أ. د. لطفي منصور - شَيْءٌ مِنْ شِعْرِ مَرْوانَ بنِ أبي حَفْصَةَ يُنْشِدُهُ يَحْيَى بنُ خالِدٍ الْبَرْمَكِيُّ:

مَرْوانُ بنُ أبِي حَفْصَةَ شاعِرٌ مُخَضْرَمُ الدَّوْلَتَيْنِ الأُمَوِيَّة والْعَبّاسِيَّةِ. قالَ المَرْزُبانِيُّ صاحِبُ كتابِ مُعجَمِ الشُّعَراءِ، وكتابِ أَشْعارِ النِّساء (مَرَّ ذِكْرُهُما سابِقًا): هُوَ مَرْوانُ بنُ سُلَيْمانَ بنِ يَحْيَى ابنِ أبي حَفْصَةَ واسمُهُ يَزيدُ مَوْلَى مَرْوانَ بنِ الْحَكَمِ. وَأَصْلُهُمْ يَهودٌ، مِنْ مَوالي السَّمَوْأَلِ بنِ عادِياءَ، وهمْ يَدَّعونَ أنَّهم مَوالي عُثمانَ بنِ عَفّانَ الخليفَةِ. فقدْ أَسْلَمَ يَزيدُ أبو حَفصَةَ عَلَى يَدِهِ. وقدْ دافَعَ يَوْمَ الدّار عَنْ عُثْمانَ وَأَبْلَى بلاءً حَسَنًا، وبعدَ مَقْتَلِ عُثْمانَ، أَعْتَقَهُ مَرْوانُ بنُ الحَكَمِ وَنَزَلَ لَهُ عَنْ جارِيَةٍ أُمِّ وَلَدٍ، وكانَتْ لَهُ طِفْلَةٌ مِنْها تُدْعَى حَفْصَةَ، فاحْتَضَنَها يَزيدُ وَتَكَنَّى بِها، وَعُرِفَ بِأبي حَفْصَةَ.
نَشَأَ مَرْوانُ بنُ أَبي حَفْصَةَ في بَيْتٍ كُلُّهم شُعَراءُ. فَجَدُّهُ الأوَّلُ أبو حَفصَةَ كانَ شاعِرًا، وولَدُهُ يحيى ثُمَّ حفيدُهُ سُليمانُ، ثُمَّ مَرْوانُ الذي مَدَحَ بني العبّاسِ والبرامِكَةَ، وَبَني عُكْلٍ الشَّيبانيِّينَ وأجاد، فنالَ عَطاياهم، وَأصْبَحَ مِنْ أَثْرِياءِ بَغدادَ.
وفي مُطالَعاتِي في كتاب "نَضْرَةُ الإِغْرِيضِ" للمظفَّرِ بنِ الْفَضْلِ العلويِّ (ت٦٥٦هج) وَهو كتابٌ في الأَدبِ والبلاغَةِ قَلَّ لَهُ مَثيلٌ، وَقَفْتُ فيهِ عَلَى نادِرَةٍ أجْمَلَ مِنَ الدِّيباجِ الْخُسْرُوانِيِّ، حكاها لَنا شُرَحْبيلُ بْنُ مَعْنِ بنِ زائِدَةَ الشَّيْبانِيُّ، وكانَ مَعْنُ بنُ زائِدَةَ وابنُ أخيهِ يَزيدُ بنُ مَزْيَد من أعظمِ قُوّادِ الدَّوْلَةِ العبّاسِيَّةِ، وهُما مِمَّنْ ثَبَّتَ أركانَها.
يَقولُ شُرَحْبيلُ: كُنْتُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسِرْتُ تَحْتَ قُبَّةِ يَحْيَى بنِ خالِدٍ الْبَرْمَكِيِّ (القُبَّةُ هي المِظَلَّةُ التي تَقي المُسافرين مِنْ حَرارةِ الصَّحْراءِ) وَعَديلُهُ أَبو يوسُفَ (العديل الذي يُوازِنُ راكبًا آخَرَ، يوضَعُ على الرَّحل عِدْلان لِراكِبَيْنِ. أبو يُوسُفَ من أكبرِ قضاةِ المُسلِمينَ، كانَ صاحِبَ أبي حنيفَةَ النُّعمانِ صاحِبِ المذهبِ).
وَإذا بِرَجُلٍ عَلَى نَجيبٍ (الجَمَلُ أوِ الحِصان الْقَوِيُّ) فَأَنْشَدَ يَحْيَى بنَ خالِدٍ شِعْرًا لمْ يَرْضَهُ يَحْيَى وَقالَ لَهُ: أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ قَوْلِ مِثْلِهِ؟ هَلَّا قُلْتَ كما قالَ الشَّاعِرُ: مِنَ الطَّويل
- بَنُو مَطَرٍ يَوْمَ اللِّقاءِ كَأنَّهمُ
أُسودٌ لَها في غِيِلِ خَفّانَ أَشْبُلُ
(بنو مَطَر: رهطُ مَعْنِ بنِ زائِدَةَ، يومُ اللِّقاءِ: الحربُ، الغِيلُ: الأجَمَةْ، خَفّان: مَأْسَدَةٌ قُرْبُ الْكُوفَةِ)
- لَهاميمُ في الإسْلامِ سادُوا وَلَمْ يَكُنْ
لِأَوَّلِهِمْ في الإِسْلامِ أَوَّلُ
(في روايةٍ بَهاليل: أسيادٌ وَأبطالٌ، لم يَسْبِقْهُمْ أَحَدٌ إلَى الإسْلام)
- هُمُ يَمْنَعونَ الْجارَ حَتَّى كَأَنَّما
لِجارِهِمُ بَيْنَ السِّماكَيْنِ مَنْزِلُ
(السِّماكان: نَجْمان مَشْهورانِ بالْعُلُوِّ)
- هُمُ الْقَوْمُ إنْ قالُوا أصابُوا وَإنَ دُعُوا
أَجابُوا وَإنْ أعْطَوْا أَطابُوا وَأَجْزَلُوا
-ثَلاثٌ بِأَمْثالِ الْجِبالِ حُلُومُهمْ
وَأَحْلامُهم مِنْها لَدَى الرَّوْعِ أَثْقَلُ
(هذا مِثْلُ قَوْلِ جَرير:
أَحْلامُنا تَزِنُ الْجِبالَ رَزانَةً
وَتَخالُنا جِنًّا إذا ما نَجْهَلُ)
- وَما يَسْتَطيعُ الْفاعِلُونَ فَعالَهُمْ
وَإنْ أحْسَنُوا في النّائِباتِ وَأَجْمَلُوا
فَقالَ أبو يوسُفَ لِيَحْيَى: لِلَّهِ دَرُّ قائِلِهِ! لِمَنْ هذا الشَّعْرُ؟
فَقالَ يَحْيَى: لِمَرْوانَ بنِ أبي حَفْصَةَ في والدِ هذا الْفَتَى، وَأشارَ إلَى شُرَحْبيلَ بنِ مَعْنِ بنِ زائِدَةَ.
———
المصادر:
١- نَضْرَةُ الإغريض، ص: ٣٢٥-٣٢٧.
٢- ديوانُ مَرْوانَ بنِ أبي حفصة ١١٠-١١١.
٣- الشِّعْرُ والشُّعَراء لابنِ قتيبةَ الدِّينَوَريِّ ٢: ٧٦٣-٧٦٥.






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى