د. سيد شعبان - سيرة تروى!

لا أكتب لأظهر بطولة أو ادلالا بل تسجيلا لحياتي معهما، غير متجاوز حد الصدق ولا أنا ممن يختلق الأقاويل، فالقلم لدي أمانة فكيف بي وأنا أكتب صفحات عن والدي؟
كل الآباء يشقون ويكدون لامراء في هذا لكني ابتليت بحرفة القلم أعابشه حتى إذا قرأ المارون بكتاباتي علهم يجدون فيها عبرة أو سيرة تروى!
مضت رحلتهما في عالم مملوء بمختلف أشكال الكفاح، بيعا وشراء، بيت طيني كلما تعاركت إبل السماء؛ رعدا وبرقا، بحثا عن غطاء لصغار كزغب القطا أو عن كسوة لهم من برد ترتجف منه الأوصال، حياة تخلو من مقومات المعيشة غير أن إيمانهما بالفتاح العليم الرزاق الكريم ييسر لهما الطريق على عربة خشبية يجوبان بها الأسواق يبتاعان ومن ثم تجارة تسعة أعشار الرزق فيها، يعودان بالسرد فأستمع لوقع خطوات مدماة، يجيدان الحكي وجبة يوم بعد عناء في الأرض فلاحة، سنوات تتبعها أخرى هو يبحث في الأرض عن الرزق وهي تبيع من تجارته، ولو خلت ساعة تربعت ماكينة الخياطة تصنع الثياب لصغارها ولذويها لقاء جنيه أو نصفه، حتى إذا سافر إلى العراق مطلع الثمانينيات من القرن الماضي تحبس نفسها على أولادها فتقوم بعمله تجارة وفلاحة ونحن في مدارسنا تتابع دروسنا غير متوانية في مال ولامقصرة في طعام.
تحضر من وكالات دسوق الخضر والفاكهة ونتصبح بأرغفة شهية وحبات الفول والطعمية فكأنما جاءت لنا بما حرم منه غيرنا، لم تدخل الكهرباء قد دخلت كفر مجر بعد فتتساهم مع عم لنا جار فيمد سلكا لننير الحجرات الطينية لقاء جنيه ونصف وماكان ذلك بالمبلغ الزهيد، على أية حال بدأنا نستشرف الغد محاطين برعايتها وحنانها وجلدها في آن، ذات حزم لاتسمح لبنت بغير ما كان العرف سترا وحياء.
سنوات وتتبدل الأحوال، بناء بيت حديث وأبقار وتمتليء أوعية باللبن والخزائن بالحب، تظهر آثار الخير على الصغار فيربون، تغدونا فتورد منا الخدود وهي فتية ريانة غير جسد نحيل تسكنه نفس كبيرة.
حيث الحياة في الصحراء شقاء ما يكابده إلا من ابتلي به، أرض تحرسها بصدرك العاري إلا من عزيمة مالانت وقلب أشد صلابة من الحديد، تبحث في سلة الخبز فتجد كسرات لايقمن أود جائع ناهيك عن أسرة تكمل عشاءها رضا وحمدا، عل في الغد يأتي خبزها كفافا كما قال المسيح!
تباعد الأقربون بل منهم من انتظر أوبته يحمل على كتفه خيبة يجرجرها تتبعه امرأته تذرف دموع الحسرة، فهل تراه اشترى الوهم أم ضاعت ألوفه كمن ابتلي بالخداع في جراب الحاوي؟
يصرع الألد في ضربة فارس، تعرف به البحيرة إلا قليلا، يأتيه رسول وراء آخر تهديدا مرة وملاحاة أخرى وهو ممسك بفأسه يحرث الجبل!
حتى إذا استيأسوا منه خلصوا أن ابن جادو لن يفرط في حبة رمل امتلكها بعرقه وكده!
عرفت فيه الرجولة تقهر العجز، كثيرا ما كان يقول:
اضرب بعصا العز ولاتهنها!
كان شعبان جادو ومايزال سيرة تروى للأجيال تبصرهم بموضع رجل جالد الفقر فآض بين يديه حدائق ذات بهجة!
يكمل مسيرته التي ابتدأت نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين حتى يقارب العقد الثاني من القرن الذي تلاه، ترافقه بنت الصاوي زوجة قل أو ساعده الأيمن، لكل أن تتخيلهما وقد شدا الحزام على بطن ضامرة، يزرعان ويبتاعان من كد يد ما عرفت غير الحلال.
والناس في كفر مجر يتساءلون :متى عودته شماتة وتسلية ليتندروا عليه، فإذا به كلما جاءته محنة قهرها.
رأيته يغرس أشجار حديقته بعصا من غاب ويأمرني أن هنا موضع واحدة، فكأنما يمسك بخارطة عالجها في كلية الهندسة وهو الذي لم يدخل غير مدرسة الحياة!
يأتي شتاء يتبعه صيف وهما يلتحفان السماء سنوات، حتى آتت الأرض بعض خير فكان شكر وحمد!
كلما جاء قوم تعجبوا، هذا بشر أم من عالم الجن خلق؟





1635681664901.png





تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
الأمهات والآباء والأهل في الأدب
المشاهدات
616
آخر تحديث
أعلى