د. عبدالجبار العلمي - كتاب "الإيقاع في شعر السَّيَّاب" للدكتور سيد البحراوي.. قراءة

أصل هذا الكتاب أطروحة جامعية تقدم بها الباحث لنيل الدكتوراه تحت إشراف الدكتور عبد المحسن طه بدر رحمه الله. وكانت بعنوان " البنية الإيقاعية في شعر السياب ". ([1] ) وكنت قد قرأت ملخصاً لها في مجلة فصول ضمن باب الأطاريح الجامعية . وانتظرت سنوات قبل أن تصل إلى القارئ بين دفتي كتاب بعنوان :

" الإيقاع في شعر السياب ". ولما كنت مهتما بهذا المكون الأساس من مكونات الشعر، حيث كنت بصدد إنجاز بحث في نفس الموضوع لأتقدم به لنيل دبلوم الدراسات العليا بكلية الآداب بالرباط تحت إشراف الأستاذ أحمد اليبوري، سعيت إلى البحث عن دراسات أخرى في مجال الإيقاع وموسيقى الشعر لهذا الباحث. فاطلعت على كتابه " موسيقى الشعر عند جماعة أبوللو" ، وذلك في مكتبة آل سعود بالدار البيضاء ، إذ كان الكتاب مفقوداً في المكتبات . وقرأته بشغف ولهفة لأنني وجدت فيه بغيتي فهو ذو صلة متينة ببحثي الجامعي خاصة فيما يتعلق بالشعر الرومانسي الذي يمثل متناً هاماً من الشعر الذي سيكون مجالاً لدراستي. ثم اطلعت على بحثه حول إحدى قصائد الشاعر الكبير أمل دنقل بعنوان : " في البحث عن لؤلؤة المستحيل " بيد أن الكتابين اللذين أفدت منهما أيما إفادة أثناء تهيئي لبحثي هما كتاباه الأساسيان : " موسيقى الشعر عند شعراء أبوللو" ، و " الإيقاع في شعر السياب " فلا أخفي أنني استأنست بهما في متاهات البحث ، وكانا خير عون لي على تبديد الصعاب التي تكتنف بحثاً ينصب على عنصر شعري واحد باعتباره مكوناً دلالياً ضمن مكونات الشعر الأخرى ، وكانت الدراسات الأكاديمية لا تتناوله إلا في فصل من الفصول ، أو مبحث من المباحث . والكتابان المذكوران أعلاه للباحث د . سيد البحراوي رصدهما كليهما لدراسة الإيقاع الشعري . الأول تناول فيه متنا شعرياً لعدة شعراء من جماعة أبوللو ، والثاني رصد فيه متناً شعرياً لشاعر واحد هو أحد رواد الشعر الحر بدر شاكر السياب.

يتألف الكتاب من مقدمة ومدخل منهجي وثلاثة فصول وخاتمة. أي أنه يقوم على مستويين : مستوى نظري ، ونجده في المقدمة والمدخل المنهجي ؛ ومستوى تطبيقي تحليلي ، ونجده في الفصول الثلاثة التي رصدت لدراسة شعر السياب بأشكاله الثلاثة : التقليدي ([2] ) ـ المقطوعي ـ الحر.

المستوى النظري :

أ ـ المقدمة :


في المقدمة عرض المؤلف إلى القضية الأساس التي سيتناولها في دراسته وهي الإيقاع_ في الشعر التي تعتبر من أهم القضايا التي عرفها الشعر العربي الحديث منذ منتصف القرن العشرين مع ظهور حركة الشعر الحر وقبله لدى شعراء جماعة أبوللو على سبيل المثال حيث عمدت هذه الجماعة إلى التمرد على القصيدة العمودية ، وطفقت تبحث عن أشكال جديدة. وذهب إلى أن بعض الأذواق العربية ما زالت تفضل الشكل العمودي على القصيدة التفعيلية ، بينما ظهرت أذواق أخرى تُعرض عن هذا الشكل الجديد ، وتتجه إلى اشتراف آفاق شكل جديد هو ما يسمى بقصيدة النثر.

ومن أهم ما أورده الباحث في مقدمته :

- ذكر الجهود العلمية التي تناولت مسألة الإيقاع في الشعر العربي قبله ، ومن أهمها الدراسات التي أنجزها محمد مندور في كتابه " الميزان الجديد " ، وإبراهيم أنيس ومحمد شكري عياد ومحمد النويهي وعبد الله الطيب ومحمد طارق الكاتب وكمال أبوديب ..

ـ الموقف من العروض أو علم إيقاع الشعر، فالباحث يرى أن هذا الموقف من العروض العربي لا ينبغي أن يكون موقف الإلغاء . لذلك أقام مشروعه في دراسة الإيقاع العربي انطلاقاً من مرحلتين أساسيتين :

الأولى تتمثل في دراسة العروض دراسة علمية دقيقة نحصل من خلالها على وعي معاصر به . وهو ما حاول تحقيقه في كتابه " العروض وإيقاع الشعر العربي ".

الثانية : تتمثل في تجاوز الموقف العروضي من القصيدة إلى انجاز منهج علمي يفيد من الإمكانيات الحديثة لدراسة الإيقاع في الشعر باعتباره مكونا ذا دلالة في القصيدة إلى جانب المستويات الشعرية الأخرى : المستوى الصوتي والمستوى التركيبي ( النحوي والبلاغي) والمستوى الدلالي : فالباحث ينطلق في دراسته من محاولة تحليل إيقاع القصيدة من خلال كيفية تنظيمه وتوظيفه في إنتاج دلالة لنص ورؤية الشاعر، سواء على مستوى التنظير أو الإنجاز.

ـ الإشارة إلى ضرورة البحث عن منهج قادر على تحليل الشكل الأدبي قصد الوصول إلى دلالته . ومنها فيما أظن البحث عن دلالة الإيقاع في القصيدة . بمعنى أن الشكل يحمل دلالة وهو ما اصطلح عليه الباحث محتوي الشكل باعتبارها غاية يسعى إليها الدارس. ([3] )

ـ المنهج المقترح في الدراسة : يؤكد الباحث أن هذا المنهج " يرفض الأحكام الانطباعية أو المسبقة أو المقولات الجاهزة ، ([4] ) ولكي يضمن الدقة رأى أن يحدد موضوعه إلى أقصى حد على أن يكون ذا تمثيله للظاهرة المدروسة مستعيناً بعلم اللغة والإحصاء والنقد الأدبي والفلسفة .

ـ سبب اختيار شعر السياب مجالاً لدراسته هو أهمية هذا الأخير باعتباره أحد أكبر شعراء العربية المعاصرين ، بالإضافة إلى أن شعره يمثل نموذجاً لاستخدام أشكال مختلفة في الشعر العربي . ابتداء من الشكل العمودي مروراً بالشكل المقطوعي وانتهاء بالشعر الحر القائم على التفعيلة الواحدة .

ـ الإشارة إلى الاقتصار على عينة محدودة من قصائد كل شكل من الأشكال المذكورة آنفاً. وذلك حرصاً من الباحث على أن يوفر لتحليله الدقة المحكمة. وفي ختام المقدمة أشار الباحث إلى التصميم الذي وضعه لبحثه ، حيث تناول بالدراسة والتحليل كل شكل في فصل خاص من فصولها الثلاثة ، وكل فصل منها انقسم هو الآخر إلى ثلاثة مباحث : دراسة وصفية لمجمل قصائد الشكل – تحليل هذه النصوص تحليلاً تفصيليا – تجميع نتائج الدراستين الوصفية والتحليلية قصد الوصول إلى وظيفة الإيقاع في قصائد كل شكل .

ـ التنويه إلى الاستعانة والاستئناس ببعض الدراسات الهامة حول السياب أهمها : دراستا إحسان عباس وعيسى بلاطة.

ب ـ المدخل المنهجي : وقد عنونه الباحث بعنوان : نحو منهج معاصر لدراسة الإيقاع في الشعر العربي ويضم المباحث التالية:

1 – اللغة وطاقاتها الإيقاعية

2 – مفهوم الإيقاع الشعري وعناصره :

أولاً : المدى الزمني ( المقاطع )

ثانياً : النبر

ثالثاً : التنغيم وإيقاع النهاية

3 – وظيفة الإيقاع


أهم ما رصده الباحث في المبحث الأول هو النظام الصوتي باعتباره يدخل في صميم دراسته. فعمد إلى دراسة الخصائص التي تميز كل صوت من الأصوات اللغوية. وقد حدد هذه الخصائص كما يلي :

أ – علو الصوت : فكلما زاد علو الصوت كلما زاد اتساع الموجة التي تحمله . وتتحد على أساس هذه الخاصية الخصائص التالية : الطول ـ القصر / قوة الإسماع – ضعفها / الجهر – الهمس / النبر – عدم النبر . ثم يستنتج نتيجة مفادها " أنه كلما زاد علو الصوت كان قوي الإسماع طويلا ، مجهوراً ، منبوراً وخير مثال على ذلك الصوائت في اللغة العربية " " فهي أكثر إسماعا من الصوائت . " ([5] )

ب – درجة الصوت : من حيث نغمته سواء كانت عالية أو هابطة أو مستوية .

ج – نوع الصوت : وينتج عن نوع الموجات البسيطة المركبة التي تحمل الصوت . وينشأ هذا النوع عن اختلاف أعضاء النطق بين الأطفال والبالغين أو بين الرجال والنساء . ويشير الباحث إلى أن هذه الخاصية لا تدخل في اهتمامه لأن الأمر يتعلق هنا بنص مكتوب . وينتهي المؤلف إلى أن خصائص الصوت الواحد تتأثر بدخول هذا الصوت في التركيب اللغوي سواء على مستوى اللغة العادية أو على مستوى اللغة الشعرية.

وفي المبحث الثاني عالج الباحث أمرين على درجة كبيرة من الأهمية في مجال الدراسات التي عنيت بدراسة موسيقى الشعر. الأول : مفهوم الإيقاع ، والثاني : عناصر الإيقاع .

بخصوص مفهوم الإيقاع يلاحظ أن د . سيد البحراوي اعتمد في تحديد هذا المفهوم ـ وقد أصاب في ذلك – على التحديد الدقيق الواضح الذي وضعه د. محمد مندور في دراسته القيمة حول الإيقاع الشعري في كتابه " في الميزان الجديد " ، فحدد مفهوم الإيقاع بأنه " تتابع الأحداث الصوتية في الزمن "على مسافات زمنية متساوية ومتجاوبة " ([6] ) . ويستخلص الباحث من هذا التعريف " أن الإيقاع هو تنظيم لأصوات اللغة بحيث تتوالى في نمط زمني محدد " ([7] ) ، ثم يشير إلى أن الشعر في كل لغة يبرز واحدة من خصائص الصوت يكون تنظيمها هو أساس إيقاعه ، فبعض اللغات تتبنى الإيقاع الكمي القائم على كم المقاطع ، بينما نجد لغات أخرى تعتمد الإيقاع الكيفي القائم أساساً على النبر. ([8] ) ومن ثمة فإن هذه الخصائص هي إمكانات قائمة في كل اللغات وأن تنظيمها في الشعر هو الذي يخلق الإيقاع كما سبق الذكر.

والحقيقة أن مفهوم الإيقاع في الدراسات العربية التي عنيت بدراسته ، اكتنفه الكثير من الغموض واللبس ، «ذلك أننا نجد في كلام الدارسين المحدثين تحت عنوان "الإيقاع" من التضييق والتوسيع للمفهوم ، ومن التعسف بإقحام ما ليس من عناصره فيه مرة ، وبإقصاء ما لا شك في انتمائه إليه مرة أخرى ، ما جعل هذا المصطلح قلقاً ، والمفهوم سائباً» ([9]) ، فطالما أطلق لفظ "الإيقاع" كمرادف للوز ن في العديد من الدراسات التي اهتمت بدراسة البنية الإيقاعية في الشعر ، سواء على صعيد الدراسات التي أنجزت في المشرق العربي أوفي المغرب .

والملاحظ أن اغلب الدراسات والأبحاث التي تناولت بالدراسة الإيقاع في الشعر كانت تتجه إلى دراسة "الوزن" و"القافية" ، بينما تغفل إغفالاً يكاد يكون تاماً مكون "الإيقاع" الذي يمكن رصده انطلاقاً من مستويات أخرى كالمستوى الصوتي والصرفي والتركيبي والدلالي ، فالإيقاع في الشعر لا يوفره الوزن والقافية فحسب ، بل يتجاوزهما إلى تلك المستويات ([SUP][10][/SUP]).

ويبدو أن حصر أغلب الدراسات اهتمامها في دراسة الوزن ، يعود إلى كون أصحابها يعتبرون الوزن والإيقاع مترادفين ، فـ«كثير ممن كتبوا عن الوزن في العربية يجعلون الإيقاع مرادفاً للوزن ، أو يجعلون الوزن صورة من صور الإيقاع » ([SUP][11][/SUP]).

ويؤكد الدكتور محمد الهادي الطرابلسي «أن مفهوم الإيقاع قد التبس فعلا بمفهوم الوزن حتى غلب على أذهان الكثيرين أن هذا هو ذاك بعين ، وأن مصطلحي الإيقاع والوزن مترادفان،»([12]) ويفسر وقوع هؤلاء الباحثين في هذا الخلط بالصلة الحميمة بين هذين المصطلحين وهي صلة الأصل بالفرع والكل بالجزء ([SUP][13][/SUP]). تلك الصلة التي يصفها شكري عياد بأنها صلة عموم وخصوص «فالوزن الشعري أخص من الإيقاع الشعري ، والوزن قسم من الإيقاع ، أي أن الإيقاع اسم جنس والوزن نوع منه»([SUP][14][/SUP]).

والحقيقة أن مفهوم "الإيقاع" ظل في أغلب الدراسات التي عنيت بدراسة ما يتصل بموسيقى الشعر أو التي عقدت فيها فصول لرصد ما أسمته بعضها بالتشكيل الموسيقي ، وأسمته بعضها الأخرى ببنية الإيقاع ،غير محدد تحديدا دقيقا ، ولا يتم التمييز بينه وبين الوزن بالشكل الذي يزيل عنه ما يحيط به من غموض ولبس .

لقد تمت عدة محاولات لتحديد مفهوم الإيقاع والتمييز بينه وبين الوزن على مستوى بعض الدراسات الحديثة والمعاصرة عنيت بموضوع موسيقى الشعر سواء في المشرق أو المغرب .

وكانت محاولة الدكتور محمد مندور من أولى المحاولات في هذا المجال ، يقول :«ولكي نضمن تحديد الفهم ، نعرف الإيقاع، فهو عبارة عن رجوع ظاهرة صوتية ما ، على مسافات زمنية متساوية أو متجاوبة . فأنت إذا نقرت ثلاث نقرات ثمّ نقرت رابعة أقوى من الثلاثة السابقة وكررت عملك هذا ، تولد الإيقاع من رجوع النقرة القوية بعد كل ثلاث نقرات ، وقد يتولد الإيقاع من مجرد الصمت بعد كل ثلاث نقرات ([SUP][15][/SUP]) ، وهو يميز بين الإيقاع والوزن، ويسمي هذا الأخير بالكم أي«كم التفاعيل التي يستغرق نطقها زمنا ما» ([SUP][16][/SUP]). ويرى أن كل أنواع الشعر يقسم فيها البيت إلى وحدات (تفاعيل) قد ترد متساوية كالرجز، وقد تكون متجاوبة كالطويل حيث يساوي التفعيل الأول التفعيل الثالث والتفعيل الثاني التفعيل الرابع ،وهكذا .إلا أن هذا الكم (الوزن) غير كاف لكي نحس بمفاصل الشعر إذ يحتاج الأمر إلى إضافة " الإيقاع" Rythme ([SUP][17][/SUP]) والملاحظ أن هذا المفهوم للإيقاع لا يخرج عن إطار الظواهر الصوتية المتصلة بالعروض والناشئة عن الانتظام الذي تتميز به المقاطع أو الحركات والسواكن المكونة للتفاعيل ، فالأمر يتعلق بــ"ظاهرة صوتية تحدث أثناء نطق كل تفعيل وتعود إلى الحدوث في التفعيل الذي يليه ([SUP][18][/SUP]) وواضح هنا أن محمد مندور يتحدث عن النبر (يسميه الارتكاز) الذي يميز بين المقاطع ويولد كذلك الإيقاع ([SUP][19][/SUP]) ، فهو يقصد بالوزن إلى كم التفاعيل ، وبالإيقاع إلى :«تردد ظاهرة صوتية ما على مسافات زمنية محددة النسب .وهذه الظاهرة قد تكون ارتكازا كما قد تكون مجرد صمت » ([SUP][20][/SUP] ) والكم في رأيه "لا يكفي لإدراك موسيقى الشعر ، بل لا بد من الارتكاز الشعري الذي يقع على كل تفعيل ويعود في نفس الموضع على التفعيل التالي وهكذا " ([SUP][21][/SUP] ) ، وهذا المفهوم للإيقاع هو الذي يتبناه د.سيد البحراوي في دراسته كما تم التنويه إلى ذلك آنفاً. ويرى الدكتور محمد مفتاح " أن الإيقاع من الخصائص الشعرية الثابتة، فالشعر الفصيح والموشحات والأزجال والملحون.وغيرها قامت عليه، ولكن الشعراء المحدثين والمعاصرين هم الذين أكثروا من تنويعاته استجابة لتلون حالاتهم النفسية ، ولاختلاف مقصدياتهم وهكذا ، فإننا نجد القصيدة الواحدة قد تحتوي على إيقاعات متعددة. " ([22] ) وهذا ما سيلاحظه د.سيد البحراوي لدى دراسته التحليلية لشعر السياب في مختلف الأشكال الشعرية التي كتب فيها. كما سيعنى بدراسة الإيقاع بقسميه الداخلي والخارجي بالنظر إلى العلاقة الوثيقة التي تربط بين الوزن والإيقاع . وهذا ما يؤكده بقوله : إن هذه العلاقة " تجعل من المستحيل تقريباً دراستهما منفصلين أو دراسة أحدهما وإهمال الآخر، لأن دراسة الإيقاع وحده لن تفيد ، لأننا لم ندرس جذر هذا الإيقاع : الوزن ، ودراسة الوزن وحده دون الإيقاع ، توقعنا في إطار الدرس العروضي التقليدي الذي لا يظهر خصوصية النص " ([23] )

أما بخصوص القضية الثانية التي يعالجها الباحث في المدخل المنهجي : عناصر الإيقاع ـ وهي التي سيعتمدها أدوات إجرائية في الجزء التطبيقي ـ فهي :

1 ـ المدى الزمني ( المقاطع ) : ويعرف الباحث المدى الزمني بأنه " المدة التي يستغرقها الصوت في النطق) ([24] )

2 ـ النبر : وهو " ارتفاع في علو الصوت ينتج عن شدة ضغط الهواء المندفع من الرئتين، يطبع المقطع الذي يحمله ببروز أكثر وضوحاً عن غيره من المقاطع المحيطة" ([25] ) ، والملاحظ أن الباحث يعتبر النبر أقل العناصر انتظاما في إيقاع الشعر الحديث.

3 ـ التنغيم وإيقاع النهاية : يرى سيد البحراوي أن التنغيم " خاصية في أصوات كل اللغات ، وإن اختلفت لغة عن أخرى في طريقة تنظيمه وفي الاستفادة منه " ([26] ) ، وأن اللغة العربية لغة تنغيمية إذ " يعمل فيها التنغيم على مستوى الجملة ، وليس على مستوى الكلمة " ([27] ) والنغمة قد تكون هابطة أو صاعدة أو مستوية. ويقصد بإيقاع النهاية : القافية التي هي لدى العروضيين " مجموعة الحروف التي تبدأ بمتحرك قبل آخر ساكنين في البيت" ([28] )

وبعد مناقشة غنية دقيقة لآراء من سبقوه إلى دراسة الإيقاع في الشعر سواء من الفلاسفة والبلاغيين والنقاد العرب القدامى كالفاربي وابن سينا وابن رشيق وحازم القرطاجني ، أومن الدارسين المعاصرين أمثال محمد مندور وإبراهيم أنيس ومحمد شكري عياد وكمال أبوديب ، أو بعض المستشرقين : فايل وجويار ، يخلص إلى دراسة وظيفة الإيقاع في الشعر.

إن البحث عن دلالة الإيقاع في الشعر من أهم المباحث التي عني بها الباحثون في موسيقى الشعر ، فقد حاولوا في دراساتهم البحث عما يمكن أن يضيفه هذا المكون الشعري الهام من معان جديدة إلى النص الشعري.

فالبحث عن وظيفة الإيقاع في النص الشعري ينطلق من اعتباره ( الإيقاع ) عنصراً مؤثراً في تركيب الكلام يحتم على الشاعر ممارسة عمليات تغيير متكررة لبعض الكلمات وإحــلال كلمات أخرى محلهــــــا ( أي إسقاط محور الاختيار العمودي على محور التأليف الأفقي حسب جاكبسون ) ، ومن اعتباره كذلك أحد وسائل التعبير التي يتوسل الشاعر بها ـ فضلا عن مكونات الخطاب الشعري الأخرى ـ للتعبير عن تجاربه وما يعتمل في دواخله وأعماقه من أحاسيس ومشاعر معقدة بقدر تعقد الحياة من حوله تعجز العبارة وحدها عن الإفصاح عنها.و قد حاول الباحث في دراسته أن يربط المستوى الزمني والمستوى الصوتي والمستوى النبري بالمستوى الدلالي ، وذلك ليبين وظيفة الإيقاع في شعر السياب.

إن الإيقاع عنده نظام مكون من المستويات التي ذكرناها : المدى ـ النبر ـ التنغيم وإيقاع النهاية ، ولكنه يشترط أن تنتظم في " بنية " وإلا لا تستحق أن تعتبر عناصر إيقاعية ([29].) وقد رصد الباحث في هذا المبــــحث

( وظيفة الإيقاع ) مصطلح البنية كما حدده دي سوسير وجان بياجيه ولوسيان كولدمان ( البنيوية التكوينية ) ، ولكنه رغم إقراره بوجود نظام تجتمع داخله عناصر متآلفة ومتكاملة ، إلا أنه يرى أن هذا التآلف والتكامل ليس إلا تآلفاً مؤقتاً ([30] ) ، ولذلك يذهب إلى " أن جوهر النظام هو التناقض والصراع رغم الوحدة البادية عليه ، وأنه على هذا الأساس ينبغي أن نفهم العمل الفني. " ([31] ) ، ومن ثمة فإن الشاعر يعيش مجموعة من الصراعات قبل وأثناء عملية الإبداع ، صراعات بين الشاعر والواقع ؛ بينه وبين التقاليد الشعرية السابقة والمعاصرة ؛ بينه وبين اللغة اليومية العادية ؛ بينه وبين عملية اقتناص التجربة الفنية الصادقة العميقة.إن مهمة دارس الإيقاع في نظر الباحث هي إدراك مجموعة هذه الصراعات في داخل النظام الإيقاعي المعقد. ذلك أن في كل عنصر إيقاعي صراعاً داخلياً بين عناصر الثبات وعناصر الانتهاك في المقاطع والنبر والتنغيم ، وبين كل عنصر من هذه العناصر والعناصر الأخرى صراع آخر وتداخل وتوتر هو الذي يكوِّن النظام الإيقاعي. وفي داخل هذا النظام الأخير نفسه صراع آخر بين عناصر الثبات التقليدية في الغالب ، وبين عناصر الانتهاك التي يحقق الشاعر من خلالها حريته الخاصة. ([32] )

ثم يخلص الدارس إلى أن الإيقاع علامة ( sing ) بيد أنه ليس علامة بسيطة ، بل هو نظام إشاري مركب معقد.ولذلك فإن الدلالات التي يقدمها لنا الإيقاع ليست بسيطة ولا متفقاً عليها، ذلك أن الإشارات الشعرية إشارات إيقونية متعددة الدلالات ، مكثفة المعاني ، كما أنها لا تؤدي هذه المعاني بشكل مباشر. وتأسيساً على قانون الصراع في بنية الإيقاع الشعري يستطيع هذا الأخير أن يساعد الشعر على تحقيق وظيفته في الإمتاع والمعرفة والتغيير سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.





المستوى التطبيقي :


يشتمل المستوى التطبيقي في الدراسة على ثلاثة فصول ، كل فصل منها رُصد لدراسة شكل من الأشكال التي استخدمها السياب في شعره.

فالفصل الأول يتناول فيه الباحث بالدراسة والتحليل الشكل التقليدي ( العمودي ) ، وذلك من خلال عينة من قصائد هذا الشكل تتكون من سبع قصائد هي : يانهر ـ لحن جديد ـ حاطم الأغلال ـ عينان ـ عاشق الوهم ـ مرثية الآلهة ـ الزعيم المفتقد.

والفصل الثاني يخصصه لدراسة الشكل المقطوعي المتمثل في الأنماط الشعرية الآتية : المزدوج ـ، المربع ـ المخمس ـ المسمط ـ الموشح ، وذلك من خلال عينة اختارها الدارس مكونة من خمس قصائد هي : على الشاطئ ـ إلى حسناء القصر ـ إلى حسناء الكوخ ـ خواطر طائرة ـ نفس وقبر.

أما في الفصل الثالث ، فيدرس فيه قصيدة الشعر الحر ( التفعيلية ) ، وذلك من خلال عينة مختارة من قصائد هذا الشكل تتكون من خمس قصائد هي : هل كان حباً ؟ ـ غريب على الخليج ـ لأنني غريب ـ جيكور أمي ـ إقبال والليل.

والملاحظ أن الباحث راعى في اختياره العينات الثلاث ، أن تكون ممثلة لمختلف محطات تجربة الشاعر زمنياً وفنياً ومضمونياً ، ولذلك عني بتواريخ كتابة قصائد متنه المدروس في مختلف أشكاله.ومن أهم ما لاحظه الباحث في محطة تجربة الشعر الحر أن الشاعر عاد إلى كتابة القصيدة على الشكل العمودي في قصائد متفرقة .يقول الدكتور سيد البحراوي متسائلا : " فلماذا ، إذن ، عاد إلى الشكل التقليدي مرة أخرى ؟. وقد فسر الباحث تفسيراً أراه مقنعاً لعودة السياب فجأة عقب سنة 1954 إلى كتابة تسع قصائد على هذا الشكل بقوله : " إن السياب منذ ذلك التاريخ بدأ موقفه السياسي يتهافت ، وبدأ موقفه من الحياة يضعف ويشعر بفقدان الأمل في المستقبل ، وكان الماضي هو الطريق الوحيد أمامه ليستند إليه. فعاد إليه يستلهمه ، سواء كان هذا الماضي ماضيه أو ماضي أمته . والشكل التقليدي يجمع بين ماضيه الشخصي وبين ماضي أمته ، فلماذا لايعود إليه !"([33]).وبقوله كذلك : " إن عودة السياب إلى الشكل التقليدي ، في نهاية حياته ، ارتداد إلى الماضي بقيمه المثالية وموقفه الكلاسيكي. ولم يكن أمام السياب غير ذلك بعد أن أحرق سفنه مع الحاضر والمستقبل أيضاً. " ([34] )

إذا انتقلنا إلى الأقسام التي يتضمنها كل فصل من الفصول الثلاثة المنوه إليها لأعلاه نجدالباحث يقسمها بدورها إلى ثلاثة أقسام : الأول : دراسة وصفية لكل عينة / الثاني : دراسة تحليلية لها / الثالث : دراسة وظيفة الإيقاع.

في القسم الأول يتناول بالدراسة والتحليل عناصر الإيقاع التي تعرفنا عليها في المهاد النظري. وهي : النظام المقطعي ـ النظام النبري ـ التنغيم والقافية ، وهكذا يعمد إلى دراسة إحصائية دقيقة للأوزان الشعرية المستخدمة في كل شكل ، وعدد الأنساق المقطعية ونسبة ورودها في قصائد كل عينة ، ومواضع النبر ، وعدد مرات ورود النماذج التي ورد بها نبر واحد أو نبران أو ثلاث نبرات ، كما يعمد لدى دراسة التنغيم إلى إحصاء أنماط الجمل في القصائد التي تناولها في كل شكل من تقرير واستفهام وأمر ونداء وتمن وتعجب وتحذير ودعاء. ثم يخلص بعد ذلك إلى دراسة القافية من حيث أنواعها المعروفة في العروض العربي من تأسيس ودخيل وردف ووصل وخروج ، مع بيان نوع الروي : مطلق أو مقيد . ثم يدرس حروف الروي في كل شكل من الأشكال الشعرية التي وظفها الشاعر، محصياً عدد ورود كل منها وبيان مخارجها الصوتية من جهر وهمس.

في القسم الثاني من كل فصل ، يتناول الدارس قصائد العينة التي اختارها للدراسة والتحليل ، فيبدأ برصد العناصر الشعرية المذكورة آنفاً في كل قصيدة على حدة بشكل تفصيلي ، فيدرس أولا النظام المقطعي للقصيدة ، ثم النظام النبري ، ثم التنغيم وإيقاع النهاية ثم أخيراً القافية والروي.

أما القسم الثالث من كل فصل ، فيخصصه لدراسة وظيفة الإيقاع ، يفرد الفصل الأول منه للشكل التقليدي ، والثاني للشكل المقطوعي ، والثالث للشعر الحر.

والجدير بالذكر أن الدكتور سيد البحراوي يحرص في سائر فصول كتابه على اتباع هذا المخطط المنهجي بدقة وصرامة ، لا يحيد عنه قيد أنملة. فنفس الخطوات المنهجية التي نلاحظها في الدراسة الوصفية لعموم المتن ، نصادفها لدى قراءتنا للدراسة التحليلية. وهذا النظام الصارم أكسب البحث طابعاً علمياً دقيقاً يدخل في إطار علمنة الدرس الأدبي ، لاسيما وأن البحث اعتمد في دراسة كل العناصر الإيقاعية على العد والإحصاء ، وذلك من خلال جداول إحصائية يتعلق كل منها بعنصر من هذه العناصروقد وردت كما يلي : جداول تبين الأوزان الشعرية التي استخدمها السياب في كل شكل ـ جداول تبين مدى توظيفه للأوزان التامة والمجزوءة ـ جداول تبين عدد الأنساق المقطعية وعدد مرات ورودها في كل شكل ـ جداول تبين عدد ورود النماذج التي بها نبر واحد أو نبران أوثلاث نبرات أو أكثر، ونسبها المئوية ـ جداول تبين أنماط الجمل في عينة قصائد كل شكل ـ جداول خاصة بالقوافي وحروف الروي المستعملة في جميع العينات المختارة من كل شكل .

في خاتمة البحث يعرض الباحث النتائج التي توصل إليها في دراسته للإيقاع في شعر السياب . وأهم هذه النتائج هي :

ـ أن المقاطع ظلت أكثر العناصر تنظيما وتوظيفاً في الشكلين التقليدي والمقطوعي، ولم تكن كذلك في الشكل الحر.

ـ أن النبر ظل أقل العناصر تنظيماً وتوظيفاً في كل الأشكال، ورغم فعاليته العالية في بعض القصائد إلا أنه لم يكن وحده العنصر الفعال في أية قصيدة كما أنه لم يقم عليه وحده إيقاع أية قصيدة.

ـ أن التنغيم كان محدوداً في الشكل التقليدي لغلبة الأسلوب التقريري الخبري ، بينما طغى الأسلوب الإنشائي على الجمل في الشكل المقطوعي ، وعرف إيقاع النهاية في هذا الشكل صعوداً وهبوطاً واستواءً. أما في الشعر الحر ، فكان التنغيم وإيقاع النهاية أهم العناصر جميعاً بسبب حرية الشاعر في اختيار جمله أو استعمال التضمين والتدوير وتوزيع القافية وأصواتها بطرق جديدة تحقق إيقاعاً واضحاً في إيقاع النهاية.

ـ أن السمة المهيمنة على إيقاع معظم قصائد العينة المدروسة هي البطء ، وهذا يرتبط بتجربة الشاعر الحياتية والشعرية ، ويفسر الباحث بطء الإيقاع في شعر السياب بما كان يعانيه من حزن وإحباط ويأس، ويفسر تطور رؤيته عبر حياته ، بالتطور في النظام الإيقاعي في مكوناته وتوظيفه. وكلما زاد الشاعر حزناً ويأساً ، يزداد الإيقاع بطءً.

ـ أن حركة العناصر الإيقاعية تتصف بطابع الدرامية والصراع ، فإذا كانت المقاطع ـ مثلا ـ في أغلب القصائد تطبع الإيقاع بطابع البطء ، فإن النبر يخفف من هذا البطء . ثم إن ثمة قصائد انتهكت طابع البطء وخرجت عليه.

وفي ختام عرضي لهذا الكتاب المتميز في مجال دراسة الإيقاع في الشعر العربي الحديث ، أود أن أبدي ملاحظتين :

الأولى : أن الباحث حاول في دراسته للإيقاع في شعر السياب توظيف أدوات إجرائية ومفاهيم جديدة كالمقاطع والنبر والأنساق ، بيد أنه رأى أن لامناص من استخدام المصطلحات العروضية الخليلية لدى تحليله للنصوص الشعرية بأشكالها الثلاثة التي كتب فيها الشاعر. والملاحظ أنه في الجداول الخاصة بما سماه الأنساق ( ويقصد بها المقاطع المكونة للتفاعيل ) ، كان يلجأ إلى وضع مقابلها العروضي. وإذا كان الباحث حريصاً في مدخله النظري على تحديد المصطلحات والمفاهيم التي سيستخدمها في دراسته التطبيقية ، إلا أنه لم يشر أية إشارة إلى مفهوم الأنساق الذي استعمله كمقابل للمقاطع. ويبدو أن الشعر العربي ينبغي أن يدرس بأدواته الأصيلة النابعة من معين تراثنا العربي الخصب ، كالمصطلحات العروضية والبلاغة البديعية ، لأننا بصدد فن الشعر الذي يعتبر ديوان العرب ، وأنسب الأدوات الإجرائية لمقاربته في جانبه الموسيقي هي مصطلحات علم العروض والقافية وعلم البديع وعلم الأصوات. ونحن نتفق مع د.مصطفى الشليح في رأيه الذي مفاده " أن المنهج في تعامله مع الأثر الفني ، ينبغي أن يحترم النسق الثقافي والبنية الفكرية والأدبية التي ينتمي إليها النص. فالقصيدة العربية مثلاً ، ترحب بالأدوات المتواصلة معها أكثر مما ترحيبها بوسائل أخرى جربت في شعر غير مماثل في شعريته لضوابطها. " ([35] )

الثانية : أن الدارس اضطلع بجهد مضن في دراسة النبر في شعر السياب ، محاولاً البحث عن دوره في الإيقاع. ولا يخفى أن مسألة النبر في إيقاع الشعر العربي أثارت الكثير من الجدل خاصة بعد أن دعا د.كمال أبوديب في كتابه " في البنية الإيقاعية في الشعر ، نحو بديل جذري لعروض الخليل " ([36] ) إلى إلغاء دور الكم من الإيقاع الشعري ، واعتماد النبر أساساً لهذا الإيقاع . ويرى الأستاذ الشاعر أحمد المعداوي ( المجاطي ) أن " كل الذين تبنوا نظرية النبر كانوا يعترفون وبعد جهود مضنية لإثبات نظريتهم بهيمنة الكم ، أمثال : د.شكري عياد ود.محمد النويهي و د. كمال خير بك ، ود.سيد البحراوي نفسه. ([37] )

ويذهب د.سعد مصلوح في كتابه " دراسات نقدية في اللسانيات العربية المعاصرة " ([38] ) إلى " أن ظاهرة النبر ما تزال أمراً مستعصياً على العلماء ، وسراً من الأسرار ما برح البحث قائماً عنها وعن جوهر علاقتها بالمقطع والمقطعية ، والتي ما تزال معضلة من المعضلات في الدرس الصوتي للغة العربية المعاصرة الحديثة بله العربية ولهجاتها في التاريخ القديم. " ([39] )

وإذا كان الأمر كذلك ، لماذا استنفذ الباحث ـ حقاً ـ جهداً مضنياً في دراسة هذه الظاهرة التي لم يتم الحسم فيها بعد ؟

ولكنني بالنظر إلى معرفتي بما يتميز به الدكتور سيد البحراوي من طموح علمي ، واحتهاد ومثابرة في مجال البحث الأدبي ، أوفي عالم الكتابة الإبداعية ، أجيب عن هذا السؤال بقولي : " إن اقتحام الصعب الشائك من القضايا من شيمة الباحث المجتهد المتطلع دائماً إلى تجديد أدوات بحثه. فإذا اجتهد فأصاب فله أجران ، وإذا أخطأ فله أجر واحد ".



الهوامش :






[HR][/HR]
[1] ـ نشر العرض الذي تقدم به الباحث أمام اللجنة العلمية لنيل درجة الدكتوراه بمجلة "فصول " ، المجلد 4 ، عدد 2 ، سنة 1984 ، ص : 314 . وقد نشرت في كتاب بعنوان "الإيقاع في شعر السياب"، سنة ، ، 1996 ط .نوارة للطبع والنشر بالقاهرة .
[2] ـ مصطلح " الشكل التقليدي " أو " القصيدة التقليدية " يحمل دلالة التقليد وافتقاد الجدة، بينما نجد أن الواقع الشعري يثبت أن القصيدة العمودية في نماذجها الجيدة بعيدة عن التقليد ، سواء على مستوى اللغة الشعرية ، أو التصوير الشعري ، أو الموسيقى الشعرية . والجدير بالذكر هنا أن الدكتور محمد خليل الذي ( أشرف على بحثي لنيل الدكتوراه ) يرى أن مصطلح " الشكل التقليدي " يفهم منه معنى قدحي ، ويقترح استعمال مصطلح " الشكل العمودي " بدلا من " الشكل التقليدي ". وهذا في نظري رأي وجيه ، فهل يمكن ـ مثلاً ـ أن ننعت قصائد نزار وحجازي وأدونيس وعبدالصبور والبياتي والمجاطي التي تبنت شكل الشطرين بالشكل التقليدي ؟ وهل الشعر الرومانسي العربي المؤسس على هذا النظام شعر تقليدي ، بل حتى قصائد بعض الشعراء القدامى هي أكثر حداثة من بعض النصوص الشعرية المعاصرة. يقول الكاتب الإسباني خوان غوتيسولو " ليس للحداثة أي ارتباط بالزمن. يمكنني القول : إن 95 بالمائة مما يكتب اليوم هو كتابات ميتة. الكتاب المعاصرون حفاً هم سرفانطيس ، س.ج.لاكروا ..ابن الفارض ، ابن عربي والعطار ...لذا فإن منظوري الخاص للحداثة يقوم على أنه ليس الكتاب المعاصرون وحدهم الذين يعدون حديثين. كلا. "
( جريدة القدس العربي ،عدد:6346 /30 / أكتوبر 2009ً ، ص : 10 )
[3] ـ الكتاب ، ص: 5.
[4] ـ نفسه ، ص : 5 .
[5] ـ الإيقاع في شعر السياب ، ص : 9 .
[6] ـ نفسه ، ص : 10 .
[7] ـ نفسه ، ص : 10 .
[8] ـ انظر المرجع السابق ، ص : 10 .
[9] ـ د.محمد الهادي الطرابلسي ، "في مفهوم الإيقاع" ، حوليات الجامعة التونسية ، كلية الآداب ، جامعة تونس ، عدد :32 ، سنة 1991 ، ص :7.
[10] ـ توفيق الزيدي ، أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث من خلال بعض نماذجه ، الدار العربية للكتاب ، تونس ، ص : 66 .
[11] ـ د. علي يونس ، نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي ، الهيأة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1993 ، ص : 17 .
[12] ـ"في مفهوم الإيقاع " ،حوليات الجامعة التونسية ،كلية الآداب ،جامعة تونس ،عدد ، 32 ،سنة 1991 ،ص:16.
[13] ـ نفسه ، ص:16 .
[14] ـ موسيقى الشعر العربي ،م.س.ذ،ص:63 .
[15] ـ في الميزان الجديد ، دار نهضة مصر للطبع والنشر ، القاهرة ،1973 ، ص: 234 .
[16] ـ نفسه ، ص:233
[17] ـ انظر نفس المرجع ، ص:233 وما بعدها
[18] ـ نفسه ،ص: 234 .
[19] ـ نفسه ،ص :234
[20] ـ د. محمد مندور ، الشعر العربي ، غناؤه وإنشاده وأوزانه ، مجلة كلية الآداب ، جامعة الإسكندرية ، عدد :1، سنة 1943 .نقلا عن محمد شكري عياد ، موسيقى الشعر العربي ، ص: 61 .
[21] ـ في الميزان الجديد ، م.س.ذ،ص:237 .
[22] ـ دينامية النص ، تنظير وإنجاز ، ط.1 ، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء ، 1987 ، ص : 55 .
[23] ـ موسيقى الشعر عند جماعة أبوللو، دار المعارف ، ط.2 ، القاهرة ـ ج. م. ع ، 1991 ، ص : 20 .
[24] ـ الكتاب ، ص : 12 .
[25] ـ الكتاب ، ص : 14
[26] ـ نفسه ، ص : 25
[27] ـ نفسه ، ص : 25
[28] ـ نفسه ص : 26
[29] ـ نفسه ، انظر ص : 31
[30] ـ نفسه ، ص : 29 )
[31] ـ نفسه ، ص : 31
[32] ـ نفسه ، ص : 32 .
[33] ـ نفسه ، ص : 97.
[34] ـ نفسه ، ص : 98 .
[35] ـ في بلاغة القصيدة المغربية ، ط.1 ، مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط ، 1999 ، ص : 19 .
[36] الطبعة الثانية ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1981 .
[37] ـ أنظر: أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث ، ط .1 ، دار الآفاق الجديدة ، الدار البيضاء ، 1993 ، ص : 32 وما بعدها.
[38] ـ تعتبر الآراء الواردة في هذا الكتاب الرد العلمي الوحبد على كتاب أبوديب كما يرى الأستاذ أحمد المعداوي في كتابه أزمة الحداثة ، ص : 39 .
[39] ـ دراسات نقدية في اللسانيات العربية الحديثة ، ط . 1 ، عالم الكتب ، القاهرة ، ص : 161 .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى