اختلفت رؤية الفلاسفة للشعر وعلاقته بالفلسفة عبر تاريخ الفلسفة الطويل؛ فقد رأى الفلاسفة الأوائل قبل سقراط، مثل: هيراقليط، وبارمينيد، وأنكسيمندر بأن بداية الفكر قد تحقق في القول الشعري، فبدأ الإنسان شاعرًا معبرًا عن دهشته وتأمله في الوجود.
ثم جاء أفلاطون في المرحلة التالية فطرد الشعراء من جمهوريته، وهاجم الشعراء ونعتهم بأنهم: “صناع وهم ومفسدو عقول“؛ لأنهم في رأيه بعيدون عن الحقيقة الكلية؛ فهم يشتغلون بالعاطفة والوجدان بخلاف الفلاسفة الذين يعتمدون على العقل، ويشتغلون بالمعرفة والفكر. لقد أطاح أفلاطون بالشعر أما أرسطو الذي أعلى من شأن الشعر عندما عده في مرتبة أعلى من التاريخ؛ وأنه ليس محاكاة مباشرة للحياة بل هو خلق.
تبنى كثيرون من الفلاسفة هذا الموقف الأفلاطوني من الشعر في العصور التالية مثل الفيلسوف رينيه ديكارت في القرن السابع عشر، “وجون ستيوارت مل” في القرن التاسع عشر، و”توماس بيكوك” وتوماس هكسلي. فالشعر عندهم نشاط قريب من الشعوذة والتخلف؛ لأنه بعيد عن روح العصر الذي يتميز بالعقل والتنوير والمعرفة. وجاء ت. س إليوت ليقول:" لا شكسبير ولا دانتي قاما بأي تفكير حقيقي".
وفي الفلسفة الإسلامية كما عند ابن سينا، والفارابي رأينا الشعر تابعًا للفلسفة، وأن الحقيقة الشعرية نابعة من الخيال، وهي دون الحقيقة الفلسفية النابعة من العقل الحجاجي، مع أنها أي الفلسفة الإسلامية اعترفت بفائدة الشعر، فهو يحث على القيم الإنسانية، وينمي الذوق ويهذب النفس، فكما قال أبو تمام:
ولولا خلال سنها الشعر ما درى
بغاة العلا من أين تؤتى المكارم
ولكنا وجدنا عند الصوفية الفلسفية، وبخاصة ابن عربي خرقًا لهذا الفهم عندما لم يقلل من شأن الخيال، فهو في نظره يعادل المعرفة وله دور مهم في نظرية وحدة الوجود، وأنه نسيج الوجود، وليس أقل شأنًا من العقل، وبواسطته نتواصل مع المطلق، وأطلق عليه اسم البرزخ، لأنه يفصل بين الرؤية والرؤيا أي بين المرئي واللامرئي.
ووسط هجوم الفلاسفة على الشعر برز الفيلسوف الألماني نيتشه ليدافع عنه في كتابه "ولادة التراجيديا" ورأى أن على الفلسفة العودة إلى الجانب الوجداني، وتحدّ من التفكير المنطقي، للارتشاف من نبع العاطفة الذي تحدر إلى نفوسنا من عناصر بدائية. ورد على من وصف الشعراء بالكذب بأن الفلاسفة أيضًا يكذبون كثيرًا، وصرح بأن الشعر قادر على أن يكون ملاذ الإنسان للخروج من صمت العالم، ورتابة اللغة وعجزها، ولا غنى عن استخدام الصور والمجازات.
وفي العصر الحديث ظهر الموقف المتميز للفيلسوف هيدغر، الذي رأى أن الشعر الوسيلة المناسبة التي يستطيع الفكر بواسطتها أن يعبر عن مضامينه وحقائقه، وبالشعر يقدر الإنسان على أن يتخلص من هذا الواقع الذي شوهته التقنية، ومنعته بالتالي عن الوصول إلى الحقيقة. والشعر وحده القادر على ذلك وليس العلم؛ فالعلم لا يفكر والكلمة العلمية لا تكشف حقيقة الإنسان والوجود؛ لأنها تبحث عن الموجود الذي يقبل الحصر والملاحظة والعد؛ لهذا من الضرورة العودة إلى الكلمة الشعرية.
لا شك مع هذه المواقف المختلفة للفلاسفة من الشعر فإنها لا تغيب الحقيقة بأن الفلسفة والشعر يلتقيان في جانبين مهمين: الأول فهما يسعيان إلى التعبير عن الوجود؛ فموضوع الشعر كما يقول هيجل هو موضوع الفلسفة، والجانب الثاني أنهما يستخدمان اللغة في سعيهما للتعبير عن الوجود. الفلسفة تستخدم لغة العقل ويستخدم الشعر لغة الوجدان، أو اللغة الإشارية المفعمة بجمال الصور والاستعارات.
في النهاية نقول إنه مع هذه المواقف المتباينة للفلاسفة في العلاقة بين الشعر والفلسفة فإنهما الفلسفة والشعر صورتان للتعبير عن الوجود، ولا تعارض بينهما، وهما يتطلعان إلى واقع معياري غير الواقع الفعلي، الواقع الذي فيه الممكن والمستقبل، من هنا يحسن بنا أن نستمع إلى ما يقوله الشعراء وما يطرحه الفلاسفة وإلا فإن وجودنا سيظل محفوفًا بالمخاطر.
ثم جاء أفلاطون في المرحلة التالية فطرد الشعراء من جمهوريته، وهاجم الشعراء ونعتهم بأنهم: “صناع وهم ومفسدو عقول“؛ لأنهم في رأيه بعيدون عن الحقيقة الكلية؛ فهم يشتغلون بالعاطفة والوجدان بخلاف الفلاسفة الذين يعتمدون على العقل، ويشتغلون بالمعرفة والفكر. لقد أطاح أفلاطون بالشعر أما أرسطو الذي أعلى من شأن الشعر عندما عده في مرتبة أعلى من التاريخ؛ وأنه ليس محاكاة مباشرة للحياة بل هو خلق.
تبنى كثيرون من الفلاسفة هذا الموقف الأفلاطوني من الشعر في العصور التالية مثل الفيلسوف رينيه ديكارت في القرن السابع عشر، “وجون ستيوارت مل” في القرن التاسع عشر، و”توماس بيكوك” وتوماس هكسلي. فالشعر عندهم نشاط قريب من الشعوذة والتخلف؛ لأنه بعيد عن روح العصر الذي يتميز بالعقل والتنوير والمعرفة. وجاء ت. س إليوت ليقول:" لا شكسبير ولا دانتي قاما بأي تفكير حقيقي".
وفي الفلسفة الإسلامية كما عند ابن سينا، والفارابي رأينا الشعر تابعًا للفلسفة، وأن الحقيقة الشعرية نابعة من الخيال، وهي دون الحقيقة الفلسفية النابعة من العقل الحجاجي، مع أنها أي الفلسفة الإسلامية اعترفت بفائدة الشعر، فهو يحث على القيم الإنسانية، وينمي الذوق ويهذب النفس، فكما قال أبو تمام:
ولولا خلال سنها الشعر ما درى
بغاة العلا من أين تؤتى المكارم
ولكنا وجدنا عند الصوفية الفلسفية، وبخاصة ابن عربي خرقًا لهذا الفهم عندما لم يقلل من شأن الخيال، فهو في نظره يعادل المعرفة وله دور مهم في نظرية وحدة الوجود، وأنه نسيج الوجود، وليس أقل شأنًا من العقل، وبواسطته نتواصل مع المطلق، وأطلق عليه اسم البرزخ، لأنه يفصل بين الرؤية والرؤيا أي بين المرئي واللامرئي.
ووسط هجوم الفلاسفة على الشعر برز الفيلسوف الألماني نيتشه ليدافع عنه في كتابه "ولادة التراجيديا" ورأى أن على الفلسفة العودة إلى الجانب الوجداني، وتحدّ من التفكير المنطقي، للارتشاف من نبع العاطفة الذي تحدر إلى نفوسنا من عناصر بدائية. ورد على من وصف الشعراء بالكذب بأن الفلاسفة أيضًا يكذبون كثيرًا، وصرح بأن الشعر قادر على أن يكون ملاذ الإنسان للخروج من صمت العالم، ورتابة اللغة وعجزها، ولا غنى عن استخدام الصور والمجازات.
وفي العصر الحديث ظهر الموقف المتميز للفيلسوف هيدغر، الذي رأى أن الشعر الوسيلة المناسبة التي يستطيع الفكر بواسطتها أن يعبر عن مضامينه وحقائقه، وبالشعر يقدر الإنسان على أن يتخلص من هذا الواقع الذي شوهته التقنية، ومنعته بالتالي عن الوصول إلى الحقيقة. والشعر وحده القادر على ذلك وليس العلم؛ فالعلم لا يفكر والكلمة العلمية لا تكشف حقيقة الإنسان والوجود؛ لأنها تبحث عن الموجود الذي يقبل الحصر والملاحظة والعد؛ لهذا من الضرورة العودة إلى الكلمة الشعرية.
لا شك مع هذه المواقف المختلفة للفلاسفة من الشعر فإنها لا تغيب الحقيقة بأن الفلسفة والشعر يلتقيان في جانبين مهمين: الأول فهما يسعيان إلى التعبير عن الوجود؛ فموضوع الشعر كما يقول هيجل هو موضوع الفلسفة، والجانب الثاني أنهما يستخدمان اللغة في سعيهما للتعبير عن الوجود. الفلسفة تستخدم لغة العقل ويستخدم الشعر لغة الوجدان، أو اللغة الإشارية المفعمة بجمال الصور والاستعارات.
في النهاية نقول إنه مع هذه المواقف المتباينة للفلاسفة في العلاقة بين الشعر والفلسفة فإنهما الفلسفة والشعر صورتان للتعبير عن الوجود، ولا تعارض بينهما، وهما يتطلعان إلى واقع معياري غير الواقع الفعلي، الواقع الذي فيه الممكن والمستقبل، من هنا يحسن بنا أن نستمع إلى ما يقوله الشعراء وما يطرحه الفلاسفة وإلا فإن وجودنا سيظل محفوفًا بالمخاطر.