في كتابها "موتيفات الأدب العالمي" رصدت (إليزابيث فرنزل) عناوين عديدة للكتابة عن الطفل في الأدب: الطفل غير المعروف الأصل، الطفل المغتصب، قتل الطفل، ويرد الحديث عن هذا تحت عناوين: العدو، غير المعروف، المنشأ أو الأصل، زنا المحارم، الإغواء، المُغوي والمَغوي.
ولا ينسى المرء أسطورة أوديب، وما فعله الملك بابنه، وما آلت إليه النهاية، ولا ينسى أيضاً قصة سيدنا سليمان مع المرأتين؛ الأم البيولوجية والمربية، القصة التي أقام عليها (برتولد بريخت) مسرحيته: "دائرة الطباشير القوقازية، ولا أدري إن كان القرّاء العرب يذكرون رواية روسية عنوانها "الأم الثانية" وقد صدرت عن دار التقدم في موسكو في 80ق20، وهي قصة تربوية دعائية تدعم الأفكار الاشتراكية حول الأمومة، البيولوجية وغير البيولوجية.
في الأدب العربي كتب محمد عبد الحليم عبد الله قصته "لقيطة ليلة غرام" وتبعه أدباء وأديبات آخرون كتبوا عن الفكرة نفسها، لكن النص الذي شاع ويناقش مفهوم الأبوة، هو رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"، وهو نص تختلف منطلقاته ومعالجته عن الروايات التي عالجت الموضوع من ناحية اجتماعية، مثل رواية "لقيطة...".
كتب غسان روايته في العام 1969، وتدور حول طفل تركه والداه في بيتهما في حيفا في أثناء محاصرة المدينة وطرد سكانها في حرب 1948، ثم عادا، بعد هزيمة العرب في حزيران 1967، ليبحثا عنه.
حكاية الطفل اللقيط، بسبب الحرب، ستحضر في رواية اللبناني ربيع جابر "الاعترافات" (2008).
قتل الكتائبيون، في الحرب الأهلية في لبنان، أسرة اقتربت بالخطأ من خط التماس، ولم ينجُ منها سوى طفل.
يتذكر القاتل ابنه الذي قتل في الحرب أيضاً، فيأخذ الطفل الناجي ويربيه تربية مسيحية، وفي نهاية الحرب، حين يكبر الطفل ويعرف حقيقته، يبدأ في البحث عن أسرته الأولى.
في العام التالي لرواية "الاعترافات" صدرت رواية نوال السعداوي المصرية "زينة" (2009)، وزينة لا تفقد أهلها بسبب الحرب، وإنما وُجدت ملقاةً على قارعة الطريق.
تربيها راوية الرواية، وتصبح زينة ذات شأن، وتعرف أنها لقيطة.
تهدي السعداوي روايتها إلى كل الأطفال الذين ولدوا في الشارع، ثم صار لهم شأن، وحين تكبر زينة وتغدو فنانة تغني على خشبة المسرح مفتخرة بأمها التي ربتها "زينات".
في رواية رضوى عاشور "الطنطورية" (2010) يتبنى الطبيب الفلسطيني الذي كان يعمل في مشفى فلسطين قرب شاتيلا، طفلة فلسطينية نجت من المجازر ويأخذها هدية إلى زوجته لتربيتها، ويُسميها مريم، ويرى أنها هدية السماء، وتغدو مريم واحدة من أفراد أسرة أمين الذي يختفي، وتدرس الطب في الاسكندرية وتقيم معها أمها التي ربتها، فالأبناء تفرقوا أيدي سبأ.
لن تختلف رواية "أولاد الغيتو: اسمي آدم" (2016) عن الروايات السابقة كثيراً، بخاصة عن رواية كنفاني التي تعد مرجعاً مهماً، بل مصدراً، لرواية خوري، فقد دخلت معها في علاقة تناص، وكنت أشرت إلى إقرار الكاتب بأن نصه توالد من نصوص أدبية.
في رواية كنفاني تلتقط الوكالة اليهودية الطفل وتعطيه لايفرات كوشن وزوجته القادمين من بولندا، ولم يكونا ينجبان، ويتبنى هذان الطفل ويسميانه (دوف).
يغدو خلدون إسرائيلياً بالنشأة، ويذهب إلى الكنيس ويأكل الكوشير، وحين يطالب به الوالدان البيولوجيان؛ سعيد. س وصفية يرفض العودة معهما، ويؤثرُ البقاء مع والديه اللذين ربّياه.
رواية "أولاد الغيتو"، ومن قبلها رواية "باب الشمس" (1998) تذكران قارئ "عائد إلى حيفا" بها مراراً، وعلى أكثر من صعيد، ويحتاج الأمر إلى دراسة مفصلة.
في "أولاد الغيتو" يثير آدم سؤال الهُويّة مراراً، بَلْ إنه يتشابه، في جوانب عديدة، وأسئلة عديدة، مع خلدون/ دوف.
كأن الرواية تركت أثراً في إلياس خوري كما تركت تأثيراً في بطله آدم الذي يقر بهذا في ص273: "الشعور بالحزن الذي ضربني حين قرأت رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"...... ولوهلة اعتقدت أن الروائي الفلسطيني يتكلم عني" وإن عاد آدم ورأى أن ما جرى معه أكثر تعقيداً مما جرى مع خلدون. فخلدون/ دوف يعود أبواه/ والداه ليلتقيا به، وهو من يرفض العودة إليهما، أما آدم الذي التقط من تحت شجرة الزيتون فأمه ماتت ولا يعرف عن مصير أبيه شيئاً. إنه ابن شجرة الزيتون. (ص116).
إن ما يورده آدم عن أبيه البيولوجي يتشابه وما قاله خلدون/ دوف لأبيه. كأن عبارات آدم هي عبارات خلدون لأبيه: أبي الأول قتلني، تركني للموت فوق صدر امرأة ميتة، وهرب إلى حياته.... أب جبان وعاجز وشعب سيق إلى التيه والموت كالأغنام.." (ص165).
ويتخيل آدم حياة أبيه البيولوجي الذي قد يكون غدا لاجئاً في مخيم جنين وفقد شابين في 2002، ويعتقد أن أباه نسيه، ويثير أسئلة عديدة حول أبيه أبرزها: "أم أنه لن يأتي على ذكر حكايتي على الإطلاق، لأنها صارت عاره.." (ص 249).
في رواية "عائد إلى حيفا" يغدو خلدون/ دوف عار أبيه، أما خالد الذي التحق بالمقاومة فيصبح المستقبل الذي يتطلع إليه الأب وشعبه. كان ذلك في 60 ق20، أما الآن... إلخ.
عادل الأسطة
2016-09-25
ولا ينسى المرء أسطورة أوديب، وما فعله الملك بابنه، وما آلت إليه النهاية، ولا ينسى أيضاً قصة سيدنا سليمان مع المرأتين؛ الأم البيولوجية والمربية، القصة التي أقام عليها (برتولد بريخت) مسرحيته: "دائرة الطباشير القوقازية، ولا أدري إن كان القرّاء العرب يذكرون رواية روسية عنوانها "الأم الثانية" وقد صدرت عن دار التقدم في موسكو في 80ق20، وهي قصة تربوية دعائية تدعم الأفكار الاشتراكية حول الأمومة، البيولوجية وغير البيولوجية.
في الأدب العربي كتب محمد عبد الحليم عبد الله قصته "لقيطة ليلة غرام" وتبعه أدباء وأديبات آخرون كتبوا عن الفكرة نفسها، لكن النص الذي شاع ويناقش مفهوم الأبوة، هو رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"، وهو نص تختلف منطلقاته ومعالجته عن الروايات التي عالجت الموضوع من ناحية اجتماعية، مثل رواية "لقيطة...".
كتب غسان روايته في العام 1969، وتدور حول طفل تركه والداه في بيتهما في حيفا في أثناء محاصرة المدينة وطرد سكانها في حرب 1948، ثم عادا، بعد هزيمة العرب في حزيران 1967، ليبحثا عنه.
حكاية الطفل اللقيط، بسبب الحرب، ستحضر في رواية اللبناني ربيع جابر "الاعترافات" (2008).
قتل الكتائبيون، في الحرب الأهلية في لبنان، أسرة اقتربت بالخطأ من خط التماس، ولم ينجُ منها سوى طفل.
يتذكر القاتل ابنه الذي قتل في الحرب أيضاً، فيأخذ الطفل الناجي ويربيه تربية مسيحية، وفي نهاية الحرب، حين يكبر الطفل ويعرف حقيقته، يبدأ في البحث عن أسرته الأولى.
في العام التالي لرواية "الاعترافات" صدرت رواية نوال السعداوي المصرية "زينة" (2009)، وزينة لا تفقد أهلها بسبب الحرب، وإنما وُجدت ملقاةً على قارعة الطريق.
تربيها راوية الرواية، وتصبح زينة ذات شأن، وتعرف أنها لقيطة.
تهدي السعداوي روايتها إلى كل الأطفال الذين ولدوا في الشارع، ثم صار لهم شأن، وحين تكبر زينة وتغدو فنانة تغني على خشبة المسرح مفتخرة بأمها التي ربتها "زينات".
في رواية رضوى عاشور "الطنطورية" (2010) يتبنى الطبيب الفلسطيني الذي كان يعمل في مشفى فلسطين قرب شاتيلا، طفلة فلسطينية نجت من المجازر ويأخذها هدية إلى زوجته لتربيتها، ويُسميها مريم، ويرى أنها هدية السماء، وتغدو مريم واحدة من أفراد أسرة أمين الذي يختفي، وتدرس الطب في الاسكندرية وتقيم معها أمها التي ربتها، فالأبناء تفرقوا أيدي سبأ.
لن تختلف رواية "أولاد الغيتو: اسمي آدم" (2016) عن الروايات السابقة كثيراً، بخاصة عن رواية كنفاني التي تعد مرجعاً مهماً، بل مصدراً، لرواية خوري، فقد دخلت معها في علاقة تناص، وكنت أشرت إلى إقرار الكاتب بأن نصه توالد من نصوص أدبية.
في رواية كنفاني تلتقط الوكالة اليهودية الطفل وتعطيه لايفرات كوشن وزوجته القادمين من بولندا، ولم يكونا ينجبان، ويتبنى هذان الطفل ويسميانه (دوف).
يغدو خلدون إسرائيلياً بالنشأة، ويذهب إلى الكنيس ويأكل الكوشير، وحين يطالب به الوالدان البيولوجيان؛ سعيد. س وصفية يرفض العودة معهما، ويؤثرُ البقاء مع والديه اللذين ربّياه.
رواية "أولاد الغيتو"، ومن قبلها رواية "باب الشمس" (1998) تذكران قارئ "عائد إلى حيفا" بها مراراً، وعلى أكثر من صعيد، ويحتاج الأمر إلى دراسة مفصلة.
في "أولاد الغيتو" يثير آدم سؤال الهُويّة مراراً، بَلْ إنه يتشابه، في جوانب عديدة، وأسئلة عديدة، مع خلدون/ دوف.
كأن الرواية تركت أثراً في إلياس خوري كما تركت تأثيراً في بطله آدم الذي يقر بهذا في ص273: "الشعور بالحزن الذي ضربني حين قرأت رواية غسان كنفاني "عائد إلى حيفا"...... ولوهلة اعتقدت أن الروائي الفلسطيني يتكلم عني" وإن عاد آدم ورأى أن ما جرى معه أكثر تعقيداً مما جرى مع خلدون. فخلدون/ دوف يعود أبواه/ والداه ليلتقيا به، وهو من يرفض العودة إليهما، أما آدم الذي التقط من تحت شجرة الزيتون فأمه ماتت ولا يعرف عن مصير أبيه شيئاً. إنه ابن شجرة الزيتون. (ص116).
إن ما يورده آدم عن أبيه البيولوجي يتشابه وما قاله خلدون/ دوف لأبيه. كأن عبارات آدم هي عبارات خلدون لأبيه: أبي الأول قتلني، تركني للموت فوق صدر امرأة ميتة، وهرب إلى حياته.... أب جبان وعاجز وشعب سيق إلى التيه والموت كالأغنام.." (ص165).
ويتخيل آدم حياة أبيه البيولوجي الذي قد يكون غدا لاجئاً في مخيم جنين وفقد شابين في 2002، ويعتقد أن أباه نسيه، ويثير أسئلة عديدة حول أبيه أبرزها: "أم أنه لن يأتي على ذكر حكايتي على الإطلاق، لأنها صارت عاره.." (ص 249).
في رواية "عائد إلى حيفا" يغدو خلدون/ دوف عار أبيه، أما خالد الذي التحق بالمقاومة فيصبح المستقبل الذي يتطلع إليه الأب وشعبه. كان ذلك في 60 ق20، أما الآن... إلخ.
عادل الأسطة
2016-09-25