عندما كنت بصدد تحرير مقالي " بعيدا عن الشعبوية والانتهازية : رأي محايد ومستقل في شأن الدورية الثلاثية وجواز التلقيح " ، كنت أتوقع أن هذا المقال سينال ، بعد نشره في وسائل التواصل الرقمي ، رضى وإعجاب الفئة العريضة الواسعة من المحامين المتذمرين من الوقفات والاحتجاجات التي تخوضها فئة قليلة منهم ممن تعرض لهم هذا المقال ، مثلما كنت أتوقع كذلك ، أنه سيجلب لي العديد من الانتقادات ، أو حتى من التهجمات والاتهامات لي بالمتمخزن وبالمطبل وبالمنبطح وبالمتملق من قبل هذه الفئة التي لا يتوفر معظم أصحابها سوى على مثل هذا القاموس من الألفاظ النابية يحفظونها عن ظهر قلب ، ويرددونها كلما خالف أحدهم في الرأي توجههم الانفعالي الاتباعي المؤيد للاحتجاج ضد الدولة بسبب أو بغير سبب ، وكتب محررا يؤيد فيه موقف للدولة أو موقف إحدى المؤسسات التابعة لها في مسألة من المسائل .
وبالفعل ، فقد صدقت توقعاتي في الشق الأول منها ، عندما توصلت عبر هاتفي المحمول ، وحتى عبر الواطساب من المحامين وغيرهم ، بالعديد من المكالمات والخطابات التي تشيد بهذا المقال وتثني عليه ، وبالخصوص على ما اتسم به من جرأة ، وما تضمنه من أسانيد وحجج قانونية ، وما حواه من براهين وأدلة منطقية . كما صدقت كذلك توقعاتي في الشق الثاني منها ، وإن لم تكن بكل تلك الحدة التي كنت انتظرها ، وخصوصا من بعض المحامين بالذات المنتمين إلى طيف سياسي معين المتمركزين في بعض الجهات الجغرافية من المملكة ، الذين كانوا اعتادوا على أن يعلقوا دائما بالسلب ، على كل الكتابات والتدوينات التي كنت أنشرها سواء بالصحف الورقية أو بالمواقع الرقمية ، خلال الفترة السابقة الممتدة من سنة 2012 إلى وقت قريب . وذلك عندما قرأت لبعضهم تعليقات ضحلة على ذلك المقال ، لا يصعب على القارئ المنصف أن يخرج من قراءته لها ، بملاحظة أنها لم ترق إلى نفس مستوى المقال ، ولم تنفذ إلى جوهره ومحتواه ، ترد على كل فكرة جاءت به ، وتعلق على كل ناحية من مناحيه ، بمنهجية مقبولة ، وأسلوب قانوني وعلمي رصينين ، يتخذ من العلم والقانون والمنطق أدوات إجرائية له .
نعم إني كنت أتوقع كل ذلك ، ولكنني لم أكن أتوقع أن تشتط بهم تعليقاتهم إلى حد الذهاب بعيدا في تأويل ما لا يمكن تأويله ، كما حصل بالنسبة إلى بعضهم ، إلى الرد علي بأنني تغافلت عن التطرق إلى الفقرة الاخيرة من المادة 3 من المرسوم المنظم لحالة الطوارئ دون أن يشير إلى نصها . هذه الفقرة التي جاءت تنص بالحرف على ما يأتي : " لا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية العمومية الحيوية ، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين " ، متوهما أن هذا المقتضى يشفع له في تبرير الدافع له إلى الاحتجاج على إلزامية الاستظهار بجواز التلقيح من أجل الولوج إلى المحاكم ، أو في الدعوة إلى هذا الاحتجاج ، وما هو بشافع أو نافع له في شيء . لا بل هو ضار له ولغيره .
فهو غير نافع له . وذلك لعدة اعتبارات من جملتها :
أولا : أن هذه الفقرة إنما هي تتعلق فقط بالمرافق العمومية الحيوية ، كأقسام المستعجلات بالمستشفيات ، والجهات المكلفة بتوزيع الماء والكهرباء على العموم ، وبتموين الصيدليات بالأدوية ، والمصحات بالدم والأكسيجين ، وغيرها من المرافق العمومية التي لها صلة بمجال من المجالات الحيوية الأخرى ذات التأثير القوي الفوري الحال على صحة المواطنين وسلامتهم وحياتهم ، ومن هنا أخذت وصفها بالحيوية الذي هو لفظ مشتق من الحياة . ولا تتعلق بغيرها من المرافق العمومية الأخرى التي لا تتصف بهذه الحيوية كالمحاكم والمحافظات العقارية وإدارات التسجيل والضرائب ، والملاعب والمدارس وغيرها .
ثانيا : أنها جاءت تتضمن التنبيه إلى لزوم ألا تحول التدابير الصحية الاحترازية المتخذة بسبب حالة الطوارئ الصحية المعلنة ، دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين . ولا يمكن أن يتصور حصول هذا المحظور ، إلا إذا توقفت هذه المرافق العمومية بصفة كلية عن القيام بمهمتها ودورها الحيويين ، بأن تم إقفالها بالمرة ، وتم منع المستخدمين فيها من الولوج إليها ، أو من توفير الخدمات إلى مرتفقيها . أما إذا بقيت هذه المرافق العمومية مفتوحة في وجه العموم ، ولو بصفة جزئية ، ويقوم كل مستخدميها أو البعض منهم فقط ، بتأمين تلك الخدمات ، فإن هذا الشرط لا يكون قائما ومتوفرا ، ولا تكون أحكام الفقرة الأخيرة من المادة 3 سالفة الذكر نتيجة لذلك ، منطبقة . وهو الأمر غير المتوفر وغير المنطبق بالنسبة إلى حالتنا التي ظلت فيها المحاكم بسائر أنحاء المحاكم المغربية مفتوحة مشرعة الأبواب والمداخل ، واستمرت فيها الجلسات في الانعقاد ، والقضاة وكتاب الضبط في أداء مهامهم ، ومكاتب الضبط في تلقي المقالات ومذكرات ، والصناديق في استخلاص الأداءات ..
وهو من الممكن أن تترتب عنه بالنسبة إليه عدة أضرار ؛ أقلها أن تتم متابعته من أجل " الدعوة الى تنظيم وقفات ومسيرات غير مرخصة " ، وان تتم معاقبته على ذلك بالتوقيف عن ممارسة المهنة كما حصل لأحد الزملاء عندما صدر عليه عن غرفة المشورة مدني لدى إحدى محاكم الاستئناف حكم تأديبي بذلك . وهذا الحكم متوفر ومنشور ببعض وسائل التواصل الاجتماعي ) . وعندئذ سيعرف ان ذاك الذي كان ينعته بأقبح النعوت وأقذعها ، ويصفه بالمطبل والمنافق والمنبطح لم يكن إلا ناصحا له . ولربما أدرك من ذلك الوقت أن مثل هذه الأوصاف لا يليق أن تصدر من زميل ضد زميل له فقط لمجرد اختلافه معه في الرأي والتوجه . وخصوصا ذلك النعت بالانبطاح ذي المدلول القدحي المعروف الذي لا يعرفه ويحقه حق المعرفة ، إلا من سبق له أن جربه .
وكتب بالجديدة بتاريخ : 30/12/2021 .
النقيب محمد فجار
هيئة المحامين بالجديدة
وبالفعل ، فقد صدقت توقعاتي في الشق الأول منها ، عندما توصلت عبر هاتفي المحمول ، وحتى عبر الواطساب من المحامين وغيرهم ، بالعديد من المكالمات والخطابات التي تشيد بهذا المقال وتثني عليه ، وبالخصوص على ما اتسم به من جرأة ، وما تضمنه من أسانيد وحجج قانونية ، وما حواه من براهين وأدلة منطقية . كما صدقت كذلك توقعاتي في الشق الثاني منها ، وإن لم تكن بكل تلك الحدة التي كنت انتظرها ، وخصوصا من بعض المحامين بالذات المنتمين إلى طيف سياسي معين المتمركزين في بعض الجهات الجغرافية من المملكة ، الذين كانوا اعتادوا على أن يعلقوا دائما بالسلب ، على كل الكتابات والتدوينات التي كنت أنشرها سواء بالصحف الورقية أو بالمواقع الرقمية ، خلال الفترة السابقة الممتدة من سنة 2012 إلى وقت قريب . وذلك عندما قرأت لبعضهم تعليقات ضحلة على ذلك المقال ، لا يصعب على القارئ المنصف أن يخرج من قراءته لها ، بملاحظة أنها لم ترق إلى نفس مستوى المقال ، ولم تنفذ إلى جوهره ومحتواه ، ترد على كل فكرة جاءت به ، وتعلق على كل ناحية من مناحيه ، بمنهجية مقبولة ، وأسلوب قانوني وعلمي رصينين ، يتخذ من العلم والقانون والمنطق أدوات إجرائية له .
نعم إني كنت أتوقع كل ذلك ، ولكنني لم أكن أتوقع أن تشتط بهم تعليقاتهم إلى حد الذهاب بعيدا في تأويل ما لا يمكن تأويله ، كما حصل بالنسبة إلى بعضهم ، إلى الرد علي بأنني تغافلت عن التطرق إلى الفقرة الاخيرة من المادة 3 من المرسوم المنظم لحالة الطوارئ دون أن يشير إلى نصها . هذه الفقرة التي جاءت تنص بالحرف على ما يأتي : " لا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية العمومية الحيوية ، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين " ، متوهما أن هذا المقتضى يشفع له في تبرير الدافع له إلى الاحتجاج على إلزامية الاستظهار بجواز التلقيح من أجل الولوج إلى المحاكم ، أو في الدعوة إلى هذا الاحتجاج ، وما هو بشافع أو نافع له في شيء . لا بل هو ضار له ولغيره .
فهو غير نافع له . وذلك لعدة اعتبارات من جملتها :
أولا : أن هذه الفقرة إنما هي تتعلق فقط بالمرافق العمومية الحيوية ، كأقسام المستعجلات بالمستشفيات ، والجهات المكلفة بتوزيع الماء والكهرباء على العموم ، وبتموين الصيدليات بالأدوية ، والمصحات بالدم والأكسيجين ، وغيرها من المرافق العمومية التي لها صلة بمجال من المجالات الحيوية الأخرى ذات التأثير القوي الفوري الحال على صحة المواطنين وسلامتهم وحياتهم ، ومن هنا أخذت وصفها بالحيوية الذي هو لفظ مشتق من الحياة . ولا تتعلق بغيرها من المرافق العمومية الأخرى التي لا تتصف بهذه الحيوية كالمحاكم والمحافظات العقارية وإدارات التسجيل والضرائب ، والملاعب والمدارس وغيرها .
ثانيا : أنها جاءت تتضمن التنبيه إلى لزوم ألا تحول التدابير الصحية الاحترازية المتخذة بسبب حالة الطوارئ الصحية المعلنة ، دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين . ولا يمكن أن يتصور حصول هذا المحظور ، إلا إذا توقفت هذه المرافق العمومية بصفة كلية عن القيام بمهمتها ودورها الحيويين ، بأن تم إقفالها بالمرة ، وتم منع المستخدمين فيها من الولوج إليها ، أو من توفير الخدمات إلى مرتفقيها . أما إذا بقيت هذه المرافق العمومية مفتوحة في وجه العموم ، ولو بصفة جزئية ، ويقوم كل مستخدميها أو البعض منهم فقط ، بتأمين تلك الخدمات ، فإن هذا الشرط لا يكون قائما ومتوفرا ، ولا تكون أحكام الفقرة الأخيرة من المادة 3 سالفة الذكر نتيجة لذلك ، منطبقة . وهو الأمر غير المتوفر وغير المنطبق بالنسبة إلى حالتنا التي ظلت فيها المحاكم بسائر أنحاء المحاكم المغربية مفتوحة مشرعة الأبواب والمداخل ، واستمرت فيها الجلسات في الانعقاد ، والقضاة وكتاب الضبط في أداء مهامهم ، ومكاتب الضبط في تلقي المقالات ومذكرات ، والصناديق في استخلاص الأداءات ..
وهو من الممكن أن تترتب عنه بالنسبة إليه عدة أضرار ؛ أقلها أن تتم متابعته من أجل " الدعوة الى تنظيم وقفات ومسيرات غير مرخصة " ، وان تتم معاقبته على ذلك بالتوقيف عن ممارسة المهنة كما حصل لأحد الزملاء عندما صدر عليه عن غرفة المشورة مدني لدى إحدى محاكم الاستئناف حكم تأديبي بذلك . وهذا الحكم متوفر ومنشور ببعض وسائل التواصل الاجتماعي ) . وعندئذ سيعرف ان ذاك الذي كان ينعته بأقبح النعوت وأقذعها ، ويصفه بالمطبل والمنافق والمنبطح لم يكن إلا ناصحا له . ولربما أدرك من ذلك الوقت أن مثل هذه الأوصاف لا يليق أن تصدر من زميل ضد زميل له فقط لمجرد اختلافه معه في الرأي والتوجه . وخصوصا ذلك النعت بالانبطاح ذي المدلول القدحي المعروف الذي لا يعرفه ويحقه حق المعرفة ، إلا من سبق له أن جربه .
وكتب بالجديدة بتاريخ : 30/12/2021 .
النقيب محمد فجار
هيئة المحامين بالجديدة
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com