صالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، شاعِرٌ فارِسٍيُّ الْاَصْلِ مَوْلَى الْأَزْدِ: شاعِرٌ مُجِيدٌ حَكيمٌ، مُتَكَلِّمٌ كانَ يَجْلِسُ لِلْوَعْظِ في مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ وَيَقُصُّ عَلَيْهِم.
اِتُّهِمَ بِالزََنْدَقَةِ (هِيَ اِظْهارُ الْإسْلامِ وَإبْطانُ الْمَجُوسِيَّةِ). وَصَلَ خَبَرُهُ إلَى الْخَليفَةِ الْمَهْدي، وَكانَ شَدِيدًا عَلَى الزَّنادِقَةِ، فَحُمِلَ إلَيْهِ فَلَمّا خاطَبَهُ أُعْجِبَ بِغَزارَةِ عِلْمِهِ، ثُمَّ قالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي قُلْتَ الْأَبْياتَ بِحَقِّ الْمُصْطَفَى عليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ؟ قالَ: لا وَاللَّهِ يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ، وَاللَّهِ ما أَشْرَكْتُ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَسْفُكْ دَمِي عَلَى الشُّبْهَةِ، وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”اِدْرَؤًُا الْحُدُودَ بِالشُّبُهاتِ” (أيِ امْتَنِعُوا عَنْ تَنْفيذِ الْحُدُودِ وَهِيَ أَحْكامُ الْجَزاءِ لِأجْلِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ) وَأَخَذَ يَتْلُو الْقُرْآنَ، حَتَّى رَقَّ لَهُ وَأَمَرَ بِتَخْلِيَتِهِ.
وكانَ لِابْنِ قُدُّوسٍ مُناظَراتٌ مَعَ أَبي هُذَيْلٍ الْعَلّافِ أَحَدِ رُؤوسِ الْمُعْتَزِلَةِ الْعِظامِ، وَلَهُ يَقول أَبُو نُواسٍ:
قُلْ لِلَّذي يَدَّعِي في الْعِلْمِ فَلْسَفةً
عَرَفْتَ شَيْئًا وَغابَتْ عَنْكَ أَشْياءُ
لا تَحْظُرِ الْعَفْوَ إنْ كُنْتَ امْرَأً حَرِجًا
فَإنَّ حَظْرَكَهُ في الدِّينِ ازْراءُ
قِيلَ رُؤِيَ ابْنُ عَبْدِ القُدُّوسِ يُصَلِّي صَلاةً تامَّةَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، فَقيلَ لَهُ: ما هَذا، وَمَذْهَبُكَ مَعْروفٌ؟ قالَ: “سُنَّةُ الْبَلَدِ، وَعادَةُ الْجَسَدِ، وَسَلامَةُ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ”. وَيْلَكَ يا شاعِرَنا أَيْنَ الإيمانُ؟ وَشُوا بِكَ إلَى الْخَليفَةِ الْمَهْديِّ، فَضَرَبَكَ بالسَّيْفِ فَقَطَعكَ نِصْفَيْنِ، وَعَلَّقَكَ أُسْبُوعًا عَلَى جِسْرِ بَغْدادَ، وَلَمْ يَشْفَعْ لَكَ الْهَرَمُ، وَلا الْعَمَى وَلا شِعْرُكَ الرّائِعُ الَّذِي خَلَّدَكَ رَغْمَ أَنْفِ الْمَهْدِيِّ الَّذِي لَمْ تَطُلْ بِهِ الْحَياةُ بَعْدَكَ.
وكانَ مَقْتَلُ الشّاعِرِ سَنَةِ ١٦٠ هَج.
نَماذِجُ مِنْ شِعْرِه:
قالَ يَعِظُ: مِنَ الْكامِلِ
الْمَرْءُ يَجْمَعُ وَالزَّمانُ يُفَرِّقُ
وَيَظَلُّ يَرْقَعُ وَالْخُطوبُ تُفَرِّقُ
وَلَأَنْ يُعادي عاقِلًا خَيْرٌ لَهُ
مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَديقٌ أَحْمَقُ
فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ لا تُصادِقْ أَحْمَقًا
إنَّ الصَّديقَ عَلَى الصَّديقِ مُصَدَّقُ
وَزِنِ الْكَلامَ إذا نَطَقْتَ فَإنَّما
يُبْدِي عُيُوبَ ذَوِي الْعُقُولِ الْمَنْطِقُ
(عُيوبَ: مفعولٌ بِهِ مُقَدَّمٌ، المنْطِقُ: فاعِلٌ للفٍعْلِ يُبْدي مُؤَخَّرٌ)
وَإنِ امْرُؤٌ لَسَعَتْهُ أَفْعَى مَرَّةً
تَرَكَتْهُ - حِينَ يُجَرُّ - حَبْلٌ يَفْرَقُ
(يَفْرَقُ: يَخافُ)
وَقالَ مِنْ قَصِيدَةٍ غَزَلِيَّةِ ضَمَّتْ سَبْعَةً وَخَمْسينَ بَيْتًا يَذْكُرُ صاحِبَتَهُ زَيًنَبَ: مِنَ الكامِلِ
صَرَمَتْ حِبالَكَ بَعْدَ وَصْلِكَ زَيْنَبُ
وَالدَّهْرُ فيهِ تَصَرُّمٌ وَتَقَلُّبُ
(صَرَمَتْ حِبالَكَ: قَطَعَتْ وُدّكَ)
وَكَذاكَ ذِكْرُ الْغانِياتِ فَإنَّهُ
آلٌ بِبَلْقَعَةٍ وَبَرْقٌ خُلَّبُ
( الْآلُ: السَّرابُ وَهُوَ ما يُرَى كَماءٍ وَلَيْسَ بِماءٍ، الْبَلْقَعَةُ: الْأَرْضُ الملساءُ لا نَباتَ ولا شَجَرَ فيها، الْبَرْقُ الْخُلَّبُ: الَّذِي لا يُمْطِرُ، أَيْ ذِكْرٌ خائِبٌ)
فَدَعِ الصِّبا فَلَقَدْ عَداكَ زَمانُهُ
وَاجْهَدْ، فَعُمْرُكَ مَرَّ مِنْهُ الْأَطْيَبُ
وَمِنْ شِعْرِه مِنَ الْخَفيف:
لَيْسَ مَنْ ماتَ فَاسْتَراحَ بِمَيْتٍ
وَإنَّما الٍمَيْتُ مَيِّتُ الْأَحْياءِ
(الْمَيْتُ هَوَ الَّذِي ماتَ فَانْتَهَى؛ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي في طَوْرِ الْمَوْتِ، وَهُناكَ في الْمُجْتَمَعِ كَثيرونَ أَحْياءٌ أَمْواتٌ، وَقَدْ فَصَّلَ الشَّاعِرُ ذَلِكَ في الْبَيْتِ القادِمِ)
إنَّما الْمَيْتُ مَنْ يَعِيشُ كَئِيبًا
كاسِفًا بالُهُ قَليلَ الرَّجاءِ
وَلَهُ في الوفاء لِلصَّدِيقِ مِنَ الْخَفيفِ أيْضًا:
لا أَخُونُ الْخَليلَ في السِّرِّ حَتَّى
يُنْقَلَ الْبَحْرُ في الْغَرابيلِ نَقْلَا
أَوْ تَمُورُ الْجِبالُ مَوْرَ السَّحابِ
مُثْقَلاتٍ وَعَتْ مِنَ الْماءِ حِمْلَا
(تَمورُ: تَضْطَرِبُ وَتَهْتَزُّ بِشِدَّةٍ. هنا تَناصٌّ قُرْآنِيٌّ جَميلٌ، وَعَتْ: أَعْيَتْ)
وَقالَ في أَحْوالِ الشَّيْخِ، وكانَ حُجَّةً عَلَيْهِ في قَتْلِهِ: مِنَ السَّريع
وَالشَّيْخُ لا يَتْرُكُ أَخْلاقَهً
حَتَّى يُوارَى في ثَرَى رَمْسِهِ
إذا ارْعَوَى عادَ إلى جَهْلِهِ
كَذِي الضَّنَى عادَ إلَى نُكْسِهِ
إلَى هُنا.
المصادِرُ:
- تاريخ بغداد البغدادي ٩: ٣٠٤
- فَواتُ الْوَفَيات للْكُتُبِي ٢: ١٦
- مُعْجَم الأُدَباءِ لِياقوت الْحَمَوي ١٢: ٦
- مَوْسوعةُ الْأَعْلام لِلزِّرِكْلِي ٣: ١٩٢
اِتُّهِمَ بِالزََنْدَقَةِ (هِيَ اِظْهارُ الْإسْلامِ وَإبْطانُ الْمَجُوسِيَّةِ). وَصَلَ خَبَرُهُ إلَى الْخَليفَةِ الْمَهْدي، وَكانَ شَدِيدًا عَلَى الزَّنادِقَةِ، فَحُمِلَ إلَيْهِ فَلَمّا خاطَبَهُ أُعْجِبَ بِغَزارَةِ عِلْمِهِ، ثُمَّ قالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي قُلْتَ الْأَبْياتَ بِحَقِّ الْمُصْطَفَى عليْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ؟ قالَ: لا وَاللَّهِ يا أَميرَ الْمُؤْمِنينَ، وَاللَّهِ ما أَشْرَكْتُ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، فَاتَّقِ اللَّهَ، وَلا تَسْفُكْ دَمِي عَلَى الشُّبْهَةِ، وَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”اِدْرَؤًُا الْحُدُودَ بِالشُّبُهاتِ” (أيِ امْتَنِعُوا عَنْ تَنْفيذِ الْحُدُودِ وَهِيَ أَحْكامُ الْجَزاءِ لِأجْلِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ) وَأَخَذَ يَتْلُو الْقُرْآنَ، حَتَّى رَقَّ لَهُ وَأَمَرَ بِتَخْلِيَتِهِ.
وكانَ لِابْنِ قُدُّوسٍ مُناظَراتٌ مَعَ أَبي هُذَيْلٍ الْعَلّافِ أَحَدِ رُؤوسِ الْمُعْتَزِلَةِ الْعِظامِ، وَلَهُ يَقول أَبُو نُواسٍ:
قُلْ لِلَّذي يَدَّعِي في الْعِلْمِ فَلْسَفةً
عَرَفْتَ شَيْئًا وَغابَتْ عَنْكَ أَشْياءُ
لا تَحْظُرِ الْعَفْوَ إنْ كُنْتَ امْرَأً حَرِجًا
فَإنَّ حَظْرَكَهُ في الدِّينِ ازْراءُ
قِيلَ رُؤِيَ ابْنُ عَبْدِ القُدُّوسِ يُصَلِّي صَلاةً تامَّةَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، فَقيلَ لَهُ: ما هَذا، وَمَذْهَبُكَ مَعْروفٌ؟ قالَ: “سُنَّةُ الْبَلَدِ، وَعادَةُ الْجَسَدِ، وَسَلامَةُ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ”. وَيْلَكَ يا شاعِرَنا أَيْنَ الإيمانُ؟ وَشُوا بِكَ إلَى الْخَليفَةِ الْمَهْديِّ، فَضَرَبَكَ بالسَّيْفِ فَقَطَعكَ نِصْفَيْنِ، وَعَلَّقَكَ أُسْبُوعًا عَلَى جِسْرِ بَغْدادَ، وَلَمْ يَشْفَعْ لَكَ الْهَرَمُ، وَلا الْعَمَى وَلا شِعْرُكَ الرّائِعُ الَّذِي خَلَّدَكَ رَغْمَ أَنْفِ الْمَهْدِيِّ الَّذِي لَمْ تَطُلْ بِهِ الْحَياةُ بَعْدَكَ.
وكانَ مَقْتَلُ الشّاعِرِ سَنَةِ ١٦٠ هَج.
نَماذِجُ مِنْ شِعْرِه:
قالَ يَعِظُ: مِنَ الْكامِلِ
الْمَرْءُ يَجْمَعُ وَالزَّمانُ يُفَرِّقُ
وَيَظَلُّ يَرْقَعُ وَالْخُطوبُ تُفَرِّقُ
وَلَأَنْ يُعادي عاقِلًا خَيْرٌ لَهُ
مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَديقٌ أَحْمَقُ
فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ لا تُصادِقْ أَحْمَقًا
إنَّ الصَّديقَ عَلَى الصَّديقِ مُصَدَّقُ
وَزِنِ الْكَلامَ إذا نَطَقْتَ فَإنَّما
يُبْدِي عُيُوبَ ذَوِي الْعُقُولِ الْمَنْطِقُ
(عُيوبَ: مفعولٌ بِهِ مُقَدَّمٌ، المنْطِقُ: فاعِلٌ للفٍعْلِ يُبْدي مُؤَخَّرٌ)
وَإنِ امْرُؤٌ لَسَعَتْهُ أَفْعَى مَرَّةً
تَرَكَتْهُ - حِينَ يُجَرُّ - حَبْلٌ يَفْرَقُ
(يَفْرَقُ: يَخافُ)
وَقالَ مِنْ قَصِيدَةٍ غَزَلِيَّةِ ضَمَّتْ سَبْعَةً وَخَمْسينَ بَيْتًا يَذْكُرُ صاحِبَتَهُ زَيًنَبَ: مِنَ الكامِلِ
صَرَمَتْ حِبالَكَ بَعْدَ وَصْلِكَ زَيْنَبُ
وَالدَّهْرُ فيهِ تَصَرُّمٌ وَتَقَلُّبُ
(صَرَمَتْ حِبالَكَ: قَطَعَتْ وُدّكَ)
وَكَذاكَ ذِكْرُ الْغانِياتِ فَإنَّهُ
آلٌ بِبَلْقَعَةٍ وَبَرْقٌ خُلَّبُ
( الْآلُ: السَّرابُ وَهُوَ ما يُرَى كَماءٍ وَلَيْسَ بِماءٍ، الْبَلْقَعَةُ: الْأَرْضُ الملساءُ لا نَباتَ ولا شَجَرَ فيها، الْبَرْقُ الْخُلَّبُ: الَّذِي لا يُمْطِرُ، أَيْ ذِكْرٌ خائِبٌ)
فَدَعِ الصِّبا فَلَقَدْ عَداكَ زَمانُهُ
وَاجْهَدْ، فَعُمْرُكَ مَرَّ مِنْهُ الْأَطْيَبُ
وَمِنْ شِعْرِه مِنَ الْخَفيف:
لَيْسَ مَنْ ماتَ فَاسْتَراحَ بِمَيْتٍ
وَإنَّما الٍمَيْتُ مَيِّتُ الْأَحْياءِ
(الْمَيْتُ هَوَ الَّذِي ماتَ فَانْتَهَى؛ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي في طَوْرِ الْمَوْتِ، وَهُناكَ في الْمُجْتَمَعِ كَثيرونَ أَحْياءٌ أَمْواتٌ، وَقَدْ فَصَّلَ الشَّاعِرُ ذَلِكَ في الْبَيْتِ القادِمِ)
إنَّما الْمَيْتُ مَنْ يَعِيشُ كَئِيبًا
كاسِفًا بالُهُ قَليلَ الرَّجاءِ
وَلَهُ في الوفاء لِلصَّدِيقِ مِنَ الْخَفيفِ أيْضًا:
لا أَخُونُ الْخَليلَ في السِّرِّ حَتَّى
يُنْقَلَ الْبَحْرُ في الْغَرابيلِ نَقْلَا
أَوْ تَمُورُ الْجِبالُ مَوْرَ السَّحابِ
مُثْقَلاتٍ وَعَتْ مِنَ الْماءِ حِمْلَا
(تَمورُ: تَضْطَرِبُ وَتَهْتَزُّ بِشِدَّةٍ. هنا تَناصٌّ قُرْآنِيٌّ جَميلٌ، وَعَتْ: أَعْيَتْ)
وَقالَ في أَحْوالِ الشَّيْخِ، وكانَ حُجَّةً عَلَيْهِ في قَتْلِهِ: مِنَ السَّريع
وَالشَّيْخُ لا يَتْرُكُ أَخْلاقَهً
حَتَّى يُوارَى في ثَرَى رَمْسِهِ
إذا ارْعَوَى عادَ إلى جَهْلِهِ
كَذِي الضَّنَى عادَ إلَى نُكْسِهِ
إلَى هُنا.
المصادِرُ:
- تاريخ بغداد البغدادي ٩: ٣٠٤
- فَواتُ الْوَفَيات للْكُتُبِي ٢: ١٦
- مُعْجَم الأُدَباءِ لِياقوت الْحَمَوي ١٢: ٦
- مَوْسوعةُ الْأَعْلام لِلزِّرِكْلِي ٣: ١٩٢