علي حسين - سيد القمني.. رحيل المعتزلي الأخير

" كل إدارة مستبدة ، تسعى جهدها في اطفاء نور العلم ، وحصر الرعية في حالك الجهل . والعلماء الحكماء الذين يبنون احيانا ، في مضائق صخور الاستبداد ، يسعون جهدهم في تنوير افكار الناس"
عبد الرحمن الكواكبي



نفر البعض من جرأته في تناول موضوعات مثيرة في تاريخ الاسلام ، وفُتن آخرون بطاقته الباهرة على الدخول في سجالات عاصفة . لكن يبقى سيد القمني الذي رحل عن عالمنا قبل ايام – توفي في 6/2/2022 – شخصية مثيرة للجدل منذ ان تفجرت ذات يوم عبوة الديناميت عندما قررت وزارة الثقافة المصرية عام 2009 منحه جائزة الدولة في العلوم الاجتماعية ، وظل البحث عمن القى هذه العبوة ، حتى ان احد اساتذة الازهر كتب مقالاً بعنوان " جابر عصفور وأنصاره " متهما الكاتب والمفكر جابر عصفور بالوقوف خلف منح سيد القمني الجائزة ، بل ان عدد من نواب الحركة السلفية تقدموا ببلاغ طالبوا فيه محاسبة وزير الثقافة فاروق حسني لانه " لا يليق بوزير ثقافة فى بلد الأزهر أن يشجع ويدعم التمرد على الأخلاق والقيم والثوابت". لم تنته الازمة عند الازهر ، بل ذهب الأمر باحد الباحثين في مجال الجماعات الاسلامية وهو الدكتور رفعت سيد احمد ان كتب مقالا يصف منح الجائزة للقمني بالمسخرة واصفا اللجنة بانها " عصابة جابر عصفور " ، لم تكن قنبلة الجائزة هي الازمة الوحيدة في حياة سيد القمني ، فخلال عمله في اعادة كتابة التاريخ الاسلامي ابتدءً بكتابه المثير للجدل " حروب دولة الرسول" الصادر في بداية التسعينيات ، ارتبطت حياته بالجدالات والزوابع التي ظلت كتبه تثيرها ، والتى رأى البعض فيها تطاولا على المقدسات الدينية ، وهذه الزوابع يصفها سيد القمني في مقال له في مجلة روز اليوسف عام 2002 بانها محاولة لتكميم العقل وسعي لاهدار دمه . ولم تكتف الحملة بالمطالبة بمنع كتب القمني وتقديمه للمحاكمة ، بل طالبت بطرده من الوظيفة لما في كتبه من نصوص كفرية صريحة حسب بيان جبهة علماء الازهر . والغريب ان معظم المقالات التي هاجمت مؤلفات القمني تعاملت مع هذه المؤلفات باعتبارها كتب في الدين الاسلامي ، بينما القراءة الجادة لهذه الكتب تكشف لنا انها تتناول التاريخ الاجتماعي والسياسي للاسلام ، وتسعى لقراءة السيرة النبوية قراءة اجتماعية .. ويرد سيد القمني في مقال نشره عام 1998 على الحملات التي تثار ضده بعد كل كتاب جديد يصدر له بالقول :" وفي السنوات الأخيرة شهدنا قليلًا من المعارك الفكرية الراقية انسحبت بسرعة لتفسح المجال للونٍ آخر يعبِّر عن عجز بعض الأطراف عن خوض المعارك بأسلحة نبيلة وشريفة فيلجأون إلى الأسلحة الرديئة، وعادة ما تكون فاسدة ترتد في وجوههم دون حاجة الخصم لأي تعليق. وتتعدد سبل وأدوات العجز عن المواجهة الشريفة، فنراهم يكيلون الاتهامات والتخوين والتكفير والشتائم والبذاءات والمؤامرات دون الوقوف العقلاني مع ما يطرح أمامهم من منطق" . ومع ان الجدل الذي رافق كتب السيد القمني اتخذ اشكالا متباينه ، وجهد جيمع الذي كفروه الى اللف والدوران حول موضوع واحد هو " المقدس " ، ومع ان هذا لا يمنع ابدا من ان ينتقد رجال الدين او المتدينون اي عمل فكري يرون انه يسيء لمعتقداتهم ، أو ان يدعوا الى مقاطعة هذه الكتب ، فهذا ما تستوجبه ديمقراطية الفكر ، اما الدعوة الى مصادرة حرية الفكر والمطالبة بقتل المفكر فانها تخرج عن هذا النطاق وتدخل في خانة الجريمة . فالكتاب يقاس وينقد بمقاييس ومعايير النقد الفكري لا بمعايير النص الديني .
معلوم أن ولادة سيد القمني كانت في محافظة بني سويف في الثالث عشر من آذار عام 1947، في بلدة تسمى الواسطي لعائلة من الطبقة الوسطى . الاب خريج الازهر امتهن التجارة ، وكان يمني النفس أن يصبح ابنه ازهريا ، لكن الفلسفة اخذت الابن في اتجاه آخر ، يتذكر القمني ان كتابا صغيرا بعنوان" سقراط الرجل الذي جرؤ على السؤال " عثر عليه في مكتبة المدرسة الاعدادية ، سوف يسحره فيقرر ان يكرس وقته كله لقراءة الفلسفة ، ونراه يصف شعورة وهو يقرأ سقراط بقوله : " كانت هذه الصفحات الباب الذي دخلت منه الى عالم الفلسفة وكان مجهولا تماما بالنسبة لي " ، كانت قراءة الفلسفة قد جاءت في وقت عصيب كانت تمر به بلاده مصر بعد نكسة حزيران عام 1967 ، وتهاوى الحلم بناء دولة حديثة :" عند ذاك بدأت اتساءل ماذا حدث ؟ وقررت ان ابحث عن جذور المشكلة في تاريخنا العربي والاسلامي ، فالمشكلة لم تكن اخفاق عسكري وحسب ، بل هي مشكلة متأصلة الاطار الفكري الاسلامي وليس الاطار الفكري العربي " – حوار اجري مع السيد القمني عام 2004 ونشره موقع . Middle East Times - . بعد قبوله في قسم الفلسفة في جامعة عين شمس عام 1969 ، يشد الرحال الى القاهرة التي وصلها وكان في الثانية والعشرين من عمره ، اختار ان يدرس العلوم الاجتماعية . في الجامعة يعثر على الفيلسوف باروخ سبينوزا بعد أن قرأ كتاب استاذ الفلسفة فؤاد زكريا " سبينوزا " الصادر عام 1962 ، وجد في الفيلسوف الهولندي الذي يقدمه له فؤاد زكريا نوعا من المفكر الذي يغري بالعديد من التفاسير ، واعجبته حياة سبينوزا الذي قضى عمره معتكفا عن الناس، بعيدا عن صخب العالم الخارجي وضجيجه. هذه الصورة التي تمنى سيد القمنى ان يتشبه بها ، ومن كتاب سيبنوزا الشهير " رسالة في اللاهوت والسياسة" – ترجمه حسن حنفي – يتعلم سيد القمني الدرس الاول والذي يتلخص في أن حرية التفكير لا تُمثل خطرا على التقوى أو على السلام في المجتمع ، بل إنَّ القضاء عليها يؤدي إلى ضياع السلام والتقوى ذاتها. وان حرية الفكر لا تُمثل خطرا على الإيمان، الدرس الثاني وكان هو الاهم أن العقل هو أساس الإيمان، وقد اتخذت قراءات القمني خلال هذه الفترة صورا شتى ، تنوعت بين الفلسفة اللاهوتية وبين ما يخزنه التراث من مجادلات حول الدين والعقل ، اضافة الى تاثير فلاسفة التنوير وبالاخص إيمانويل كانتط ، كما لا يخفي سيد القمني تأثره بالمعتزلة وافكارهم وخصوصا فيما يتعلق بمسألة العقل ، وهو المبدأ الذي ميز المعتزلة عن سواهم ، اضافة الى اسلوبهم الثوري في تقرير ما يمكن تسميته بالطابع العقلي في طرق الله وافعاله ، وكان من اهم ما اثاروه في هذا الصدد ان الله لا يأمر بما يتنافى مع العقل " ولا يفعل غير آبه لمصالح مخلوقاته ، لما يلزم عن ذلك من اخلال بعدله تعالى وحكمته " – الملل والنحل للشيخ محمد بن عبد الكريم الشهرستاني تحقيق سعيد الغانمي - . فهؤلاء المفكرون الاخلاقيون لم يقبلوا بفكرة إله يجيز لنفسه ان يتصرف خلافا لجميع مبادئ العدالة ومقتضيات الاصلاح ، " فيعذب البريء ، ويكلف ما لا يطاق ، إلا لشيء لانه هو الله " – الاشعري مقالات الاسلاميين تحقيق محمد محي الدين – ووفق هذا المفهوم يكتب سيد القمني أنه :" كي يتم العدل الإلهي يوم الدين ، لا بد من وجود الحرية ، ووجود الخُطاة ، وأصحاب الأديان المختلفة ، لذلك خلقهم مختلفين ، ولولا هذ الاختلاف لفسدت الأرض بحسب الآي القرآني ، والخُلاصة البسيطة في جملة مفيدة واحدة هي قول فلاسفة المعتزلة ( إن العدل واجب على الله ، خارج عن معنى المشيئة ) " . ان تكون معتزليا بحسب سيد القمني ، يعني أن تكون منشقا عن افكار تعليمية تقليدية ، وأن تكون ذا خطاب علمي يتحاور مع الجميع ، من أجل أن ننظر إلى الواقع والتاريخ بنظرة يعلو فيها صوت العقل على ما سواه من أصوات غيبية تتخذ من التاريخ وسيلة لقهر الحاضر ومصادرته ، ووفق هذا المبدأ المعتزلي ابدى سيد القمني رأيه في ملفات تاريخية كان الاقتراب منها يعد مجازفة ، وابتدع لنفسه خط سير يوائم بين الاسلام والعلمانية دون ان يلغي احدهما الآخر . ولأجل تنفيذ مشروعه في دراسة تاريخ الاديان بشكل عام ، والاسلام بشكل خاص ، فلا بد من امتلاك جرأة نقدية كبيرة في هذا المضمار ، بحيث سمح سيد القمني لنفسه بالخوض في مواضيع كانت تعد من " التابو " الأمر الذي دفع التيارات السلفية الى وصفه بـ" الملحد " او " المدفوع من اعداء الاسلام " وهو ما سخر منه القمني واصفا هذه التهم بانها دليل على ان العقل النقدي يسبب ازعاجا لاصحاب الافكار الجاهزة . ورغم ان كتب القمني لا تحوي على مناظرات فقهية او فلسفية مع علماء الدين ، وانما هي كتب في تشريح التاريخ ، إلا انه ظلت حتى آخر يوم من حياته تثير الضجيج من حولها . كانت سنوات الجامعة حافلة بالنوافذ التي فتحت امام سيد القمني الشاب للاطلاع على الافكار والفلسفات وكان يردد ان الفلسفة تسهم في ولادة ثانية للانسان . ويبدو ان سيد القمني ادرك بعد ان تخرج من الجامعة منتصف السبعينيات ان ترسانة التدجين التي تحيط به ستدفعه دفعا لأن يتمرد ويرفض ان يرضخ للتابوات التي تقف في مواجهة البحث والدراسة ، فبدأ بنشر مقالات تدور حولَ نقد التراثِ وغربلته، حيث انتقد الكثير مما يراه خارج نطاقِ العقل في التاريخ الإسلامي، ، مؤكدا أن المسلمين تجمدوا فكريا ، بعد ان اصروا على اعتبار النص الديني مواكبا لعصرنا الحالي" بيما كانَ الله ينسخ بعض آياته لتساير التطور المجتمعي، ويذهب القمني بعيدا حين يعلن أن التاريخَ الإسلامي هو سلسلة متصلةٌ من الدِّماءِ المهدَرةِ في سبيلِ الاستحواذ على السلطة " . – سيد القمني رب الزمان -
ظلت السجالية صفة عامة تغلب على كتابات سيد القمني ، لا لشيء إلا لان هذه الكتابات كانت بمثابة نقد لفكرة أن الموروث الثقافي العربي يبدأ من بدأ الرسالة الإسلامية حيث يؤكد القمني ان حضارة منظقة الشرق الاوسط تكونت من خلال مجموعة من التراكمات الثقافية والحضارية لشعوب عاشت في هذه المنطقة قبل وبعد ظهور الإسلام وأنه من المستحيل لثقافة أو حضارة أن تتكون من نقطة ابتداء محددة معلومة وأن تفكير البعض أن الثقافة العربية بدأت مع بدأ الوحي أمر غير منطقي يجعل الإنسان يؤمن بأنه لم يكن هناك أي دور للحضارات والشعوب والديانات والعوامل السياسية التي سبقت الإسلام في الصياغة والإعداد لظهور الإسلام:" لكن وسط كل هذا الاهتمامِ بين من يفرضون المأثور الإسلامي وحدَه تراثا أوحد لكل الأمة، ومن يحاولون درس هذا المأثور دراسة علمية، تنكشف حقيقة أولى هامة وخطيرة، وهي أنّ كليهما — حتى أصحاب الدراسة العلمية — لا يتحركون خارج دائرة المأثور الإسلامي وحده، كما لو كان الأمر فعلا، ثم رد فعل، محاولة فرض دائمة، ومحاولة رد لتحجم ذلك المفروض، دون أن يسمح ذلك الاصطراع الفكري الدائب بالحركة التاريخية إلى ما قبل المرحلة الإسلامية، كما لو كان الزمان قد انبت عندها وانقطع، ولا يظل في الذاكرة من تراث تلك الأمةِ وسطَ الهمومِ الحاضرة سوى ذلك المأثورِ وحدَه، مع تجمد المحاولات العلمية ذاتها عند نفسِ لحظة البدء المحددة سلفا وسلفيا، بزمان بدْء تواتر الوحي، ومكانه بجزيرة العرب " – سيد القمني حول الحاجة لتحديد المفاهيم جريدة الاهالي المصرية –
في العام 1988 يصدر كتابه الاول " أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة " ، والكتاب رسالته للدكتوراه ، اراد من خلالها الفصل بين عقيدة الخلود الفرعونية والمعتقدات الأخرى التي تشابكت معها ، من اجل دراستها بشكل مستقل ، في محاولة للعثور على ما يُمكن اعتباره أصولا أُولى، بدأَت ظهورها عند المصريين القدماء لتصب بعد ذلك في العقائد التي تلتها. . لم يثر الكتاب الاهتمام ، إلا ان التحول الحقيقي في منهج سيد القمني كان مع كتبه التي صدرت فيما بعد وبالاخص كتاب " الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية " و كتاب " حروب دول الرسول " والكتاب الذي احدث ضجة لم تتوقف " رب الزمان " . في هذه الكتب الثلاثة وفي كتبه الاخرى " قصة الخلق " النبي موسى واخر ايام تل العمارنة " و " النبي ابراهيم والتاريخ المجهول " وفي الكثير من مقالاته التي جمعها في عدد من الكتب ابرزها " أهل الدين والديموقراطية" و " خريطة الطريق نحو الإصلاح" ، و" الفاشيون والوطن ". في جميع هذه الكتب حلل الاديان باعتبارها ظاهرة بشرية وليست مسيرات وتحولات دينية، ولهذا هو يذهب في كتاب " الحزب الهاشمي " الى اعتبار الاسلام اقرب الى الرسالة السياسية التي تهدف الى تكوين دولة الحزب الهاشمي ، ويرى ان العوامل الاقتصادية والاجتماعية لعبت دورا في ظهور الاسلام ، ويحيل القارئ الى عبد المطلب جد الرسول محمد الذي يصفه بانه يتمتع بوعي سياسي وقومي ، سعى الى زرع البذورالأولى نحو الوحدة القومية فدعى إلى إلغاء الوساطات والشفاعات وبدأ بغرس فكرة الحنيفية مستلهما أسسه من ديانة إبراهيم الذي يعده العرب أباً لهم.. والقمني في قراءاته للتاريخ يصر على ان عدم بحث التراث بعلمية وموضوعية والاكتفاء باصدار احكام جاهزه عليه لا يمت الى البحث العلمي :" بالتزام كل شروط العلمية في البحث، يمكن أن نعثر في القديم على كثير مما يفيد قراءتنا لتراثنا وحاضرنا قراءةً صحيحة" – سيد القمني الاسطورة والتراث - ، ويجد القمني ان كتابه " حروب دولة الرسول " ، هو كتاب في التاريخ السياسي الاجتماعي وقراءة اجتماعية للسيرة النبوية ، وهو يذهب في هذا الكتاب الى تكوين صورة مغايرة للغزوات الاسلامية حيث يجد ان الباحث يقع في خطأ حين يصر على الرواية الدينية التقليدية التي كانت ولا زالت تقول " إن كل ما حصل من توسع لرقعة الدولة الإسلامية كان سيحصل لأن الأوامر الإلهية قضت بهذا مسبقاً " – سيد القمني حروب دولة الرسول - معتبرا أن حروب الدعوة الاسلامية نجحت احيانا مثل معركة بدر بحسن تخطيطها ، لكن هذه الحروب فشلت كما حصل في موقعة أحد بسبب فشل التخطيط لها حينها تجرع المسلمون هزيمة كبيرة على يد قريش وحلفائها. ويذهب القمني الى ان منهج المعجزة في التعامل مع النصوص يؤدي بنا الى تكذيب العقل والركون الى القوانين السائدة وانتظار المعجزات ، رافضا سكونية التراث وحصره في الزاوية الدينية فقط ، فهو يرى ان هذا التراث مر بمراحل تطور خلالها وهو اثناء هذا التطور كان يحذف ويضيف ويغير ويبدل حسب مصالح الناس ، ومن ثم كانت مرحلة سابقة فيه لا تصلح حلولها لمرحلة تالية :" لأنه عندما كان يتطور كان يصعد سلمه سلمه ، درجة درجة " .. ويعيب على صناع الثقافة بانهم اسرفوا في طبع التراث دون ان يسألوا انفسهم اولا هل التراث كله يعبر عن العقل ، ام ان بعضه يعبر عن اللامعقول
يضع سيد القمني في معظم كتاباته منهجا يسير على خطين متوازيين ، الاول يتعلق بالاسلام والاسلاميات ويستخدم في قراءته المنهج المادي التاريخي او كما يقول هو " القراءة السوسيو ــ تاريخية للتاريخ الاسلامي " . اما الخط الآخر فيتعلق بالعصور السابقة للإسلام، ويناقش الأديان التوحيدية. ويسلط الضوء على أساطير بلاد الرافدين القديمة التي يرى انها المصدر الأساسي الذي أخذت عنه التوارة، فنسخت الأساطير البابلية والسومرية من دون تغيير.
في عبارة شهيرة للفيلسوف الالماني مارتن هايدغر يصف فيها ارسطو فيقول " لقد ولد ، وعمل ، ومات " وكان يريد ان ينبه الباحثين الى ان الاهتمام بالاعمال التي يخلفها الباحث والكاتب اهم من البحث عن خفايا في سيرته الذاتية مثلما حصل مع السيد القمني ما ان اعلنت وفاته حيث اخذت العديد من المواقع الخوض في قضايا شخصية من عينة الكفر والخروج على الاسلام ، وهو ما كان يرد عليه في حياته من انه لم يتهكم على الاديان ، لكنه كان يريد ان يستفز العاملين بشؤون التقديس حسب قوله :" اطالب باحترام النص الديني وعدم الانتهازية في التعامل معه " .عاش سيد القمني سنواته الـ " 75 " عاما وهو يقف في وجه الجماعات التي تصر على استخدام نصوص الدين في خصوماتها الشخصية ، وفي القرارات التي تحدد مصائر الناس ، واصرار هذه الجماعات على :" تحقير العقل كنتيجة حتمية لرؤية اصحاب هذا الاتجاه ان الرؤية والمعرفة دائما سماوية ولا مجال لأية معارف ارضية " – سيد القمني المشروع النهضوي او مزبلة التاريخ –
على شاهدة قبره اوصى القمني ان تكتب هذه العبارة "إن الذين ماتوا قد نجوا من الحياة بأعجوبة" ، فقد كانت حياته محطات من الصراع تخللتها مواقف جريئة من الشك والبحث ومعارك الفكر ، مستشهدا بمقولة المعتزلي الكبير ابراهيم النظام :" الشاكُّ أقرب إليك من الجاحد" .
أعلى