مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - الكون يتكلم مع الله

مقتطف من كتاب رحلة إلى شاطئ النار و النور
الجزء الثاني
الفتنة





(ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)




أثبتت الدراسات العلمية والبحوث الفلكية أن الكون كان ممتلئاً بالغاز الحار جداً، بالإضافة إلى الغبار الكوني، فيما يشبه الغيوم.

وقد استطاع العلماء رؤية غيوم من الغاز حول أحد النجوم البعيدة جداً على حافة الكون المرئي.

وقد جمع القرآن هذه المصطلحات (غيوم من الغاز، غاز حار، غبار، ذرات...) في كلمة واحدة وهي {دُخَانٌ}

{ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}

فالكلمة عبرت تعبيراً دقيقاً عن تلك المرحلة من عمر الكون.

ومنذ عهد قريب، التَقَطِت كاميرات الأقمار الاصطناعية صوراً تظهر نجماً وهو يتكون من كتلة كبيرة من الدخان الكثيف القاتم، وقد كانت النظريات السابقة تبني على معلومات خاطئة مفادها أن السماء كانت ضباباً.

و القرآن يشير إلى أن الكون قد تكلم مع الله وهو في تلك المرحلة


{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}

وقد ذكر أهل العلم:أن الله قد أعطا السماء والأرض (الكون) القدرة على الكلام ، فالآية تذكر رد الكون بكلمات الطاعة لله تعالى ، وهو في مرحلة الدخان.


{ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ .

فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت:11-12].


الكون كان في بداية نشأته مليئاً بالغاز، وهذا مستفاد من قوله عز وجل: {وَهِيَ دُخَانٌ}.

الكون -السماء والأرض- وقع منه كلام حقيقي، وهذا من قوله سبحانه: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}

كما أن السماء زٌينت {بِمَصَابِيحَ } مضيئة في مرحلة تالية لمرحلة الغاز، وهذا صريح قوله تعالى: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}.

تحدثت الآية الكريمة الأولى عن مرحلة مبكرة من عمر الكون في بدء الخلق، عندما كان الغاز الحار يملأ الكون،

{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}

وقد أظهرت الدراسات العلمية، والأبحاث الفلكية أن الكون عندما كان في مراحله الأولى، أي في مرحلة الغاز، والغبار والحرارة العالية، أصدر أمواجا صوتية.

وقد ساعد على انتشار هذه الأمواج وجودَ الغاز الكثيف الذي كان يملأ الكون، والذي عمل كوسط مناسب لانتشار هذه الأصوات.

والمتأمل في القوانين الرياضية التي أودعها الله تعالى في الدخان أو الغاز، يجد ومن خلال ما يسمى بهندسة ميكانيك السوائل، أن أي غاز عندما يتمدد ويكبر حجمه يصدر عن هذا التمدد موجات صوتية، وذلك بسبب التغير في كثافة الغاز وحركة جزيئاته واحتكاكها ببعض .

وقد أمكن تحديد مواصفات هذه الأمواج الصوتية، واتضح بأنها هادئة ومطيعة، تشبه حفيف الشجر.

حتى إن بعض العلماء قد رسموا خطاً بيانيًّا، يمثل هذه الذبذبات الكونية، وأوضح المخطط البياني، أن الذبذبات كانت أشبه بالفحيح.

والآية تتحدث عن كلام للكون، وهو في مرحلة الدخان، وتخبرنا عن قول السماء وطاعتها لخالقها،

وقد أثبتت الدراسات الفلكية الحديثة ، بأن الكون في تلك الأونة قد أصدر أمواجا صوتية نتيجة تمدده.

و أن صوت الكون كان هادئاً، كصوت الطفل الرضيع، أو حفيف الأشجار.

وقد ذكر كثير من المفسرين أن كلام السماء والأرض في الآية هو كلام حقيقي.

{وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}

إن المرحلة الثانية من مراحل نشأة الكون بعد مرحلة الدخان، هي مرحلة النجوم، وهذا ما أثبته العلم الحديث .

والقرآن قد سبق وقرر بأن السماء أو الكون كان دخاناً، ثم زيَّن الله السماء بالنجوم.

فلماذا سمى القرآن هذه النجوم بالمصابيح، وماذا تضيء هذه المصابيح؟

لقد التقط العلماء صوراً للنجوم شديدة اللمعان، وأدركوا أن هذه النجوم الأقدم في الكون تضيء الطريق الذي يصل بيننا وبينها، وبواسطتها استطاع العلماء دراسة ما حولها، واستفادوا من إضاءتها الهائلة،

لذلك أطلقوا عليها اسماً جديداً وغريباً وهو (المصابيح الكاشفة) flashlights

إن النجوم اللامعة تنير الطريق الواصل إلينا؛حيث تعمل (كمصابيح كاشفة) بعيدة، تكشف خصائص الكون المبكر.



والإعجاز هنا يتجلى في جانبين، الأول: يتمثل في السبق العلمي للقرآن في تسمية هذه النجوم بالمصابيح، بما يتطابق مع ما يراه العلماء اليوم.

الثاني: يتمثل في أن القرآن حدد المرحلة الزمنية التي تشكلت فيها هذه النجوم، وهي المرحلة التالية لمرحلة الدخان.

فهل جاء هذا الترتيب بالمصادفة، أم هو بتقدير الله سبحانه؟

وختام الآية يجيب:

{ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}

نحن نجد هنا تطابقا بين ما يكشفه العلماء في القرن الحادي والعشرين وبين كتاب أُنزل قبل أربعة عشر قرناً؟

الشيء المدهش أن العلماء قاموا بتسمية الأشياء التي قد اكتشفوها بنفس ذات المسميات المذكورة في القرآن !!

إن الله قد سخر لنا الأجهزة الحديثة، لنتعرف على خلقه ، ونقف على آياته ومعجزاته، فهو قد تعهد بأنه سيُرينا آياته في الآفاق وفي أنفسنا ، حتى نعلم بأن هذا القرآن هو كلام الله الحق.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى