يُصَوِّرُ كَيْفَ كانَ الْأَئِمَّةُ يُعَلِّمونَ طُلّابَهُمْ حَسْبَ الطَّريقَةِ الْجامِعَةِ (الْكُلِّيَّةِ) وَهِيَ مِنْ أمْتَعِ الطُّرُقِ في تَعْليمِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَدْ سِرْتُ عَلَيْهَا في دُروسي في الْكُلِّيّاتِ فَأَحَبَّ الطُّلابُ الْعَرَبِيَّةَ وَعَشِقُوها.
مَوْضوعُ الدَّرْسِ الآيَةُ الْقُرْآنِيَّةُ (ثلاثُونَ مِن سورةِ مُحَمَّدٍ)
“وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمُ في لَحْنِ الْقَوْلِ ، وَلَعَرَفْتَهُمْ بِسيماهُمْ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ الْقَوْلِ ، واللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ”
تُشِيرُ هَذِهُ الْآيَةُ إلَى عَمَلِ المُشْرِكِينَ في تَهْجينِ أَمْرِ الْمْسْلِمينَ، فَإذا مَرُّوا بِهِمْ وَأرادُوا تَحِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ قالُوا السَامُ عَلَيْكُم، يُخْفُونَ اللّامَ، والسّامُ السُّمَُ أوُ الثُّعْبانُ، فَأَوصاهُمُ الرّسولُ أنُ يرُدُّوا التَّحِيَّةَ “وَعَلَيْكُمْ”.
الخِطابُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ. “في لَحْنِ الْقَوْلِ” أَيْ مَعْناهُ: إذا تَكَلَّمُو عِنْدَكَ بِأَنْ يُعَرِّضُوا بما فيه إهانَةُ الْمُسْلِمِينَ. “بِسيماهُم” بِعَلامَتِهِمُ، مِنَ السِّمَةِ وَهِيَ العلامَةُ، الْفِعْلُ مِنْها “وَسَمَ يَسِمُ سِمَةً” والسِّمَةُ مِثْلُ “الصِّلَةُ” المَصْدَرُ، وَهَذا الْفِعْلُ يُسَمََى الْمِثالَ لِأَنَّ فاءَهُ حَرْفُ عِلَّةِ يُحْذَفُ في الْمُضارِعِ وَالْمَصْدَرِ.
“وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ الْقَوْلِ” الْواوُ حَرْفُ قَسِمٍ مَحْذُوفٍ تَقْديرُهُ “وَعِزَّتِي”. اللَّامُ واقِعَةٌ في جَوابِ الْقَسَمِ، تَعْرِفَنَّهُم: فِعْلٌ مُضارِعْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ لِاتِّصالِهِ بِنونِ التَّوْكيدِ الثَّقيلَةِ، والفاعِلُ ضَميرُ الْخِطابِ الْمُسْتَتِر الْعائدِ إلَى النَّبِيِّ، وضميرُ الجماعَةِ لِلْغائِبينَ في مَحَلِّ نّصْبٍ مَفْعُولًا بِهِ.
وَ”لَحْنِ الْقَوْلِ” : أُسْلُوبُهُ وإِمالَتُهُ إلَى جِهَةِ تَعْرِيضٍ وَتَوْرِيَةٍ. وَمِنْهُ يُقالُ لِلْمُخْطِئِ في الْإعْرابِ لَحَنْتَ، لِأَنَّهُ يَعْدِلُ بِالْكَلامِ عَنِ الصَّوابِ.
واللَّحَنُ: الْخَطَأُ والصَّوابُ، وَهوَ مِنَ الأضْداد. هَكَذا وَرَدَ في اللِّسانِ، مادَّةُ: لَحَنَ.
وَلَحَنَ لَهُ لَحْنًا: قالَ لَهُ قَوْلًا يَفْهَمُهُ هُوَ عَنْهُ، وَيَخْفَى عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ يُميلُهُ بِالتَّوْرِيَةِ عَنِ الْواضِحِ الْمَفْهُومِ (الشِّيفْرَة).
قالَ لَبيدٌ يَصٍفُ كاتِبًا فَطِنًا: مِنَ الْكامِلِ
مُتَعَوِّدٌ لَحِنٌ يُدِيرُ بِكَفِّهِ
قَلَمًا عَلَى عُسُبٍ ذَبُلْنَ وَبانِ
(الْعُسُبُ جَرِيدُ النَّخْلِ يُصَنَّعُ وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ؛ الْبانُ: شَجَرٌ يَطُولُ في استِواءٍ، تُشَبَّهُ بِهِ الْقُدُودُ، يُشْبِهُ شَجَرَ الْأَثْلِ الَّذِي تُتَّخَذُ مِنْهُ الْمَساوِيكُ، وَرَقُهُ يُصَنَّعُ لِلْكِتابَةِ).
قالَ مالِكُ أَسْماءَ الْفَزارِيُّ يَصِفُ امْرَأَةً لَه كانَ يَسْتَلْطِفُ كَلامَها: مِنَ الْخَفيفِ
أَمُغَطًّى مِنِّي عَلَى بَصَرِي بِالْ
حُبِّ أَمْ أَنْتِ أَكْمَلُ النّاسِ حُسْنَا
وَحَدِيثٍ أَلَذُّهُ هُوَ مِمّا
يَشْتَهِي النّاعِتُونَ يُوزَنُ وَزْنَا
مَنْطِقٌ صائِبٌ وَتَلْحَنُ أحْيا
نًا وَخَيْرُ الْحَدِيثِ ما كانَ لَحْنَا
وَقَدْ فَهِمَ الْجاحِظُ أنَّ مَعْنَى اللَّحَنِ هُنا الْخَطَأُ في الْإعْرابِ، وَلَمْ يَفْطَنْ أَنَّهُ إمالَةٌ وَتَوْرِيَةٌ كالشِّيفْرَةِ. إذُ كَيْفَ يَسُتَقيمُ “مَنْطِقٌ صائِبٌ” وَ”خَيْرُ الْحَديثِ ما كانَ لَحْنَا” مَعَ الْخَطَأِ بِالْإعْرابِ؟ (يُنْظَرُ الْأَغاني ١٦: .٤، الشِّعْرُ والشُّعَراء لابن قُتَيْبَةَ ٢: ٧٨٢)
وَمالِكُ بنُ أَسُماء هُوَ أَخُو هِنْدٍ الْفَزارِيَّةِ الشّاعِرَةِ الَّتِي تَزَوَّجَها الْحَجّاجُ، وَطَلَّقَها بَعْدَ أَنْ هَجَتْهُ بَعْدَ أنْ هَرَبَ مِنْ شَبيبٍ الْخارِجِيِّ قائِلَةً: مِنَ الْكامِلِ
أَسَدٌ عَلَيَّ وَفي الْحُروبِ نَعامَةٌ
خَرْقاءُ تَجْفُلُ مِنْ صَفيرِ الصّافِرِ
وَخَلَفَ عَلَيْها الْخَليفَةُ عَبْدُ الْمَلِكِ بنُ مَرْوانَ.
وَفيها يَقولُ الشّاعِرُ مُعَرِّضًا بِالْحَجّاجِ: مِنَ الطََويلِ
وَهَلْ هِنْدُ إلّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ
سَليلَةُ أَفْراسٍ تَبَطَّنَها بَغْلُ
فَإنْ وَلَدَتْ مُهْرًا فَذَلِكَ بِالْحَرَى
وَإنْ يَكُ إقْرافٌ فَما أَنْتَجَ النَّغْلِ
الإقْرافُ: أنْ تَكونَ الْأُمَُ عَرَبِيَّةً، وَالْأَبُ أَعْجَمِيًّا.
قالَ جَريرٌ يَهْجُو الْفَرَ زدَقَ:
لَقَدْ وَلَدَتْ أُمُّ الْفَرَزْدَقِ مُقْرَفًا
فَجاءَتْ بِوَزّارٍ قَصِيرِ الْقَوائِمِ
(الوَزّار: الكثيرُ الْوِزْرِ أَيْ الْإثْمِ)
وَأخْتَتِمُ الْحَديثَ عَنْ مادَّةِ “لَحَنَ” بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّريفِ:
اختَصَمَ رَجُلانِ في أَرْضٍ فَوَفَدا عَلى النَّبِيِّ عليهِ السَّلامُ لِيَحْتَكِما فَقالَ:
“لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنَ الْآخَرِ”. أَيْ أَعْرَفَ بِالْحُجَّةِ وَأَفْطَنَ مِنَ الْآخَرِ.
إلَى هُنا.
مَوْضوعُ الدَّرْسِ الآيَةُ الْقُرْآنِيَّةُ (ثلاثُونَ مِن سورةِ مُحَمَّدٍ)
“وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمُ في لَحْنِ الْقَوْلِ ، وَلَعَرَفْتَهُمْ بِسيماهُمْ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ الْقَوْلِ ، واللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ”
تُشِيرُ هَذِهُ الْآيَةُ إلَى عَمَلِ المُشْرِكِينَ في تَهْجينِ أَمْرِ الْمْسْلِمينَ، فَإذا مَرُّوا بِهِمْ وَأرادُوا تَحِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ قالُوا السَامُ عَلَيْكُم، يُخْفُونَ اللّامَ، والسّامُ السُّمَُ أوُ الثُّعْبانُ، فَأَوصاهُمُ الرّسولُ أنُ يرُدُّوا التَّحِيَّةَ “وَعَلَيْكُمْ”.
الخِطابُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ. “في لَحْنِ الْقَوْلِ” أَيْ مَعْناهُ: إذا تَكَلَّمُو عِنْدَكَ بِأَنْ يُعَرِّضُوا بما فيه إهانَةُ الْمُسْلِمِينَ. “بِسيماهُم” بِعَلامَتِهِمُ، مِنَ السِّمَةِ وَهِيَ العلامَةُ، الْفِعْلُ مِنْها “وَسَمَ يَسِمُ سِمَةً” والسِّمَةُ مِثْلُ “الصِّلَةُ” المَصْدَرُ، وَهَذا الْفِعْلُ يُسَمََى الْمِثالَ لِأَنَّ فاءَهُ حَرْفُ عِلَّةِ يُحْذَفُ في الْمُضارِعِ وَالْمَصْدَرِ.
“وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ الْقَوْلِ” الْواوُ حَرْفُ قَسِمٍ مَحْذُوفٍ تَقْديرُهُ “وَعِزَّتِي”. اللَّامُ واقِعَةٌ في جَوابِ الْقَسَمِ، تَعْرِفَنَّهُم: فِعْلٌ مُضارِعْ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ لِاتِّصالِهِ بِنونِ التَّوْكيدِ الثَّقيلَةِ، والفاعِلُ ضَميرُ الْخِطابِ الْمُسْتَتِر الْعائدِ إلَى النَّبِيِّ، وضميرُ الجماعَةِ لِلْغائِبينَ في مَحَلِّ نّصْبٍ مَفْعُولًا بِهِ.
وَ”لَحْنِ الْقَوْلِ” : أُسْلُوبُهُ وإِمالَتُهُ إلَى جِهَةِ تَعْرِيضٍ وَتَوْرِيَةٍ. وَمِنْهُ يُقالُ لِلْمُخْطِئِ في الْإعْرابِ لَحَنْتَ، لِأَنَّهُ يَعْدِلُ بِالْكَلامِ عَنِ الصَّوابِ.
واللَّحَنُ: الْخَطَأُ والصَّوابُ، وَهوَ مِنَ الأضْداد. هَكَذا وَرَدَ في اللِّسانِ، مادَّةُ: لَحَنَ.
وَلَحَنَ لَهُ لَحْنًا: قالَ لَهُ قَوْلًا يَفْهَمُهُ هُوَ عَنْهُ، وَيَخْفَى عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ يُميلُهُ بِالتَّوْرِيَةِ عَنِ الْواضِحِ الْمَفْهُومِ (الشِّيفْرَة).
قالَ لَبيدٌ يَصٍفُ كاتِبًا فَطِنًا: مِنَ الْكامِلِ
مُتَعَوِّدٌ لَحِنٌ يُدِيرُ بِكَفِّهِ
قَلَمًا عَلَى عُسُبٍ ذَبُلْنَ وَبانِ
(الْعُسُبُ جَرِيدُ النَّخْلِ يُصَنَّعُ وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ؛ الْبانُ: شَجَرٌ يَطُولُ في استِواءٍ، تُشَبَّهُ بِهِ الْقُدُودُ، يُشْبِهُ شَجَرَ الْأَثْلِ الَّذِي تُتَّخَذُ مِنْهُ الْمَساوِيكُ، وَرَقُهُ يُصَنَّعُ لِلْكِتابَةِ).
قالَ مالِكُ أَسْماءَ الْفَزارِيُّ يَصِفُ امْرَأَةً لَه كانَ يَسْتَلْطِفُ كَلامَها: مِنَ الْخَفيفِ
أَمُغَطًّى مِنِّي عَلَى بَصَرِي بِالْ
حُبِّ أَمْ أَنْتِ أَكْمَلُ النّاسِ حُسْنَا
وَحَدِيثٍ أَلَذُّهُ هُوَ مِمّا
يَشْتَهِي النّاعِتُونَ يُوزَنُ وَزْنَا
مَنْطِقٌ صائِبٌ وَتَلْحَنُ أحْيا
نًا وَخَيْرُ الْحَدِيثِ ما كانَ لَحْنَا
وَقَدْ فَهِمَ الْجاحِظُ أنَّ مَعْنَى اللَّحَنِ هُنا الْخَطَأُ في الْإعْرابِ، وَلَمْ يَفْطَنْ أَنَّهُ إمالَةٌ وَتَوْرِيَةٌ كالشِّيفْرَةِ. إذُ كَيْفَ يَسُتَقيمُ “مَنْطِقٌ صائِبٌ” وَ”خَيْرُ الْحَديثِ ما كانَ لَحْنَا” مَعَ الْخَطَأِ بِالْإعْرابِ؟ (يُنْظَرُ الْأَغاني ١٦: .٤، الشِّعْرُ والشُّعَراء لابن قُتَيْبَةَ ٢: ٧٨٢)
وَمالِكُ بنُ أَسُماء هُوَ أَخُو هِنْدٍ الْفَزارِيَّةِ الشّاعِرَةِ الَّتِي تَزَوَّجَها الْحَجّاجُ، وَطَلَّقَها بَعْدَ أَنْ هَجَتْهُ بَعْدَ أنْ هَرَبَ مِنْ شَبيبٍ الْخارِجِيِّ قائِلَةً: مِنَ الْكامِلِ
أَسَدٌ عَلَيَّ وَفي الْحُروبِ نَعامَةٌ
خَرْقاءُ تَجْفُلُ مِنْ صَفيرِ الصّافِرِ
وَخَلَفَ عَلَيْها الْخَليفَةُ عَبْدُ الْمَلِكِ بنُ مَرْوانَ.
وَفيها يَقولُ الشّاعِرُ مُعَرِّضًا بِالْحَجّاجِ: مِنَ الطََويلِ
وَهَلْ هِنْدُ إلّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ
سَليلَةُ أَفْراسٍ تَبَطَّنَها بَغْلُ
فَإنْ وَلَدَتْ مُهْرًا فَذَلِكَ بِالْحَرَى
وَإنْ يَكُ إقْرافٌ فَما أَنْتَجَ النَّغْلِ
الإقْرافُ: أنْ تَكونَ الْأُمَُ عَرَبِيَّةً، وَالْأَبُ أَعْجَمِيًّا.
قالَ جَريرٌ يَهْجُو الْفَرَ زدَقَ:
لَقَدْ وَلَدَتْ أُمُّ الْفَرَزْدَقِ مُقْرَفًا
فَجاءَتْ بِوَزّارٍ قَصِيرِ الْقَوائِمِ
(الوَزّار: الكثيرُ الْوِزْرِ أَيْ الْإثْمِ)
وَأخْتَتِمُ الْحَديثَ عَنْ مادَّةِ “لَحَنَ” بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّريفِ:
اختَصَمَ رَجُلانِ في أَرْضٍ فَوَفَدا عَلى النَّبِيِّ عليهِ السَّلامُ لِيَحْتَكِما فَقالَ:
“لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنَ الْآخَرِ”. أَيْ أَعْرَفَ بِالْحُجَّةِ وَأَفْطَنَ مِنَ الْآخَرِ.
إلَى هُنا.