تشكل (مجموعة السوائل) لعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومن 2017-- 1925 مع كتاب عالم الاجتماع الفرنسي فرانسوا ليوتار ( وضع مابعد الحداثة ) 1979 وكتاب عالم الاجتماع اﻻلماني يورغن هابرماس ( القول الفلسفي للحداثة ) ، المقولات والنصوص المؤسسة لفكر ما اتفق على تسميته بمرحلة مابعد الحداثة ، تماهيا مع توكيد ليوتار على هذا المصطلح الذي كرسه في كتابه آنف الذكر بوحي من ايهاب حسن الذي يرجع البعض وضعه لأول مرة من قبله، ويعد كتاب باومن ( الحداثة السائلة ) 2000 المدخل النظري الذي انطلق منه باومن في معالجته للظواهر الاجتماعية في مجتمعات الحداثة الاوربية بعد الحرب العالمية الثانية مرورا بستينيات القرن الماضي الذي شهد ظهور وجهات النظر المضادة للحداثة وفشل مشروعها التنويري معلنة عن بدء مرحلة مابعد الحداثة التي اسهم في تكريس مقولاتها فلاسفة وعلماء اجتماع متعددون ومنهم زيجمونت باون الذي كان كتابه (الحداثة السائلة) المثابة التي تحرك منها في معالجته وكشفه عن الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسباسية في مجتمع الحداثة الاوربية ووصفه ل( السوائل) الاخرى اللاحقة كالحياة السائلة والخوف السائل والثقافة السائلة والحب السائل والزمن السائل والمراقبة / الحراسة السائلة ، اذ بالامكان عد جميع هذه السلسلة من الكتب إجابة لسؤال ماهو وضع الإنسان في هذه المرحلة او الطور من اطوار الحداثة الذي اطلق عليه (السيولة) بعدها الصورة المجازية لحالة المجتمع الانساني في جغرافية مجتمعات الحداثة ، ويصطف باومن مع هابرماس في اعتبار الحداثة مشروعا واحدا ذو اطوار مستمرة لم تنته بعد ( على مر الزمان ، ظلت الحداثة تغير شكلها مثلما كان يفعل بروثيوس اله البحر هربا من صائديه)1 وعلى حد تعبير هابرمس مشروعا ناقصا، بدأت في القرن التاسع عشر عند الاعلان عن حقوق الانسان التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام1870 التي كانت بدء الحداثة كممارسة حياتية بعد ان كانت ارهاصات مهدت لقطيعة ابستمولوجية لكل ما استقر من ثوابت ميتافيزيقية في العصور الوسطى ،لتظهر سلطة العقل ونبذ الميتافيزيقية واقامة مجتمع العدل والمساواة والرخاء الاجتماعي عبر تحقق الهوية الانسانوية الشاملة وتمثلها في السرديات الكبرى الرأسمالية والماركسية التي وجدها ليوتار السبب في تقويض المشروع الحداثوي وتراجع مباديء المساواة والمجتمع المثالي ، فكان مقترح ليوتار بنفي هذه السرديات الكبرى واحلال مباديء التعددية واحترام الآخر اثنيا وقوميا وطبقيا ، وبكلمة أخرى وضع الاعتبار للمختلف والاهتمام بالفروق الثقافية للجماعات الانسانية ، الا ان الوضع الحالي للرأسمالية في مشروعها الجديد منذتسعينيات القرن الماضي ممثلا بالعولمة وسيادة الشركات المتعددة الجنسيات قد قوضت مرة أخرى مشروع ليوتار في الاهتمام بالتعددية الثقافية والاعتراف بالهويات الفرعية كحل قد يعيد الحداثة الى وعيها الذاتي لتصلح ما افسدته المرويات الشمولية ، وهو مايؤسس عليه باومن في تفسيره للظواهر الاجتماعية الجديدة رابطا مفاهيمه هذه بمشروع العولمة الذي عده تطورا في استراتيجيات الرأسمالية لفرض هيمنتها الاقتصادية والثقافية على المجتمعات كافة بمافي ذلك مجتمعات الأطراف أو الهامش وفق منظور التمركز الغربي ، وإذ يصف باومن مجتمع مابعد الحداثة بالسيولة فإنه يفترض توصيف الصلابة كسمة عامة لطور الحداثة الأولى المضادة للسيولة ، بالإحالة الى الصورة المجازية لثبات المنظومات القيمية واليقين ومركزة الانسان وتسخير الطبيعة والسيطرة عليها لصالح الانسان الذي كان ضحية لفكر ماقبل الحداثة الذي عطل الكثير من قدراته الفكرية والاقتصادية ، الا ان مشروع العقل الحداثي لم يتمكن من تحقيق ذلك بدلالة ما أفرزته الحرب العالمية الثانية من فضائع استهدفت الإنسان لتدخله في اتون حروب جديدة ليس أقلها تهديد وجوده الوطني والقومي وسائر انتماءاته الطبقية والأقلية والإثنية ، لذا فإن توصيف السيولة وكما أشار باومن يعني أن المجتمعات الأوربية تمر بمرحلة لاثبات فيها الا المتغير ولايقين الا اللايقين ( فما كان في الماضي نسميه (خطأ) مابعد الحداثة ، وماقررت ان اسميه بوضوح ( الحداثة السائلة) انما هو الايمان المتنامي بأن التغيير هو الثبات الوحيد وان اللايقين هو اليقين الوحيد )2 فكل شيء في وضع استهلاك دائم حتى الانسان بعد تحوله من منتج الى مستهلك ليستهلك هو الآخر في حمى التقدم التكنولوجي وقيام ثورة المعلومات ،
ان ارتباط مشروع باومن بالعولمة يحيل الى المرجعية الآيديولوجية له ، فقد كان عضوا في الحزب الشيوعي البولندي ، ولاشك بأنه قد خبر الفكر الماركسي وموقفه من الرأسمالية ، فضلا عن افتراضنا بمعرفته الدقيقة بالنظم الإقتصادية والاجتماعية والفكرية للراسمالية وكذلك مراحل تطورها ، فقد بسطت هذه المعرفة ظلالها على تشكل رؤيته لما يصير اليه المجتمع في طور الراسمالية المتأخر الذي بدأ بالتبلور والظهور على شكل مايسمى بالعولمة فقد (كان مديرو المشروعات الرأسمالية هم من يسيطرون على العالم ، فهم من كانوا يفصلون الممكن عن غير الممكن ، والعقلاني عن غير العقلاني ، والمعقول عن غير المعقول ، بل هم من كانوا يحددون ويرسمون البدائل التي تنحصر فيها مسارات الحياة البشرية)3 ويتبدى في القول السالف لباومن مدى معرفته الدقيقة بالنظام الرأسمالي الذي وجد في العولمة وسيلة لإشاعة وتعميم نمط الحداثة على كل المجتمعات الحداثوية منها وغير الحداثوية التي ستتأثر راغمة بالنمط الرأسمالي المرتبط بالاقتصاد.
ويذهب باومن في تفريقه بين قيمة العمل في الحداثة الصلبة عنه في الحداثة السائلة ، فيشير ( في الحداثة الصلبة من الحداثة ، كان رأس المال يتقيد بالأرض تماما مثل العمال الذين يعملون من اجله ، اما في ايامنا هذه -- ويقصد الحداثة السائلة -- فإن رأس المال ينتقل في خفة ، في حقيبة سفر صغيرة ، حقيبة لاتحتوي على اكثر من محفظة وهاتف جوال وحاسوب متنقل ، فلم يعد رأس المال مكتفيا بجغرافية محددة بل يتمدد بسيولة فائقة باتجاه جغرافيات أخرى ليعمم النمط الاقتصادي الجديد للحصول على ارباح اضافية فضلا عن احساس العامل بالانفصال عن قيمة العمل لتتعمق هوة الاغتراب الاجتماعي وخفة الانتقال من مكان الى مكان ، لتكون سمة التحول والتغير المستمر هي القوة الغالبة والمتحكمة في تحقيق فردانية العامل والمواطن على حد سواء ، هذه الفردانية هي الكفيلة بوضع المواطن في منطقة المسؤولية الذاتية ازاء نفسه ، وعليه فإن الحداثة السائلة هي من قادت الى اشاعة العولمة لتقوية التمركز الغربي وعلى كافة المستويات ، وقطعا فإن العولمة الاقتصادية بتعميم واشاعة النظام الاقتصادي الجديد للرأسمالية والذي تمثل في سلطة الشركات المتعددة الجنسية ، قد اضعف من رقابة الدولة وهيمنتها لتبقى مهمتها مهمة امنية صرفة ، وتبعا لذلك فإن عولمة أخرى سترافق العولمة الاقتصادية تلك هي العولمة الثقافية التي تحرص على تعميم نمط الحياةالاوربية -- الامريكية تحديدا -- بكل مناحيها الى سائر المجتمعات التي ستتحرك على خارطة العولمة صاغرة ، وبذا تتحول المجتمعات من مجتمعات منتجة الى مجتمعات مستهلكة ، للتغير السريع في انتاج السلع المستهلكة وظهور قوة الإشهار عن السلع المؤقتة ، وفي كتابه ( الحياة في شذرات ) 1996كان باومن قد كشف عن ذلك بقوله ان مجتمع مابعد الحداثة يفعل طاقات اعضائه بإعتبارهم مستهلكين لامنتجين ، وفي ذلك فرق جوهري ، فهوية الأفراد قد تحولت ، وصارت في مجتمع الحداثة السائلة تعني القدرة على التسوق هنا وهناك في سوبرماركت الهويات( فعندما يمتلك المرء هذه القدرة فإنه يصنع الهويات وتدميرها كيفما يشاء )4 وحتما أن هذه الهوية الجديدة التي ستعلو على اي هوية ستمنح الفرد قدرا من الحرية الفردانية التي تجعله مسؤولا عن نفسه فقط ، فالتبعية الاستهلاكية والتبعية العالمية للتسوق ، هي الشرط الضروري لكل حرية فردية ، وبمعنى آخر ستكون هنالك هوية واحدة فقط هي الهوية الاستهلاكية . حيث نشهد انفصالا بين الروح الجوانية والشكل البراني للعلاقة الاجتماعية ، فتصبح الهويات مجرد تذبذبات وتقلبات مستمرة ، وهو ماجعل نسبة كبيرة من الأفراد والمفكرين يقفون بوجه المظاهر التي تكرسها العولمة لتذويب الحدود بين المجتمعات وبسط هيمنة الخطاب الثقافي للفكر الغربي الرأسمالي ، والذي من نتائجها اشاعة هوية جديدة تتناسب والتحول في النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وترحيل / تصدير هذه المظاهر الى جميع المجتمعات ، الأمر الذي دفع بالافراد الى التمسك بالهويات الرئيسية منها والفرعية وهو ماشكل تحديا جديدا ضد محاولات العولمة لتعميم النمط الغربي على كافة المجتمعات ، وأزاء اهتمام العولمة بالإعلام الذي يعد الأداة الأولى لنشر النمط الغربي وادخاله الى النسيج الاجتماعي للدول الصغيرة التي تتعرض الى هيمنة الدول الكبيرة الساعية الى تنميط تبعية الدول الصغيرة وربط اقتصادياتها وثقافاتها بما تريده الدول الراسمالية المتأخرة لتذويب الحدود والهويات صوب اقامة مجتمع استهلاكي وفق النمط الغربي او الأمريكي تحديدا ، وبذا فقد ارتبط الصراع من اجل تحقيق الهوية بالقدرة على الاستهلاك في( سوبر ماركت الهويات) اذ انه ( يتمثل في درجة الحرية الاستهلاكية الحقيقية او الوهمية في اختبار هوية المرء والتشبث بها ، فعندما يمتلك المرء هذه القدرة فإنه ينعم بصنع الهويات وتدميرها كيفما يشاء ) 5 وتتبدى في قول باومن هذا مدى سيولة وعدم ثبات الهوية وفقدانها لأبسط اركان ثباتها ، كما ان هذا التحول في قيمة الهوية ينبيء بهشاشة المكونات الجديدة وتخليها عن النظم الراسخة كما في الحداثة الصلبة ، يضاف الى ذلك تدخل منظومة الاتصالات الحديثة في امتداد العلائق الفردية الى ماهو خارج الحدود الوطنية ، اذ ان هذه العلاقات بين الافراد عبر الحدود وسهولة الاتصال بها والتبادل الثقافي فيما بينها يسهم الى حد كبير في اضعاف الهوية الوطنية ، اذ تبدا هوية جديدة بالتشكل قوامها نزع المحصنات او الواقيات الصلبة لتشكل وحماية الهوية الوطنية والتفريط بها لحساب هوية هشه بالامكان تحولها او الغائها وتبديلها في اي وقت نشاء ، وكما هو معروف فإن الهويات عرضة للتبدل والتغيير بتغير الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، كما ويصاحب عادة تلك الظروف ظهور هويات جديدة لم تكن موجودة سابقا ، ولايمكن بأية حال الوقوف بوجه هذه التحولات الجارية خارج الذات الانسانية وليس للانسان يد في صنعها وايجادها وتحولها ، ولعل من الهويات الجديدة المصاحبة والمحايثة للعولمة هي الهوية الاستهلاكية التي يكرسها تهديم النظم الصلبة وبناء علاقات اقتصادية واجتماعية تهدد الهويات السالفة بالانقراض والهدم ، وازاء ذلك فإن العديد من الأفراد والمنظمات حتى في مجتمعات الحداثة الاوربية تقف بوجه هذا التهديد للهويات الرئيسية منها والفرعية ، وتبدى ذلك في مواجهة المهاجرين الذين يحملون ثقافات مضادة تحد من عملية اندماجهم وتبني ثقافة المجتمعات التي هاجروا اليها ، وتعدى الأمر الى تضمين برامج المرشحين للانتخابات الرئاسية اجراءات تحد من الهجرة وتضييق الخناق عليهم ، اما في مجتمعات الأطراف من خارج جغرافية الحداثة فإنها تقف بوجه تسلل النزعات الاستهلاكية التي تسهم في تحويل الهويات وتتشبث بنظم الهويات الصلبة ، وتتخذ أحيانا اشكال المواجهة العنيفة ضد مظاهر تمييع الهوية وبالتالي الغائها ، الإستهلاكي الجديد ( العولمي) ،
و اذا كانت العولمة تعني
تعميم نمط اقتصادي يمتد ليكون تعميما لنمط ثقافي يشمل الاخلاق والسلوك والمأكل والمشرب وتفكيك الهويات الرئيسية والفرعية ليصبح الجميع بهوية واحدة عالمية ، فإن تأريخ هذه (العولمة) لم يبدا في1989 عند انهيار جدار برلين وهيمنة القطب الواحد / الأمريكي ليبدا معها في تسعينيات القرن الماضي عصر العولمة الجديد الذي يهدف الى تنميط اقتصادي ومؤسساتي وثقافي يجتاز الحدود الجغرافية لكل بلدان العالم ليعلن عن سيادة النمط الأمريكي او مايسمى ب (امركة) العالم ، فإن بإمكاننا القول أن جميع الحروب التي جرت على امتداد تأريخ الوجود البشري ، انما هو صراع بين طرفين إما ان يكون احدهما يسعى الى تنميط نمطه الاقتصادي والثقافي والثاني بدافع الدفاع عن هويته الوطنية او القومية او الدينية ، وامتد هذان الدافعان حتى الوقت الحاضر الذي نشهد فيه ( العدوى الأمريكية ) ومحاولة اوربا والمجتمعات من خارج المجتمعات الأوربية ومنها مجتمعنا العربي في التمسك بهويتها ، مع قبول التقدم العلمي والتكنولوجي العابر للحدود شئنا ام لم نشأ دخوله في النسيج الاجتماعي ، وهنا تكمن صعوبة احداث التوازن بين القبول بالعولمة والحفاظ على الهويات الرئيسية منها والفرعية ، ففي الوقت الذي تدافع فيه مجتمعات الحداثة الأوربية عن هويتها ووقوفها ضد المشروع الأمريكي لتنميط ثقافي يقوض هويات مجتمعها ، فإنها تسعى وبما تملكه من تقنيات الكترونية حديثة واتساع في اشكال التواصل الاقتصادي والاعلامي ، الى ترحيل وتعميم نمطها الذي اسهمت في تخليقه موجهات الحداثة السائلة ، وسيادة الهوية الاستهلاكية وتوفير امكانية تعميمها عبر الشركات المتعددة الجنسيات ، لذا فإن الموقف الاوربي من أمركة العالم انما هو فتح قناة صراع جديدة بين اوربا من جهة وامريكا من جهة ثانية ، ويبدو أن اعلانها عن التمسك بهويتها الوطنية هو محض غطاء لذلك الصراع الذي اتخذ مداه الواسع منذ تسعينات القرن الماضي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية ، وإزاء هذا الصراع في استلام مبادرة (القطبية) فإن أمام مجتمعات الأطراف أو الهامش طريقين ، الأول هو التسليم الكامل لموجهات تعميم النمط الأمريكي اقتصاديا وثقافيا وسياسيا ، وتكمن صعوبة السير بهذا الطريق او التفاعل معه هي القبول بتجاوز الهويات القارة في المجتمع وتبني الهوية العالمية الجديدة ، وعادة مايواجه هذا الطريق بالتمسك بالهوية ولو الى حين ، اما الطريق الثاني فهو ادارة الظهر للانفتاح الاقتصادي والتقني والاعلامي والاكتفاء بقوة نظام الدولة امام الشركات المتعددة الجنسيات والتنميط الثقافي والتمحور حول الهوية ، وتكمن صعوبة السير بهذا الطريق هو عدم امكانية تجاهل التقدم التقني الهائل والمتسارع وكذلك عدم توفر القدرة لهذه المجتمعات لبناء اقتصادها محليا وبمعزل عن فتوحات الانماط الصناعية والاستهلاكية الوافدة من الآخر ، ولعل اجتراح طريق ثالث يضمن القبول بالنمط الوافد من حيث الاستفادة من التطور والتقدم التقني مع توفير قوة الدولة في الرقابة الاقتصادية والاعتراف بالتعددية الثقافية وعدم التمحور حول هوية تمارس تنميطا ثقافيا آخر / داخلي يمارس ضغوطا على الهويات الأخرى لقبولها كهويات تابعة ، وبهذا الصدد من الممكن ان تظهر الهوية السردية كواحدة من الإجراءات المناهضة للهوية التي تحاول ثقافة القطب الواحد فرض هيمنتها كهوية جامعة شاملة لتشغل محل السرديات الكبرى التي قوضتها نصوص مابعد الحداثة وتحديدا نصوص وضع مابعد الحداثة لعالم الاجتماع الفرنسي فرانسوا ليوتار ، شرط ابتعادها عن التمحور حول هوية الذات الساردة ، لتبلغ الهوية الرئيسية / الوطنية مداها في تكريس المواطنة التي تنضوي تحت مظلتها التعددية الهوياتية وبما يضمن قبولها واحترام موجهاتها ومكوناتها الخاصة .
ومما سبق بحثه بايجاز نستنتج مايلي :--
1-- تعد مجموعة( السوائل ) لعالم الاجتماع والفيلسوف البولندي زيجمونت باومن من النصوص المؤسسة لفكر مرحلة ماعرفت ب (مابعد الحداثة ) التي لم تكن الا حلقة من حلقات او طور من أطوار الحداثة التي بدات منذ القرن التاسع عشر ، ولايمكن فصلها واعتبار نتائجها منفصلة او منقطعة ابستمولوجيا عن مشروع الحداثة الأم ، بل هي حلقة متطورة عن المشروع الحداثي الأوربي .
2-- ان (السيولة) التي اقترحها باومن هي الصورة المجازية للوضع الآني لمجتمع الحداثة الاوربي ، مع وجود احتمال انتقال صفة التحول والتغير المستمر في الظواهر الاقتصادية والاجتماعية الى مجتمعات الأطراف / الهامش من خارج جغرافية الحداثة الأوربية بفعل مشروع العولمة العابر للحدود الجغرافية .
3 -- ارتباط مشروع الحداثة السائلة بالعولمة التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار جدار برلين والنظم الاشتراكية في اوربا ، وانتهاء سلطة القطبين لتحل سلطة القطب الواحد / امريكا ، وظهور الهوية الاستهلاكية التي اوجدتها سلسلة التطورات التقنية والتكنولوجيا الحديثة وتطور شبكة المعلومات على مستوى عالمي مما قرب المسافة بين المجتمعات ، لتعميم التنميط الثقافي وفق النمط الأمريكي.
4 -- ان التمحور والتمسك بمكونات الهوية لدى المجموعات المهاجرة الى الدول الأوربية وكذلك في المجتمعات المشكلة للاطراف / الهامش ، كانت كرد فعل لمحاولات تمييع واذابة الهويات الفرعية لدى المهاجرين -- الدينية خاصة -- وكذلك حروب الطوائف والأديان الداخلية .
5 -- لم تكن الحلول المقترحة للحفاظ على الهوية في مجتمعات الهامش بمستوى تحديات المشروع العولمي ، اذ اسهمت هذه الحلول في تفكيك الهوية الوطنية التي من الممكن أن تلعب دورا كبيرا في تحدي مشروع اذابة الهوية .
6 -- بالامكان حصول توازن بين القبول الذي لايمكن الوقوف بوجهه للتقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع وبين سد منافذ التنميط الثقافي الذي تهدف اليه سياسة العولمة بما في ذلك اضعاف دور الدولة وظهور المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية المدنية ، ومن الممكن ان تسهم الهوية السردية وعلى كافة شبكات المنجز الأدبي والثقافي في احداث هذا التوازن الذي يبدو صعبا في الوقت الراهن .
احالات
1 - زيجموند باومن / الحداثة السائلة / تر. حجاج ابو جبر / الشبكة العربية للابحاث والنشر ، بيروت 2016 ص 27
2 - ن.م ص 27
3- ن.م ص 106
4- ن.م ص 140
5- ن.م ص 140
ان ارتباط مشروع باومن بالعولمة يحيل الى المرجعية الآيديولوجية له ، فقد كان عضوا في الحزب الشيوعي البولندي ، ولاشك بأنه قد خبر الفكر الماركسي وموقفه من الرأسمالية ، فضلا عن افتراضنا بمعرفته الدقيقة بالنظم الإقتصادية والاجتماعية والفكرية للراسمالية وكذلك مراحل تطورها ، فقد بسطت هذه المعرفة ظلالها على تشكل رؤيته لما يصير اليه المجتمع في طور الراسمالية المتأخر الذي بدأ بالتبلور والظهور على شكل مايسمى بالعولمة فقد (كان مديرو المشروعات الرأسمالية هم من يسيطرون على العالم ، فهم من كانوا يفصلون الممكن عن غير الممكن ، والعقلاني عن غير العقلاني ، والمعقول عن غير المعقول ، بل هم من كانوا يحددون ويرسمون البدائل التي تنحصر فيها مسارات الحياة البشرية)3 ويتبدى في القول السالف لباومن مدى معرفته الدقيقة بالنظام الرأسمالي الذي وجد في العولمة وسيلة لإشاعة وتعميم نمط الحداثة على كل المجتمعات الحداثوية منها وغير الحداثوية التي ستتأثر راغمة بالنمط الرأسمالي المرتبط بالاقتصاد.
ويذهب باومن في تفريقه بين قيمة العمل في الحداثة الصلبة عنه في الحداثة السائلة ، فيشير ( في الحداثة الصلبة من الحداثة ، كان رأس المال يتقيد بالأرض تماما مثل العمال الذين يعملون من اجله ، اما في ايامنا هذه -- ويقصد الحداثة السائلة -- فإن رأس المال ينتقل في خفة ، في حقيبة سفر صغيرة ، حقيبة لاتحتوي على اكثر من محفظة وهاتف جوال وحاسوب متنقل ، فلم يعد رأس المال مكتفيا بجغرافية محددة بل يتمدد بسيولة فائقة باتجاه جغرافيات أخرى ليعمم النمط الاقتصادي الجديد للحصول على ارباح اضافية فضلا عن احساس العامل بالانفصال عن قيمة العمل لتتعمق هوة الاغتراب الاجتماعي وخفة الانتقال من مكان الى مكان ، لتكون سمة التحول والتغير المستمر هي القوة الغالبة والمتحكمة في تحقيق فردانية العامل والمواطن على حد سواء ، هذه الفردانية هي الكفيلة بوضع المواطن في منطقة المسؤولية الذاتية ازاء نفسه ، وعليه فإن الحداثة السائلة هي من قادت الى اشاعة العولمة لتقوية التمركز الغربي وعلى كافة المستويات ، وقطعا فإن العولمة الاقتصادية بتعميم واشاعة النظام الاقتصادي الجديد للرأسمالية والذي تمثل في سلطة الشركات المتعددة الجنسية ، قد اضعف من رقابة الدولة وهيمنتها لتبقى مهمتها مهمة امنية صرفة ، وتبعا لذلك فإن عولمة أخرى سترافق العولمة الاقتصادية تلك هي العولمة الثقافية التي تحرص على تعميم نمط الحياةالاوربية -- الامريكية تحديدا -- بكل مناحيها الى سائر المجتمعات التي ستتحرك على خارطة العولمة صاغرة ، وبذا تتحول المجتمعات من مجتمعات منتجة الى مجتمعات مستهلكة ، للتغير السريع في انتاج السلع المستهلكة وظهور قوة الإشهار عن السلع المؤقتة ، وفي كتابه ( الحياة في شذرات ) 1996كان باومن قد كشف عن ذلك بقوله ان مجتمع مابعد الحداثة يفعل طاقات اعضائه بإعتبارهم مستهلكين لامنتجين ، وفي ذلك فرق جوهري ، فهوية الأفراد قد تحولت ، وصارت في مجتمع الحداثة السائلة تعني القدرة على التسوق هنا وهناك في سوبرماركت الهويات( فعندما يمتلك المرء هذه القدرة فإنه يصنع الهويات وتدميرها كيفما يشاء )4 وحتما أن هذه الهوية الجديدة التي ستعلو على اي هوية ستمنح الفرد قدرا من الحرية الفردانية التي تجعله مسؤولا عن نفسه فقط ، فالتبعية الاستهلاكية والتبعية العالمية للتسوق ، هي الشرط الضروري لكل حرية فردية ، وبمعنى آخر ستكون هنالك هوية واحدة فقط هي الهوية الاستهلاكية . حيث نشهد انفصالا بين الروح الجوانية والشكل البراني للعلاقة الاجتماعية ، فتصبح الهويات مجرد تذبذبات وتقلبات مستمرة ، وهو ماجعل نسبة كبيرة من الأفراد والمفكرين يقفون بوجه المظاهر التي تكرسها العولمة لتذويب الحدود بين المجتمعات وبسط هيمنة الخطاب الثقافي للفكر الغربي الرأسمالي ، والذي من نتائجها اشاعة هوية جديدة تتناسب والتحول في النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وترحيل / تصدير هذه المظاهر الى جميع المجتمعات ، الأمر الذي دفع بالافراد الى التمسك بالهويات الرئيسية منها والفرعية وهو ماشكل تحديا جديدا ضد محاولات العولمة لتعميم النمط الغربي على كافة المجتمعات ، وأزاء اهتمام العولمة بالإعلام الذي يعد الأداة الأولى لنشر النمط الغربي وادخاله الى النسيج الاجتماعي للدول الصغيرة التي تتعرض الى هيمنة الدول الكبيرة الساعية الى تنميط تبعية الدول الصغيرة وربط اقتصادياتها وثقافاتها بما تريده الدول الراسمالية المتأخرة لتذويب الحدود والهويات صوب اقامة مجتمع استهلاكي وفق النمط الغربي او الأمريكي تحديدا ، وبذا فقد ارتبط الصراع من اجل تحقيق الهوية بالقدرة على الاستهلاك في( سوبر ماركت الهويات) اذ انه ( يتمثل في درجة الحرية الاستهلاكية الحقيقية او الوهمية في اختبار هوية المرء والتشبث بها ، فعندما يمتلك المرء هذه القدرة فإنه ينعم بصنع الهويات وتدميرها كيفما يشاء ) 5 وتتبدى في قول باومن هذا مدى سيولة وعدم ثبات الهوية وفقدانها لأبسط اركان ثباتها ، كما ان هذا التحول في قيمة الهوية ينبيء بهشاشة المكونات الجديدة وتخليها عن النظم الراسخة كما في الحداثة الصلبة ، يضاف الى ذلك تدخل منظومة الاتصالات الحديثة في امتداد العلائق الفردية الى ماهو خارج الحدود الوطنية ، اذ ان هذه العلاقات بين الافراد عبر الحدود وسهولة الاتصال بها والتبادل الثقافي فيما بينها يسهم الى حد كبير في اضعاف الهوية الوطنية ، اذ تبدا هوية جديدة بالتشكل قوامها نزع المحصنات او الواقيات الصلبة لتشكل وحماية الهوية الوطنية والتفريط بها لحساب هوية هشه بالامكان تحولها او الغائها وتبديلها في اي وقت نشاء ، وكما هو معروف فإن الهويات عرضة للتبدل والتغيير بتغير الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، كما ويصاحب عادة تلك الظروف ظهور هويات جديدة لم تكن موجودة سابقا ، ولايمكن بأية حال الوقوف بوجه هذه التحولات الجارية خارج الذات الانسانية وليس للانسان يد في صنعها وايجادها وتحولها ، ولعل من الهويات الجديدة المصاحبة والمحايثة للعولمة هي الهوية الاستهلاكية التي يكرسها تهديم النظم الصلبة وبناء علاقات اقتصادية واجتماعية تهدد الهويات السالفة بالانقراض والهدم ، وازاء ذلك فإن العديد من الأفراد والمنظمات حتى في مجتمعات الحداثة الاوربية تقف بوجه هذا التهديد للهويات الرئيسية منها والفرعية ، وتبدى ذلك في مواجهة المهاجرين الذين يحملون ثقافات مضادة تحد من عملية اندماجهم وتبني ثقافة المجتمعات التي هاجروا اليها ، وتعدى الأمر الى تضمين برامج المرشحين للانتخابات الرئاسية اجراءات تحد من الهجرة وتضييق الخناق عليهم ، اما في مجتمعات الأطراف من خارج جغرافية الحداثة فإنها تقف بوجه تسلل النزعات الاستهلاكية التي تسهم في تحويل الهويات وتتشبث بنظم الهويات الصلبة ، وتتخذ أحيانا اشكال المواجهة العنيفة ضد مظاهر تمييع الهوية وبالتالي الغائها ، الإستهلاكي الجديد ( العولمي) ،
و اذا كانت العولمة تعني
تعميم نمط اقتصادي يمتد ليكون تعميما لنمط ثقافي يشمل الاخلاق والسلوك والمأكل والمشرب وتفكيك الهويات الرئيسية والفرعية ليصبح الجميع بهوية واحدة عالمية ، فإن تأريخ هذه (العولمة) لم يبدا في1989 عند انهيار جدار برلين وهيمنة القطب الواحد / الأمريكي ليبدا معها في تسعينيات القرن الماضي عصر العولمة الجديد الذي يهدف الى تنميط اقتصادي ومؤسساتي وثقافي يجتاز الحدود الجغرافية لكل بلدان العالم ليعلن عن سيادة النمط الأمريكي او مايسمى ب (امركة) العالم ، فإن بإمكاننا القول أن جميع الحروب التي جرت على امتداد تأريخ الوجود البشري ، انما هو صراع بين طرفين إما ان يكون احدهما يسعى الى تنميط نمطه الاقتصادي والثقافي والثاني بدافع الدفاع عن هويته الوطنية او القومية او الدينية ، وامتد هذان الدافعان حتى الوقت الحاضر الذي نشهد فيه ( العدوى الأمريكية ) ومحاولة اوربا والمجتمعات من خارج المجتمعات الأوربية ومنها مجتمعنا العربي في التمسك بهويتها ، مع قبول التقدم العلمي والتكنولوجي العابر للحدود شئنا ام لم نشأ دخوله في النسيج الاجتماعي ، وهنا تكمن صعوبة احداث التوازن بين القبول بالعولمة والحفاظ على الهويات الرئيسية منها والفرعية ، ففي الوقت الذي تدافع فيه مجتمعات الحداثة الأوربية عن هويتها ووقوفها ضد المشروع الأمريكي لتنميط ثقافي يقوض هويات مجتمعها ، فإنها تسعى وبما تملكه من تقنيات الكترونية حديثة واتساع في اشكال التواصل الاقتصادي والاعلامي ، الى ترحيل وتعميم نمطها الذي اسهمت في تخليقه موجهات الحداثة السائلة ، وسيادة الهوية الاستهلاكية وتوفير امكانية تعميمها عبر الشركات المتعددة الجنسيات ، لذا فإن الموقف الاوربي من أمركة العالم انما هو فتح قناة صراع جديدة بين اوربا من جهة وامريكا من جهة ثانية ، ويبدو أن اعلانها عن التمسك بهويتها الوطنية هو محض غطاء لذلك الصراع الذي اتخذ مداه الواسع منذ تسعينات القرن الماضي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية ، وإزاء هذا الصراع في استلام مبادرة (القطبية) فإن أمام مجتمعات الأطراف أو الهامش طريقين ، الأول هو التسليم الكامل لموجهات تعميم النمط الأمريكي اقتصاديا وثقافيا وسياسيا ، وتكمن صعوبة السير بهذا الطريق او التفاعل معه هي القبول بتجاوز الهويات القارة في المجتمع وتبني الهوية العالمية الجديدة ، وعادة مايواجه هذا الطريق بالتمسك بالهوية ولو الى حين ، اما الطريق الثاني فهو ادارة الظهر للانفتاح الاقتصادي والتقني والاعلامي والاكتفاء بقوة نظام الدولة امام الشركات المتعددة الجنسيات والتنميط الثقافي والتمحور حول الهوية ، وتكمن صعوبة السير بهذا الطريق هو عدم امكانية تجاهل التقدم التقني الهائل والمتسارع وكذلك عدم توفر القدرة لهذه المجتمعات لبناء اقتصادها محليا وبمعزل عن فتوحات الانماط الصناعية والاستهلاكية الوافدة من الآخر ، ولعل اجتراح طريق ثالث يضمن القبول بالنمط الوافد من حيث الاستفادة من التطور والتقدم التقني مع توفير قوة الدولة في الرقابة الاقتصادية والاعتراف بالتعددية الثقافية وعدم التمحور حول هوية تمارس تنميطا ثقافيا آخر / داخلي يمارس ضغوطا على الهويات الأخرى لقبولها كهويات تابعة ، وبهذا الصدد من الممكن ان تظهر الهوية السردية كواحدة من الإجراءات المناهضة للهوية التي تحاول ثقافة القطب الواحد فرض هيمنتها كهوية جامعة شاملة لتشغل محل السرديات الكبرى التي قوضتها نصوص مابعد الحداثة وتحديدا نصوص وضع مابعد الحداثة لعالم الاجتماع الفرنسي فرانسوا ليوتار ، شرط ابتعادها عن التمحور حول هوية الذات الساردة ، لتبلغ الهوية الرئيسية / الوطنية مداها في تكريس المواطنة التي تنضوي تحت مظلتها التعددية الهوياتية وبما يضمن قبولها واحترام موجهاتها ومكوناتها الخاصة .
ومما سبق بحثه بايجاز نستنتج مايلي :--
1-- تعد مجموعة( السوائل ) لعالم الاجتماع والفيلسوف البولندي زيجمونت باومن من النصوص المؤسسة لفكر مرحلة ماعرفت ب (مابعد الحداثة ) التي لم تكن الا حلقة من حلقات او طور من أطوار الحداثة التي بدات منذ القرن التاسع عشر ، ولايمكن فصلها واعتبار نتائجها منفصلة او منقطعة ابستمولوجيا عن مشروع الحداثة الأم ، بل هي حلقة متطورة عن المشروع الحداثي الأوربي .
2-- ان (السيولة) التي اقترحها باومن هي الصورة المجازية للوضع الآني لمجتمع الحداثة الاوربي ، مع وجود احتمال انتقال صفة التحول والتغير المستمر في الظواهر الاقتصادية والاجتماعية الى مجتمعات الأطراف / الهامش من خارج جغرافية الحداثة الأوربية بفعل مشروع العولمة العابر للحدود الجغرافية .
3 -- ارتباط مشروع الحداثة السائلة بالعولمة التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار جدار برلين والنظم الاشتراكية في اوربا ، وانتهاء سلطة القطبين لتحل سلطة القطب الواحد / امريكا ، وظهور الهوية الاستهلاكية التي اوجدتها سلسلة التطورات التقنية والتكنولوجيا الحديثة وتطور شبكة المعلومات على مستوى عالمي مما قرب المسافة بين المجتمعات ، لتعميم التنميط الثقافي وفق النمط الأمريكي.
4 -- ان التمحور والتمسك بمكونات الهوية لدى المجموعات المهاجرة الى الدول الأوربية وكذلك في المجتمعات المشكلة للاطراف / الهامش ، كانت كرد فعل لمحاولات تمييع واذابة الهويات الفرعية لدى المهاجرين -- الدينية خاصة -- وكذلك حروب الطوائف والأديان الداخلية .
5 -- لم تكن الحلول المقترحة للحفاظ على الهوية في مجتمعات الهامش بمستوى تحديات المشروع العولمي ، اذ اسهمت هذه الحلول في تفكيك الهوية الوطنية التي من الممكن أن تلعب دورا كبيرا في تحدي مشروع اذابة الهوية .
6 -- بالامكان حصول توازن بين القبول الذي لايمكن الوقوف بوجهه للتقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع وبين سد منافذ التنميط الثقافي الذي تهدف اليه سياسة العولمة بما في ذلك اضعاف دور الدولة وظهور المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية المدنية ، ومن الممكن ان تسهم الهوية السردية وعلى كافة شبكات المنجز الأدبي والثقافي في احداث هذا التوازن الذي يبدو صعبا في الوقت الراهن .
احالات
1 - زيجموند باومن / الحداثة السائلة / تر. حجاج ابو جبر / الشبكة العربية للابحاث والنشر ، بيروت 2016 ص 27
2 - ن.م ص 27
3- ن.م ص 106
4- ن.م ص 140
5- ن.م ص 140
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com