أنور غني الموسوي - موت الوصاية الدينية

قيل ان الأسلوب هو الانسان، وانا اقول ان النص هو الانسان. حينما يكتب الكاتب نصه فانه يكتبه بكل كيانه وبكل معارفه ومشاعره، لذلك ليس من حق أحد كائنا من كان الحكم على النص ومصادرته. انت اما ان توافقه او تخالفه اما ان تحكم عليه وتتخذ دور الوصي فهذا لا وجه له مطلقا.

ولا اقصد هنا النص الإبداعي والذي كان نقاد يستعملون منصب الوصاية بل اقصد كل نص يكتبه كل انسان. لقد رفعنا في نهايات العقد الثاني الماضي شعار (كسر الوصاية الأدبية)، وقد كسرت فعلا، وبفعل العولمة والانترنيت تلاشت الوصاية الأدبية وأصبح الكتاب الادبيون يكتبون بحرية، فانت اما ان تعجب بهم او تعرض عنهم وليس لك استعمال حق الوصاية. ولقد رفعنا شعار (موت النقد) ولقد مات النقد الادبي فعلا.

والان انا ارفع شعار (موت الوصاية الدينية) على الكتاب الدينيين. فليس من حق أحد كائنا من كان ان ينتقد أي كاتب ديني باي نحو كان، وأعلن من الان موت (النقد الديني) الذي يستخدم الوصاية على الكتاب الدينيين؛ بان يقول هذا كاتب جيد وهذا غير جيد، وهذا نص جيد وهذا غير جيد، او هذا صواب وهذا خطأ. ويعطي إجازة لهذا ويمنع إجازة هذا. ان الكتابة لا تحتاج الى إجازة من أحد. انا ادعو كل كاتب بشأن الديني ان يكتب بحرية كاملة وليعلم ان العولمة والانترنيت ستخرج كتابته الى النور.

ان الذين يظهرون أنفسهم مدافعين عن الدين وعن عقائد الناس هم في الواقع يدافعون عن اشخاص او عن موروث او عن كيان. ان ما يدفع المنتقدون للكتاب الدينيين هو الحرص على الموروث من حيث يشعرون ولا يشعرون. لذلك أصبح الان ظاهرة وموضة وصف كل من يخالف المشهور بانه منحرف وشاذ.

ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتصحيح ومواجهة الضلال والبدع، لا يكون باستعمال الوصاية والاستعلاء بل يكون بالحب ويكون بالقرب ويكون بالإشارات والتنبيهات، وليس بإعلان انحراف هذا الكاتب او ذلك وانه شاذ وانه ضال وانه كافر. هذا الامر ليس له أي أساس شرعي ولا عقلائي ولا فطري.

انت يمكنك ان تصحح وترد بأسلوب مجرد بان تكتب ما تريد بشكل منفصل غير متعرض لشخص بل تتناول الموضوع من وجهة نظرك فقط. ولطالما قرأنا لمصححين ولمصلحين كتابات غيرت الواقع من دون ان تطعن بأي كاتب او أي نص. ليس بالضرورة التوجه الى الشخص ولا الى كتاباته، بل الواجب هو طرح فكرتك بشفافية ووضوح عن الموضوع، وكما ان الكاتب المعين عبر عن رأيه في الموضوع فانت عبر عن رأيك فيه بشكل مجرد من دون التوجه الى الشخص او نصه.

انا اعتبر توجيه الطعن الى المؤلف او الى كتابه او نصه ليس اصلاحا ولا تصحيحا بل هو تسقيط واستعمال للوصاية. وانا اقولها بوضوح ان هذا لا ينقع في ظل عالمنا الحالي الذي يعتمد العولمة. فالواجب تقديم أطروحة مقنعة واقعية ومستدل عليها، بدل توجيه التهم للكتّاب ونصوصهم. كما انني انصح أصحاب الوصاية الى الحذر من هذا الأسلوب، لان الحكمة تقول (لا تعادِ كاتبا فيعلنك التأريخ)، وبدل توجيه الجهود لاجل تسقيط كاتب او تسقيط كتاباته، الواجب أنك تطرح فكرتك بوضوح وتجرد وللقراء ان يقيموا.

ان الخلط بين الدين وبين فكرة الدين وبين علم الدين أمور يستعملها اهل الوصاية لاستمالة الناس، فالدين امر في الصدور لا مساس به من أحد بل هو محفوظ عند الله تعالى، وانما نحن نتداول أفكارا وعلوما ونظريات وفرضيات عن الدين، كلها تقبل الخطأ وكلها تقبل الصواب. لا أحد على وجه الأرض غير الامام يمثل قول السماء وإرادة الله والدين على واقعه. كل ما يطرحه اهل الدين هو مجرد أفكار وفرضيات واجتهادات ونظريات توصلوا اليها والتي يمكن لغيرهم ان يتوصل اليها. من الخطأ الفادح إعطاء قدسية موسعة وانما هناك احترام للأشخاص فلا يعتدى عليهم ولا يتجاوز عليهم ولا يتطاول على أفكارهم، وهذا حق كل انسان، كما ان من هذا الحق ان يترك للإنسان حرية التعبير باي مجال يراه، وما دام لا يعتدي على أحد فليس من حق أحد ممارسة الوصاية عليه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى