أ. د. لطفي منصور - مُوَشَّحَةُ الأديبِ الشّاعِرُ الدُّكتور مُراد ميخائيلي المعروفِ بِالسَّمَوْأَلِي (١٩٠٦- ١٩٨٦)

مُقَدِّمَةٌ:
الدُّكتورُ السَمَوْألي الْعِراقِيُّ الأصْلِ مِنْ أَعْلامِ الْأَدَبِ الْعَرَبِيِّ اللّامِعينَ. اشْتَهَرَ هَذا الرّجُلُ بِمَحَبَّتِهِ الْقُصْوَى لِلُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ والْحَضارَةِ الإسْلامِيَّةِ. كانَ شاعِرًا كَبيرًا، وَكاتِبًا نِحْريرًا، وَأَوَّلَ مَنْ أَدْخَلَ الْقِصَّةَ الْقَصيرَةَ إلَى الْعِراقِ.
كانَ أُسْتاذًا اي في دارِ المعلِّمينَ الْعَرَبْ في يافا، وَذَلِكَ في مَطْلَعِ سِتِّينِيّاتِ القَرْنِ الماضي، دَرَسْتُ عَلَى يَدَيْهِ شِعْرَ الْمُتَنَبِّي، وَلُزومِياتِ الْمَعَرِّي، وَأَدَبَ طه حُسين، وَرَسَّخَ عِنْدي مَحَبَّةَ لُغَةِ الضّادِ.
وَشاءَتِ الْأقْدارُ أنْ نُصْبِحَ زَميلَيْنِ في أَواسطِ السَّبْعينِيّاتِ، في دارِ الْمُعَلِّمينَ نَفْسِها. وَتَتَوَثَّقُ عَلاقاتِ الصَّداقَةِ وَالْمَوَدَّةِ بَيْنَنا، وَقَدْ أَصْبَحَ شَيْخًا وَأنا في شَرْخِ الشَّبابِ، وَأُعِدُّ نَفْسِي لِأُطْروحَةِ الدُّكْتوراة، فَاخْتَلَى بي يَوْمًا وَقالَ لي: أنا عَلَى وَشْكِ الْخُروجِ إلَى التَّقاعُدِ، وَعِنْدي مَكْتَبَةْ تَشْتَمِلُ عَلَى دِراساتٍ كَتَبَها الْمُسْتَشْرِقُون في مَواضيعَ شَتَّى في اللّغَةِ والأَدَبِ والتّاريخِ الإسْلامِي، كُلُّها تُرْجِمَتْ إلى الْعَرَبيَّةِ، هيَ بالنِّسْبَةِ لي كَالرّوحِ مِنَ الْجَسَدِ، وَاحْتارَ الدَّمْعُ في عَيْنَيْهِ، وَرَأَيْتُ أنْ أَنْزِلَ عَنْها لَكَ، فَأَنْتَ تَسْتَحِقُّها، وَإنْ أرَدْتَ أنْ تَدْفَعَ شَيْئًا فَلْيَكُنْ زَهيدًا.
أحْضَرَ لي أُستاذي عَشَراتٍ مِنَ الْكُتُبِ المترجَمَةِ عَنِ الألمانِيَّةِ والفرنسيَّةِ والإنجليزِيَّةِ، شَكَّلَتْ الْعَمودَ الْفِقْرِي في ثَقافَتي وَمَعْرِفَتي بِنَظْرَةِ الدّارِسينَ الْغَرْبِيِّينَ لِلثَّقافَةِ العَرَبِيَّةِ.
جُمِعَ شِعْرُ الدُّكتور مُراد ميخائيلي وَطُبِعَ في كِتابٍ بِتَحقيق وإشْرافِ الأُسْتاذِ عبد الرَّحيم الشيخ يوسُف، ( وَصَدَرَتْ عن دارِالشَّرقِ، شَفا عَمرو ١٩٨٨) .
اخْتَرْتُ مِنْهُ هَذِهِ الْمُوَشَّحَةَ الْغَزَلِيَّةَ، وَكانَ قَدْ نَشَرَها في مَجَلَّةِ الْحَصادِ البَغْدادِيَّةِ سَنَةَ ١٩٢٩م. عُنْوانُها: لَسْتُ أدِري، وهي مُتَعَدِّدَةُ الْقَوافي، لَكِنَّهُ خالَفَ فيها نِظامَ الْمُوَشَّح التَّقْليدي. الْمُوَشَّحَةُ مِنْ بَحْرِ مَجْزوءِ الرَّمَلِ:
لَسْتُ أَدْرِي
يا مُقِيمًا في ضُلوعي
وَخَفُوقًا لا يَنامْ
لَسْتَ تَرْثِي لِدُمُوعِي
بَيْنَ أَشْباحِ الظَّلامْ
ما الَّذي تَرْجُوهُ مِنِّي
وَأَنا حُرٌّ أَسِيرْ
مَا الَّذي تَرْجُوهُ
لَسْتُ أَدْرِي لَسْتُ أَدْرِي
إسْمَعِ الْأَطْيارَ تَشْدُو
لِجَمالٍ لا يَزُولْ
وَانْطُرِ الْغِزْلانَ تَغْدُو
مَرَحًا فَوْقَ السُّهُولْ
فَاطْرُدِ الْحُزْنَ وَغَنِّ
وَانْسَ خَطْبًا قَدْ دَهاك
مَا الَّذي أَلْهاكْ
عَنْ تَسابِيحِ الطُّيُورْ؟
مَا الَّذي أغْناكْ
عَنْ ظِباءٍ في حُبُورْ
لَسْتُ أَدْرِي لَسْتُ أَدْرِي
هَلْ ذَوَتْ أَزْهارُ حُبِّكْ
وَالْهَوَى رَمْزُ الْبَقاءْ
أوْ وَنَتْ نَفْسِي لِخَطْبِكْ
وَهْيَ عَزْمٌ وَمَضَاءْ
كُلُّ شَيْءٍ يَتَبَسَّمْ
كُلُّ ذاتٍ تَتَنَعَّمْ
يا فُؤادي غَيْرَ أَنِّي
أَشْتَكي طُولَ عَناكْ
مَا الَّذي أَقْصاكْ
عَنْ يَنابيعِ الْحَنِينْ
مَا الَّذي سَوّاكْ
شاكِيًا عِبْءَ السِّنينْ
يا فُؤادِي ما دَهاكْ
لَسْتُ أَدْرِي لَسْتُ أَدْرِي
تَمَّتْ.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى