أ. د. لطفي منصور - الْمَدْرَسَةُ الْيَمَنِيَّةُ وَدَوْرُها في كتابَةِ التّاريخِ

كانَتِ الْيَمَنُ أَحَدَ الْأَقْطارِ الّتي نَشَأَ بِها أَدَبُ السِّيَرِ والْمغازي. وَقَدْ بَرَعَ فيها عُلَماءُ كانَ لَهُمْ أَثَرٌ كَبيرٌ عَلَى التُّراثِ الدِّيني الإسْلامي، مِثْلُ كَعْبِ الأَحْبارِ الَّذي رافَقَ الْخليفَةَ عُمَرَ في فَتْحِ الْقُدْسِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلّام وَهُما مِنْ مُسْلِمَةِ الْيَهودِ.
وَفي مَجالِ الْمَغازي (حروبُ النَّبِيِّ مَعَ الْمُشْرِكينَ) هُناكَ ثَلاثَةُ عُلَماءَ يَمَنِيِّينَ كانَ لَهُمْ دَوْرٌ عَظيمٌ في نَشْرِ أَدَبِ الٍمَغازي وَتَرْقِيَتِهِ، وهُمْ: وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ راشِدٍ وَعَبْدُ الرَّزّاقٍ الصَّنْعانِيُّ.
بِالرَّغْمِ مِنَ الصِّلَةِ الْقَوِيَّةِ بَيْنَ الْمَدْرَسَةِ اليَمَنِيَّةِ وَمَدْرَسَةِ الْمَدينَةِ، إلّا أَنَّ الْأُولَى اِتَّسَمَتْ بِمَيِّزاتٍ خاصَّةٍ غَلَبَتْ عَلَى طابَعِها. أعْني بِهَذِهِ الْمَيِّزاتِ اِصْطِباغِ مَدْرَسَةِ الْيَمَنِ بِأَدَبِ الإسْرائِلِيّاتِ وَالْقَصَصِ الشَّعْبِيِّ الَّذي نَشَأَ مَعَ الْقاصِّ عَبِيدِ بْنِ شَرِيَّةَ الْجُرْهُمِيِّ (ت ٦٧ هج وله كتاب في مُلوكِ اليَمَن، رهوَ مِنَ الْمُعَمََرين) وَوَصَلَ نُضُوجَهُ مَعَ إمامِ الْمَدْرَسَةِ الْيَمَنِيَّةِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ.
أَتَحَدَّثُ إلَيْكُمْ بِإيجازٍ عَنْ هذا الرَّجُلِ الَّذي الْتَصَقَ بِهِ مَوْضوعُِ الإسْرائِيلِيّاتِ بِاسْمِهِ وَمِنْهُ. هُوَ مْنْ مُسْلِمَةِ يَهودِ الْيَمَنِ، يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ عِلْمُهُ بِالإسْرائيلِياتِ (وهي الْمادَّةُ التُّراثِيَّةُ الإسْلامِيَّةُ الْمَنْقولَةُ عَنْ أَهْلِ الْكِتابِ، وَدَخَلَت في عُلومِ التَّفْسير ِ والْحَدِيثِ، والسِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالْفِقْهِ الإسْلامي وَغَيْرِ ذَلِكَ). ماتَ وَهْبٌ سَنَةَ مِائَةٍ وَعَشْرِ لِلْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّريفَةِ.
وُلِدَ وَهْبٌ سنَةَ ٣٤ في خٍلافَةِ عُثْمانَ، في مَدينَةِ ذَمار قُرْبَ صَنْعاء، في بَيْتِ عِلٍمٍ وَأَدَبٍ ، وَسَمِعَ كِبارَ الصَّحابَةِ في مَكََةَ والْمَدينَةِ.
كانَ لٍوَهْبٍ ثلاثَةُ إخْوَةٍ كُلُّهُمْ عُلَماءُ وَرُواةٌ، الأوَّلُ هَمّامٌ وَهَوَ يَكْبُرُ وَهْبًا، وَيَشْتَهِرُ بِصَحيفَتِهِ في الحديثِ، وهي مِنَ الأحتديثِ الصَّحيحَةِ الْمُعْتَمَدَةِ، نَقْلًا عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، وَصَحيفَةُ هَمّامِ عَروسُ مكتَبَتي، وهيَ نادِرَةٌ لا أَقْبَلُ بِوَزْنها ذَهَبًا. والثّاني مِنَ الإخْوَةِ مُعْقِلٌ وَالثّالِثُ عُمَرُ.
كانَ وَهْبٌ تَقِيًّا وَرِعًا يَميلُ إلَى الزُّهْدِ، يْؤمِنُ بِالْقَدَرِ، أيْ حُرِّيَّةِ الإرادَةِ.
لي عِلْمٌ أَنَّ وَهْبًا كانَ سَنَةَ مِائَةٍ لِلْهِجْرَةِ في مَكَّةَ وَأَدَّى فَريضَةَ الْحَجٍّ، وَلَقِيَ عَدَدًا كَبيرًا مِنْ فُقَهاءِ الْمُسلِمينَ، منهم الحسنُ البَصْرِيُّ (ت ١١٠ هج) كَبيرُ علماءِ المُسلِمينَ، وَعَطاءُ بْنُ أبي رَباحٍ (ت ١١٥ هج) وسمِعا مٍنْهُ فَصْلًا في تَمْجيدِ اللَّهِ.
وَيُقالُ إنَّ الْخَليفَةَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزيزِ عَيَّنَهُ قاضِيًا عَلَى صَنْعاءَ.
كانَ وَهْبٌ مِنْ الْمُؤَلِّفينَ الْكِبارِ، وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ بروكلمان الكُتُبَ الآتِيَةَ:
- كِتابُ التِّيجانِ لِمُلوكِ حِمْيَرَ اليَمَنِيِّين برواية عبدِ الْمُنْعِمِ بْنِ إدريس (ت ٢٢٩ هج) سِبْطِ وَهْبٍ (السِّبْطُ ابْنُ الْبِنْتِ)، وَقَدْ نَقَلَهُ عبدُ المَلِكِ بْنِ هِشام (ت ٢١٨ هج) مُهَذِّب السيرةِ النَّبَوِيَّةِ، وقدِ استعمَلَ وَهْبٌ مصادِرَ تَوْراتِيَّةً.
- كتابُ الْمُبْتَدَإ: فيهِ ذِكْرُ أنْبِياءِ بَني إسرائيل، وهوَ مَليءٌ بِالأَساطير.
- كتابُ الإسْرائِيليّات: وهو قَصَصُ الأنْبِياء.
أَقولُ: ما يَراهْ هوروفيتس في كتابهِ "الْمَعازي الأولَى وَمُؤلِّفوها" إنَّ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ قَدْ عَرَفَ ما تَحْوِيهِ كُتُبُ الْيَهودِ والنَّصارَى نَتيجَةَ اتِّصالِهِ الْمُباشَرِ مَعَ أَهْلِ الْكِتابِ. ولم يَعْرِفْ هوروفيتس أنَّ وَهْبًا من مُسْلِمَةِ يهودِ اليَمَن، وَأنَّ ما ذَكَرَهُ مِنَ الإسْرائيليّاتِ يَتَوافَقُ مُوافَقَةً دَقيقَةً مَعَ ما جاءَ في التَّوراةِ لاطِّلاعِهِ عَلَيْها.
إلَى هُنا.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى