مشت مسرعة لتلحق سيارة الشركة التي تعمل بها، ألقت نظرة خاطفة على حقيبة يدها التي تعلقها على معصمها في تباه، حقائبها كبيرة دوما من الجلد السميك لتتحمل ثقل محتوياتها العجيبة، كتابا لا تقرؤه بالضرورة - لكنها تخطط لقراءته يوما ما- عددا من المفكرات الفارغة التي بهتت أغلفتها بانتظار اليوم الذي ستكتب فيه مذكراتها، لكن ربما اليوم لم يأت بعد، حقيبة ماكياج، زجاجة مياه معدنية، حبات «السكوتش منت» وكيسا من «السناكس»، قصاصات ورقية فواتير صورا شخصية ،ومفاتيح لا تذكر أبوابها. تنظر لساعتها في قلق، تأخرت كثيرا يجب أن تسرع وإلا فاتتها السيارة، واضطرت إلى تحمل رحلة بغيضة عبر المواصلات.. تتعثر .. تقع حقيبتها وتفترش محتوياتها الأرض، كانت أسوأ لحظاتها هي اللحظة التي تضطر إلى أن تبحث عن شئ في هذا البئر المزدحم، تبحث عن قلم مثلا فتقابل ورقة عليها بعض أبيات من قصيدة شرعت في تأليفها تنظر للتاريخ 2009 تخرج هاتفها المحمول من جيب سترتها وتتأكد من تاريخ اليوم 4 نوفمير 2014، فتبتلع ريقها في صمت وتواصل البحث.. تغلق الحقيبة على أسرارها الحمقاء، تصل أخيرا إلى السيارة،تركب في صمت، تضع سماعات الموبايل وتسرح مع «تراك» الأغاني وصوت مطربها المفضل عمرو دياب.. فجأة تتذكر أنها لم تتأكد من مظهرها في المرآة قبل نزولها بسبب انقطاع الكهرباء ، يتوقف انبعاث الموسيقى في أذنيها، نسيت شحن الموبايل كالعادة، "اللعنة" تتمتم بصوت خافت، وتبحث عن المرآة في الحقيبة "هذه نملية وليست حقيبة" -هكذا تفكر- لن تفاجأ لو خرج أرنبا منها، لم تجد المرآة.. تكف عن البحث، تنظر أمامها، تتعلق عيناها بمرآة السيارة الداخلية، تلمح عيناه، تبتسم العيون في سلام صامت، سلام يتكرر بشكل يومي.. صوت عبد الحليم ينبعث من كاسيت السيارة "وعرفت طريقها عرفته عرفته".. تبتسم في نفسها وتتذكر كيف كان سلاما خجول في البداية ، غلفته الأيام فيما بعد بألفة عجيبة يفتقدها قلبيهما إن غابت دون أن يدركا السبب.. لفترة تعودت أن تترك نظراته وراءها في فضاء السيارة لتعود وتلتقطها مجددا في رحلة العودة، اليوم كان هناك شيئا مختلفا كانت عيناه محملتين بالأسئلة، ارتبكت وتذكرت مجددا أنها لم تتأكد من مظهرها، عادة هي لا تهتم بوضع الماكياج تكتفي بألوان ملابسها الصارخة وحقيبتها الكبيرة الثمينة التي تخطف الأنظار بها دوما لشكلها الفخم بينما الداخل.. ، تكف عن التفكير وتطرق في صمت، تلتفت إلى باقي الزملاء فتجدهم في عالم آخر ، هناك من يقرأ الأذكار الصباحية، أو من اختار النوم حتى الوصول، وهناك من سرح مع خواطره الخاصة، بينما انخرطت زميلتين أخرتين في الثرثرة، ابتسمت، لا أحد يشعر بحفيف مشاعرهما الملتبسة.. تعود للبحث عن المرآة، تلمس حقيبة الماكياج، تفتح سحابها في تردد لطالما حملت كمية كبيرة من مستحضرات تجميل كريم الأساس.. أحمر الشفاه.. ماسكرا.. كحل العينين.. أحمر الخدود.. بودرة.. آي لاينر، لكنها في النهاية لا تستخدم سوى خافي العيوب تتوقع أن تدراي أناقتها ملامحها البسيطة، لا تنكر أن سلامات أخينا الأسمر نفخت بعض الحمرة في وجهها الباهت، وأضفت بعض اللمعة على عينيها.. عبد الحليم مازال يغني "وبعت كلمتين مش أكتر من سطرين قلتلها ريحيني وقوليلي أنا فين.." تمسك بأحمر الشفاه الناري، لطالما أغرمت بألوان أحمر الشفاه الجريئة والقوية، وتعودت أن تقتني أغلاها حتى لو لم تستخدمها، رغم أن شفتيها أجمل ملمح في وجهها العادي، يقولون إن العينان سر الجمال، لم تعرف هذا الجمال مع عينيها الصغيرتين، لكن شفاهها الرقيقة لطالما بدت مغرية في أحمر الشفاه الذي نادرا ما تضعه.. أمسكت بالإصبع في عزم وكأنها تخشى أن تتراجع ،نظرت إلى مرآة السيارة في عينيه مباشرة، تأكدت أن من حولها كل في ملكوته، أخرجت اللون الناري من غمده الأنيق خضبت شفاهها بلمسة ناعمة بطيئة في اعتراف صامت لعينيه.. فقط لعينيه.. عبد الحليم ينهي أغنيته "وجاني الرد جاني وقالتلي أنا من الأول بضحكلك يا أسمراني..".