ياسر أنور - الإخراج السينمائي في القرآن الكريم.. "إنها ترمي بشرر كالقصر . كأنه جمالة صفر"

اختلفت تعليقات ورؤى المفسرين حول (معاني وقراءات) المفردات المستخدمة في هاتين الآيتين الشريفتين وخاصة كلمتي (القصر - جمالة- جمالات- صفر ) ، وكلها تدور في مجملها حول القصر (مفرد) بمعناه المعروف ، أو القصر (جمع) كلمة قصرة، وهي قطعة من الخشب، وكذلك الحال في كلمة جمالة (جمع جمل الحيوان المعروف) أو (جمالة- جمالات) جمع جمل وهي الحبل الغليظ الذي تشد به السفن، (وصفر بالمعنى المباشر أو بمعنى سود)، لكن هناك شبه اتفاق بينهم على أن الضمير في قوله تعالى : إنها ترمي يعني أو يشر إلى نار جهنم
لكن الرؤية التي نقدمها من خلال تقنية الإخراج السينمائي، وهي رؤية تصويرية، تتناول المشهد من زوايا تصوير مختلفة ، هذه الرؤية تبدأ التصوير من قوله تعالى: "انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون. انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب . لا ظليل ولا يغني من اللهب. إنها ترمي بشرر كالقصر . كأنه جمالة صفر" . فالانطلاق هنا يعني في (رؤيتنا) الهرب من عذاب جهنم، وليس الدخول في عذاب جهنم، لأن جميع آيات معاينة الجحيم يستخدم فيها مشتقات كلمات مثل (دخل - ألقى - ساق)، وليس كلمة (انطلق)، فالمشهد هنا ليس انطلاقا من خارج الجحيم إلى داخلها، بل هو انطلاق من داخل الجحيم نفسها إلى منطقة أخرى أقل عذابا، والكلمة التي تشير إلى ذلك هي كلمة الظل، فليس منطقيا (من وجهة نظرنا) أن يبدأ العذاب بالظل ، ولكن المنطقي هو (تخفيف) العذاب بالظل، وكأنهم كانوا يبحثون عن مهرب ، فقيل لهم (على سبيل السخرية) : انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ، وهو تلك (الشجرة النارية) التي لم تظهر بعد في مشهد التصوير، وهم حتى هذه اللحظة لا يرونها شجرة ، بل يرون ظلا، فيهربون إليه ، وهو ظل ذو ثلاث شعب أو طرق (ظل عن اليمين - وظل عن اليسار- وظل في الوسط)، وكلمة ثلاث هنا تؤكد معنى الهروب من نقطة ليس فيها هذا الظل، وهذه النقطة تمثل البعد الرابع غير المذكور في الآية ، فالآية تتحدث عن ثلاثة أبعاد فقط (ذي ثلاث شعب)، والبعد الرابع هو الذي يشير إلى الخلف، فالهارب دائما لا ينظر خلفه بل ينظر إلى ثلاث اتجاهات فقط، هي التي أشرنا إليها (أمام – يمين – يسار)، وعندما يصل الكفار إلى ذلك (الظل) يفاجئون أنه ظل لا ظليل أي لا بحميهم من نار جهنم ، فهو ظل مخادع، وعندما يسأل كل واحد منهم نفسه متعجبا من ظل لا ظليل، يفاجأ بـ إنها ترمي بشرر( كالقصر)، فهو ظل شجرة نارية ، ترمي بشرر شكله يشبه الغصون والأفرع الخشبية ، لكنه قصر (أفرع) من جمر ، وهي ليست (هشة) بسبب احتراقها، بل هي أفرع مجدولة غليظة ، فهي سياط (جمالة) من نار (صفر)، وهذا الرمي قادم من أعلى، ويا لهم من مشهد رهيب ، أن الشجرة التي يستظلون بها ترمي (بقوة) عليهم كتلا نارية تلهم ظهورهم وجلودهم، والمفسرون الذين قالوا بأن الجمالة هنا هي الجمال (الحيوان المعروف) لهم الحق في ذلك التفسير ، لكنه (من وجهة نظرنا) قد يقلل من شدة العذاب، لأن كاميرا التصوير التي (تركز) على مشهد العذاب والهرب أو الهروب منه، هذه الكاميرا إن أدخلت عناصر أخرى (كالجمال النارية)، قد تجعل المشهد يشحن ببعض الظلال الفكاهية (الجمال النارية)، وهذا ربما يخفف الإحساس من وطأة وشدة العذاب، أما (الغصون النارية) والأفرع النارية التي تنطلق من كل الاتجاهات (خمسة اتجاهات) هذه المرة (يمين – يسار- أمام – خلف- فوق)، وهم يحنون ظهورهم هربا ، فهو مشهد فني وسينمائي، لم أقرأه من قبل في أي كتاب سماوي أو أدبي قبل نزول القرآن، وهو مشهد - إن تحول إلى مشهد سينمائي حقيقي -، فسيكون مشهدا رهيبا. إن الضمير في قوله تعالى: (إنها ترمي...) يعود (عندي) إلى تلك الشجرة النارية، وليس إلى نار جهنم ( وقد قدمت بعض الأدلة على ذلك. وفي النهاية فالمشهد يظل تابعا لقارئه ، يستطيع ان يتصوره كيف يشاء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى