أفهوم الموسيقي المحض يؤطر جوهره ذوقا للإنسانية٬ ينتهل من فيض الأشياء رفعة المعارف٬ ويزود من جمالها٬ ويتلقي منها الفضائل والكمال٬ ورتبة نغمية سامية من حقول المعرفة٬ وحظا وافرا من العلوم والآدب٬ ثم عودة تحقق عمادها بالبنان والبيان أينما حل وحيثما بث ورحل. وقد ترك تلك للموسيقى محض بينات الأفكار والآراء من معارف٬ وتوجيهات فنية في عمق تفهم ثنيا تطور نقدانية البحث الموسيقى٬ فيما لو أردنا معرفة المقدمات المباشرة لدهشة قدوم النتائج٫ غير أن ما يدهش لدى مقارنة هذين الاقداميين هو التعارض الأساسي بينهما نقدانيا.
غالبا ما ينظر إلى هذا المفهوم يقومونه كمجرد تعاقب للأنغام المتباينة٬ بحيث يروق لهم أن يقابلوا بعضها كالأراء لبعض من ناحية التجذير٬ مما يؤدي إلى تسويغ النتائج الأرتيابية والمشقة المضنية لما يعرضونها من تباين. في حين نجد أن جوهر المؤطر يأخذ صياغته أهداف نافحة بشدة انضباط النتائج في لحظات السمع الأحترافي.. أي أن الفكرة الموجهة التي قادته في تطواف السمع٬ انطلاقا من تعاليم تهذيب الإسماع. والرجوع إليه٬ وقبل كل شئ٬ إذن إلى تأثر الشيء بالفكرة٬ وهي التي تعرض بيئة عرضها الموسيقي٬ في مجال ما٬ حيال البرهنة على شيء ما٬ في حال الدفع بنا إلى تبني معتقداته٬ وما يجب أن تعتبره كسلسلة لمراحل متعاقبة ـ تمثل ـ لتطور واحدة بعينه من المصادر التحليلية٬ بمعنى إنه تطور الفكر البشري الإبداعي الذي يتنامى عبر مراحله تقدما تؤليفيا متصارعا. أما الفلسفة إليه٬ خاصية مشروطة في ذاته٬ أي فهي حصيلة هذا التطور٬ أي أن عليها أن تدل على ذلك حتى تحتوي جميع تصوراته٬ متابعة الأستحواذ الجمالي في الكمال السمعي كنظام متقادم ونهائي يشبعها النغم في زمان ومكان ما يأتي به النغم في تأليف رفيع متعال. وهذا إقرار بأن الأفهوم إليها بالذات مشروط تاريخيا ولا يمكن أن نفهمه جيدا ما لم تقابله مع الأشياء والمعارف الأخرى.
حتى نفهم هذا التطور٬ أو ٬ هذا التحول في التصور الإنساني٬ علينا أن نستعير بعض النقاط الررئيسية في إطاره الموسيقي السليم. لغرض التمير في روح الموسيقى بين؛ (أ) الحس المرهف الذي يتلقى ما تدل عليه صورة الزمان والوجود٬ الحس الذي يؤخلق فينا اليقينيات ويفرز الظنون عن حقائق مستقلة من وإلى أذهاننا٬ كمون الأشياء حين تنقل في محولات ذاتها والقابلة للمعرفة الصريحة والأشياء التي معرفتها غامضة؛ (ب) الإفاهمية التي تؤلف بين تنوع وخيارات العدد النغمي الآحد والمضاعف٬ ما يحفزه الحدس٬ والحسن الحسي بواسطة نقله المقولات ملبية الفكر السببي٬ وما يعدها الإفهوم الموسيقي الحض دافعية ارتباط لمبدأ السببية والغرض السمعي؛ أما بالنسبة إلى (ج)؛ هو التزويد بملكة الجال الأعلى هو التأليف نحو التنغيم الأعلى التي عادة ما يسندها المؤلف الموسيقي إلى مبادئ الأفهوم المحض٬ وتبنيه أفكار متألقة متسامية٬ أي تتجاوز بها إطار التجربة لتبلغ المتخيل المطلق لجوهر الكمال٬ العلة في صلب جوهر الجمال المطلق.
سوف نلحظ أن يحتفظ بهذا التمييز بين الإفهام والكمال٬ غير أنه يمنحه العقل معنى مغاير تماما. أن أخذنا بنظر الأعتبار أن المشقة محمول أقتصر على الأفهوم كعالم الظاهرات بإمكانها أن تبني تصورات صحيحة الذي لا يستطيع أن يبني عالما ميتافيزيقيا في مجهوده. في حين لو توصلنا إلى موضوع الغموض في الإرادة الفاضلة فأن الأفهوم المحض أيضا يفشل في مجهوده حال تبنيه أشكال المعرفة ألا ضمن أشكال من المعارف التي تستمد مصادرها من المعارف المطلقة. مما يجعل السمع الموسيقي المحض يستخدم المقولات الجاهزة لمباديء قديمة فشل العقل على تحصيل نتائجها آنا. خارج التجربة. فالسمع الموسيقي المحض يعمل في الخلاء٬ عن صورته العقلية٬ إلا اللهم تكون محسوسة كي تسند إليها المعرفة الميتافيزيقية٬ كيتكون النقائض وتيه المغالطات٬ إن أدت إلى حلول بينية متناقضة وتستند إلى براهين وحجج متقبلة متساوية في القوة. حال ذاك٬ هذا يصنفه دائما٬ كما يضع استراتيجيته عمقا هو بذاته٬ إلى حيث تجنب المشقة أطيب الأثر في نفوس هواة محافلة إسماع ما يعني إليه من تطور في بنية الموسيقى ومجالسة مبدعيها٬ وأبقت البحث في ثنياها له أثرا خالدا إلى العلوم. وفي ثنايا تلك الخطوات المعرفية٬ وأداء تآليف الموسيقى النفيسة في التحقيق والمتابعة٬ وخصص مجال التعمق فيه تفسيرات فاتحة سخاء مغرم بالمعارف والكمال٬ يتحلى بنبوغ فكري٬ ويقظة ذهنية٬ وقوة وقادة في الحفاظ عليه.
خيارات الأفهوم الموسيقى أتاحته ما يستوعب سر ابراز بث أطيب الأثر ذوقا رفيعا بأداء المسنونات الإنسانية. خيارات تعدد بوادر إجادة نبوغ فرض مواظبة وضوح المشقة٬ ذلك إلى جانب تهوين فك غموض اقتدار الإرادة الفاضلة وما دفن بها في الوقت نفسه٬ و ما زالت قائمة حتى الآن٬ على جانب كبير مآثره الفكرية من المصادر المعول عليه عند أساطين المحققين والكتاب والمؤلفين والمعارف والثقافة العامة. التي أصبحت لابد لكل عالم أو فيلسوف عظيم٬ وباحث محقق٬ ودارس يتلاحظ٬ وخطيب متتبع٬ وشاعر مفوه٬ واديب بارع من الرجوع إليها والنهل منها٬ وكل من جاء يعدها وكتب في حقلها أو مارسها بعمل أو تدريس منها أخذ٬ للذي بذل احتراف من روحه ومهجته مواجع عنق وأعتذارالسمع الخطاء٬ وكل ما يملك من ملكات وإمكانيات حتى جعل عظمتها وعلو همتها صرحا شامخا في حقله٬ توطئة منها تحديا نفيسا.
قامت تلك الإشكاليات التي تحوم حولها مثابرة علامات الأستفهام كثيرا بأعمال عظيمة ومشاريع ضخمة كبيرة. مما شكلت بعدها الحيوي الواقعي شجاعة تحقيق وتتبع في الأن نفسه٬ تلك التي صعدت؛ غلبة آثار ظنون نشؤ معان سامية صيرها التشابه في الفهم٬ وبيان أختبار التذكر في التفكير٬ و طوع بناء إعمار الفكرة في العلم٬ وأسلوب محاولتها تضحيل معوقات الوضوح من طي إبرازها الفضيلة في التآلف٬ وإدراك هيبتها في الصبر والشجاعة٬ على الرغم مما تتمتع به من امكانيات معرفية هائلة٬ إلا أنها ليس عظمتها قيامة حماقة دنيوية محددة أو علو همة مدائح نوعية مطلقة. لان التحدي٬ هنا٬ ليس من نحتها٬ الذي صار في اللحد ـ الغموض ـ بداية المشقة والتأثير.
إذن نضع الجزء الأول من العنوان "موضع العلة: فرض وضوح المشقة بين هلالين " " شفاعة ما أوتيت منها. لكن٬ التحدي ـ دائما ـ يأخذ علاقته بقيمة الطرف الآخر بطونه٬ هو المطالب والفوائد الشاخصة من صروح بـ"تهوين غموض الإرادة الفاضلة" التي يشار إليها بالبنان ولسان الصدق واليقين في الآخرين٬ كي نجعل كل منهما مفتشا ناقلا في سياقه٬ بين "هلالين" مواثيق مسانيد لـ"فرض الوضوح" المفصول و لـ"تهوين الغموض" المفضوح من خزائن تعالي الأنتهاء.
فالطرف الأيمن؛ ما بين الهلالين٬ الأول: يتمثل في كون المطلوب إيضاح ما دفن من ظهور وبقي في سكون العقل عن الأشياء٬ هو التعبير عن المعتبر الموسيقي في الحكمة المحض٬ كرد٬ عن سبب عجز العقل من دلالة٬ تثبت دقة٬ ما توقف أو أختفى في الحكم على أمور مادية و معنوية من الوصول إلى معرفة صحيحة أو يقينية. فالمشقة تعبر عن حالة سكون العقل فيها٬ لا تلزم شيئا ولا تنفيه٬ وهي من شأنها أن تؤدي إلى راحة البال النفسية والطمأنينة السلبية.
أما الطرف الأيسر؛ عن الهلالين٬ الثاني: تهوين غموض إرادة الفضيلة٬ على أعتبار استحالة عدم إدراك حقيقة الأشياء نهائيا. والموسيقى تقوم الثقة على وحي العقل في الأطمئنان ما يجعل العقل عاجزا القطع بشيء يقوم على الإيحاء دون تجرب٬(لم٬ وكيف قائم ؟ تنهض الموسيقى بهذين التعليلين باستكشاف الاعتراض٬ وتفضي إلى الهمم برفعها إلى نصاب؛ الهم الفعال/الطبيعي٬ والهم المخيال٬ والهم المستفاد/الوجداني في جدال كما الأنغام البديهة٬ بين الكليات والجزئيات٬ وما يراه المؤلف من علو الحكمة أن يتمسك بالمشقة الكلية٬ بمعنى يتعلق تنبهه على أي شيئ كان٬ لا عن أشياء دون أخرى٬ في الوقت نفسه. تتناول العلم والسلوك العملي؛ من الأحكام الخاصة بالعلم وتلك المتعلقة بالأخلاق٬ وخصوصا ما يتعلق بالخير الأسمى. أي الأشتغال على المضمون للأشياء ضمن سياق ما يذهب إليه المجال٬ لكل توجه معطاة٬ وإجراء كل براهين ما تلقفه٬ داخل اطار هذا اللحن "التعليق" للحكم السمعي بالأنغام موزعة٬ أفكار في ظتهريات محضة وتأملات ظاه راتية. فالأفهوم الموسيقي المحض هو التغيير الجدري للأشياء الطبيعية النشئة٬ ففيها يكون الوعي أو الشعور السمعي ـ السليم أو الخطائ ـ معلق أو موضوع تحت السمع بين أقواس٬ ليس فقط الأنغام المتعلقة بالواقع والآراء والتأثير في السلوك٬ بل وأيضا في ما يتعلق بعلة وجود الأشياء مع بعضها. وحين وضعناها بين هلالين لكي نحصر التأثير الخارجي من وراء وضع الارتقاب الموسيقي إلى كل وحدة مهما الإشكال في الوصول لكل هلال " أناه العليا" موسيقيا٬ أي الذات التي تضع كل نغمة تجربة ممكنة٬ بمعنى التحقق منه إلى تتبع ونتائج إلى كل ما يمت لهما مما يوجد وله قيمة عند المتخصص والمتتبع أو الشغوف بالموسيقى أتجاه التحقيق المعرفي والعلمي٬ ويشكل للمعلومات وجود ملموس أو غير ملموس من المعارف وله قيمة في داخل شعور كل من تأمل وسمع أو تابع وتحقق. من هنا لا نقارن بأخفاء التأملات حيال السمع ولا نظهر جزافية التأثير من وراء الوضع من أفكار تقييدنا بهذا التعليق أو ذاك. وكل ما يفضي إلى سماع أدق يدفع بتأملات أدق يفضي إلى استنباط وجود ذات٬ وأن أختلف فيها فريقان أو أكثر أزاء نوع الحكم وقيمته ـ البديهة.
ومن نافل القول٬ الوقوف على تلكم إذ كيف الموسيقى تعبر عن أنكشافها؟ وما تؤمن بما يأتي متذوق بعدها؟ وهل هناك من مستجدات حصيفة للإنصات؟ متى يتوقع تصنيف نتيجة فتحها؟ ولماذا هناك أمتناع فهم العالم لها بغير أدوات آفهوم موسيقي محض نفسه؟ ما دور معرفة الاستحواذ على مركزية فهم التأويل بالمغايرة دون القفز٬ يتيم الدوران٬ يكون محيطا حيال حفظ الشروع عن وجه جار ما أنجلى وأختفى؟ وكيف سنصل عند مميزات كل سياق طارحا تحديه الأقصى على موقع الفهم عينه؟ ما الآذونات بأختتامها الاستراتيجي بين الحضارة أو العناوين المعلومة ومقواتها لنشرع فتح الهلال تلو هلال بعناوينها من جديد المدنية رشحها٬ على حد فرض لكل ملامح تقليد يولد بعينها٬ ليستقل اقتداره أمر فتح ما أنغلق بوجه الإرادة الفاضلة مع ولادة غامضة مطلقة؟.
ما نحاول أن نستقصي به الفكر الموسيقي بعين مفتوحة مقابل ما نفصل ونضاعف رابطها؛ تدشين متبادل و استعداد متعاقب من موضع تحدياتهما٬ من داخل وخارج الهلال الواحد٬ حيوية "الموسيقى" المخاطبة٬ بأعتبارها الفاتح لمنافذ صلة استهلال وأنبلاج وتجل الخروج من نفسها؛ التي تحشر موضعها داخل فجوة المحن٬ لتفتح منابعها الخطيرة المحفوفة بالمخاطر٬ بحركة حية٬ ناغمة ملساء٬ مشعة محلقة٬ ناظرة بسماع العين الفاحصة٬ شأن تدفقها. أي إيضاح التحجبية التي ظلت مخيمة على الحقيقة تباعا٬ مع ضرورة تحديات أفهوم الاختلاف والنسيان والجسد والحياة٬ بما فيها الموسيقي نفسها.
قيمة الموسيقى٬ تفهم كل حقل على ما يحسنه. تصوير المزايا المجيدة٬ والفضائل المشهودة للأشياء٬ تثبت داعم المعرفة٬ و سعي القدرة على الجلد في التفاني على بيان المعالم الفذة الغامدة٬ بوسعها٬ وتحشره مع من توالى التحقيق والمتابعة٬ أهل٬ حصول أروع الشرف إليها من المتولى عليها. و أكثر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• المكان والتاريخ: أوكسفورد ـ 12.23.21
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)
غالبا ما ينظر إلى هذا المفهوم يقومونه كمجرد تعاقب للأنغام المتباينة٬ بحيث يروق لهم أن يقابلوا بعضها كالأراء لبعض من ناحية التجذير٬ مما يؤدي إلى تسويغ النتائج الأرتيابية والمشقة المضنية لما يعرضونها من تباين. في حين نجد أن جوهر المؤطر يأخذ صياغته أهداف نافحة بشدة انضباط النتائج في لحظات السمع الأحترافي.. أي أن الفكرة الموجهة التي قادته في تطواف السمع٬ انطلاقا من تعاليم تهذيب الإسماع. والرجوع إليه٬ وقبل كل شئ٬ إذن إلى تأثر الشيء بالفكرة٬ وهي التي تعرض بيئة عرضها الموسيقي٬ في مجال ما٬ حيال البرهنة على شيء ما٬ في حال الدفع بنا إلى تبني معتقداته٬ وما يجب أن تعتبره كسلسلة لمراحل متعاقبة ـ تمثل ـ لتطور واحدة بعينه من المصادر التحليلية٬ بمعنى إنه تطور الفكر البشري الإبداعي الذي يتنامى عبر مراحله تقدما تؤليفيا متصارعا. أما الفلسفة إليه٬ خاصية مشروطة في ذاته٬ أي فهي حصيلة هذا التطور٬ أي أن عليها أن تدل على ذلك حتى تحتوي جميع تصوراته٬ متابعة الأستحواذ الجمالي في الكمال السمعي كنظام متقادم ونهائي يشبعها النغم في زمان ومكان ما يأتي به النغم في تأليف رفيع متعال. وهذا إقرار بأن الأفهوم إليها بالذات مشروط تاريخيا ولا يمكن أن نفهمه جيدا ما لم تقابله مع الأشياء والمعارف الأخرى.
حتى نفهم هذا التطور٬ أو ٬ هذا التحول في التصور الإنساني٬ علينا أن نستعير بعض النقاط الررئيسية في إطاره الموسيقي السليم. لغرض التمير في روح الموسيقى بين؛ (أ) الحس المرهف الذي يتلقى ما تدل عليه صورة الزمان والوجود٬ الحس الذي يؤخلق فينا اليقينيات ويفرز الظنون عن حقائق مستقلة من وإلى أذهاننا٬ كمون الأشياء حين تنقل في محولات ذاتها والقابلة للمعرفة الصريحة والأشياء التي معرفتها غامضة؛ (ب) الإفاهمية التي تؤلف بين تنوع وخيارات العدد النغمي الآحد والمضاعف٬ ما يحفزه الحدس٬ والحسن الحسي بواسطة نقله المقولات ملبية الفكر السببي٬ وما يعدها الإفهوم الموسيقي الحض دافعية ارتباط لمبدأ السببية والغرض السمعي؛ أما بالنسبة إلى (ج)؛ هو التزويد بملكة الجال الأعلى هو التأليف نحو التنغيم الأعلى التي عادة ما يسندها المؤلف الموسيقي إلى مبادئ الأفهوم المحض٬ وتبنيه أفكار متألقة متسامية٬ أي تتجاوز بها إطار التجربة لتبلغ المتخيل المطلق لجوهر الكمال٬ العلة في صلب جوهر الجمال المطلق.
سوف نلحظ أن يحتفظ بهذا التمييز بين الإفهام والكمال٬ غير أنه يمنحه العقل معنى مغاير تماما. أن أخذنا بنظر الأعتبار أن المشقة محمول أقتصر على الأفهوم كعالم الظاهرات بإمكانها أن تبني تصورات صحيحة الذي لا يستطيع أن يبني عالما ميتافيزيقيا في مجهوده. في حين لو توصلنا إلى موضوع الغموض في الإرادة الفاضلة فأن الأفهوم المحض أيضا يفشل في مجهوده حال تبنيه أشكال المعرفة ألا ضمن أشكال من المعارف التي تستمد مصادرها من المعارف المطلقة. مما يجعل السمع الموسيقي المحض يستخدم المقولات الجاهزة لمباديء قديمة فشل العقل على تحصيل نتائجها آنا. خارج التجربة. فالسمع الموسيقي المحض يعمل في الخلاء٬ عن صورته العقلية٬ إلا اللهم تكون محسوسة كي تسند إليها المعرفة الميتافيزيقية٬ كيتكون النقائض وتيه المغالطات٬ إن أدت إلى حلول بينية متناقضة وتستند إلى براهين وحجج متقبلة متساوية في القوة. حال ذاك٬ هذا يصنفه دائما٬ كما يضع استراتيجيته عمقا هو بذاته٬ إلى حيث تجنب المشقة أطيب الأثر في نفوس هواة محافلة إسماع ما يعني إليه من تطور في بنية الموسيقى ومجالسة مبدعيها٬ وأبقت البحث في ثنياها له أثرا خالدا إلى العلوم. وفي ثنايا تلك الخطوات المعرفية٬ وأداء تآليف الموسيقى النفيسة في التحقيق والمتابعة٬ وخصص مجال التعمق فيه تفسيرات فاتحة سخاء مغرم بالمعارف والكمال٬ يتحلى بنبوغ فكري٬ ويقظة ذهنية٬ وقوة وقادة في الحفاظ عليه.
خيارات الأفهوم الموسيقى أتاحته ما يستوعب سر ابراز بث أطيب الأثر ذوقا رفيعا بأداء المسنونات الإنسانية. خيارات تعدد بوادر إجادة نبوغ فرض مواظبة وضوح المشقة٬ ذلك إلى جانب تهوين فك غموض اقتدار الإرادة الفاضلة وما دفن بها في الوقت نفسه٬ و ما زالت قائمة حتى الآن٬ على جانب كبير مآثره الفكرية من المصادر المعول عليه عند أساطين المحققين والكتاب والمؤلفين والمعارف والثقافة العامة. التي أصبحت لابد لكل عالم أو فيلسوف عظيم٬ وباحث محقق٬ ودارس يتلاحظ٬ وخطيب متتبع٬ وشاعر مفوه٬ واديب بارع من الرجوع إليها والنهل منها٬ وكل من جاء يعدها وكتب في حقلها أو مارسها بعمل أو تدريس منها أخذ٬ للذي بذل احتراف من روحه ومهجته مواجع عنق وأعتذارالسمع الخطاء٬ وكل ما يملك من ملكات وإمكانيات حتى جعل عظمتها وعلو همتها صرحا شامخا في حقله٬ توطئة منها تحديا نفيسا.
قامت تلك الإشكاليات التي تحوم حولها مثابرة علامات الأستفهام كثيرا بأعمال عظيمة ومشاريع ضخمة كبيرة. مما شكلت بعدها الحيوي الواقعي شجاعة تحقيق وتتبع في الأن نفسه٬ تلك التي صعدت؛ غلبة آثار ظنون نشؤ معان سامية صيرها التشابه في الفهم٬ وبيان أختبار التذكر في التفكير٬ و طوع بناء إعمار الفكرة في العلم٬ وأسلوب محاولتها تضحيل معوقات الوضوح من طي إبرازها الفضيلة في التآلف٬ وإدراك هيبتها في الصبر والشجاعة٬ على الرغم مما تتمتع به من امكانيات معرفية هائلة٬ إلا أنها ليس عظمتها قيامة حماقة دنيوية محددة أو علو همة مدائح نوعية مطلقة. لان التحدي٬ هنا٬ ليس من نحتها٬ الذي صار في اللحد ـ الغموض ـ بداية المشقة والتأثير.
إذن نضع الجزء الأول من العنوان "موضع العلة: فرض وضوح المشقة بين هلالين " " شفاعة ما أوتيت منها. لكن٬ التحدي ـ دائما ـ يأخذ علاقته بقيمة الطرف الآخر بطونه٬ هو المطالب والفوائد الشاخصة من صروح بـ"تهوين غموض الإرادة الفاضلة" التي يشار إليها بالبنان ولسان الصدق واليقين في الآخرين٬ كي نجعل كل منهما مفتشا ناقلا في سياقه٬ بين "هلالين" مواثيق مسانيد لـ"فرض الوضوح" المفصول و لـ"تهوين الغموض" المفضوح من خزائن تعالي الأنتهاء.
فالطرف الأيمن؛ ما بين الهلالين٬ الأول: يتمثل في كون المطلوب إيضاح ما دفن من ظهور وبقي في سكون العقل عن الأشياء٬ هو التعبير عن المعتبر الموسيقي في الحكمة المحض٬ كرد٬ عن سبب عجز العقل من دلالة٬ تثبت دقة٬ ما توقف أو أختفى في الحكم على أمور مادية و معنوية من الوصول إلى معرفة صحيحة أو يقينية. فالمشقة تعبر عن حالة سكون العقل فيها٬ لا تلزم شيئا ولا تنفيه٬ وهي من شأنها أن تؤدي إلى راحة البال النفسية والطمأنينة السلبية.
أما الطرف الأيسر؛ عن الهلالين٬ الثاني: تهوين غموض إرادة الفضيلة٬ على أعتبار استحالة عدم إدراك حقيقة الأشياء نهائيا. والموسيقى تقوم الثقة على وحي العقل في الأطمئنان ما يجعل العقل عاجزا القطع بشيء يقوم على الإيحاء دون تجرب٬(لم٬ وكيف قائم ؟ تنهض الموسيقى بهذين التعليلين باستكشاف الاعتراض٬ وتفضي إلى الهمم برفعها إلى نصاب؛ الهم الفعال/الطبيعي٬ والهم المخيال٬ والهم المستفاد/الوجداني في جدال كما الأنغام البديهة٬ بين الكليات والجزئيات٬ وما يراه المؤلف من علو الحكمة أن يتمسك بالمشقة الكلية٬ بمعنى يتعلق تنبهه على أي شيئ كان٬ لا عن أشياء دون أخرى٬ في الوقت نفسه. تتناول العلم والسلوك العملي؛ من الأحكام الخاصة بالعلم وتلك المتعلقة بالأخلاق٬ وخصوصا ما يتعلق بالخير الأسمى. أي الأشتغال على المضمون للأشياء ضمن سياق ما يذهب إليه المجال٬ لكل توجه معطاة٬ وإجراء كل براهين ما تلقفه٬ داخل اطار هذا اللحن "التعليق" للحكم السمعي بالأنغام موزعة٬ أفكار في ظتهريات محضة وتأملات ظاه راتية. فالأفهوم الموسيقي المحض هو التغيير الجدري للأشياء الطبيعية النشئة٬ ففيها يكون الوعي أو الشعور السمعي ـ السليم أو الخطائ ـ معلق أو موضوع تحت السمع بين أقواس٬ ليس فقط الأنغام المتعلقة بالواقع والآراء والتأثير في السلوك٬ بل وأيضا في ما يتعلق بعلة وجود الأشياء مع بعضها. وحين وضعناها بين هلالين لكي نحصر التأثير الخارجي من وراء وضع الارتقاب الموسيقي إلى كل وحدة مهما الإشكال في الوصول لكل هلال " أناه العليا" موسيقيا٬ أي الذات التي تضع كل نغمة تجربة ممكنة٬ بمعنى التحقق منه إلى تتبع ونتائج إلى كل ما يمت لهما مما يوجد وله قيمة عند المتخصص والمتتبع أو الشغوف بالموسيقى أتجاه التحقيق المعرفي والعلمي٬ ويشكل للمعلومات وجود ملموس أو غير ملموس من المعارف وله قيمة في داخل شعور كل من تأمل وسمع أو تابع وتحقق. من هنا لا نقارن بأخفاء التأملات حيال السمع ولا نظهر جزافية التأثير من وراء الوضع من أفكار تقييدنا بهذا التعليق أو ذاك. وكل ما يفضي إلى سماع أدق يدفع بتأملات أدق يفضي إلى استنباط وجود ذات٬ وأن أختلف فيها فريقان أو أكثر أزاء نوع الحكم وقيمته ـ البديهة.
ومن نافل القول٬ الوقوف على تلكم إذ كيف الموسيقى تعبر عن أنكشافها؟ وما تؤمن بما يأتي متذوق بعدها؟ وهل هناك من مستجدات حصيفة للإنصات؟ متى يتوقع تصنيف نتيجة فتحها؟ ولماذا هناك أمتناع فهم العالم لها بغير أدوات آفهوم موسيقي محض نفسه؟ ما دور معرفة الاستحواذ على مركزية فهم التأويل بالمغايرة دون القفز٬ يتيم الدوران٬ يكون محيطا حيال حفظ الشروع عن وجه جار ما أنجلى وأختفى؟ وكيف سنصل عند مميزات كل سياق طارحا تحديه الأقصى على موقع الفهم عينه؟ ما الآذونات بأختتامها الاستراتيجي بين الحضارة أو العناوين المعلومة ومقواتها لنشرع فتح الهلال تلو هلال بعناوينها من جديد المدنية رشحها٬ على حد فرض لكل ملامح تقليد يولد بعينها٬ ليستقل اقتداره أمر فتح ما أنغلق بوجه الإرادة الفاضلة مع ولادة غامضة مطلقة؟.
ما نحاول أن نستقصي به الفكر الموسيقي بعين مفتوحة مقابل ما نفصل ونضاعف رابطها؛ تدشين متبادل و استعداد متعاقب من موضع تحدياتهما٬ من داخل وخارج الهلال الواحد٬ حيوية "الموسيقى" المخاطبة٬ بأعتبارها الفاتح لمنافذ صلة استهلال وأنبلاج وتجل الخروج من نفسها؛ التي تحشر موضعها داخل فجوة المحن٬ لتفتح منابعها الخطيرة المحفوفة بالمخاطر٬ بحركة حية٬ ناغمة ملساء٬ مشعة محلقة٬ ناظرة بسماع العين الفاحصة٬ شأن تدفقها. أي إيضاح التحجبية التي ظلت مخيمة على الحقيقة تباعا٬ مع ضرورة تحديات أفهوم الاختلاف والنسيان والجسد والحياة٬ بما فيها الموسيقي نفسها.
قيمة الموسيقى٬ تفهم كل حقل على ما يحسنه. تصوير المزايا المجيدة٬ والفضائل المشهودة للأشياء٬ تثبت داعم المعرفة٬ و سعي القدرة على الجلد في التفاني على بيان المعالم الفذة الغامدة٬ بوسعها٬ وتحشره مع من توالى التحقيق والمتابعة٬ أهل٬ حصول أروع الشرف إليها من المتولى عليها. و أكثر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• المكان والتاريخ: أوكسفورد ـ 12.23.21
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)