"نهاية الأرب في فنون الأدب" لشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري (696 - 733 ه) نسبة إلى قرية نويرة في بني سويف هو كتاب من أمهات كتب الأدب بل موسوعة من أكبر الموسوعات الأدبية تقع في ثلاثة وثلاثين جزءا، كان الكتاب مفقودا لعقود طويلة من الزمن قبل أوائل القرن العشرين حتى وجد أحمد زكي باشا الملقب بشيخ العروبة (1867 - 1934) نسخة منه في مكتبة الآستانة بتركيا فصورهأ على نفقته الخاصة وأودع النسخة المصورة دار الكتب المصرية.
تألفت لجنة حينها من كبار المحققين والمراجعين لتحقيق الكتاب ومراجعته، وقد استغرق تحقيق الكتاب ومراجعته وطباعته بأجزائه كاملة خمسة وسبعين عاما فصدر الجزء الأول منه عام 1923 وصدر الجزء التاسع والعشرون منه عام 1992 والجزء الثالث والثلاثون عام 1998 وفيما يلي فقرة ننشرها بمصاحبة هذا البوست تتحدث عن ظاهرة قديمة جديدة في مصر هي ظاهرة فساد الحياة الثقافية وهي ظاهرة يختص كل عصر منها بنصيب بحسب عوامل شتى لا مجال هنا لتفصيلها، يقول النويري رحمة الله عليه:
وقد اتسع الخرق في ذلك ودخل في الكتابة من لا يعرفها البتة، وزادوا عن الإحصاء حتى إن فيهم من لا يفرق بين الضاد والطاء (أي فيهم جهلاء)، ولقد بلغني عن بعض من أدخل نفسه في الكتابة (أي أقحم نفسه في مهنة لا يتقنها) وتوسل إلى أن كتب في ديوان الرسائل (أي أخذ ينافق و يتزلف حتى أصبح موظفا بالإدارة التي تختص بكتابة الرسائل الرسمية) أنهم رسموا له (أي كلفوه) بكتاب يكتبه في حق (أي بخصوص) رجل اسمه "طرنطاي" فقال لكاتب إلى جانبه: طرنطاي يكتب بالساقط أم بالقائم؟ ( أي سأل كاتبا زميله أيكتب اسم الرجل بحرف الضاد أم بحرف الطاء؟) وصار حد الكاتب عند هؤلاء الجهال أنه يكتب على المجود (شكل معين من الكتابة) مدة (أي فترة من الزمن) ويتقن بزعمه أسطرا فإذا رأى من نفسه أن خطه قد جاد أدنى جودة أصلح بزته (أي لبس أفضل ما لديه من ثياب) و ركب برذونه (البرذون دابة تشبه البغل) أو بغلته وسعى في الدخول إلى (أي التوظف في) ديوان الإنشاء (إدارة عليا تختص بمكاتبات السلطان) والانضمام إلى أهله ولعل الكتابة إنما يحصل ذمها (أي الحط من شأنها كمهنة وشأن من يعمل بها) بسبب هؤلاء وأمثالهم.
ويستشهد النويري على الظاهرة التي تحدث عنها في فقرته بببيتين من الشعر لا يذكر اسم قائلهما، وهما لأبي عبد الله محمد بن القاسم المعروف بأبي العيناء و هو من شعراء العصر العباسي الأول (كان فصيحا ظريفا كثير النوادر ) فيقول: لله در القائلّ
تعس الزمان فقد أتى بعجاب .. ومحا فنون الفضل والآداب
وأتى بكتاب لو انبسطت يدي .. فيهم رددتهم إلى الكتاب
تألفت لجنة حينها من كبار المحققين والمراجعين لتحقيق الكتاب ومراجعته، وقد استغرق تحقيق الكتاب ومراجعته وطباعته بأجزائه كاملة خمسة وسبعين عاما فصدر الجزء الأول منه عام 1923 وصدر الجزء التاسع والعشرون منه عام 1992 والجزء الثالث والثلاثون عام 1998 وفيما يلي فقرة ننشرها بمصاحبة هذا البوست تتحدث عن ظاهرة قديمة جديدة في مصر هي ظاهرة فساد الحياة الثقافية وهي ظاهرة يختص كل عصر منها بنصيب بحسب عوامل شتى لا مجال هنا لتفصيلها، يقول النويري رحمة الله عليه:
وقد اتسع الخرق في ذلك ودخل في الكتابة من لا يعرفها البتة، وزادوا عن الإحصاء حتى إن فيهم من لا يفرق بين الضاد والطاء (أي فيهم جهلاء)، ولقد بلغني عن بعض من أدخل نفسه في الكتابة (أي أقحم نفسه في مهنة لا يتقنها) وتوسل إلى أن كتب في ديوان الرسائل (أي أخذ ينافق و يتزلف حتى أصبح موظفا بالإدارة التي تختص بكتابة الرسائل الرسمية) أنهم رسموا له (أي كلفوه) بكتاب يكتبه في حق (أي بخصوص) رجل اسمه "طرنطاي" فقال لكاتب إلى جانبه: طرنطاي يكتب بالساقط أم بالقائم؟ ( أي سأل كاتبا زميله أيكتب اسم الرجل بحرف الضاد أم بحرف الطاء؟) وصار حد الكاتب عند هؤلاء الجهال أنه يكتب على المجود (شكل معين من الكتابة) مدة (أي فترة من الزمن) ويتقن بزعمه أسطرا فإذا رأى من نفسه أن خطه قد جاد أدنى جودة أصلح بزته (أي لبس أفضل ما لديه من ثياب) و ركب برذونه (البرذون دابة تشبه البغل) أو بغلته وسعى في الدخول إلى (أي التوظف في) ديوان الإنشاء (إدارة عليا تختص بمكاتبات السلطان) والانضمام إلى أهله ولعل الكتابة إنما يحصل ذمها (أي الحط من شأنها كمهنة وشأن من يعمل بها) بسبب هؤلاء وأمثالهم.
ويستشهد النويري على الظاهرة التي تحدث عنها في فقرته بببيتين من الشعر لا يذكر اسم قائلهما، وهما لأبي عبد الله محمد بن القاسم المعروف بأبي العيناء و هو من شعراء العصر العباسي الأول (كان فصيحا ظريفا كثير النوادر ) فيقول: لله در القائلّ
تعس الزمان فقد أتى بعجاب .. ومحا فنون الفضل والآداب
وأتى بكتاب لو انبسطت يدي .. فيهم رددتهم إلى الكتاب
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com