محمد السلاموني - الآخر.. تلك الحياة... "إيزيس وأورفيوس والكتابة"

من الموت الذى بدأ منذ قليل، تبدأ الكتابة :
عادة ما تبدأ الكتابة بعد انقضاء الحدث الواقعى، لتصير الكتابة ذاكرة تنفتح على ما مضى
، لاستعادته، تشبثا به، ربما... لتحويله إلى صورة تعبر به الزمن، ربما؛ أقول ربما لأن ليس كل ما يُكتَب هو هكذا، فهناك من يكتب لأن الكتابة بالنسبة إليه هى الحياة الحقيقية "التى تبدأ فى أعقاب انتهاء الواقع"/ نظرا لأن اللغة هى ما ننحدر منه إلى حياة واقعية نعود لنبحث فيها عن أصلنا اللغوى... [وتلك هى العقيدة الكامنة فيما وراء الكتابة] .
نعم، الكتابة ميتافيزيقية تماما- وعلى الرغم من كل ما قال به "دريدا" عن العلاقة العضوية بين الشفاهية والميتافيزيقا، إلاَّ أنه انتهى إلى أن اللغة عامة لا تنفك عن الميتافيزيقا أبدا. ولا أعرف لماذا لم يلتفت أحد إلى هذا إلى الآن (؟!).
المرأة والحب:
هل لى أن أبتدئ قولى بأن المرأة لم تغادر المشاعية الجنسية البدائية إلى الآن؟. وأن الرجل ما فتئ يبحث عن نفسه فى الرجال الآخرين الذى تخبِّئهم فى جسدها؟.
المرأة صانعة الحياة، فبينما تلدنا تصنع الحياة، لذا يقال بأن المرأة "الأم" تكتسب قداستها الإلهية من هذا تحديدا- وبالقدر الذى تتصف فيه ببعض خصائص الإله، فإنما يرتبط رحمها بالجنة الأولى. وهو ما يعنى أن تصوراتنا عن الإله والجنة، فى "الأساطير والأديان" لا تزيد عن استعارات أمومية؛ "ترتد إلى إحداثيات الجسد الأمومى"...
/ أعرف امرأة ارتحلت فى أرجاء العالم، بحثا "فى الرجال" عن "أبيها" الذى قتلوه وهى بعد طفلة، ثم انتهى بها المطاف أخيرا إلى "مصر"- دون أن تعلم أنها "إيزيس" تبحث عن جثة "أوزير"، لتعيد بعثه حيا. / ليتها تعلم أنها "عشتار- ليليث - إيزيس" ...
الرجل والحب :
المشاعية الجنسية التى تحيا فيها المرأة، تعنى- على النقيض مما ذكرته من قبل- أنها مُلتَهَمَة من الرجال؛ بوصفها "جسدا"... وهو ما يعنى أيضا أن كل رجل جديد يمُر بها إنما يمُر بجثة مُلتَهَمَة، ببقايا امرأة... وبقدر ما هى موطن "اللذة"، فهى شريكته فى الألوهية الكامنة بداخلة- "تلك التى سعى لشرعَنَتِها طوال التاريخ؛ هكذا فى تحدٍ صارخ لألوهية المرأة".
ألوهية الرجل هى الذكورة نفسها التى توطَّنت العالم "على مدار تاريخ ما بعد المرحلة الأمومية"- وما أكثر الشواهد الأسطورية والفولكلورية والدينية الذَّالة على هذا .
جثة المرأة المُلتَهَمَة -من قِبَل الرجال الآخرين، وانعكاساتها بعد المرحلة الأمومية فى الإستعباد الذكورى للمرأة - هى "المرأة المَيِّتَة"؛ امرأة "أورفيوس" الذى جاب عالم الموتى أملا فى استعادتها...
الكتابة :
كل كاتب هو "أورفيوس"، وما الكتابة بالنسبة إليه سوى "ارتحال فى عالم النساء لاستعادة امرأته، أو لاستعادة المرأة التى يمكن لها أن تعيده إلى الحياة"...
وفى المقابل، كل "كاتبة" هى إيزيس، وما الكتابة بالنسبة إليها سوى "ارتحال فى عالم الرجال لاستعادة رَجُلها، أو لاستعادة الرجل الذى يمكن له أن يعيدها إلى الحياة"...


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى