سعيد كنيش - تعليق على بيان حزب النهج الديمقراطي

نشر حزب النهج الديمقراطي أمس البارحة بيانا حول مجموعة من القضايا الوطنية والدولية المستجدة، تعليقي هنا سيركز على موقف الحزب من الحرب في أوكرانيا.
أولا لربما يعتبر موقف الحزب هو أول موقف لحركة ماركسية مغربية من الحرب في أوكرانيا، وحسنا فعل عوض سلوك الصمت والتغاضي السائد وسط احزاب اليسار، بسبب حالة الشلل العامة التي تعرفها قياداته من جميع التطورات المتسارعة خاصة الحرب في أوكرانيا الغير مفاجئة؛ و لكون حزب النهج يعتبر حزبا ماركسيا وهذا بالضبط ما دفعني لإبداء الرأي ومناقشته تانيا.
وبتركيز شديد فإن بناء موقف النهج من الحرب المتطورة في أوكرانيا جاء فقط وأساسا بالاستناد على تصور حتى لا أقول تحليل للوضع الدولي، يزعم بأن "التقاطب الرأسمالي الحاد بين روسيا المسنودة من الصين وضد الامبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة"، وما ترتب عن هذا "التقاطب الرأسمالي" من توسيع لحلف الاطلنطي العسكري شرقا مهددا روسيا، هو السبب الذي أشعل فتيل الحرب من قبل روسيا ( التسطير من عندي) تم حرب اقتصادية استنزافية... ضد روسيا من طرف الامبريالية الغربية وشروع هذه الاخيرة في حشد الاموال والسلاح دعما للنظام في أوكرانيا.
وسأبدأ من حيث بدأ البيان بطرح السؤال، ما المقصود "بالتقاطب الرأسمالي الحاد" حسب البيان؟ معناه أن الوضع الدولي في مرحلته الراهنة يتميز بالصراع الحاد بين قطبين رأسماليين على تقاسم ثروات الشعوب والأسواق والنفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي هما كما يقول البيان روسيا المسنودة من الصين ضد الامبريالية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. وإذا تمعنا جيدا في هذا التوصيف فإنه يشبه الوضع الراهن الدولي مثلما عاشته أوربا عشية الحرب العالمية الاولى بسبب الصراع بين القوى الرأسمالية الامبريالية أنداك.
فهل حقا نعيش حاليا تقاطبا رأسماليا بين قوى رأسمالية تتصارع على تقاسم ثروات الشعوب والأسواق والنفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي خدمة لمصالح هذه القوى المتشابهة. أي جماعة من اللصوص تتقاتل على الغنائم؟ أعتقد أن أصحاب هذا التصور قد توقف تفكيرهم عند طبيعة الصراع في الحرب العالمية الاولى.
أم أن الوضع الدولي في مرحلته الراهنة يتميز بالصراع بين الشعوب في أفريقيا وأمريكا الجنوبية والكرايب وآسيا في مواجهة الهيمنة الامريكية الاحادية على العالم ومن خلفها حلفائها ، وأن هذا الصراع قد ازداد حدة واشتعالا بعد صعود قوى جديدة تقف في وجه هذه الهيمنة الامريكية وتتحداها أعني الصين وروسيا. فلا تختلف كثيرا في رأيي الحروب التي سبق وشنتها الولايات المتحدة وحلفائها في أمريكا الجنوبية وفي الكرايب وفي أفريقيا والشرق الاوسط وأسيا الوسطى وداخل أوربا نفسها على الدول المارقة أي التي تدافع عن سيادتها وثرواتها عن الحرب التي تحصل فوق أرض أوكرانيا. حروب متنوعة من الغزو العسكري المباشر والحروب بالوكالة والحروب الهجينة والحصار الاقتصادي كنوع من العدوان... هي حروب مستمرة تتعدد السينريوهات والذرائع التي تفرضها آلة البروباغندا للغرب الامبريالي ولكنها هي حروب عدوانية واحدة. لم تعرف البشرية من قبل في تاريخ الصراع بين القوى هيمنة قوة واحدة مثلما تحقق للولايات المتحدة في سنة 1991. يصف المناضل الماركسي سمير أمين ما حصل عشية انهيار الاتحاد السوفياتي بقوله "ما حصل من تحول فقط كان يحلم به أدولف هتلر كشرطي على العالم وقد تحقق ل usa فقط. وهي تصارع الآن للإبقاء على هيمنتها للعالم بدون منازع وتغرق العالم في حروب بلا نهاية. فنحن لا نعيش عشية الثورة الاشتراكية في أكتوبر 1917 الذي سمحت به الحرب بين القوى الامبريالية وبينهم روسيا القيصرية، ولكننا نعيش مرحلة الصراع لإنهاء الهيمنة الامريكية وحلفائها على العالم وفرض نظامها الاقتصادي والاجتماعي المتميز بالعدوان والاحتكار والحصار ومركزة الثروات في بلدانها، ونضال الشعوب كما قلت من أجل التحرر والسيادة على ثرواتها والتنمية وهي الشروط الضرورية للتحول إلى الثورة الاشتراكية. فإنهاء الهيمنة الأمريكية هو الذي يفتح الأفاق لتطور نضال الشعوب للقضاء على الرأسمالية، على العكس اليوم الذي تقهقر فيه هذا الطموح في جميع ربوع العالم.
إن هذا التصور الخاطئ لطبيعة الصراع في المرحلة الراهنة هو الذي قاد أصحاب البيان إلى اعتبار روسيا هي من أشعل الحرب في أوكرانيا في 24 من شهر فبراير، في حين أن الحرب في أوكرانيا كانت قد بدأت منذ سنة 2014 من طرف حكومة النازيين الجدد. فماذا تعني قتل أزيد من 14 ألف أغلبهم من المدنيين في إقليم الدونباسك لأنهم روس ويتحدثون اللغة الروسية على يد ميليشيات نازية والحصار المضروب عليهم والقصف المتواصل على مدنهم وقراهم. ماذا عن قمع الحريات السياسية في أوكرانيا منذ مجيئ حكومة النازيين الجدد. قتل الصحافيين المعارضين الذي بلغ 34 ، حظر الحزب الشيوعي واغتيال أمينه العام. أليست هذه حرب ارتكبت فيها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية لم يفتح فيها أي تحقيق. وعندما أتحدث عن حكومة النازيين الجدد في أوكرانيا المدعومة مباشرة من أمريكا منذ استلاءها على السلطة بانقلاب في 2014 ، فهو مرتبط بصعود اليمين الشعبوي العنصري والنازيين الجدد في جميع بلدان أوربا الغربية والشرقية، وأن الولايات المتحدة تستثمر في نفوذهم. نفس الأمر يحصل عندنا في الاستثمار في ارهاب الاسلام السياسي وقود الثورة المضادة، فلا نستغرب بعد فتح باب الجهاد أمامهم في أوكرانيا. لذلك فإن روسيا وضعت منذ انهيار الاتحاد في السوفياتي في موقع دفاعي بلغ حد الوجود لأن أمريكا وحلفائها لا يرون فيها سوى دولة ممتدة جغرافيا ويجب تفكيكها حتى يسهل ركوبها. لذا أقول عكس البيان، روسيا في حملتها العسكرية على أوكرانيا تدافع عن أمنها وسيادتها لإنهاء مأساة شعوب الدونباسك وحقهم في تقرير المصير وانهاء حكومة النازيين الجدد الذين يأملون في الحصول على أسلحة نووية كما سرح رئيسهم دمية الولايات المتحدة عشية 23 فبراير في مؤتمر ميونخ وكان السبب في المباشر في إشعال فتيل الحرب الحالية.


سعيد كنيش في مراكش بتاريخ 2022/03/01

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى