نبيل عجمية - شاعر العرب سليمان العيسى وأنا

على الرصيف المقابل لدار الثقافة في دمشق التقيته منذ زمن بعيد .. صافحته بحرارة سألني من أنت قلت له لايهم أن تعرف من أنا ياسيدي المهم أنني سأقول للآجيال كان لي شرف اللقاء بحضرتك ..أجابني أنت شاب مهذب ما اسمك قلت له نبيل عجمية فقال لي حياك الله يانبيل..أجبته وما أسعدني بهذه التحية من شاعر العروبة الأول... بهذه المناسبة سأكتب لكم ما كتبه سليمان العيسى ذات يوم :
في عام 1937 أحسسنا نحن عرب اللواء أن المؤامرة قد حُبكت، وأن «رأس سورية الأخضر» قد قُطع، أو هو على وشك أن يُقطع.
وأعني برأس سورية الأخضر مسقط رأسي الجميل، منبت قصائد المتنبي وهو يرافق سيف الدولة إلى معارك الثغور، لواء إسكندرون.
وفي صباح يوم من أيام الخريف، والورق الأصفر يفرش شوارع أنطاكية المزّنرة بالشجر، قرَّر أكثر من مئة وعشرين طالباً وطالبة، أكبرهم في السنة الأولى من الجامعة، وأصغرهم في المدرسة المتوسطة، أن يحملوا هُويتهم العربية التي انتُزعت منهم فجأة، ويفروا بها إلى بقعة أخرى من سورية.
ركبنا سيارتيْ «باص»، واتجهنا من أنطاكية إلى حلب، والمسافة غير بعيدة بين المدينتين التاريخيتين، إنها لا تزيد على مئة كيلو متر إلا قليلاً.
لم نحمل معنا شيئاً غير عروبتنا وأجسادنا النحيلة، والقليل من الثياب، ولم نكن نملك منها الكثير، وعقدنا العزم أن نحتلّ أول مدرسة ثانوية نصادفها حين نصل إلى حلب، ونستقر فيها على أنها مدرستنا، ولابد لها أن تحتضن أطفالها المشردين. كان طالب الطب وهيب الغانم على رأس القافلة، وكنا جميعاً نشعر، دون أن يخالجنا أدنى ريب، أن مدارس سورية العربية كلها ستفتح لنا أبوابها وتؤوينا، وتؤمن لنا الدراسة كما نريد.
ولكن الصدمة ـ المفاجأة كانت بانتظارنا، على أبواب مدرسة التجهيز ـ هكذا كان اسمها ـ في حلب.
فما كاد مدير المعارف يسمع بوصولنا حتى أصدر أمره ـ الذي تلقاه من المستشار الفرنسي بالتأكيد ـ بطرد هؤلاء الطلاب الوافدين وعدم السماح لهم بالوقوف ساعة واحدة أمام باب «التجهيز» الذي ألقينا رحالنا عنده.
ولم تتردد قافلةُ الفتيان المشردين باتخاذ القرار. ركبنا سيارتيْ «الباص» اللتين كانتا تُقِلاّننا، واتجهنا على الفور إلى مدينة أبي الفداء.. إلى حماة، ونحن ننشد في حماسة مُتَّقدة: نحن الشباب لنا الغد... وما هي إلا ساعتان حتى كنا ندخل حماة ونحتل ساحة مدرستها الثانوية الوحيدة آنذاك، والتي أصبح اسمها: ثانوية ابن رشد، فيما بعد.
وفي سرعة البرق الخاطف يسري نبأ وصولنا في المدينة، وقبل أن تقوم سلطة الانتداب الفرنسي بأي تصرّف تجاهنا كانت جماهير المدينة المناضلة تحيط بالثانوية التي نزلنا باحتها، تستقبلنا بالترحيب والهتاف، وتُقْسم ألا يمسَّنا أحد بسوء، وأن نُقيم في المدرسة ذاتها، ويكون لنا قسم داخلي فيها، وأن نتابع دراستنا كما كنا في اللواء، وأن البلد بلدنا، والأهل أهلنا، ولْيذهب الاستعمار الفرنسي وأذنابه إلى الجحيم.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى