أ. د. لطفي منصور - عَشِقْنا وَما في الْعِشْقِ عَيْبٌ لَنا

عَشِقْتُ لَيْلَى السَّمْراءَ بِنْتَ الْبَوادِي، عَشِقْتُ الدَّعَجَ في الْعُيُونِ السَّوْداءْ، عَشِقْتُ ذاتَ الْجَدائِلِ الْمُمْتَدَةِ الْفاحِمَةْ، عَشٍقْتُ نَخْلَةً في الْعِراقِ مَنْبَتُها اسْمُها لَيْلَى، تَرَعْرَعَتْ مُُِمْتَشِقَةَ القامَةِ تَغْدُو وَتَروحُ إلَى زَرائِبِها بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَالْكوفَةِ، تَجولُ حَوْلَ الْمِرْبَدِ، تَحمِلُ لِواءَ الْعُروبَةِ، تُنادِي بِأعْلَى صَوْتِها: أَيْنَ عُشّاقي الَّذينَ سَحَرْتُهُمْ بٍقَلائِدِي، أيْنَ الَّذينَ ماتوا شَغَفًا بِفَرائِدي، يا مَنْ كُنْتُم تَخُطُّونَ بِأَقْلامِكُم شَواردي، أيْنَ أبو عَمْرِو بْنُ العَلاء حامٍلُ الْقِمَطْرِ يَلْتَقِطُ لَآلِئِي:
تَصُدُّ وَتُبْدِي عَنْ أَسيلٍ وَتَتَّقي
بِناظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ
أَيْنَ أَلْفَرَزْدَقُ يُعَدِّدُ في مِرْبَدِي في بَصْرَتِي مَآثِرَ مُجاشِعٍ ، ويَصْرُخُ مُتَشَدِّقًا:
إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّماءَ بَنَى لَنا
بَيْتًا دَعائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
فَيَخْرُجُ لَهُ ابْنُ الْمَراغةِ مِنْ زَريبَةِ أَبيهِ رَضيعِ الغَنَمِ لِيُفْحِمَهُ بٍصَوْتٍ يُزَلْزِلُ الْجِبالَ:
أَخْزَى الَّذِي سَمَكَ السَّماءَ مُجاشِعًا
وَبَنَى بِناءَكَ بِالْحَضِيضِ الْأَسْفَلِ
فَيُفْلِحُ هَمّامُ بنُ غالِبٍ بِقَوْلِهِ:
أًولَئِكَ آبائِي فَجِئْنِي بِمثْلِهِمْ
إذا جَمَعَتَنا يا جَرِيِرُ الْمَجامِعُ
فَتَهْتَزُّ لَيْلَى وَيَحْتارُ الدَّمْعُ في عَيْنَيْها، وَيَمَّمَتْ شَرَفًا فَصَعِدَتْهُ صائِحَةً يا وَلَدَيَّ سِجالٌ سِجالْ، أَنتُما عَيْنايَ فَيُسْرِعُ الْخَصْمانِ فَيَتَعانَقا.
وَتَنْهَمِرُ الدُّموعُ مِنْ عَيْنَيْ لَيْلَى ونادَتْ بِصَوْتِها الرَّخيم: يا قَوْمُ!!! أَيْنَ أَبْنائي؟ أَيْنَ الأَصْمَعِيُّ وَأَيْنَ قِرْطاسُهُ لِيَلُمَّ شَمْلي، وَأيْنَ وَلَدايَ سِيبَوَيْهِ صاحِبُ كِتابي، والْكِسائِيُّ قارِئُ قُرْآني، سَمِعْتُ أَنَّهُما اخْتَلَفا في الْمَسْأَلَةِ الزُّنْبورِيَّةِ، لا وَألْفِ لا سِجالٌ سِجالُ، هُما يَدايَ وَأنا أُمُّهُما.
أَيُّها الْعْرْبُ الْعارِبَةُ أنا لَيْلَى العَرَبِيََةُ زِينَتُكُمْ، وَجاهُكُمْ وَرَمْزُكُمْ وَشَرَفُكُمْ ولِسانُكُمْ ، وَعُرْوَةُ وَحْدَتِكُمْ. أَيْنَ ابني أحمد بنِ يَحْيَى ثَعْلَبُ قدِ اشْتَقْتُ لِحُضورِ مَجالِسِهِ، التي يَنثُرُ فيها لَآلِئي.
أَيْنَ وَلَدِي مُحَمَّدُ بنُ يَزيدَ الْمُبَرِّدُ، واللَّهِ الْمُبَرِّدُ ولَيْسَ الْمُبَرَّدُ، فَأَنا عاتِبَةٌ عَلَى أبْنائِيَ الْكُوفِيِّينَ وَأقولُ لَهُمْ:
وَالْكَسْرُ في راءِ الْمُبَرِّدِ واجِبٌ
وَبِغَيْرِ هذا تَنْطٍقُ السُّفَهاءُ
وَتَبْكِي لَيْلَى وَتَقُولُ: كَمْ أنا مُشْتاقَةٌ لِسَماعِ كِتابِ الكامِلِ لابني المُبَرِّد فَهُوَ فَيْضٌ بَأصْدافي وَدُرَرِي.
تَرَكَتْ العَرَبِيَّةَ الْمِرْبَدَ وشاعَ ذِكْرُها في الْمَشارِقِ والمَغارِبِ، وَأَصْبَحَتْ يُقالُ لَها لَيْلَى الْعالَمِيَّة.
وَمَرَّتِ السِّنينُ والدُّهُورُ، بَعْدَ أنْ سَيْطَرَ الأجْنَبِيُّ عَلَى رُبوعِها، وَأصابَ أبْناءَها الْوَهَنُْ وكادَتْ تَحْتَضِرُ لَوْلا جَذْوَةٌ مِنَ الرُّوحِ أكسَبَتْها الْحَياةَ، وَدَبَّ في عُروقِها دَمٌ جَديد، هذه الْجَذْوَةُ هي الوَحْيُ الْمُتَنَزَّلُ عَلَى قَلْبِ حَبيبِنا مُحَمَّدٍ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلامُهُ.
يَقولونَ لَيْلَى بِِالْعِراقِ مَريضَةٌ
أَلا لَيْتَني كُنْتُ الطَّبيبَ الْمُداوِيا
يَقولونَ إنَّ الْكِتابَةَ وَالتَّأليفَ في مِصْرَ، والطِّباعَةَ في بَيْروت، أمّا القِراءَةُ فَهيَ في الْعِراقِ، وَأمَلِي كَبيرٌ في النَّهْضَةِ الْعِراقِيَّةِ الْحَديثَةِ، بَعْدَ أنْ تَجْتازَ مِحْنَتَها الأخيرَةَ.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى