هناك مجموعة من الظواهر التي يطلق عليها علم النفس لقب الظواهر السامية وتعتبر نوعاً من الإدراك فوق الحسي مثل ظاهرة التنويم المغناطيسي وظاهرة الاستبصار ومقدرة الإنسان على رؤية الحوادث غير المرئية أو التنبؤ بها ، وظاهرة التخاطر telepathy من بين هذه الظواهر .. ولكنها في الغالب تكون مبهمة غير مفهومة بالنسبة لنا حيث لا تعد من قبيل المفاهيم المنتشرة في مجتمعاتنا العربية ولكنها في الواقع قد أخذت في الانتشار والتداول مؤخراً نتيجة الدور الذي تقوم به مواقع التواصل الاجتماعي من نشر تلك المفاهيم وطرح المجال أمام المناقشة بها بين روادها ، فما هو مفهوم التخاطر الذى صاغ مصطلحه فريدرك مايرز عام 1882 ، هل هو سحر أم أن له علاقة بعالم الجن؟ ، وما هو رأي الدين الإسلامي فيه من حيث الحلال والحرام.
جميع ما سبق من أسئلة يتردد على أذهان وعقول كل من يطرح أمامه ذلك الأمر ، إذ أن النفس البشرية بطبيعتها يساورها الفضول بشدة حول كل ما هو غامض وجديد ولذلك سنتطرق إلى ظاهرة التخاطر الذهني والقدرة على اتصال عقلين بشريين دون اتصال لفظي أو حسي ، وسنتطرق إلى أنواع التخاطر وعلاماته ومواقف تدل على وجود التخاطر ، وسنتعرف بعض الانتقادات الموجهة للتخاطر .. محاولين طرح جميع الأجوبة وإيضاح المفاهيم المبهمة وتصحيح المغلوط منها ، ليتسنى لكل من هو مهتم بالتخاطر معرفة فوائده وكذلك أضراره.
***
معنى التخاطر
التخاطر telepathy هو واحد من العلوم النفسية التي يتم تدريسها للطلاب في الجامعات الأمريكية والدول الأوروبية ، إذاً هو أمر ليس عابر أو غير ذي شأن ولكن له تواجد كبير في المجتمعات الغربية ، ومما لا شك فيه بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة فإن جميع ما يشغل المجتمع الأوروبي يصل سريعاً إلى الدول العربية وهو ما حدث بالفعل بشأن التخاطر.
التخاطر telepathy عبارة عن ظاهرة يتم عبرها انتقال الأفكار التي تشغل العقل وتدور به من شخص إلى شخص آخر دون الاعتماد في ذلك على الحديث والسمع أو أي حاسة أخرى من حواس الإنسان ، حيث يمكن أن يحدث ذلك دون وضع اعتبار للمسافات الفاصلة بينهم والتي قد تكون شاسعة كأن يكون كلاً منهما في بلد مختلف عن الآخر ، وغالباً ما يتم ذلك بين الأشخاص القريبين عاطفياً من بعضهم البعض خاصة في حالة التوائم وكذلك الأم وابنائها أو الأزواج فهم دوماً يشعرون بما يشعر به الآخر وتأتيهم نفس الأفكار في ذات الوقت.
يقصد بالتخاطر في العلوم الغربية الانتقال الفوري من مكان إلى آخر حيث يتمكن الإنسان من قطع مساحات شاسعة في غضون لحظات والتي مع الدراسة والوقت قد تتيح للمرء السفر عبر الكواكب ، وقد كان مجرد التفكير في الأمر ضرب من ضروب الخيال حتى عام (1993م) حيث بدأ التخاطر يدخل في الحيز النظري حينما قام فريق من الباحثين في شركة (IBM) بقيادة الفيزيائي تشارلز بينيت أن الانتقال عن بعد أصبح في الإمكان.
***
أنواع التخاطر
توجد ثلاثة أنواع من التخاطر سنتعرف عليها فيما يلي :
التخاطر العقلاني mental telepathy التخاطر العقلي : ويعني انتقال الأفكار من عقل إلى آخر ويستخدم هذا النوع مركز الحلق والمستويات السفلية من العقل ، ولا يزال التخاطر الذهني العقلاني نادراً حتى الآن ، ومن التجارب الشهيرة على ذلك كتاب راديو العقل الذي نشره الكاتب ابتون سنكلير ويشرح فيه محاولات التخاطر العقلاني بينه وبين زوجته ماري كريغ.
في أواخر عام 1920 كان سنكلير يرسم صورة ويضعها في ملف مغلق مختوم في غرفة أخرى وتقوم زوجته بمحاولة رسم نسخة مكررة من الصورة من خلال التخاطر الذهني ، وفي عام 1930 عندما نشر سنكلير الكتاب الذي يشرح محاولاته في التخاطر العقلي كان معدل دقة ماري كريغ في التخاطر مع زوجها مثيراً للإعجاب والاستغراب بالنسبة للناس وللعلماء ، ويعتبر كتاب راديو العقل خطوة مهمة في دراسة التخاطر.
التخاطر الروحاني spiritual telepathy : يعتبر التخاطر الروحي أو التخاطر من الروح إلى الروح هو أعلى شكل من أشكال التخاطر ، ويصبح متاح فقط عندما يتمكن الإنسان من الربط بين العقل والدماغ والروح ، ومن ثم يصبح قادراً على الانتقال بين العالم المادي والروحي ، كما يعتقد أن معظم المبدعين والمفكرين الذين لديهم القدرة عل الدخول إلى الجوانب الخفية من الروح تميزوا بالقدرة على هذا النوع من التخاطر الروحي.
التخاطر الغريزي : إذا كان لابد من ترتيب أنواع التخاطر على شكل هرمي فإن التخاطر الغريزي يقبع في قاعدة هذا الهرم ، و هذا النوع من التخاطر بارز بدرجة كبيرة في عالم الحيوان وأيضاً بين الإنسان والحيوان .. فمن أبرز الملاحظات المتعلقة بهذا النوع من التخاطر قدرة الحيوانات الأليفة على الشعور بوصول صاحبها حتى وإن عاد إلى المنزل بأوقات عشوائية وبوسائل مختلفة ، حيث قدم عالم الأحياء روبرت شيلدرايك نظريته عن التخاطر الطبيعي أو الغريزي في كتابه (الحيوانات التي تعلم أن أصحابها قادمون إلى البيت) ، وذلك من خلال دراسة سلوك مجموعة من الحيوانات الأليفة عندما يقترب أصحابها من الوصول إلى المنزل مع تغيير المواعيد ووسائل النقل .. ويعتقد أن هذا النوع من التخاطر يلعب دوراً كبيراً في رحلات الهجرة التي تقوم بها الحيوانات عبر آلاف الكيلومترات ، وفي الغالب يكون التخاطر الغريزي واضحاً عندما يصبح الفرد قادراً على معرفة مشاعر واحتياجات فرد آخر بالرغم من بعد المسافات بينهم ، وينتشر هذا النوع بين الأشخاص الذين تربطهم علاقة عاطفية قوية مثل الإنسان وحبيبته والآباء والأبناء والرجل وزوجته.
***
هل التخاطر حقيقة أم الخيال
من تجارب مسجلة عن توارد الخواطر بالطبع لا يمكننا أن نصدق الساحر حين يجعلنا ننبهر بقدرته على فهم أفكارنا أو أفكار من تقام عليه عملية السحر ، لأنه كله يكمن في الخداع البصري والسمعي بطريقة عبقرية وخفة يد .. ولكننا بالتأكيد يمكننا أن نتأكد من التجارب العلمية التي يقيمها علماء البيولوجيا والعلماء المتخصصين في دراسة ظواهر البارا سيكولوجي أو علم الماورائيات .. والاعتراف بتوارد الخواطر يحتاج إلى أكثر من ذلك حتى يتمكن العلماء من تثبيت أنفسهم وإجبار العالم على الاعتراف بعلم الباراسيكولوجي على كونه علم حقيقي ، يجب عليهم تقديم أدلة علمية مادية تثبت صحة كلامهم ، وليست تجارب فردية تخضع لقوانين الاحتمالات والصدف .. بمعنى أخر يجب عليهم أن يجدوا تواصل حقيقي بين دماغ المرسل والمستقبل في حالة توارد الخواطر .. هذا ما حاول القيام به ماريوس كيتينيس من جامعة ايدينبورغ وزملائه ، الفكرة مبنية على قياس الموجات الدماغية التي تصدر من دماغ الإنسان ، وهي موجات كهرومغناطيسية قصيرة تصدر من نشاط الخلايا العصبية في اللحاء الدماغي ويمكن قياسها عن طريق electroencephalograph”” في أثناء محاولة الإنسان للوصول إلى قدرة توارد الخواطر .. في التجربة تم تقسيم مجموعتين من الأشخاص لتكون المجموعة الأولى هي المرسل والأخرى تكون المتلقي في عملة توارد الخواطر ، ثم وضعوا كل مجموعة في غرفة منفصلة لا تستطيع فيها الرؤية أو سماع ما يحدث في الغرفة الثانية وكانت الأجهزة موضوعة حتى تلتقط الموجات الدماغية ، مجموعة المرسل كان تتعرض لومضات ضوئية تعمل على تحفيز الخلايا العصبية بالعين لتعمل وتنشط ، في المقابل كانت الخلايا العصبية للمجموعة المستقبلة تعطي نفس النتائج بدون أن تتعرض لأي ضوء.
لتأكيد التجربة أخرج العلماء المجموعة المرسلة من غرفتها وتم إخبار المجموعة المستقبلة أنهم ما زالوا هناك ، وتم تشغيل ومضات الضوء في غرفة المجموعة المرسلة كما لو أنهم كانوا هناك ، لم يحدث أي تغير للمجموعة المستقبلية في نشاط الأعصاب ولم يطلقوا موجات دماغية .. التجربة السابقة مهدت الطريق أمام علم الباراسيكولوجي ، أو بالأخص أمام علم توارد الخواطر . فهي مع بعض التجارب الأخرى تؤكد التواصل بطرق غير مرئية وغير مفهومة بين البشر ، ويتداخل في ذلك دراسات تبحث في قدرات الجلد على نقل النبضات الكهربية عند المشاركين في التجارب.
من ضمن التجارب ما قام به البروفيسور Todd Richards ، وهو من جامعة واشنطن ، وقام بهذه التجربة لدراسة أعمق من زاوية أخرى .. اختار البروفيسور أفضل شخصين من التجربة السابقة ، وعرض أمام الشخص المرسل صورة من لوحة شطرنج . وفي ذات الوقت تم تصوير دماغ المرسل والمتلقي بجهاز الأشعة المغناطيسي . والهدف هو ملاحظة المناطق التي سوف تنشط في المخ ، بازدياد تدفق الدماء لها ، لأنها تعمل فتحتاج إلى طاقة أكبر . النتيجة كانت غريبة ، لأن في حالة رؤية الإنسان لأي شيء ، يحدث ازدياد ونشاط كبير في مركز البصر . أما في التجربة وبالتحديد في لحظة محاولة المرسل إرسال صورة رقعة الشطرنج إلى المتلقي ، كانت الإشارات تضعف في مركز البصر . وفي رأي البروفيسور أن ذلك الاختلاف هو بسبب رد فعل المتلقي لرسالة المرسل.
في عام 2003 تقدم العالم روبرت شيلدراك بتجربة تذاع على التلفاز حول صحة توارد الخواطر .. بحيث كان على كولين نولان ذكر من أخواتها البنات سترفع سماعة الهاتف قبل أن يرن الهاتف ، وأخواتها موجودات بالغرفة المقابلة ويتم اختيارهم عشوائياً ليرن الهاتف من قبل واحدة مختلفة في كل مرة .. استطاعت كولين أن تتعرف على من منهن ستتصل ستة مرات من أصل 12 محاولة أي بنسبة 50% وهي أعلى من النسبة الإحصائية بمقدار الضعف .. ولم تكن تلك تجربة روبرت الأولى بل سبقتها 850 تجربة أخرى ، وفي كل مرة كان لا يستطيع إنكار وجود توارد الخواطر أو الأفكار بين البشر ، لأن النجاح كان بنسبة 42% في المتوسط بين البشر ..
يشير التخاطر إلى المقدرة على التواصل خارج الحواس حيث ثبتت المقدرة على قراءة عقل الآخرين لما يتضمنه مخ الإنسان من خلايا تعمل مثل المرآة ...
وفي عام (2007م) تحدث أستاذ علم النفس (غريغور دومز) على مقدرة تفسير الإشارات الدقيقة الاجتماعية من خلال الأوكسيتوسين ، وهو هرمون يعزز من الثقة ، وقد ورد في دراسة تم إجراؤها عام (2014م) أجراها الطبيب النفسي (كارليس غراو) مقدرة الأشخاص في التواصل عبر الأدمغة من خلال الإنترنت.
وفي عام (2008م) قام الطبيب النفسي (غانيسان فينكاتاسوبرامانيان وزملاؤه) بدراسة صوروا بها الدماغ لعالم نفسي يدعي مقدرته على التخاطر مع غيره من الأشخاص فكان على مقدرة من وصف صور مماثلة جداً لما تم إعداده له من صور بشكل مسبق ومن ذلك ثبت أنه قادر على التخاطر وتوقع ما تتضمنه الصور حتى من قبل أن يراها.
أما الباحثة Jeanne Achterberg أضافت عنصر جديد إلى تجربتها ، بحيث قامت بالسماح للاثني عشرة شخص الموضوعين تحت الاختبار بدعوة أحب وأقرب شخص إلى قلبهم ، وتم تفريق المجموعة الأصلية من المجموعة المصحوبة ، وعند بدء الاختبار حاول كل واحد من الأشخاص الأساسين التواصل مع أحبائهم ، وكانت النتيجة نشاط غير عادي بدماغ الأحبة في نفس الوقت .. وإحصائياً فإن نسبة حدوث ذلك لا يتعدى 2/10000 .. وكلما كانت العلاقة أقوى كلما كان التواصل أكبر وأوضح . ومن خلال التجربة استطاعت الباحثة أن تفسر بسهولة قرب تفكير المقربين والأحباء في نفس الشيء وفي نفس الوقت ، دون حتى أن يتحدثوا مع بعض .. ولكن العلماء في العموم لا يؤمنون بتلك النظريات ويشككون فيها .. ويطلبون تجارب أكثر حتى يصدقوا تماماً وجود ما يسمى بتوارد الخواطر ، ولكنهم في ذات الوقت أمام مشكلة كبيرة وهي كيفية تفسير هذه الحوادث ..
مفهوم علمي جديد لتوارد الخواطر
في الوقت الذي يحاول فيه المؤمنون بالنظرية إثبات صحة وجودها .. قام الباحثين بوضع نظرية جديدة لتوارد الخواطر ، جاءت من منظور علمي فيزيائي وبالتحديد من نظرية فيزياء الكم . وهو ما يسمى بمفهوم “الترشيح الذاتي” .. باختصار شديد ، تشرح تلك النظرية أن لو هنالك جزيئين من أي مادة مرشحين ذاتياً ، يستطيعان التأثير على بعضهما تأثيراً واضحة وملموساً ، مهما بعدت المسافة فيما بينهما ، يضيف الباحثين إلى تلك النظرية الفيزيائية ، فكرة أنها يمكن أن تتحقق على المستوى البيولوجي أيضاً .. أي إن توارد الخواطر سيتم تفسيره على إنه تأثير فيزيائي بين جزيئات أدمغة المرسلين والمستقبلين .. ويقف أمام هذا التفسير علماء الفيزياء بأشد الاحتجاج ، لأن فيزياء الكم مرتبطة بالجزيئات الصغيرة للمواد مثل النواة والإلكترونات وغيرها. ولكنها لا تختص بالقوانين البيولوجية أبداً ، وحتى يتم تصديق هذا المفهوم يجب أن يمر بمعامل الفيزياء المختصة ويعطي نتائج إيجابية .. وحتى هذه اللحظة يقف المعارضون والمؤيدون في مواجهة تامة هذا الصف ينكر وبشدة حدوث توارد الخواط. .. أما ذاك الصف يؤمن بها كحقيقة مسلمة ولكنها قليلة الحدوث ، لأنها تتطلب قوة وعلاقة ، قوة بين المستقبل والمرسل ، ولكنها ليست خيالاً أو وهماً.
*** التخاطر من الناحية العلمية
من وجهة نظر علمية ما زال التخاطر أمراً مبهماً إلى حد بعيد ، وبما أن العلم لم يقدم تفسيراً منطقياً عن ظاهرة التخاطر بين الأفراد حتى الآن فلا يمكن من أن يقر العلم بوجودها وذلك بسبب الفجوات المتواجدة بجميع التفسيرات العلمية الحالية ، ومن جهة أخرى يتجادل المؤيدون في أن صعوبة إيجاد تفسير علمي للظاهرة لا يقلل من أن معظم الناس لديهم إيمان بالمفاهيم الميتافيزيقية ، والمؤيدون يتمسكون بمعتقداتهم ليس لأنهم يجهلون العلم ولكن لأن العلم يتجاهل دائماً أي تجربة شخصية غير قابلة للتفسير.
فعلى الرغم من إجراء الكثير من التجارب التي أثبتت وجود قدرات خاصة عند بعض الأشخاص تمكنهم من الاتصال فكرياً بأشخاص آخرين ، وعلى الرغم من وجود شريحة كبيرة من المؤمنين بالتخاطر ، إلا أن عدم وجود تفسير لهذه الظواهر أخر بشكل ملحوظ الاعتراف القاطع بحقيقة التخاطر ، أو بمعنى أصح أخَّر وضع منهج عملي محكم يفسر التخاطر.
***
مفهوم التخاطر وحكمه في الإسلام
لابد من جود تفسير علمي وكذلك تفسير في الدين الإسلامي الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وذكرها فكيف عمر في المدينة وسارية في الشام ويصله صوت أمير المؤمنين ، وقد قيل أنه على قدر تعلق الشخص بأحد يحبه يكون توارد الأفكار والمشاعر بينهما عظيم .. وتكون أرواحهما معلقة ببعض وتنتقل لكي تتخاطب فيما بينها.
وعلى ذلك فإن التخاطر لا يحده مكان أو زمان وقد استند العلماء المسلمون في ذلك إلى الآية الثانية والأربعون من سورة الزمر في قوله تعالى : (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، كما أن أذكار النوم تشمل الدعاء القائل (اللهم إني وضعت جنبي فإن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرجعتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).
تلك الآية القرآنية والدعاء السابق ذكره بين للعلماء أنه في لحظة النوم تخرج الروح عن الجسد مما جعل النوم يعرف بالميتة الصغرى وهو ما وقف عنده علماء الإسلام بينما علماء الغرب لم يتوقفوا عند ذلك بل أكملوا البحث والدراسة إلى أن اكتشفوا مقدرة الإنسان من خلال طرق معينة على التخاطر مع من يرغب في أي منطقة بالعالم عن طريق التواصل الروحي ، حيث يبدأ المرء في الاسترخاء التام وقبل بلوغ مرحلة الدخول إلى النوم يفكر فيمن يرغب التواصل معه ومنذ تلك اللحظة تبدأ الرحلة ، وهو ما يعد أمر شديد التعقيد.
هناك حادثة وردت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استند الناس إليها حول حقيقة وجود التخاطر .. حينما أرسل عمر جيشا إلى بلاد الشام قائده سارية ، وفجأة صرخ أمير المؤمنين وهو يخطب على المنبر خطبة الجمعة في المدينة المنورة قائلاً (يا سارية الجبل يا سارية الجبل يا سارية الجبل) ، فلما سئل عن تفسير ذلك ، قال : وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا وركبوا أكتافهم وأنهم يمرون بجبل فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوه وظفروا وإن جاوزوه هلكوا فخرج مني هذا الكلام ، وعقب عودة الجيش وسارية معهم ذكر لسيدنا عمر ما وقعوا به من مشكلة مع العدو وحينها سمع سارية صوت عمر بن الخطاب يرشده للتوجه إلى الجبل القريب منه وكان في ذلك النجاة من الأعداء والهزيمة بأمر الله.
وقال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- فيما حدث بين عمر بن الخطاب وسارية (إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب) ، والمقصود مهنا بالمحدث صادق الظن الملهم أي من يجري على لسانه الصدق والحق دون قصد منه بل بالمكاشفة من الملأ الأعلى ، وفي حديث الرسول صلاة الله عليه وسلامه دليل على قلة من أنعم عليهم الله بتلك الهبة .
***
رأى المعارضين فى توارد الخواطر
المعارضون يصرون على أن تجارب توارد الخواطر محض صدفة وغير مقنعين ، أما المؤكدون يصرون على أن النتائج قليلة ولكنها غير معدومة .. وبين الحقيقة والخيال نظل نحن البشر ننتظر الإجابة العلمية ، ولكننا نلمس ظاهرة توارد الخواطر يومياً بيننا وبين من نحب ، ولكن ما نلمسه ليس كما يفعل سحرة السيرك الذين يجعلوك تظن أنهم يمتلكون قوى خارقة وهي في الحقيقة مجرد خدع .. إنما نحن ندرك أن هناك ارتباط حقيقي غير منظور بين البشر .. تماماً كالذي يحدث بين الأم وابنها ، أو بين الزوجة وزوجها ، وحتى إن لم يفسره العلم بعد فلن يتمكن من إنكاره إلى الأبد.
***
فوائد وأضرار التخاطر
لا يقتصر التخاطر فقط حول مقدرة إرسال شخص رسائل إلى شخص آخر عن طريق الاتصال الروحي والعقلي على بعد مسافات ، ولكن هناك جانب آخر له يجعل صاحبه قادر على قراءة أفكار الآخرين وما يدور بعقولهم من مشاعر وتصورات وأفكار ، ومن هنا تأتي المشكلة التي تبرز أضرار التخاطر وخطورته حيث ينتج عنها خلافات وعداوات بين الأشخاص كما تتم سرقة الأفكار الإبداعية وأفكار مشروعات حتى قبل البدء في تنفيذها ولذلك فهو يمثل انتهاك لحقوق الغير وينتج عنه الكثير من التشتت لمن يقوم به وإثم كبير ..
تكملة العقد بأول تعليق
اللهم تقبل من أبى
صلاته ، وصيامه لك ، وسائر طاعاته ، وصالح أعماله ، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة ، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام ، واجعله من الفائزين ، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين
جميع ما سبق من أسئلة يتردد على أذهان وعقول كل من يطرح أمامه ذلك الأمر ، إذ أن النفس البشرية بطبيعتها يساورها الفضول بشدة حول كل ما هو غامض وجديد ولذلك سنتطرق إلى ظاهرة التخاطر الذهني والقدرة على اتصال عقلين بشريين دون اتصال لفظي أو حسي ، وسنتطرق إلى أنواع التخاطر وعلاماته ومواقف تدل على وجود التخاطر ، وسنتعرف بعض الانتقادات الموجهة للتخاطر .. محاولين طرح جميع الأجوبة وإيضاح المفاهيم المبهمة وتصحيح المغلوط منها ، ليتسنى لكل من هو مهتم بالتخاطر معرفة فوائده وكذلك أضراره.
***
معنى التخاطر
التخاطر telepathy هو واحد من العلوم النفسية التي يتم تدريسها للطلاب في الجامعات الأمريكية والدول الأوروبية ، إذاً هو أمر ليس عابر أو غير ذي شأن ولكن له تواجد كبير في المجتمعات الغربية ، ومما لا شك فيه بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة فإن جميع ما يشغل المجتمع الأوروبي يصل سريعاً إلى الدول العربية وهو ما حدث بالفعل بشأن التخاطر.
التخاطر telepathy عبارة عن ظاهرة يتم عبرها انتقال الأفكار التي تشغل العقل وتدور به من شخص إلى شخص آخر دون الاعتماد في ذلك على الحديث والسمع أو أي حاسة أخرى من حواس الإنسان ، حيث يمكن أن يحدث ذلك دون وضع اعتبار للمسافات الفاصلة بينهم والتي قد تكون شاسعة كأن يكون كلاً منهما في بلد مختلف عن الآخر ، وغالباً ما يتم ذلك بين الأشخاص القريبين عاطفياً من بعضهم البعض خاصة في حالة التوائم وكذلك الأم وابنائها أو الأزواج فهم دوماً يشعرون بما يشعر به الآخر وتأتيهم نفس الأفكار في ذات الوقت.
يقصد بالتخاطر في العلوم الغربية الانتقال الفوري من مكان إلى آخر حيث يتمكن الإنسان من قطع مساحات شاسعة في غضون لحظات والتي مع الدراسة والوقت قد تتيح للمرء السفر عبر الكواكب ، وقد كان مجرد التفكير في الأمر ضرب من ضروب الخيال حتى عام (1993م) حيث بدأ التخاطر يدخل في الحيز النظري حينما قام فريق من الباحثين في شركة (IBM) بقيادة الفيزيائي تشارلز بينيت أن الانتقال عن بعد أصبح في الإمكان.
***
أنواع التخاطر
توجد ثلاثة أنواع من التخاطر سنتعرف عليها فيما يلي :
التخاطر العقلاني mental telepathy التخاطر العقلي : ويعني انتقال الأفكار من عقل إلى آخر ويستخدم هذا النوع مركز الحلق والمستويات السفلية من العقل ، ولا يزال التخاطر الذهني العقلاني نادراً حتى الآن ، ومن التجارب الشهيرة على ذلك كتاب راديو العقل الذي نشره الكاتب ابتون سنكلير ويشرح فيه محاولات التخاطر العقلاني بينه وبين زوجته ماري كريغ.
في أواخر عام 1920 كان سنكلير يرسم صورة ويضعها في ملف مغلق مختوم في غرفة أخرى وتقوم زوجته بمحاولة رسم نسخة مكررة من الصورة من خلال التخاطر الذهني ، وفي عام 1930 عندما نشر سنكلير الكتاب الذي يشرح محاولاته في التخاطر العقلي كان معدل دقة ماري كريغ في التخاطر مع زوجها مثيراً للإعجاب والاستغراب بالنسبة للناس وللعلماء ، ويعتبر كتاب راديو العقل خطوة مهمة في دراسة التخاطر.
التخاطر الروحاني spiritual telepathy : يعتبر التخاطر الروحي أو التخاطر من الروح إلى الروح هو أعلى شكل من أشكال التخاطر ، ويصبح متاح فقط عندما يتمكن الإنسان من الربط بين العقل والدماغ والروح ، ومن ثم يصبح قادراً على الانتقال بين العالم المادي والروحي ، كما يعتقد أن معظم المبدعين والمفكرين الذين لديهم القدرة عل الدخول إلى الجوانب الخفية من الروح تميزوا بالقدرة على هذا النوع من التخاطر الروحي.
التخاطر الغريزي : إذا كان لابد من ترتيب أنواع التخاطر على شكل هرمي فإن التخاطر الغريزي يقبع في قاعدة هذا الهرم ، و هذا النوع من التخاطر بارز بدرجة كبيرة في عالم الحيوان وأيضاً بين الإنسان والحيوان .. فمن أبرز الملاحظات المتعلقة بهذا النوع من التخاطر قدرة الحيوانات الأليفة على الشعور بوصول صاحبها حتى وإن عاد إلى المنزل بأوقات عشوائية وبوسائل مختلفة ، حيث قدم عالم الأحياء روبرت شيلدرايك نظريته عن التخاطر الطبيعي أو الغريزي في كتابه (الحيوانات التي تعلم أن أصحابها قادمون إلى البيت) ، وذلك من خلال دراسة سلوك مجموعة من الحيوانات الأليفة عندما يقترب أصحابها من الوصول إلى المنزل مع تغيير المواعيد ووسائل النقل .. ويعتقد أن هذا النوع من التخاطر يلعب دوراً كبيراً في رحلات الهجرة التي تقوم بها الحيوانات عبر آلاف الكيلومترات ، وفي الغالب يكون التخاطر الغريزي واضحاً عندما يصبح الفرد قادراً على معرفة مشاعر واحتياجات فرد آخر بالرغم من بعد المسافات بينهم ، وينتشر هذا النوع بين الأشخاص الذين تربطهم علاقة عاطفية قوية مثل الإنسان وحبيبته والآباء والأبناء والرجل وزوجته.
***
هل التخاطر حقيقة أم الخيال
من تجارب مسجلة عن توارد الخواطر بالطبع لا يمكننا أن نصدق الساحر حين يجعلنا ننبهر بقدرته على فهم أفكارنا أو أفكار من تقام عليه عملية السحر ، لأنه كله يكمن في الخداع البصري والسمعي بطريقة عبقرية وخفة يد .. ولكننا بالتأكيد يمكننا أن نتأكد من التجارب العلمية التي يقيمها علماء البيولوجيا والعلماء المتخصصين في دراسة ظواهر البارا سيكولوجي أو علم الماورائيات .. والاعتراف بتوارد الخواطر يحتاج إلى أكثر من ذلك حتى يتمكن العلماء من تثبيت أنفسهم وإجبار العالم على الاعتراف بعلم الباراسيكولوجي على كونه علم حقيقي ، يجب عليهم تقديم أدلة علمية مادية تثبت صحة كلامهم ، وليست تجارب فردية تخضع لقوانين الاحتمالات والصدف .. بمعنى أخر يجب عليهم أن يجدوا تواصل حقيقي بين دماغ المرسل والمستقبل في حالة توارد الخواطر .. هذا ما حاول القيام به ماريوس كيتينيس من جامعة ايدينبورغ وزملائه ، الفكرة مبنية على قياس الموجات الدماغية التي تصدر من دماغ الإنسان ، وهي موجات كهرومغناطيسية قصيرة تصدر من نشاط الخلايا العصبية في اللحاء الدماغي ويمكن قياسها عن طريق electroencephalograph”” في أثناء محاولة الإنسان للوصول إلى قدرة توارد الخواطر .. في التجربة تم تقسيم مجموعتين من الأشخاص لتكون المجموعة الأولى هي المرسل والأخرى تكون المتلقي في عملة توارد الخواطر ، ثم وضعوا كل مجموعة في غرفة منفصلة لا تستطيع فيها الرؤية أو سماع ما يحدث في الغرفة الثانية وكانت الأجهزة موضوعة حتى تلتقط الموجات الدماغية ، مجموعة المرسل كان تتعرض لومضات ضوئية تعمل على تحفيز الخلايا العصبية بالعين لتعمل وتنشط ، في المقابل كانت الخلايا العصبية للمجموعة المستقبلة تعطي نفس النتائج بدون أن تتعرض لأي ضوء.
لتأكيد التجربة أخرج العلماء المجموعة المرسلة من غرفتها وتم إخبار المجموعة المستقبلة أنهم ما زالوا هناك ، وتم تشغيل ومضات الضوء في غرفة المجموعة المرسلة كما لو أنهم كانوا هناك ، لم يحدث أي تغير للمجموعة المستقبلية في نشاط الأعصاب ولم يطلقوا موجات دماغية .. التجربة السابقة مهدت الطريق أمام علم الباراسيكولوجي ، أو بالأخص أمام علم توارد الخواطر . فهي مع بعض التجارب الأخرى تؤكد التواصل بطرق غير مرئية وغير مفهومة بين البشر ، ويتداخل في ذلك دراسات تبحث في قدرات الجلد على نقل النبضات الكهربية عند المشاركين في التجارب.
من ضمن التجارب ما قام به البروفيسور Todd Richards ، وهو من جامعة واشنطن ، وقام بهذه التجربة لدراسة أعمق من زاوية أخرى .. اختار البروفيسور أفضل شخصين من التجربة السابقة ، وعرض أمام الشخص المرسل صورة من لوحة شطرنج . وفي ذات الوقت تم تصوير دماغ المرسل والمتلقي بجهاز الأشعة المغناطيسي . والهدف هو ملاحظة المناطق التي سوف تنشط في المخ ، بازدياد تدفق الدماء لها ، لأنها تعمل فتحتاج إلى طاقة أكبر . النتيجة كانت غريبة ، لأن في حالة رؤية الإنسان لأي شيء ، يحدث ازدياد ونشاط كبير في مركز البصر . أما في التجربة وبالتحديد في لحظة محاولة المرسل إرسال صورة رقعة الشطرنج إلى المتلقي ، كانت الإشارات تضعف في مركز البصر . وفي رأي البروفيسور أن ذلك الاختلاف هو بسبب رد فعل المتلقي لرسالة المرسل.
في عام 2003 تقدم العالم روبرت شيلدراك بتجربة تذاع على التلفاز حول صحة توارد الخواطر .. بحيث كان على كولين نولان ذكر من أخواتها البنات سترفع سماعة الهاتف قبل أن يرن الهاتف ، وأخواتها موجودات بالغرفة المقابلة ويتم اختيارهم عشوائياً ليرن الهاتف من قبل واحدة مختلفة في كل مرة .. استطاعت كولين أن تتعرف على من منهن ستتصل ستة مرات من أصل 12 محاولة أي بنسبة 50% وهي أعلى من النسبة الإحصائية بمقدار الضعف .. ولم تكن تلك تجربة روبرت الأولى بل سبقتها 850 تجربة أخرى ، وفي كل مرة كان لا يستطيع إنكار وجود توارد الخواطر أو الأفكار بين البشر ، لأن النجاح كان بنسبة 42% في المتوسط بين البشر ..
يشير التخاطر إلى المقدرة على التواصل خارج الحواس حيث ثبتت المقدرة على قراءة عقل الآخرين لما يتضمنه مخ الإنسان من خلايا تعمل مثل المرآة ...
وفي عام (2007م) تحدث أستاذ علم النفس (غريغور دومز) على مقدرة تفسير الإشارات الدقيقة الاجتماعية من خلال الأوكسيتوسين ، وهو هرمون يعزز من الثقة ، وقد ورد في دراسة تم إجراؤها عام (2014م) أجراها الطبيب النفسي (كارليس غراو) مقدرة الأشخاص في التواصل عبر الأدمغة من خلال الإنترنت.
وفي عام (2008م) قام الطبيب النفسي (غانيسان فينكاتاسوبرامانيان وزملاؤه) بدراسة صوروا بها الدماغ لعالم نفسي يدعي مقدرته على التخاطر مع غيره من الأشخاص فكان على مقدرة من وصف صور مماثلة جداً لما تم إعداده له من صور بشكل مسبق ومن ذلك ثبت أنه قادر على التخاطر وتوقع ما تتضمنه الصور حتى من قبل أن يراها.
أما الباحثة Jeanne Achterberg أضافت عنصر جديد إلى تجربتها ، بحيث قامت بالسماح للاثني عشرة شخص الموضوعين تحت الاختبار بدعوة أحب وأقرب شخص إلى قلبهم ، وتم تفريق المجموعة الأصلية من المجموعة المصحوبة ، وعند بدء الاختبار حاول كل واحد من الأشخاص الأساسين التواصل مع أحبائهم ، وكانت النتيجة نشاط غير عادي بدماغ الأحبة في نفس الوقت .. وإحصائياً فإن نسبة حدوث ذلك لا يتعدى 2/10000 .. وكلما كانت العلاقة أقوى كلما كان التواصل أكبر وأوضح . ومن خلال التجربة استطاعت الباحثة أن تفسر بسهولة قرب تفكير المقربين والأحباء في نفس الشيء وفي نفس الوقت ، دون حتى أن يتحدثوا مع بعض .. ولكن العلماء في العموم لا يؤمنون بتلك النظريات ويشككون فيها .. ويطلبون تجارب أكثر حتى يصدقوا تماماً وجود ما يسمى بتوارد الخواطر ، ولكنهم في ذات الوقت أمام مشكلة كبيرة وهي كيفية تفسير هذه الحوادث ..
مفهوم علمي جديد لتوارد الخواطر
في الوقت الذي يحاول فيه المؤمنون بالنظرية إثبات صحة وجودها .. قام الباحثين بوضع نظرية جديدة لتوارد الخواطر ، جاءت من منظور علمي فيزيائي وبالتحديد من نظرية فيزياء الكم . وهو ما يسمى بمفهوم “الترشيح الذاتي” .. باختصار شديد ، تشرح تلك النظرية أن لو هنالك جزيئين من أي مادة مرشحين ذاتياً ، يستطيعان التأثير على بعضهما تأثيراً واضحة وملموساً ، مهما بعدت المسافة فيما بينهما ، يضيف الباحثين إلى تلك النظرية الفيزيائية ، فكرة أنها يمكن أن تتحقق على المستوى البيولوجي أيضاً .. أي إن توارد الخواطر سيتم تفسيره على إنه تأثير فيزيائي بين جزيئات أدمغة المرسلين والمستقبلين .. ويقف أمام هذا التفسير علماء الفيزياء بأشد الاحتجاج ، لأن فيزياء الكم مرتبطة بالجزيئات الصغيرة للمواد مثل النواة والإلكترونات وغيرها. ولكنها لا تختص بالقوانين البيولوجية أبداً ، وحتى يتم تصديق هذا المفهوم يجب أن يمر بمعامل الفيزياء المختصة ويعطي نتائج إيجابية .. وحتى هذه اللحظة يقف المعارضون والمؤيدون في مواجهة تامة هذا الصف ينكر وبشدة حدوث توارد الخواط. .. أما ذاك الصف يؤمن بها كحقيقة مسلمة ولكنها قليلة الحدوث ، لأنها تتطلب قوة وعلاقة ، قوة بين المستقبل والمرسل ، ولكنها ليست خيالاً أو وهماً.
*** التخاطر من الناحية العلمية
من وجهة نظر علمية ما زال التخاطر أمراً مبهماً إلى حد بعيد ، وبما أن العلم لم يقدم تفسيراً منطقياً عن ظاهرة التخاطر بين الأفراد حتى الآن فلا يمكن من أن يقر العلم بوجودها وذلك بسبب الفجوات المتواجدة بجميع التفسيرات العلمية الحالية ، ومن جهة أخرى يتجادل المؤيدون في أن صعوبة إيجاد تفسير علمي للظاهرة لا يقلل من أن معظم الناس لديهم إيمان بالمفاهيم الميتافيزيقية ، والمؤيدون يتمسكون بمعتقداتهم ليس لأنهم يجهلون العلم ولكن لأن العلم يتجاهل دائماً أي تجربة شخصية غير قابلة للتفسير.
فعلى الرغم من إجراء الكثير من التجارب التي أثبتت وجود قدرات خاصة عند بعض الأشخاص تمكنهم من الاتصال فكرياً بأشخاص آخرين ، وعلى الرغم من وجود شريحة كبيرة من المؤمنين بالتخاطر ، إلا أن عدم وجود تفسير لهذه الظواهر أخر بشكل ملحوظ الاعتراف القاطع بحقيقة التخاطر ، أو بمعنى أصح أخَّر وضع منهج عملي محكم يفسر التخاطر.
***
مفهوم التخاطر وحكمه في الإسلام
لابد من جود تفسير علمي وكذلك تفسير في الدين الإسلامي الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وذكرها فكيف عمر في المدينة وسارية في الشام ويصله صوت أمير المؤمنين ، وقد قيل أنه على قدر تعلق الشخص بأحد يحبه يكون توارد الأفكار والمشاعر بينهما عظيم .. وتكون أرواحهما معلقة ببعض وتنتقل لكي تتخاطب فيما بينها.
وعلى ذلك فإن التخاطر لا يحده مكان أو زمان وقد استند العلماء المسلمون في ذلك إلى الآية الثانية والأربعون من سورة الزمر في قوله تعالى : (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، كما أن أذكار النوم تشمل الدعاء القائل (اللهم إني وضعت جنبي فإن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن أرجعتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).
تلك الآية القرآنية والدعاء السابق ذكره بين للعلماء أنه في لحظة النوم تخرج الروح عن الجسد مما جعل النوم يعرف بالميتة الصغرى وهو ما وقف عنده علماء الإسلام بينما علماء الغرب لم يتوقفوا عند ذلك بل أكملوا البحث والدراسة إلى أن اكتشفوا مقدرة الإنسان من خلال طرق معينة على التخاطر مع من يرغب في أي منطقة بالعالم عن طريق التواصل الروحي ، حيث يبدأ المرء في الاسترخاء التام وقبل بلوغ مرحلة الدخول إلى النوم يفكر فيمن يرغب التواصل معه ومنذ تلك اللحظة تبدأ الرحلة ، وهو ما يعد أمر شديد التعقيد.
هناك حادثة وردت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استند الناس إليها حول حقيقة وجود التخاطر .. حينما أرسل عمر جيشا إلى بلاد الشام قائده سارية ، وفجأة صرخ أمير المؤمنين وهو يخطب على المنبر خطبة الجمعة في المدينة المنورة قائلاً (يا سارية الجبل يا سارية الجبل يا سارية الجبل) ، فلما سئل عن تفسير ذلك ، قال : وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا وركبوا أكتافهم وأنهم يمرون بجبل فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوه وظفروا وإن جاوزوه هلكوا فخرج مني هذا الكلام ، وعقب عودة الجيش وسارية معهم ذكر لسيدنا عمر ما وقعوا به من مشكلة مع العدو وحينها سمع سارية صوت عمر بن الخطاب يرشده للتوجه إلى الجبل القريب منه وكان في ذلك النجاة من الأعداء والهزيمة بأمر الله.
وقال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- فيما حدث بين عمر بن الخطاب وسارية (إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب) ، والمقصود مهنا بالمحدث صادق الظن الملهم أي من يجري على لسانه الصدق والحق دون قصد منه بل بالمكاشفة من الملأ الأعلى ، وفي حديث الرسول صلاة الله عليه وسلامه دليل على قلة من أنعم عليهم الله بتلك الهبة .
***
رأى المعارضين فى توارد الخواطر
المعارضون يصرون على أن تجارب توارد الخواطر محض صدفة وغير مقنعين ، أما المؤكدون يصرون على أن النتائج قليلة ولكنها غير معدومة .. وبين الحقيقة والخيال نظل نحن البشر ننتظر الإجابة العلمية ، ولكننا نلمس ظاهرة توارد الخواطر يومياً بيننا وبين من نحب ، ولكن ما نلمسه ليس كما يفعل سحرة السيرك الذين يجعلوك تظن أنهم يمتلكون قوى خارقة وهي في الحقيقة مجرد خدع .. إنما نحن ندرك أن هناك ارتباط حقيقي غير منظور بين البشر .. تماماً كالذي يحدث بين الأم وابنها ، أو بين الزوجة وزوجها ، وحتى إن لم يفسره العلم بعد فلن يتمكن من إنكاره إلى الأبد.
***
فوائد وأضرار التخاطر
لا يقتصر التخاطر فقط حول مقدرة إرسال شخص رسائل إلى شخص آخر عن طريق الاتصال الروحي والعقلي على بعد مسافات ، ولكن هناك جانب آخر له يجعل صاحبه قادر على قراءة أفكار الآخرين وما يدور بعقولهم من مشاعر وتصورات وأفكار ، ومن هنا تأتي المشكلة التي تبرز أضرار التخاطر وخطورته حيث ينتج عنها خلافات وعداوات بين الأشخاص كما تتم سرقة الأفكار الإبداعية وأفكار مشروعات حتى قبل البدء في تنفيذها ولذلك فهو يمثل انتهاك لحقوق الغير وينتج عنه الكثير من التشتت لمن يقوم به وإثم كبير ..
تكملة العقد بأول تعليق
اللهم تقبل من أبى
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com