أ. د. عادل الأسطة - ملاحظات أولى صبا الحَـرْزْ: الآخـــرون

لا أدري مدى إلمام قراء الأرض المحتلة بالأدب السعودي المعاصر، ربما عرفنا أحمد ابو دهمان من خلال روايته الحِزام (200 بالفرنسية)، 2001 بالعربية عن دار الساقي، لأنها نشرت في كتاب في جريدة في شباط من العام 2006، ولم تجد، من النقاد، صدى، اذ لم يأت عليها، في حدود ما قرأت، سوى الشاعر علي الخليلي في مقالة عابرة نشرها في "الأيام". وسيكون حظ رجاء الصانع أفضل، اذ أعيد نشر روايتها "بنات الرياض" (2006) التي خصصتها أنا بمقالة طويلة، نشرتها في "الأيام" أيضاً، ودرستها مرتين في مساق المدخل الى تذوق النص الأدبي في قسم اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية، وسيكون حظ زينب حفني مثل حظ الصانع، فقد أعيدت طباعة روايتها "ملامح" (2006) في فلسطين، وأنجزت أيضاً مراجعة لها.
طبعاً يجب ألا ننسى ان أسماء نقدية، مثل عبد الله الغذامي وسعد البازعي وميجان الرويلي، تبدو معروفة للدارسين والباحثين والنقاد، من خلال كتاب الأول: "الخطيئة والتكفير" وكتاب الثاني والثالث: "دليل الناقد الأدبي". وربما اطلعنا على أسماء نقدية من خلال وصول أعداد من مجلتي "علامات" و"جذور" إلى الأرض المحتلة، وإن كان وصولهما متقطعاً وغير منتظم.
في أيار من العام المنصرم 2007 كنت أتصفح عناوين كتب وروايات لصاحب كشك في عمان/ الأردن، وتعرف إليّ صاحبه ونصحني بأن أقرأ رواية الروائية السعودية صبا الحرز: "الآخرون" (2006 ) التي صدرت أيضاً، مثل روايتي الصانع وحفني، في لندن عن دار الساقي. لم آخذ بنصيحة صاحب الكشك، ولم أقتن الرواية، وهكذا لم أقرأها، لأشعر بعد ذلك بالندم، فقد راودتني فكرة أن أدرس الرواية السعودية في مساق "موضوع خاص في الأدب الحديث"، غير أنني تراجعت لأسباب أهمها عدم توفر نصوص روائية سعودية كافية، وعدم اطلاعي، شخصياً، بما فيه الكفاية على الرواية السعودية.
في 30/12/2007 زرت رام الله، وزرت مكتبة الشروق ورأيت نسخاً من رواية "الآخرون"، فاقتنيتها، وأنفقت اليومين الأخيرين من العام المنصرم، واليوم الاول من العام الجديد، في قراءة الرواية، وقد قررت ألا ادرسها، لأنها، ورواية زينب حفني: "ملامح"، من النصوص التي قد تسبب اشكالاً في بيئة محافظة، مثل نابلس، وفي زمن يقوى فيه علي كثيرون، لأنهم لا يقوون على الاحتلال الاسرائيلي، وعلى التخلص منه وتحرير الأرض، وهذا ما يستطيعون القيام به معي، اذ قد يطردونني من الجنة، فأكون آدم الثاني، ثم ان الطالبات في قسم اللغة العربية خلوقات ومهذبات وقد لا يستطعن قراءة رواية جريئة الى حد بعيد، لأنها تخوض في المحرمات. وسأظل أتذكر أنني حاولت في العام 1983 ان ادرس رواية الطيب صالح "موسم الهجرة الى الشمال" لطلبة السنة الأولى، ففوجئت بثورة، اذ قال احد أولياء احدى الطالبات انني لا ادرس الطلاب الادب في كلية الاداب، بل ادرسهم قلة الادب.
رواية صبا الحرز "الآخرون" رواية جريئة وممتعة، ويخوض كثيرون منا، فيما تخوض فيه ساردتها، ولكن في السر، لا في العلن. والرواية سردت بضمير الأنا - اي عبر اسلوب الترجمة الذاتية، ومع ذلك لا استطيع ان اقول انها رواية سيرية، لأنني شخصياً لا أعرف شيئاً عن كاتبتها، وبالتالي فإن المقاربة التي تقوم على اساس الربط بين الكاتب وبطله تبدو من طرفي غير ممكنة.
ولأن الساردة شابة شيعية لا تتجاوز الثانية والعشرين من العمر، فقد يتساءل القارئ ان كانت ثقافتها تتناسب وسنها، ما يجعل القارئ يذهب الى التساؤل: ما مقدار ما كانت تنطق به الشخصية، ومقدار ما كانت الكاتبة تسقطه على ساردتها/ بطلتها؟ هل كل ما نطقت به الساردة صدر عنها ام انه كان يصدر ايضاً عن المؤلفة نفسها، بخاصة في الجانب اللغوي والثقافي والفلسفي أحياناً؟ هل هناك شابات في سن الثانية والعشرين قادرات على النطق بما نطقت به الساردة؟.
لعل ما يجعل القارئ يطمئن إلى أنه كلام البطلة، لا كلام المؤلفة، أن البطلة طالبة جامعية ولها محاولات كتابية، بل إنها تسهم في إصدار مجلة. وبالتالي فلا يستغرب ان تكون قرأت لـ (جان بول سارتر) و (ميلان كوندير) و (باتريك سوسكيند) وغيرهم من الكتاب الذين غدوا معروفين جيداً للقراء العرب، ذلك أنهم ترجموا إلى العربية وانتشرت كتبهم في العواصم والهوامش. ولعل التناص في هذه الرواية، وفي رواية رجاء الصانع، يستحق أن يخاض فيه، لا في مقال سريع وعابر، بل في كتابة أطروحة جامعية، ولا شك أنها ستنجز في الأعوام القادمة.
وربما تساءل القارئ، ابتداء، من هم الآخرون، ولماذا اختار الناشر ان يجعل لون المفردة الأحمر، واسم المؤلفة باللون الأسود؟ وسيتذكر المرء عبارة سارتر الشهيرة: "الآخرون هم الجحيم"، وما إن يتصفح القارئ الرواية حتى يقرأ العبارة التي تعرفها المؤلفة وتصدر بها روايتها، وربما تساءل المرء: لم لم يكن اللون الأسود، حتى يتطابق الدال مع المدلول في عبارة سارتر، وسيعيد المرء نفسه السؤال ثانية بعد أن ينتهي من قراءة الرواية، فالآخرون للساردة/ البطلة كانوا فعلاً جميعاً. وهذا يؤكد مقولة سارتر، ويجعل من تصدير الرواية بها تصديراً موفقاً، وتبني الكاتبة له ليس عبثاً.
ان الآخرين فعلوا بالساردة ما جعلوا منها كائناً مسخاً مشوهاً لا يحيا حياة طبيعية، كائناً جنسياً شاذاً، يمارس حياة لا يرضاها، ويختار في نهاية الرواية الطبيعي ويرضى عنه، ويقرف من الشذوذ وغير الطبيعي الذي لم يكن له يد فيه. تنتهي الرواية بالمقطعين 24 و 25، وتكون العلاقة في الرابع والعشرين شاذة، خلافاً لها في الخامس والعشرين حيث تكون طبيعية. تقرف الساردة/ البطلة من العلاقة المثلية، علاقة أنثى مع أنثى، وترتاح للعلاقة الطبيعية، على الرغم من عدم شرعيتها، لأنها علاقة أنثى مع ذكر.
وحين يقرأ المرء الصفحات الأولى الكثيرة من الرواية يتساءل: لماذا "الآخرون" وليس "الأخريات"، بخاصة أن العلاقة يغلب عليها الطابع المثلي؟ وسيكتشف القارئ، ان الساردة لا تقصر علاقتها مع أخريات، اذ تكون لها علاقة مع ذكور، وكلمة "الآخرون" تشمل الأخريات والآخرين، وسيعرف القارئ، لماذا اختارت المؤلفة كلمة: "الآخرون".
"الآخرون هم الجحيم" قال (سارتر)، وقد كان أكثرهم للبطلة، كذلك، إلا عمر الذي ترضى عن علاقتها به، وتبادر اليها، وتعطيه نفسها. كأنه الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وربما يبدو تحديد علاقة الأنا الساردة/ البطلة بالآخرين امراً مجدياً، لملاحظة العدد الكبير الذي كان جحيما لها، ولن أفعل ذلك هنا، فلربما ينجز هذا دارس آخر، ويتتبع علاقة الساردة بأمها وبأخيها حسن وبِـ ضيّ وبمدرسة الرياضيات وبدارين، وبخالة الساردة فاطمة، وبالمجتمع ككل، بسنته وشيعته. الساردة الشيعية تحب سنيا، ولكنه يذكر على مسمعها ما يقوله السنة في الشيعة، وهكذا سيكون الطرف الأول آخر للطرف الثاني.
والملاحظ في هذه الرواية، وفي رواية رجاء الصانع ايضاً، ان الروائيتين تختاران بطلين مستواهما الثقافي متميز وذو توجه غربي. تحضر اللغة الانجليزية في الروايتين على لسان الشخصيات حضوراً لافتاً، ما يجعل الشخصيات تعاني من عقدة العربيزي، وان كانت رجاء الصانع حاولت ان تبرر هذا الاكثار من العبارات الانجليزية. وتحضر ايضاً الاشارات الى أفلام ومسلسلات انجليزية، ما يجعل من لا يتابعها من القراء يتساءل ان كان هذا يشكل عبئاً على القارئ، وعلى الرواية ايضاً.
وسيختلف المستوى اللغوي في الروايتين الى حد ما، فرواية الحرز تكاد تخلو من العامية السعودية التي حفلت بها رواية الصانع، لدرجة أنها كانت عبئاً آخر على القارئ، وإن المحت الكاتبة الى طريقة نطق بعض الحروف في اللهجة السعودية. لكن ما لا شك فيه ان الكاتبات السعوديات انجزن روايات جريئة ممتعة، لا أدري كيف استقبلها المجتمع السعودي.



2008-01-12
أ. د. عادل الأسطة



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى