.
وكان سعيد بكر من أهم كتاب القصة في الندوة.
وجاء أحمد هاشم الشريف، وتجمع كبار أدباء الإسكندرية حوله، وأذكر أن من سوء حظ صديقنا مصطفى بلوزة إنه لم يستطع الحضور، فهو يعمل في دكان خياط مشهور اسمه مصطفى ياقوت خلف سينما مترو، وفي هذه الليلة كان العمل كثير، وأرسلنا إلى بلوزة أكثر من مرة، فالقصر ليس بعيدا عن الدكان الذي يعمل به، لكنه لم يتمكن من الحضور، وقرأ سعيد بدر قصته، وكان فيها جو شعبي يجيد سعيد تصويره، وابتعد زميلنا السيد الهبيان وأكمل كتابة قصته وقت انعقاد الندوة، ثم أصر على قراءتها، وفشلت مديرة الندوة في منعه، وأنا جالس – كعادتي – خجلا، ولا يمكن أن أقرأ إلا عندما يؤذن لي، ومر الوقت في المناقشات الطويلة، وجلس بجواري الأستاذ محمد الصاوي الذي يسكن حي سيدي بشر البعيد عن القصر، فأحس بأنه تأخر عن بيته وزوجته، وأراد أن ينهي الندوة، فقرأ قصتي وقال لي:
- خلاص يا مصطفى نناقشها في الندوة القادمة.
فأحسست بالإحباط، وطويت الورق وصمت، لكن السيدة عواطف عبود، سألته:
- مش القصة حلوة؟
قال: أيوه لكن الوقت تأخر.
فقالت: لا، يقرأها الآن.
كانت القصة بعنوان الدخان، عن رجل يعاني ظلما في مكان عمله، فملأ السرنجة بالجاز، وحقن نفسه، حتى انفجرت عروق ساقه، وقد شاهدت هذا المشهد في المستشفى الأميري، وسمعت الطبيب ى يقول له:
- في الكونغو لا يفعلون ما فعلت.
وإذ بأحمد هاشم الشريف يعجب بالقصة، ويقول:
- ختامها مسك.
ويعلن أنها أفضل قصة قرأت أمامه في هذه الليلة.
ويأتي السيد الهبيان إلى بيتي في اليوم التالي، فأحمد هاشم الشريف مازال في الإسكندرية، ويريد مقابلتي، وأذهب لمقابلته في قصر ثقافة الحرية، ويطلب صورة مني، ويعد بكتابة مقالة عن الندوة، وفوجئت بصورتي وصورة الهبيان ومصطفى بلوزة مرسومة في مجلة صباخ الخير، ثم قدم قصتي لحمدي الكنيسي الذي قرأها في البرنامج العام، وقتها اتصل بي الهبيان في مكان عملي وأبلغني الخبر، فذهبت لمديري وحكيت له ما حدث، فلم انتظر حتى موعد الانصراف، واسرعت بالبحث عن مجلة صباح الخير.
قرأت مقالة للأستاذ محمد جبريل في مجلة البيان الكويتية منذ سنوات بعيدة بعنوان " هؤلاء الرواد الثلاثة، لماذا اختفوا؟! عن مصطفى ممتاز – أستاذ توفيق الحكيم في المسرح والذي كان أهم منه، وأشهر، ثم أحمد زكي مخلوف مؤلف رواية " نفوس مضطربة " التي أصدرها عبد الحميد جودة السحار في مشروع لجنة النشر للجامعيين، وكانت تمثل تفوقا بالقياس للروايات التي صدرت في فترة أوائل الأربعينات، ثم عادل كامل مؤلف مليم الأكبر وروايته عن إخناتون ملك من شعاع، وشدني المقال، لأننا توقعنا نجاح الكثيرين، لكن لم يستمروا وفاقهم من كانوا أقل منهم مكانة وأهمية، وأحمد هاشم الشريف من هذا النوع الذي توقع الجميع له الشهرة والتألق الأكبر، فعندما سأل فؤاد دوارة، نجيب محفوظ في كتابه «عشرة أدباء يتحدثون»، عن المواهب الشابة قال: أحمد هاشم الشريف وقال إنه صاحب موهبة فذة. وهذا ما توقعناه لمحمد إبراهيم مبروك ومحمد حافظ رجب. لكن هذا لم يحدث، وقد كنت اتساءل كثيرا أين ذهب أحمد هاشم الشريف. لدرجة أن الأستاذ سعيد الكفراوي كتب عنه قائلا:
- وبسبب عزوفه ورغبته فى العزلة اعتقدت انه ودع الدنيا.
يعني ظنه مات من قبل أن يموت.
وقد مر أحمد هاشم الشريف بأزمة غيرت حياته، فقد توفي ابنه أحمد وكان عمره ثمانية عشر عاما، وهذه الصدمة عزلته عن الحياة. ولقد عانيت من مشكلة مشابهة لمشكلة أحمد هاشم الشريف، فقد مات ابني في عام 1994، وكان في التاسعة عشر من عمره، وموته أثر في حياتي، ومازلت أقول: لم أكسب منذ أن مات ابني الشاب.
