حكاية سالف لونجا-جمع وتحقيق الباحث عبد الله لحسايني-أكاديمية التراث
سالف لونجا
جمع وتحقيق الباحث عبد الله لحسايني
بين أيديكم صياغة للحكاية التراثية الأمازيغية المنتشرة بالشمال الإفريقي "سالف لونجا" وقد اعتمدت على روايات شفهية ونسخ مكتوبة للحكاية ولحكاية أخرى منفصلة عنها تبين لي في النهاية أنهما ليستا سوى حكاية واحدة
لقد استقيت الصيغة النهائية من كل من :
بحث للطالبة الباحثة مريم مركوم
جلسة نقاش تراثية مطولة نظمتها أكاديمية التراث حضرها مهتمون بالحكاية اليزناسنية وهم السيد عزيز زروال والأستاذة عائشة عزيماني والباحثة مريم مركوم
ورشات تدريبية حول الحكاية التراثية اليزناسنية لفائدة أعضاء جمعية الأمل للمكفوفين بأبركان، بتأطير من الباحث عبد الله لحسايني وبتنظيم من أكاديمية التراث.
صيغ للحكاية منشور بمجموعة من المواقع الشمال الإفريقية بالجزائر وتونس
وقد تم عرض الصيغة كمادة للتباري للفوز بجائزة السيدة ربيعة للحكاية التراثية نسخة 2018 بين مستويات الثانوي التأهيلي لأبركان ووجدة بتنظيم من منظمة أكاديمية التراث.
حقوق النشر محفوظة للكاتب تحت رقم إيداع
Dépôt Légal : 2018MO2395 -ISBN : 978-9920-35-865-1
حكاية سالف لونجة
صياغة الباحث – عبد الله لحسايني
كان ياماكان في قديم الزمان وسالف العصر والاوان رجل له امرأتان، كان الرجل يعشق الكسل ويتهرب من العمل، وكلما طالبته بالشغل زوجتاه ، تهرب وتاه، فلا يرجع حتى يغيب النهار، لتطلق الزوجتان عقيرتيهما بالصراخ و بالشجار. فيتحجج بالأعذار، ويعدهما بالذهاب للعمل إذا حل النهار.
مل الرجل من الصراخ والشجار، ففكر في حيلة يغيب بها عن الأنظار.
وذات صباح، و قبل أن تبدأ الديكة بالصياح، وقبل أن تنطلق الكلاب بالنباح، استيقظ الزوج باكرا وقام يدندن في فرح وسرور، تهللت اسارير زوجته "ثاعگونت" وأعدت له الفطور وراحت مسرعة توقض ضرتها "ثاميمونت" لكنه عاجلها وصاح في رعونة: أين وضعتما أكياس "العولة"،
كانت الأكياس بها الفول، و هي كل ماتبقى من خزينة الحول، فاستشاطت الزوجة الثانية "ثاميمونت" غضبا، وقالت : عجبا، أتريد أن تفرغ الخزينة، وهل تراها فكرة رزينة؟
ضحك الرجل الخمول، : أترينني سألتهم كل هذا الفول؟ أم أنك ترينني كالغول؟؟ ثم أضاف في حماس،
سأزرع كل هذا الفول هذه المرة بالأفعال لا بالأقوال ، وستصيران زوجتا "الفوّال"..
فرحت الزوجة الأولى الغبية ، فأسر لها بأمره كيما لا تكشف الزوجة الذكية، ناداها في استعجال وألح في النداء : رطبي الفول -يا زوجتي - في الماء ، لكي ينبت ويستطيل ويبلغ في طوله عنان السماء..
خرج الزوج متثاقلا على الحمار، وشيعته "ثاعگونت" لباب الدار وجلست تنتظر الأخبار. أما ثاميمونت فشيعته إلى حدود الدوار، لتتذكر المسار..
مر شهر على الغياب، وإذ بالجيران تسأل والأحباب، والجار يسأل جاره، أين مضى بحماره؟ ومنذ متى لجارنا أرض كما العباد؟؟
ومر شهر آخر، وإذ بالزوج يظهر، هاهو أخيراّ عاد ، لكن بلا زاد ولا عتاد ، لقد عاد خالي الوفاض.. هل التهم كل الفول ذلك الرجل الكسول؟... كيف سيجيب زوجتاه، حين ستسألاه عن مبلغ المحصول؟ وفعلا صاحت في وجهه زوجتاه، فاحمرت بالخجل وجنتاه:
- أين الغلة يازوجنا المزارع؟ أرى الحمار عاد خالي الوفاض، وليس على ظهره زرعا ولا بضائع..
فأجاب في هدوء: غدا عودا للحقل، جيبا كل الحقول، وكل فول يبلغ كهذه العصا في الطول، وكل فولة حباتها مدورة كحرزي، فذاك مثل الرمز، بأنها حلال، لضيعة "الفوال".
وفي الصباح، و قبل أن تبدأ الديكة بالصياح، وقبل أن تنطلق الكلاب بالنباح، أخذت الزوجتان تزنان فول الجيران، احداهما تقيس طول الفول، وضرتها تقيس حجم الفولة. حتى انتصف النهار، وأصابهما الإعياء والإحباط ، وتسلل الشك والريبة من الخطة العجيبة. كيف يقيسان طول الفول وبالحرز تقيسان الفولة، إلى أن وصلتا فول جنان الغولة، رائحة مريعة، وصوت امرأة يصرخ : ماعنى الشريكث بلا الزريعة؟ (وكأنها تقول كيف تتشاركان معي المحصول دون مساهمة في بذور الفول؟)
إن الغولة طامزة مستاءة من الزائرتين، فعليهما تقديم الاعتذار ، أجابت "ثاعگونت": نحن نقيس فول زوجنا المختار، فاستدركت ثاميمونت، يا سيدتي الحنونة، نحن سائرتان نحو الدار، وقد انتصف النهار، فجلسنا ننتظر مرور الهجير وسنكمل المسير.. فردت الغولة في مكر ودهاء: عيب علي ياويلتي أنا ولست من النساء ، إذا تركت زائرتيّ تهِمن في الخلاء... اتركا الحمار هاهنا، سأربطه بقرب الدار، ولتصعدا لبيتي،
كان المكان موحش والباب عالية، ولما حارتا في كيفية الصعود، مدت لهما شعرها وارتقتا.
نزلت طامزة قائلة ساربط البهيمة، فالتهمته بسرعة، وتركت بقرب الباب رأسه كالعلامة بانه بخير..
أحست ثاميمونت بالورطة المشؤومة.. كان لديها طفل تحزمه في الظهر، ولـ "ثاعگونت" كان، بنت تسمى لونجة، بدأت تلاطف الطفلين طامزة، وتاكل القمل من راسيهما، فاستغربت "ثاعگونت"، وطمأنتها "طامزة" بانه عدس. زاد يقين ثاميمونت بانهما في حضرة الغولة، فصارت تفكر في الأعذار : دعينا الآن نذهب فقد زال عنا التعب، فترد في عجب : اذا استرحتما فذلك الحمار لايزال في تعب، وترى ثاميمونت رأسه المدمى، فتغمز لـ "ثاعگونت" ، وتنبس في هدوء نحن ببيت "طامزة"، فترد بصوت عال : كلا ليست "طامزة"، لماذا تغمزين لي ؟
فكرت المرأة الذكية في وسيلة للنجاة بنفسها وإنقاذ الغبية، فالمبيت عند طامزة يعني الموت بين أضراسها كوجبةٍ طازجة.. أهرقت "بوش" الماء، وقرصت طفلها كي لايكف عن البكاء، وتحدثت إلى المضيفة في استجداء
- آحنّة "طامزة"، لقد عطش الأطفال فهم بالصراخ مزعجون، دعينا نستسقي الماء عند النبع وهناك سيلعبون ويتعبون ونعود إليك الليلة.
وفعلا نجحت الحيلة، لأن الغولة طامزة لا تطيق صراخ الأطفال، لكنها لا تكف عن الاحتيال. فقد تظاهرت بمساعدة "ثاعگونت" على حزم ابنتها "لونجة"، فتظاهرت بوضع الصبية مع "المهراز" على حزام ظهر الأم، بينما هي لم تضع سوى "المهراز" وأخفت الصبية في الكُمّ..
كانت الأمهات في ذلك الزمان، تضعن "مهرازا" رفقة الصبي، وتحزمنه في ثوب "الغنسة" على ظهورهن..
قامت السيدتان وهما تضنان أنهما وطفليهما نالوا النجاة، وقد كُتب لهم من جديد الحياة.. فأسرعتا نحو البوابة التي كانت عالية كالجدار، وقفزتا من الجرف وتشبتثا غصن الأشجار، وسارتا سريعا حتى غاب النهار، وقبل أن تصلا البيت، تفقدت "ثاميمونت" ابنة "ثاعگونت":
-أين ابنتك "لونجة" أيتها الضرة البلهاء
فأجابت في استهزاء:
- إنها على ظهري نائمة يا عرة النساء، أنت من اختار ضيافة الأشرار ، وسبب لي العناء.. أما أنا فقد نويتُ الرجوع بعد أن أجهدني التعب والعطش والجوع..
صمتت ثاميمونت في غضب، ومسحت عن جبينها عرق التعب، لم تردّ على ما قالت الضرة من زور وكذب.. فإحساسها يخبرها أنهما فقدتا أحدا في تلك الحفرة.. أدخلت يدها تتفقد "غنسة" الضرة، فلم تجد سوى صرة، لقد ضاعت "لونجة"..
أرادت "طامزة" أن تلتهم "لونجة"، لكن جسمها النحيل لا يشبع بطن "طامزة"، مرت الأعوام، ولونجة تعيش في مسكن الغيلان، ورأت مع "طامزة" العجائب، كان لديها قدور سبعة، وكانت "طامزة" لا تأكل إلا حين تنادي على القدور لتؤاكلها، فتتحرك نحوها القدور، فتقهق طامزة من الفرح والسرور..
كانت تخرج لتصطاد ماتجده من حيوان أو إنسان، وكانت حين تصل المسكن الذي كان على شكل مغارة ، تصرخ وتزعق كأنها أتان أي حمارة ، وتغني غناء كالإشارة، في عجالة كانت تقول: كليت سبع رجالة والثامنة هجالة، ولغزال راه يطيبلك، لونجة يا لونجة مديلي سالفك نطلع،
تسمعها لونجة، وتستمر طامزة في الغناء ، فتلقي لونجة بسالف شعرها كأنه نسر نزل من السماء، فتتسلقه الغولة وتدخل.
وفي الجهة الأخرى كان شباب الحي يتداولون خبر لونجة في بلاد الأغوال ، وماتعانيه وحيدة من أهوال، كان أخوها من أبيها إبن ميمومة لامباليا، بينما كان ابن العم يحس بحرقة وندم، كلما تحدث أحد عن بنت العم..
كان ابن عمها ميسور الحال، وكان حسن الفعال، جيد الأقوال، لكنه حين تخاصم معه ابن سيد القبيلة، انطلق بالسباب لسانه، وفقد حكمته وبيانه، لأن خصمه بشدة أهانه، لقد قال له كلاما ارتعد غضبا منه كالزلزال ، لقد قال، والعهدة على من قال: يا قليل العرض والمروءة، لوكنت أنت سيد الرجال ، وتدعي زورا أنك من الأبطال، فكيف تترك ابنة عمك أسيرة الأغوال والأهوال؟؟
رجع الشاب يحمل جبالا من الهم، وما يزيده غما على الهم، بأن لا أحد يخبره ما صار. فأمه تخشى عليه من الغيلان الثار، إذا ما فكر ابنها استرجاع لونجة، فيجيبها وبصدره حرقة كالنار: الثار أولى أم ركوب العار؟ لا بد أستعيد لونجا، يوما أنا سأترد لونجا.. ويظل يصرخ حتى يسقط أرضا كالمغشي، وبدأ يهلوس كالمجنون ويقول كلاما لم تفهمه سوى العجوزة الحكيمة، والتي تسكن وحيدة في خيمة، تداوي مرضى القبيلة، وتمنحهم حكمها الجليلة
فأنصتت له وما يقول: ما يا ما ، أحرير يصمد تحريرت تحما.
وتعني مردود بارد وحساء حريرة ساخن.. فأولتها العجوز في اثنتين، إما بأن الشاب يقصد الزواج، أو أنه يريد الأكلتين، فطلبت أن يحضروا حساء أحرير باردا في قصعة، وحساء تحريرت ساخنة في قصعة، فهب واستفاق مثل الصقر، وأمسك بيد العجوز وهي حائرة ما الأمر؟ فأغرق يدها في قصعة الحريرة، فصرخت حتى أتت أمه لتنقذها من هذه الجريرة، لكنه أبى إلا أن تحكي له عن لونجا...
فوافقت ووضع يدها في الصحن البارد، وأخبرته أين يعيش المارد، وأن لونجا تعيش عند طامزة ..
اخذ زاده وسافر، وأيقن أن ستدور عليه الدوائر، فطامزة أقوى من البشر، لكن عزيمته اقوى من أن تُقهر... وصل المكان ، وبحث عن مسكن الغيلان، سمع الغولة تنشد بصوت بشع كالرعد، وتقول: كليت سبع رجالة والثامنة هجالة، ولغزال راه يطيبلك، لونجة يا لونجة مديلي سالفك نطلع.. فتظهر فتاة ذات جمال يبهر وتمد شعرا كالبحر فتتسلق به طامزة وتدخل المسكن..
فرح الشاب بعثوره على ابنة عمه لكن ساءه حالها، وسُرَّ أكثر بجمالها، وعزم على إنقاذها ولو كان حتفه ببابها..
خرجت الغولة كعادتها، ولم تلتفت إلى زائرهاـ الذي اختبأ بين الأشجار، كيما تخطئه الأنظار.. اقترب من كهف الغولة، وصاح كصوتها وأنشد نشيدها : كليت سبع رجالة والثامنة هجالة، ولغزال راه يطيبلك، لونجة يا لونجة مديلي سالفك نطلع
نظرت لونجة فإذا برجل غريب، خشيت منه وسألته من كان، فطمأنها بأنه ابن عمها وقد رام نجاتها من براثن الغيلان. وحكى لها عن قصتها وما جرى لها، حتى اطمأنت بأنه فعلا ابن عم لها..
دخل ابن العم فخبأته في قدر من القدور، وبعد عودة الغولة، تغيرت ملامحها وشكت في أمرها وقالت لها:
- شعرك نقص خصلة يا لونجة
- يا حنا طامزة، لقد تعاركت الديكة وفضضتهم اشتباكها فظاعت مني خصلة
- أشم رائحة القصري والبصلي في داري يا لونجة ، وتقصد أن رائحة قصرية طعام بشري في منزلها
- لقد سئمت من نفس الأكل وفكرت في طبخ اكلة جديدة لك
وحين اقتنعت الغولة، واطمأنت، وضعت بقربها الأكل ونادت في القدور لتؤاكلها:
- أديومت أثيودار ، ثني تقيمن أترز أقتربي أيتها القدور ، ومن تبقى في مكانها تُكسر
سارعت القدور في الاقتراب، إلا قدرا كان يخبئ ابن عم لونجة، وحين همت بكسره، اسرعت ليلى بدق مسامير لتربط ملابس الغولة بالأرض واستعطفتها قائلة:
- لاتكسري القدر العجوز يا حنا طامزة، إنه عجز أن يتحرك، انظري انت ايضا لاتستطيعين التحرك الا بصعوبة
وحين حاولت القيام، تعتثرت بفعل المسامير وصدقت كلام لونجة
وبعد تناول العشاء، سألت لونجة طامزة عن مقدار قوتها فأخرجت أحزمة من كيسها وهي تقول:
- هذه قوة الريح، وهذه قوة الثلج، وهذه قوة الأمطار...إلى أن استنفذت جميع المخزون
وحين نامت الغولة، سرقت لونجة تلك الأحزمة، وفرت رفقة ابن عمها ، لكنها لم تنس أن تثفل في مهراس الغولة، فقد كانت المهاريس تكرر كلام من يترك لعابه فيها..
فجأة لمح الديك لونجة وهي تفر فصاح محذرا الغولة:
- كوكو عوعو ليلي ييويت أوعااميس، كوكو عوعو ليلى أخذها ابن عمها
فنادت الغولة على لونجة ورد المهراس كأنه لونجة ، فقامت والتهمت الديك الكاذب..وفعلت ذلك كل حيواناتها فالتهمتهم عقابا ونامت، إلى أن نفد لعاب المهراس ولم يرد على نداء الغولة.. فاكتشفت هروب لونجة ولحقتها...
كانت لونجة تنادي القمر وتسأله عن مكان الغولة قائلة :
- أيور آيور ماني ثلا حنا طامزة أيها القمر أين هي جدتي الغولة
فيرد القمر:
- أويور أويور على حال اتلحقذ خم أسرعي أسرعي انها على وشك اللحاق بك
فتطلق لونجة حزمة الريح لتعرقل سير الغولة فتتأخر قليلا وهي تجمع الحزمة ثم تقذف لونجة بحزمة الأمطار وهكذا إلى أن نفدت رزم الاحزمة وكادت تلحق بها لكن حال بينهما سيل الوادي فأطلقت الغولة رجاء للسماء قائلة :
- عانيت في الإرضاع والاعتناء بلونجة الرعناء، أطلب لها الشلل أيتها السماء
فشلت لونجة في الحال، لكنها ناجت السماء قائلة:
- عانيت في الطبخ والغذاء لطامزة الرعناء، أطلب لها الشلل أيتها السماء
وفعلا شلت الغولة أيضا، ولم تقفا حتى تسامحتا، فأوصت الغولة لونجة بوصيتين:
- لاتساعدي رجلا يحمل ثقلا، ولا تفكي صراع الغربان
سارت لونجة وابن عمها إلى أن وجدا رجلا سقط حمل من على ضهر حصانه، فلم يساعداه، ووجدا غرابان عملاقان يتشاجران، فقام ابن عمها بفكهما شجارهما فابتلعه أحدهما...
بقيت لونجة وحيدة تبكي حالها، فناداها ابن عمها من بطن الغراب العملاق :
- لونجة اتبعي الوادي ستجدين قريتنا، لا تخبريهم بشيء بل البسي جلد الكلاب، وسأكون معك..
وفعلا ذلك ما كان، لبست لونجة جلد كلبة جرباء، واقتحمت قريتها وجلست تنتظر المساء، فجاء الطائر وصاح من جوفه ابن عمها وغير اسمها حتى لا يعرفها اهل القبيلة:
- ليلى يا ليلى واش عشاك الليلة ، أي ما عشاؤك ياليلى
- عشاوني النخالة ورقادي فالخالفة، أي عشائي رديء ونومي في مكان رديء
- قرح ما قرح با قرح الخيمة الكبيرة، أي يا حسرتي على حالتك
سمع الناس قول الغراب ورد الكلبة، فاستغربوا وأعطوا الكلبة أحسن الأكل وأجمل مرقد ، وفي الليل رجع الغراب وسأل ابن العم قائلا:
- ليلى يا ليلى واش عشاك الليلة:
- عشاوني الرفيسة ورقادي قطيفة، أي أن الحالة تحسنت
- فرح ما فرح با فرح الخيمة لكبيرة
ذهبت أم ابن عم لونجة إلى الحكيمة، فأشارت إليها بأن تذبح جديا وتضيف له الكصير من الملح وتتركه قرب الوادي
وفعلا جاء الغراب العملاق والتهم الجدي، بسبب الملح عطش وقام بشرب الكثير من الماء حتى اثقل فتقيأ وسقط ابن العم من جوفه..
سرت القبيلة بما وقع، وفي ليلة الفرح، طلب ابن العم أن يتزوج بالكلبة فاستغربوا من طلبه، لكنه أصر..
وفي الصباح خرجت لونجة من بيته في أحسن صورة فانبهرت القرية بمارأت، وظنو أن الكلبة تحولت إلى فتاة حسناء خارقة الجمال.. وخرجت من بيته الخادمة تغني : سيدي أيور لالة تفويت ، أي سيدي بدر وسيدتي كالشمس
أما أخو لونجة الذي نجى من الغولة في البداية، ولم يشأ إنقاذ أخته الجميلة، فقد أصر على الزواج من كلبة في القرية أيضا، لعلها تصبح حسناء في الصباح،
لكن في الصباح خرجت الخادمة من بيته وهي تصيح : سيدي ذيهي، أذان نس ذيهي ، سيدي هنا وأمعاؤه هناك .. لقد افترسته الكلبة اللئيمة.. وهكذا حكايتي مشات معا الواد الواد وانا بقيت معا الناس الاجواد
سالف لونجا
جمع وتحقيق الباحث عبد الله لحسايني
بين أيديكم صياغة للحكاية التراثية الأمازيغية المنتشرة بالشمال الإفريقي "سالف لونجا" وقد اعتمدت على روايات شفهية ونسخ مكتوبة للحكاية ولحكاية أخرى منفصلة عنها تبين لي في النهاية أنهما ليستا سوى حكاية واحدة
لقد استقيت الصيغة النهائية من كل من :
بحث للطالبة الباحثة مريم مركوم
جلسة نقاش تراثية مطولة نظمتها أكاديمية التراث حضرها مهتمون بالحكاية اليزناسنية وهم السيد عزيز زروال والأستاذة عائشة عزيماني والباحثة مريم مركوم
ورشات تدريبية حول الحكاية التراثية اليزناسنية لفائدة أعضاء جمعية الأمل للمكفوفين بأبركان، بتأطير من الباحث عبد الله لحسايني وبتنظيم من أكاديمية التراث.
صيغ للحكاية منشور بمجموعة من المواقع الشمال الإفريقية بالجزائر وتونس
وقد تم عرض الصيغة كمادة للتباري للفوز بجائزة السيدة ربيعة للحكاية التراثية نسخة 2018 بين مستويات الثانوي التأهيلي لأبركان ووجدة بتنظيم من منظمة أكاديمية التراث.
حقوق النشر محفوظة للكاتب تحت رقم إيداع
Dépôt Légal : 2018MO2395 -ISBN : 978-9920-35-865-1
حكاية سالف لونجة
صياغة الباحث – عبد الله لحسايني
كان ياماكان في قديم الزمان وسالف العصر والاوان رجل له امرأتان، كان الرجل يعشق الكسل ويتهرب من العمل، وكلما طالبته بالشغل زوجتاه ، تهرب وتاه، فلا يرجع حتى يغيب النهار، لتطلق الزوجتان عقيرتيهما بالصراخ و بالشجار. فيتحجج بالأعذار، ويعدهما بالذهاب للعمل إذا حل النهار.
مل الرجل من الصراخ والشجار، ففكر في حيلة يغيب بها عن الأنظار.
وذات صباح، و قبل أن تبدأ الديكة بالصياح، وقبل أن تنطلق الكلاب بالنباح، استيقظ الزوج باكرا وقام يدندن في فرح وسرور، تهللت اسارير زوجته "ثاعگونت" وأعدت له الفطور وراحت مسرعة توقض ضرتها "ثاميمونت" لكنه عاجلها وصاح في رعونة: أين وضعتما أكياس "العولة"،
كانت الأكياس بها الفول، و هي كل ماتبقى من خزينة الحول، فاستشاطت الزوجة الثانية "ثاميمونت" غضبا، وقالت : عجبا، أتريد أن تفرغ الخزينة، وهل تراها فكرة رزينة؟
ضحك الرجل الخمول، : أترينني سألتهم كل هذا الفول؟ أم أنك ترينني كالغول؟؟ ثم أضاف في حماس،
سأزرع كل هذا الفول هذه المرة بالأفعال لا بالأقوال ، وستصيران زوجتا "الفوّال"..
فرحت الزوجة الأولى الغبية ، فأسر لها بأمره كيما لا تكشف الزوجة الذكية، ناداها في استعجال وألح في النداء : رطبي الفول -يا زوجتي - في الماء ، لكي ينبت ويستطيل ويبلغ في طوله عنان السماء..
خرج الزوج متثاقلا على الحمار، وشيعته "ثاعگونت" لباب الدار وجلست تنتظر الأخبار. أما ثاميمونت فشيعته إلى حدود الدوار، لتتذكر المسار..
مر شهر على الغياب، وإذ بالجيران تسأل والأحباب، والجار يسأل جاره، أين مضى بحماره؟ ومنذ متى لجارنا أرض كما العباد؟؟
ومر شهر آخر، وإذ بالزوج يظهر، هاهو أخيراّ عاد ، لكن بلا زاد ولا عتاد ، لقد عاد خالي الوفاض.. هل التهم كل الفول ذلك الرجل الكسول؟... كيف سيجيب زوجتاه، حين ستسألاه عن مبلغ المحصول؟ وفعلا صاحت في وجهه زوجتاه، فاحمرت بالخجل وجنتاه:
- أين الغلة يازوجنا المزارع؟ أرى الحمار عاد خالي الوفاض، وليس على ظهره زرعا ولا بضائع..
فأجاب في هدوء: غدا عودا للحقل، جيبا كل الحقول، وكل فول يبلغ كهذه العصا في الطول، وكل فولة حباتها مدورة كحرزي، فذاك مثل الرمز، بأنها حلال، لضيعة "الفوال".
وفي الصباح، و قبل أن تبدأ الديكة بالصياح، وقبل أن تنطلق الكلاب بالنباح، أخذت الزوجتان تزنان فول الجيران، احداهما تقيس طول الفول، وضرتها تقيس حجم الفولة. حتى انتصف النهار، وأصابهما الإعياء والإحباط ، وتسلل الشك والريبة من الخطة العجيبة. كيف يقيسان طول الفول وبالحرز تقيسان الفولة، إلى أن وصلتا فول جنان الغولة، رائحة مريعة، وصوت امرأة يصرخ : ماعنى الشريكث بلا الزريعة؟ (وكأنها تقول كيف تتشاركان معي المحصول دون مساهمة في بذور الفول؟)
إن الغولة طامزة مستاءة من الزائرتين، فعليهما تقديم الاعتذار ، أجابت "ثاعگونت": نحن نقيس فول زوجنا المختار، فاستدركت ثاميمونت، يا سيدتي الحنونة، نحن سائرتان نحو الدار، وقد انتصف النهار، فجلسنا ننتظر مرور الهجير وسنكمل المسير.. فردت الغولة في مكر ودهاء: عيب علي ياويلتي أنا ولست من النساء ، إذا تركت زائرتيّ تهِمن في الخلاء... اتركا الحمار هاهنا، سأربطه بقرب الدار، ولتصعدا لبيتي،
كان المكان موحش والباب عالية، ولما حارتا في كيفية الصعود، مدت لهما شعرها وارتقتا.
نزلت طامزة قائلة ساربط البهيمة، فالتهمته بسرعة، وتركت بقرب الباب رأسه كالعلامة بانه بخير..
أحست ثاميمونت بالورطة المشؤومة.. كان لديها طفل تحزمه في الظهر، ولـ "ثاعگونت" كان، بنت تسمى لونجة، بدأت تلاطف الطفلين طامزة، وتاكل القمل من راسيهما، فاستغربت "ثاعگونت"، وطمأنتها "طامزة" بانه عدس. زاد يقين ثاميمونت بانهما في حضرة الغولة، فصارت تفكر في الأعذار : دعينا الآن نذهب فقد زال عنا التعب، فترد في عجب : اذا استرحتما فذلك الحمار لايزال في تعب، وترى ثاميمونت رأسه المدمى، فتغمز لـ "ثاعگونت" ، وتنبس في هدوء نحن ببيت "طامزة"، فترد بصوت عال : كلا ليست "طامزة"، لماذا تغمزين لي ؟
فكرت المرأة الذكية في وسيلة للنجاة بنفسها وإنقاذ الغبية، فالمبيت عند طامزة يعني الموت بين أضراسها كوجبةٍ طازجة.. أهرقت "بوش" الماء، وقرصت طفلها كي لايكف عن البكاء، وتحدثت إلى المضيفة في استجداء
- آحنّة "طامزة"، لقد عطش الأطفال فهم بالصراخ مزعجون، دعينا نستسقي الماء عند النبع وهناك سيلعبون ويتعبون ونعود إليك الليلة.
وفعلا نجحت الحيلة، لأن الغولة طامزة لا تطيق صراخ الأطفال، لكنها لا تكف عن الاحتيال. فقد تظاهرت بمساعدة "ثاعگونت" على حزم ابنتها "لونجة"، فتظاهرت بوضع الصبية مع "المهراز" على حزام ظهر الأم، بينما هي لم تضع سوى "المهراز" وأخفت الصبية في الكُمّ..
كانت الأمهات في ذلك الزمان، تضعن "مهرازا" رفقة الصبي، وتحزمنه في ثوب "الغنسة" على ظهورهن..
قامت السيدتان وهما تضنان أنهما وطفليهما نالوا النجاة، وقد كُتب لهم من جديد الحياة.. فأسرعتا نحو البوابة التي كانت عالية كالجدار، وقفزتا من الجرف وتشبتثا غصن الأشجار، وسارتا سريعا حتى غاب النهار، وقبل أن تصلا البيت، تفقدت "ثاميمونت" ابنة "ثاعگونت":
-أين ابنتك "لونجة" أيتها الضرة البلهاء
فأجابت في استهزاء:
- إنها على ظهري نائمة يا عرة النساء، أنت من اختار ضيافة الأشرار ، وسبب لي العناء.. أما أنا فقد نويتُ الرجوع بعد أن أجهدني التعب والعطش والجوع..
صمتت ثاميمونت في غضب، ومسحت عن جبينها عرق التعب، لم تردّ على ما قالت الضرة من زور وكذب.. فإحساسها يخبرها أنهما فقدتا أحدا في تلك الحفرة.. أدخلت يدها تتفقد "غنسة" الضرة، فلم تجد سوى صرة، لقد ضاعت "لونجة"..
أرادت "طامزة" أن تلتهم "لونجة"، لكن جسمها النحيل لا يشبع بطن "طامزة"، مرت الأعوام، ولونجة تعيش في مسكن الغيلان، ورأت مع "طامزة" العجائب، كان لديها قدور سبعة، وكانت "طامزة" لا تأكل إلا حين تنادي على القدور لتؤاكلها، فتتحرك نحوها القدور، فتقهق طامزة من الفرح والسرور..
كانت تخرج لتصطاد ماتجده من حيوان أو إنسان، وكانت حين تصل المسكن الذي كان على شكل مغارة ، تصرخ وتزعق كأنها أتان أي حمارة ، وتغني غناء كالإشارة، في عجالة كانت تقول: كليت سبع رجالة والثامنة هجالة، ولغزال راه يطيبلك، لونجة يا لونجة مديلي سالفك نطلع،
تسمعها لونجة، وتستمر طامزة في الغناء ، فتلقي لونجة بسالف شعرها كأنه نسر نزل من السماء، فتتسلقه الغولة وتدخل.
وفي الجهة الأخرى كان شباب الحي يتداولون خبر لونجة في بلاد الأغوال ، وماتعانيه وحيدة من أهوال، كان أخوها من أبيها إبن ميمومة لامباليا، بينما كان ابن العم يحس بحرقة وندم، كلما تحدث أحد عن بنت العم..
كان ابن عمها ميسور الحال، وكان حسن الفعال، جيد الأقوال، لكنه حين تخاصم معه ابن سيد القبيلة، انطلق بالسباب لسانه، وفقد حكمته وبيانه، لأن خصمه بشدة أهانه، لقد قال له كلاما ارتعد غضبا منه كالزلزال ، لقد قال، والعهدة على من قال: يا قليل العرض والمروءة، لوكنت أنت سيد الرجال ، وتدعي زورا أنك من الأبطال، فكيف تترك ابنة عمك أسيرة الأغوال والأهوال؟؟
رجع الشاب يحمل جبالا من الهم، وما يزيده غما على الهم، بأن لا أحد يخبره ما صار. فأمه تخشى عليه من الغيلان الثار، إذا ما فكر ابنها استرجاع لونجة، فيجيبها وبصدره حرقة كالنار: الثار أولى أم ركوب العار؟ لا بد أستعيد لونجا، يوما أنا سأترد لونجا.. ويظل يصرخ حتى يسقط أرضا كالمغشي، وبدأ يهلوس كالمجنون ويقول كلاما لم تفهمه سوى العجوزة الحكيمة، والتي تسكن وحيدة في خيمة، تداوي مرضى القبيلة، وتمنحهم حكمها الجليلة
فأنصتت له وما يقول: ما يا ما ، أحرير يصمد تحريرت تحما.
وتعني مردود بارد وحساء حريرة ساخن.. فأولتها العجوز في اثنتين، إما بأن الشاب يقصد الزواج، أو أنه يريد الأكلتين، فطلبت أن يحضروا حساء أحرير باردا في قصعة، وحساء تحريرت ساخنة في قصعة، فهب واستفاق مثل الصقر، وأمسك بيد العجوز وهي حائرة ما الأمر؟ فأغرق يدها في قصعة الحريرة، فصرخت حتى أتت أمه لتنقذها من هذه الجريرة، لكنه أبى إلا أن تحكي له عن لونجا...
فوافقت ووضع يدها في الصحن البارد، وأخبرته أين يعيش المارد، وأن لونجا تعيش عند طامزة ..
اخذ زاده وسافر، وأيقن أن ستدور عليه الدوائر، فطامزة أقوى من البشر، لكن عزيمته اقوى من أن تُقهر... وصل المكان ، وبحث عن مسكن الغيلان، سمع الغولة تنشد بصوت بشع كالرعد، وتقول: كليت سبع رجالة والثامنة هجالة، ولغزال راه يطيبلك، لونجة يا لونجة مديلي سالفك نطلع.. فتظهر فتاة ذات جمال يبهر وتمد شعرا كالبحر فتتسلق به طامزة وتدخل المسكن..
فرح الشاب بعثوره على ابنة عمه لكن ساءه حالها، وسُرَّ أكثر بجمالها، وعزم على إنقاذها ولو كان حتفه ببابها..
خرجت الغولة كعادتها، ولم تلتفت إلى زائرهاـ الذي اختبأ بين الأشجار، كيما تخطئه الأنظار.. اقترب من كهف الغولة، وصاح كصوتها وأنشد نشيدها : كليت سبع رجالة والثامنة هجالة، ولغزال راه يطيبلك، لونجة يا لونجة مديلي سالفك نطلع
نظرت لونجة فإذا برجل غريب، خشيت منه وسألته من كان، فطمأنها بأنه ابن عمها وقد رام نجاتها من براثن الغيلان. وحكى لها عن قصتها وما جرى لها، حتى اطمأنت بأنه فعلا ابن عم لها..
دخل ابن العم فخبأته في قدر من القدور، وبعد عودة الغولة، تغيرت ملامحها وشكت في أمرها وقالت لها:
- شعرك نقص خصلة يا لونجة
- يا حنا طامزة، لقد تعاركت الديكة وفضضتهم اشتباكها فظاعت مني خصلة
- أشم رائحة القصري والبصلي في داري يا لونجة ، وتقصد أن رائحة قصرية طعام بشري في منزلها
- لقد سئمت من نفس الأكل وفكرت في طبخ اكلة جديدة لك
وحين اقتنعت الغولة، واطمأنت، وضعت بقربها الأكل ونادت في القدور لتؤاكلها:
- أديومت أثيودار ، ثني تقيمن أترز أقتربي أيتها القدور ، ومن تبقى في مكانها تُكسر
سارعت القدور في الاقتراب، إلا قدرا كان يخبئ ابن عم لونجة، وحين همت بكسره، اسرعت ليلى بدق مسامير لتربط ملابس الغولة بالأرض واستعطفتها قائلة:
- لاتكسري القدر العجوز يا حنا طامزة، إنه عجز أن يتحرك، انظري انت ايضا لاتستطيعين التحرك الا بصعوبة
وحين حاولت القيام، تعتثرت بفعل المسامير وصدقت كلام لونجة
وبعد تناول العشاء، سألت لونجة طامزة عن مقدار قوتها فأخرجت أحزمة من كيسها وهي تقول:
- هذه قوة الريح، وهذه قوة الثلج، وهذه قوة الأمطار...إلى أن استنفذت جميع المخزون
وحين نامت الغولة، سرقت لونجة تلك الأحزمة، وفرت رفقة ابن عمها ، لكنها لم تنس أن تثفل في مهراس الغولة، فقد كانت المهاريس تكرر كلام من يترك لعابه فيها..
فجأة لمح الديك لونجة وهي تفر فصاح محذرا الغولة:
- كوكو عوعو ليلي ييويت أوعااميس، كوكو عوعو ليلى أخذها ابن عمها
فنادت الغولة على لونجة ورد المهراس كأنه لونجة ، فقامت والتهمت الديك الكاذب..وفعلت ذلك كل حيواناتها فالتهمتهم عقابا ونامت، إلى أن نفد لعاب المهراس ولم يرد على نداء الغولة.. فاكتشفت هروب لونجة ولحقتها...
كانت لونجة تنادي القمر وتسأله عن مكان الغولة قائلة :
- أيور آيور ماني ثلا حنا طامزة أيها القمر أين هي جدتي الغولة
فيرد القمر:
- أويور أويور على حال اتلحقذ خم أسرعي أسرعي انها على وشك اللحاق بك
فتطلق لونجة حزمة الريح لتعرقل سير الغولة فتتأخر قليلا وهي تجمع الحزمة ثم تقذف لونجة بحزمة الأمطار وهكذا إلى أن نفدت رزم الاحزمة وكادت تلحق بها لكن حال بينهما سيل الوادي فأطلقت الغولة رجاء للسماء قائلة :
- عانيت في الإرضاع والاعتناء بلونجة الرعناء، أطلب لها الشلل أيتها السماء
فشلت لونجة في الحال، لكنها ناجت السماء قائلة:
- عانيت في الطبخ والغذاء لطامزة الرعناء، أطلب لها الشلل أيتها السماء
وفعلا شلت الغولة أيضا، ولم تقفا حتى تسامحتا، فأوصت الغولة لونجة بوصيتين:
- لاتساعدي رجلا يحمل ثقلا، ولا تفكي صراع الغربان
سارت لونجة وابن عمها إلى أن وجدا رجلا سقط حمل من على ضهر حصانه، فلم يساعداه، ووجدا غرابان عملاقان يتشاجران، فقام ابن عمها بفكهما شجارهما فابتلعه أحدهما...
بقيت لونجة وحيدة تبكي حالها، فناداها ابن عمها من بطن الغراب العملاق :
- لونجة اتبعي الوادي ستجدين قريتنا، لا تخبريهم بشيء بل البسي جلد الكلاب، وسأكون معك..
وفعلا ذلك ما كان، لبست لونجة جلد كلبة جرباء، واقتحمت قريتها وجلست تنتظر المساء، فجاء الطائر وصاح من جوفه ابن عمها وغير اسمها حتى لا يعرفها اهل القبيلة:
- ليلى يا ليلى واش عشاك الليلة ، أي ما عشاؤك ياليلى
- عشاوني النخالة ورقادي فالخالفة، أي عشائي رديء ونومي في مكان رديء
- قرح ما قرح با قرح الخيمة الكبيرة، أي يا حسرتي على حالتك
سمع الناس قول الغراب ورد الكلبة، فاستغربوا وأعطوا الكلبة أحسن الأكل وأجمل مرقد ، وفي الليل رجع الغراب وسأل ابن العم قائلا:
- ليلى يا ليلى واش عشاك الليلة:
- عشاوني الرفيسة ورقادي قطيفة، أي أن الحالة تحسنت
- فرح ما فرح با فرح الخيمة لكبيرة
ذهبت أم ابن عم لونجة إلى الحكيمة، فأشارت إليها بأن تذبح جديا وتضيف له الكصير من الملح وتتركه قرب الوادي
وفعلا جاء الغراب العملاق والتهم الجدي، بسبب الملح عطش وقام بشرب الكثير من الماء حتى اثقل فتقيأ وسقط ابن العم من جوفه..
سرت القبيلة بما وقع، وفي ليلة الفرح، طلب ابن العم أن يتزوج بالكلبة فاستغربوا من طلبه، لكنه أصر..
وفي الصباح خرجت لونجة من بيته في أحسن صورة فانبهرت القرية بمارأت، وظنو أن الكلبة تحولت إلى فتاة حسناء خارقة الجمال.. وخرجت من بيته الخادمة تغني : سيدي أيور لالة تفويت ، أي سيدي بدر وسيدتي كالشمس
أما أخو لونجة الذي نجى من الغولة في البداية، ولم يشأ إنقاذ أخته الجميلة، فقد أصر على الزواج من كلبة في القرية أيضا، لعلها تصبح حسناء في الصباح،
لكن في الصباح خرجت الخادمة من بيته وهي تصيح : سيدي ذيهي، أذان نس ذيهي ، سيدي هنا وأمعاؤه هناك .. لقد افترسته الكلبة اللئيمة.. وهكذا حكايتي مشات معا الواد الواد وانا بقيت معا الناس الاجواد
حكاية سالف لونجا-جمع وتحقيق الباحث عبد الله لحسايني-أكاديمية التراث
سالف لونجا جمع وتحقيق الباحث عبد الله لحسايني بين أيديكم صياغة للحكاية التراثية الأمازيغية المنتشرة بالشمال الإفريقي "سالف لونجا" و...
heritacademi.blogspot.com