د. زياد العوف - روح الموضوعيّة

الموضوعية في أبسط معانيها تعني الفصل المنهجيّ بين الذات والموضوع ؛ إذ يتوجّب على العالِم والباحث والمفكّر أنْ يضع حدّاً فاصلاً بين ذاته ، بما تنطوي عليه من أهواء وآراء وميول ومعتقدات ، وبين الموضوع الذي يتناوله بالبحث والدراسة. وبِقَدْر ما ينجحُ هؤلاء في هذا الفصل المنهجيّ بقَدرِ ما يقتربون من الموضوعيّة في النتائج والأحكام التي يتوصّلون إليها.
هذا..في الأبحاث العلمية على تنوّعها.
على أنّي أرى أنّ الروح الموضوعية؛ بما هي التماسٌ للحقّ والعدالة والصدق والصواب في شتّى شؤون حياتنا - بما تتيحُه الطبيعة البشريّة بطبيعة الحال - هي التي يجبُ أن تسود في كلّ المجالات.
تقتضي معظم أنشطتنا الاجتماعية نوعاً من التصنيفات ، أو التسميات التي تضعنا وجهاً لوجه أمام امتحان الروح الموضوعية الصعب، وهذا ما دفعني إلى هذه التّذكِرة ؛إذ إنَّ كثيراً من هذه العناوين والتسميات الفخمة والبرّاقة التي يُطلقها أصحابها على منتدياتهم أومجموعاتهم الثقافية المتواضعة تقعُ على النقيض تماماً من الروح الموضوعية؛ بحيث يخيّل إلينا أنّها على صلّة وثيقة ببعض المنظّمات الثقافية الدولية الكبرى ، كمنظّمة اليونسكو مثلاً. ويستفحل هذا الداء المنطقيّ، حتّى لا أقول الأخلاقيّ، بحيث تقوم هذه المجموعات أو المنتديات الضّحلة بمنح الوثائق والشهادات الفخريّة أو الشرفيّة- لا أدري إنْ كان نيلُها يمثّلُ مدعاةً لأيّ نوع من الفخر أو الشرف ؟!- إلى بعض مَنْ تختارهم من جهابذة الفكر أو الأدب أو الثقافة، الذين يسارعون إلى نشر هذه الوثائق المتهافتة على صفحاتهم الخاصّة، فيتلقّون التهاني والتبريكات على هذه الإنجازات من الأصدقاء والصديقات، فيغرقون في نوع من الوهم الجميل إلى أنْ يستيقظوا ذات ملاحظة جادّة أو نقد صارم على كابوس مزعج قد يدفع بعضهم إلى إعادة النظر فيما هم فيه من خروج فاضح على أبسط معاني الروح الموضوعية، بينما يستمرئ بعضهم الآخر هذه الغواية فيقتربون بدرجة أو أخرى من الفصام؛ إذ يناجون أنفسهم بخطاب ، بينما يتوجّهون إلى الآخر بخطاب آخر فيه مافيه من المكابرة والتّعنّت والاستهتار.
هذه مقالة صدقٍ قصدتُ بها وجه الحقيقة والروح الموضوعية، بلا تزيّد أو نقصان، فأرجو النظرَ إليها بعين الرضا والاطمئنان، مع فائق الاحترام والامتنان.

دكتور ياد العوف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى