أحمد رجب شلتوت: نشأت طفلا معاقا وحيدا فكان الكتاب «بساط الريح».. حاوره حسين عبد الرحيم

الأحد 06/مارس/2022 - 04:33 م


مابين السرد الكتابي الفارق والحاذق في القصة والرواية والكتابة للطفل والفتيان، كان هناك رافدا ثالث تجلى به وتجلت تجارب الكاتب الكبير عصامي التحصيل "أحمد رجب شلتوت"، والذى انتصر على عجز الجسد «طفلا» بالكثير من محاولات الغوص في عوالم الإبداع، فكانت عناوينه التى تخطت العشرين عملا، وهو الذي لم يزل عاكفا على مشروعاته في بقعة وثكنة تبعد عن القاهرة، حيث يقيم في مملكته قريباً من تخوم مدينتى الجيزة وبنى سويف.
«الدستور» التقت الكاتب الذي تفرغ للإبداع بتؤده فتوهج في جميع المسارات، وحصل على الكثير من الجوائز والتكريمات من قبل نادى القصة واتحاد كتاب مصر ومن بعض العواصم الثقافية العربية، وإلى نص الحوار:
-من هو الكاتب والناقد أحمد رجب شلتوت.. حدثنا عن بداياتك في الكتابة والحياة؟
نشأت طفلا معاقا وحيدا في بيت شبه خال، أبي جندي على الجبهة وأمي وحيدة أبويها يعيشان معهما وكنت رابعهم، يغيب أبي بالأسابيع ثم نراه أياما قلائل، كان أبي يعود في إجازاته من السويس محملا بكتب يستهلك فيها وقت الفراغ الذي تتيحه الإجازة.
وذات إجازة شرع في تعليمي القراءة والكتابة، فأجدتهما قبل التحاقي بالمدرسة الابتدائية، وكان يحضر لي قصصا لنقرأها معا، يصوب لي ما أقع فيه من أخطاء، كان منها "بساط الريح" لكامل كيلاني، ولك أن تدرك أي تأثير يتركه بساط الريح في نفس طفل معاق مربوط بالأرض، كان الكتاب نفسه بساط ريح لي شدني لعوالم الكتب منذ طفولتي.
في غياب أبي تولى «جدي لأمي» تربيتي، وكان يصحبني إلى دكانه، يضعني فوق البنك الخشبي فأنظر إلى جلسائه من كبار السن، أسمع أحاديثهم وأعرف حكاياتهم دون أن أشارك إلا بالإنصات، وإن نزلت عن البنك يضعني داخل الدكان، بين ربطات الكتب التي يشتريها ليحولها إلى قراطيس ولفافات لما يبيع، بعدما أجدت القراءة أعتدت فك ربطات الكتب والانتقاء من بينها، أصحب بعضها إلى البيت، وهكذا تواترت الكتب وتراكمت فتكونت عشوائيا مكتبتي الأولى، وكانت مرات الذهاب المتكررة إلى المستشفى الذي كنت أقصده للعلاج الطبيعي عقب العمليات الجراحية فرصة للحصول على كتب جديدة.
- هل تأثرت إبداعيا بهذه النشأة؟
الكتب كانت كلام الآخرين لي، فكان لابد أن أكتب ليكتمل الحوار، أقصوصتي الأولى، أو ما ظننته كذلك، كتبتها عقب امتحان الإعدادية، بدأت الإجازة بدخول المستشفى لإجراء جراحة، كانت ساقي ملفوفة بالجبس، عيناي مرميتان في الشارع، وفجأة تظلم الدنيا، غابت الكهرباء لأكثر من ساعة، ولما عادت أكتشف نزلاء الطابق الذي يعلوني أن أطفالا في الحضانات قد ماتوا بسبب انقطاع التيار وتزويغ الكهربائي الذي لم يشغل المولد، وقد تصادف مرور موكب عرس فى الشارع، فاختلطت الزغاريد بالصراخ، فكانت الشرارة التي نتج عنها نصي الأول المفرط في السذاجة.
بعده توالت نصوصي موزعة بين ما أسميته قصة وما أسميته قصيدة، ومن بين كل ما قرأت أتذكر أقصوصة "الشاعر بصير" للمبدع الكبير يحيي حقي، قرأتها في مجلة قديمة قبل أن أقرأ كتابا كاملا له، تلك الأقصوصة علمتني فن الكتابة، أوجز فيها المعلم الكبير ما بسطه في أنشودة البساطة.
وهكذا كان يحيي حقي معلمي الأول، بعده قرأت نجيب محفوظ ويوسف إدريس ففتنني يوسف إدريس، أما محفوظ فقد زاد تقديري له ولأدبه بعدما أعدت قراءة رواياته بعدما ازداد نضجي، وزادت خبرتي بالحياة وبالأدب.
- وماذا عن النشر؟
اكتشفت مجلة القصة وأنا طالب في جامعة القاهرة، أرسلت لهم قصة، فنشرها الكاتب نبيل عبدالحميد، ضمن باب البريد، كانت قصيرة جدا فنشرها كاملة، وعقب بسطرين مشجعين، كان ذلك في يناير 1983.
وأنا طالب في سنة ثانية تجارة، بعدها نشر لي الأستاذ محسن الخياط في جريدة الجمهورية، والأستاذ محمد جبريل في المساء، وتوالى النشر ثم عملت محررا ثقافيا في صحف مستقلة وحزبية بالإضافة إلى مكاتب الصحف العربية، وفي كل مرة لا أستمر، فنتيجة لحركتي الدائمة وعدم تسليمي بالإعاقة تعرضت لحوادث وكسر ساق، وخلع في ذراع، وإصابات أخرى كل منها يطيح بي بعيدا لشهور فأفقد مكاني، وحينما أعود وأجد غيره تتكرر المأساة، هكذا لم تكتمل المسارات، ولم أحقق تراكما، وقد أتيح لي العمل بالصحافة رغم تقطع المسارات أن أنشر مئات المقالات ما بين مراجعات لكتب أو مقاربات نقدية لأعمال أدبية، جعلت البعض يصفني بـ"الناقد"، مع أنني لست كذلك، فأنا أقرأ كي أعيش، لذا أقرأ ما يعجبني بعين محب، وأكتب تعبيراً عن هذا الحب وبوحاً به.
- لماذا تتعدد مساراتك ما بين الإبداع الروائي والقصصي والنقد الأدبي؟
اعتدت أن أكتب ما يعن لي، لا أختار مسبقا النوع الأدبي أو القالب أو الطريقة، أدع الكتابة تختار نفسها، وتختار الجنس الأدبي الذي أشعر أنه الوعاء المناسب لذلك، وأنا غير مقتنع بوجوب أن يتخصص الكاتب في شكل واحد، القصة القصيرة عشقي الأول، وأختلف كثيرا مع من ينعون فن القصة القصيرة، ومن يدعون موتها مجازيًا وثقافيًا، فهذه المقولات تنظر بيقين راسخ إلى مستقبل الفن القصصي مع أن يقينهم ينطلق من راهنية التلقي وهي بالضرورة نسبية ومؤقتة.
والحقيقة أن فن القصة القصيرة مخاتل بطبعه، يجيد الإبهار ويميل للمراوغة ومخالفة التوقعات، أو هو كالعنقاء يبعث من رماده، فيظفر بمؤتمر موسع أو بجائزة كبيرة، أو بدراسات تؤكد أن القصة القصيرة العربية في راهنها مزدهرة ومواكبة لتقنيات القصة في العالم، وأن مرونة شكله تتيح له البقاء والتجدد مستعينًا بمرجعياته الثقافية وقدرته الفائقة على تطوير قواعده إضافة إلى الإفادة من الوسائط الحديثة، كما أفادت في بداياتها الأولى من الصحافة. نعم أفادت من الصحافة لكن لم تولد من رحمها، فهي أولا استجابة فنية لحاجة إبداعية، وهي بحسب تعبير فرانك أوكونور الصوت المنفرد المعبِّر عن أزمة تجذر الإنسان المعاصر في صراعاته مع الحياة ومع ذاته.
فالقصة القصيرة فن متجدد، ولعل ما يشهده مؤخرا من إقبال المبدعين والقراء عليه دليل على أن مقولة موت القصة القصيرة مقولة جائرة، وستنتهي، وسيتجدد ربيع القصة القصيرة، فالفنون تتطور ولا تموت والقصة القصيرة جنس أدبي فائق المرونة ودائم القدرة على التطور والتجدد وبالتالي البقاء.
وبالنسبة لي فقد أصدرت أكثر من مجموعة قصصية هي بالترتيب "العائد إلى فرحانة، دم العصفور، السعار والشذي، ساعة قبل النوم، فاتحة لصاحب المقام".
كذلك أصدرت روايتين قصيرتين هما "حالة شجن" و"زوال"، وعندي أكثر من نص روائي لم يكتمل، ربما لضيق الوقت، ولعل إحالتي قريبا إلى التقاعد تتيح لي ما احتاج من وقت يكفي لاستكمال نصوص ناقصة أو إنجاز مشروعات خططت لها ولم أشرع فيها بعد.
وهناك مسرحيتي الطويلة الوحيدة «أرض النادي» ورغم فوز النص بجائزة مسابقة قصور الثقافة منذ 20 عاماً، لكن لم أسع إلى تكرار التجربة.
- وأي من تلك المسارات يتوافق مع أحلامك ومبتغاك مما وراء الكتابة؟
القص بشكل عام هو مبتغاي، سواء اتخذ شكل قصة قصيرة أم جاء في رواية.
- هل تنتهى أحلام المبدع وتتوقف من الانتهاء من كتابة نصه؟
أحلام المبدع لا تنتهي، وكلما أنجز نصا يتطلع إلى نص تال يتجاوز سابقه، وإن انتهت أحلام المبدع فإنه يموت إبداعيا.
- كيف ترى الخارطة الإبداعية في مصر خصوصا الروائية؟
المشهد الروائي المصري شديد الخصوبة والغنى، فالكتابة الروائية المصرية تشهد تحولات في اللغة والخيال والموضوعات والأشكال والرؤى، وخارطة الإبداع الروائي المصري تزخر بنماذج لأعمال روائية جديدة وجيدة، وتتسع لكل الرؤى والتوجهات، بحيث يمكن أن نذكر عشرات الأعمال الروائية الجيدة، وتنفتح على كافة التيارات والأجيال، ابتداء من جيل الأساتذة بهاء طاهر ومحمد جبريل وصنع الله إبراهيم، ثم الجيل التالي ومنه إبراهيم عبدالمجيد والمنسى قنديل ومحمود الورداني.
وبالنسبة لمن تلاهم نجد أن رواية طارق إمام مثلا تختلف عن رواية وحيد الطويلة كذلك عمار على حسن وناصر عراق وإبراهيم فرغلي وصبحي موسى وحسين عبدالرحيم، فلكل منهم طريقته ورؤيته وكل منهم لديه تجربة روائية متميزة، كذلك الكاتبات سلوى بكر ومنى الشيمى ومنصورة عز الدين، وفي أقاليم مصر كتاب كبير لا يقلون عن هؤلاء منهم الكبير مصطفى نصر، ومنهم الروائي المتميز مصطفى البلكي، وهناك آخرون ربما غابت أسمائهم الآن عن ذاكرتي.
-أخيرا ماذا تعني لك الرواية كقارئ وناقد وكاتب؟
أعتقد أن الرواية بالنسبة إلى كاتبها وقارئها على السواء هي فن البحث عن الإنسان، إذ اكتشفت بطريقتها الخاصة، وعبر مسارات تطورها الأبعاد المختلفة للحياة، فاستقصت عند نشوئها على يد ثربانتس طبيعة المغامرة البشرية، ثم غاصت في مرحلة تالية خصوصا مع ديستويفسكي داخل نفس الإنسان كاشفة عن الحياة السرية، ومع فلوبير حطت على أرض الحياة اليومية، ثم سبرت أغوار الزمن مع بروست، ومع آخرين تبحث في التاريخ أو تستلهم الأساطير، وهكذا صاحبت الرواية الإنسان في كل تجلياته، وهي أيضا تشبهه في قدرته على التطور والتجدد والاستمرار، ووفق هذا المفهوم أعددت عشرات المقاربات لروايات عربية ومترجمة، وجمعت بعضها في كتب مثل "الرواية فن البحث عن الإنسان" و"ربيع البنفسج" و"مدارات روائية".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى