رحو شرقي - باقٍ في بلدي - قراءة في قصيدة للشاعرة ميسون يوسف نزال/ الفلسطينية الجزائرية

باقٍ في بلدي
سقيتُ الزّهرَ من جرحي
فها هو وردهُ أحمر
ومن عرقي رويتُ القمحَ في بلدي
فأضحى حبّهُ أكبر
ومن دمعي جبلتُ التّربة العطشى
ففاح الشيح والزعتر
سأبقى في رباها
كرمةً خضراء
غصنًا لزيتونة
سأبقى في رحابِ المهدِ أيقونة
سأبقى في سفوحِ الكرملِ المغدورِ ليمونة وفي عكا
سأبقى لو حصاةً في سواحلها بلا إسمٍ
سأبقى رملةً صفراء ندى اليمّ وفي النّقب
سأبقي خضرةَ الوشمِ فضمّيني
كطفلٍ يا بلاد الخير ضمّيني
سأموتُ إنْ بعدتْ مياهكِ عن شراييني
سأموتُ إنْ سدّوا أمامي
بابكِ المضيافِ يا بلدي
فقولي من سيأويني
أرادوا أنْ يظل القيد في زندي أغلالا
أرادوا أن يظلّ الليلُ في عيني
ولا أدري لهُ نارًا
أرادوا الجهلَ أن يبقى على شفتي
أنهارًا
أرادوا... لكنّما شعبي
أحالَ الذّلَ ثوارا
------------------------
سأظل عند قولي، نحن لا نختار القراءة بل النص هو من يشدنا ، يكتبنا ويقرأنا... قصيدة جعلت مني إنسانا يعيش حرقة الوطن ، تمخضت في رحم ذاكرتي ، فولدتني من جديد .
الوطن ليس حكاية فارغة من ليالي العجوز ..
ليس حلما مستحيلا..
ليس كلمات نتغنى بها في المناسبات ..
ولا رقصات بالاْلوان ..
الوطن حبه كالعاصفة، لباسه يكسو الجميع ...
كلمة نحيا لأجلها و صباحات نتنفسها ..
الوطن وشم مداده الإيمان باْن الوطن هو الوطن ...
قصيدة مفعمة بجنون الحب وحرقته لهذا الوطن ، بلهيب البعد عن ترابه، بالمعاناة والتضحية التي تسقي الورد الأحمر، بالفقد العظيم ..وقد بدأ الكاتب بمطلع ليس اعتباطي بل يكمن فيه عمق التحدي بالإسرار واليقين في قوله : " باق في بلدي " ولقد شدتني هذه الكلمة التي تحمل الكثير من المعاني وسأبسطها فيما يلي :
الباقي : اسم من أسماء الله الحسنى
الباقي : وهو حق حاصل من عملية طرح بعد الحساب وهنا بيت القصيد وكأن هذا الوطن مسألة قد حسمت لا جدال فيه .
" باق في بلدي " وحتى هذه الجملة تحمل صوتا لا يظهر إلى بعد إعراب الجملة وسنبرهن على ذلك :
باقِ : خبر لمبتدأ محذوف تقديره "أنا"
لمن هذا الإخبار ؟ ألم يكن الخبر الصوت المراد سماعه لهذا العالم الظالم .
إذا هذه القصيدة كتبت بروح المعاناة، كل حرف بمثابة كأس من الوجع والحنين، من الحب والأمل.
كل حرف ينبعث من تحت جلده صرخة لهذا العالم على الظلم ..
و يتفق الجميع أنّ الكتابات الشعرية الحزينة تعدُّ من أصدق الأغراض، لخلوها من الطمع والميولات، ينبع من الإخلاص والصدق ، وتشرق في الروح فتنساب هذه الكلمات المثخنة بالمعاناة ، كأنها ترصع عقدا ماس على صدر هذا الوطن .
هذا الروح الشفافة المستفزة التي أسقت الورد الأحمر بدمها والقمح الأصفر بعرقها والشيح والزعتر بدمعها ، ما استبقت شيئا ومازال عطاءها ..فالمتلقي أمام عاصفة وشلالات العطاء ولقد ذكرت في متن القصيدة ستة كلمات لها دلالة عميقة ومحرضة على عدم التنازل بأدنى شيء ؛ وكأنها تضع شرطا خفيا لتجيب عليه فيما بعد على كل هذه الكلمات الستة وكان الجواب مسبقا في العنوان :
باقٍ في بلدي

سأبقى في رباها
سأبقى في رحابِ المهدِ
سأبقى في سفوحِ الكرملِ المغدورِ
سأبقى لو حصاةً في سواحلها
سأبقى رملةً صفراء
سأبقي خضرةَ الوشمِ
----------------------
وذكرت الموت في كلمتين :
سأموتُ إنْ بعدتْ مياهكِ عن
شراييني
سأموتُ إنْ سدّوا أمامي
بابكِ المضيافِ يا بلدي
ومن هنا يبدو للمتلقي جليا أن ذكر البقاء أكثر من ذكر كلمة الموت بخمسة مرات
وهذا دليل آخر لجنون التعلق بالمكان، بمدينة الصلاة، بالقبلة الثانية، ومن لم يتعلق بهذه الأمكنة؟ بطبيعة الحال سيموت غيضا وغريبا.
وحتى فضلت أن تصير جمادا في هذا الوطن على أنْ تبقى بعيدة عنه، المهم على صدر هذه الأم لأنها تعي جدا معنى قول كلمة الوطن .
وإن كان العثور على هذه الأصداف ليس سهلا، إلا أن الصدق في القول يهدي إلى البر، هذا الصدق الذي يحرك مشاعر كل من سمعها ؛ كونها نابعة من أعماق أعماقها .
تحية إكبار تليق بك شاعرتنا الفاضلة ولحرفك السامق المفعم بحب الوطن ينحني قلمي .


رحو شرقي/ الجزائر
تم بتاريخ 08/08/2019



1637166961425.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى