عبدالله البقالي - محمد الغلامي(البوزرقي)

في إحدى أيام شتاء 1968 كان القايد "البركاني" يقود سيارته فياط 125 وهو في الطريق الرابطة بين غفساي وورزاغ. وفي احد المنعرجات، صادف مجموعة من الرجال، وبعد ان تجاوزهم قفل عائدا. امرهم بالتوقف وقال لهم: التقطت عبر اللاسلكي صوت احدكم قال لما رآني: "اصباحاتو لله" اما ان تدلوني الآن على القائل، أو أسجنكم جميعا.
قال احد الرجال: انا قلتها.
أركبه سيارته وقاده الى السجن.
غير بعيد زمنيا عن هذه الواقعة، تصادف القايد في نفس الطريق مع البوزرقي في إحدى القناطر. وكان البوزرقي على وشك الخروج من القنطرة حين برز القايد قادما من الوجهة الأخرى. وعوض ان ينتظر خروج البوزرقي، اقتحم القنطرة و امره بإخلاء الطربق لغاية ان يجتازها هو.
اوقف البوزرقي تشغيل المحرك و رفض اخلاء القنطرة. و استمر الوضع على هذا الحال ليوم كامل تقريبا.
كانت هذه الواقعة بمثابة ميلاد جديد للبوزرقي الذي اطبقت شهرته الآفاق. فعلا شأنه في نظر جل الناس، وصار الجميع يتابع أخباره . و كان لتواجده في اي مكان وقع السحر على معنويات الناس، حتى صار من الأعمدة التي يستند عليها في مواجهة شطط السلطة و تسلطها.
اليوزرقي هو من حفظة القرآن، و أحد رجالات المقاومة وجيش التحرير، و كان من ضمن مجموعة "بوشرطة" . و انتمى بعد الاستقلال لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. و اعتاد التعرض للمضايقات من قبل السلطة عبر مسيرة عمره.
سطع نجم البوزرقي في انتخابات 1977 التي كانت في الحقيقة اكبر من مجرد انتخابات. ذلك انها تجاوزت كل الحدود و المفاهيم التي سعت السلطة الى ترسيخها لاكثر من عقدين من الزمن. و التي هدفت من خلالها الى نقل المجتمع من التدبير التشاركي بينها و بين بنيات المجتمع التقليدي - حتى في نطاقه المحدود - الى التفرد بالسلطة من حلال الاجهاز على ما تبقى من نفوء القبيلة والسلطة المعنوية للجماعة. و هدفت من جهة اخرى الى محاصرة التصورات و الرؤى التي كانت قد ترسخت لدى عامة الناس من ايام المقاومة عن كيفية تدبير الشأن العام. و التي اعتبرت ان الشأن العام هو شأن يخص كل المغاربة. و بالتالي لا يجوز الحديث عن قضاياه بصيغة المفرد. الا ان السلطة سخرت ووظفت كل امكانياتها المشروعة و غير المشروعة من اجل جعل الشأن العام يخصها لوحدها. و ان المواطن لا يجوز له التعبير الا عن ما يعنيه سخصيا.
هذا النزوع الى التفرد بالسلطة كان يجعل رجال السلطة خارج اي محاسبة او متابعة. وهو امر ووجه برفض صامت امام التنكيل و القهر الذي مورس بلا هوادة. و من ثم لاح طيف البوزرقي كبطل، و لم يكن هناك من شى يمنع من الالتفاف حوله و التفاعل مع خطاباته.
لقد انتهت انتخابات 1977 بفضيحة مدوية وتزوير لم يسبق له مثيل. و يكفي القول هنا ان بعض رؤساء مكاتب التصويت فوجئوا باعلان اسم الفائز فيها عبر الاذاعة وهم في طريقهم الى مكاتب تجميع الاصوات . لكن مهمة انجاح مرشح السلطة كان قد اصبح متجاوزا بعد ما حدث من وقائع خطيرة صنفت انفلاتا ايام الجملة الانتخابية. وصار الهدف هو محاصرة وتطويق الوعي الذي تراكم ايام الحفلة من جهة. و اعادة الناس الى جحورهم من جهة اخرى. ومن ثم كان لابد من ايقاف القاطرة التي كانت تجر ذلك الوعي. وكان لزاما ان يدخل البوزرقي السجن رفقة اكثر من خمسين مناضلا كان من بينهم المقاوم و الاستاذ و التجار و الفلاحين . و هنا سيعيش البوزرقي ملحمة اخرى جعلت تغطية صحيفية " المحرر" المغرب كله يتابع اطوارها من خلال محاكمة مراطونية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى