كلما مر العمر بنا تعود الذاكرة إلى الوراء أكثر حنيناً وتزداد الذكريات شباباً وطفولة، تتلاصق الصور المبعثرة في مخيلتنا مع الكلمات واللمسات والمشاعر والأصوات لتشكل أيامنا التي سافرت بعيداً عنا عبر الزمان وسافر معها جزءٌ كبيرٌ من أمان قلوبنا، وتغدو كمدفئةٍ نجلس أمامها باحثين عن وجوهٍ تحضن أرواحنا التي تسلل البرد إلى زواياها..
وبينما يفكر الكثيرون فيما سيقولونه أو سيقومون بكتابته للمرأة أو عنها تباغتني أطياف ٌ من الماضي تظهر فيها جدتي بوضوح وهي تجلس على ماكينة الخياطة وسط كومةٍ من الخيوط والأقمشة للكثير من النساء اللواتي كن يودعن فرحتهن وأحلامهن عندها، وخالاتي اللواتي غادرن طفولتهن إلى حياةٍ جديدة واحدةً تلو الأخرى، وعمتي التي كانت تسكن في بيتٍ متهالك يشبه برج بيزا المائل في أحد الأحياء البسيطة في مدينة الزرقاء الأردنية، درجات سلمه المكسورة، ضوء مصباحه الخافت، تصدع جدرانه ورائحتها لازالوا يسكنون في أنفي حتى بعد رحيلها وهي من كان بيتها لا يخلو من الزوار ونساء الحي وكأنها من أعيان المدينة، تمر من أمامها ضحكاتٌ لفتياتٍ في وقت الظهيرة، كن يعدن مختالات ٍ بثياب المدرسة وضفائرهن التي كان الريح يداعبها، فيرقصن على إيقاعها الذي اختفى خلف أنغام أجهزة ٍ متطورةٍ تنسخ أحاسيس البشر وتحولها إلى هباء..
فتجمعت كصورٍ تختبأ في ألبومٍ عائلي ٍ قديم، وأعادتني إلى الكثير من المشاعر الجميلة الخجولة التي لم أكن أعرف كيف أصنفها أو أحكي عنها، لكنها كانت شالي في وحدتي، ووطني في غربتي، ونوري في عتمتي، وكانت تتفتح كالبراعم في قلبي الذي ينظر للحياة كمسرحٍ كبير ويرى أحداثها كمشاهد سينمائية يقوم بتشذيبها ليحفظها في روحه، بعيداً عن يد البشر العابثة التي لا تعرف قيمة الحكايات وجمالها وسط بحرٍ من الجمل المترهلة المستنسخة التي لا حس فيها، والتي أسترجع أبطالها كل ليلةٍ قبل أن أغفو، فتنام العين فيما يواصل القلب سهرته معهم حتى رحيلهم مع خيوط الشمس الأولى، ليكتب اعترافاً على مسؤوليته إلى من يهمه الأمر أو حتى لا يهمه عن حياته أو عن الحياة.. ليشهد أن حقيقتها هي عكس ما نراه وأن الأنثى عصبها من دون مغالاة، وبرغم أن هذا العمر الذي مشيت مشواره في طرقات ٍ مرصوفةٍ بالحيرة والأسئلة والغربة التي لا نهاية لها لم يصنع أهم محطاته ولم تكن اليد الطولى فيه سوى لنساء، وأن نقاط التحول ولحظات التغيير الجذري الثوري والتمرد كان سببها النساء، وأن من آمن بي فعلياً دون قيدٍ أو شرطٍ وكن سنداً لي دون مقابل كن من النساء، دون أن يجمعنا أكثر من الإحترام العميق والصدق والقدرة على قراءة بعضنا وتمييز أرواحنا في زحام الزيف بشكل ٍ غريب وباعثٍ على الحيرة، جعلني أعيد النظر في كل ما حولي من أشجار ٍ وطيورٍ وظواهر وأماكن لأتأكد من ذاتي ووجودي، كمن يعيد اكتشاف نفسه ويلد ذاته من جديد ليحاكي سر الوجود الذي ذاب بداخله ورآه في كل اختلاف، ورأى حقيقته مع تنوع البشر واختلاف ثقافاتهن وخلفياتهن الإجتماعية ومراحلهن العمرية وقدراتهن الفكرية والمهنية التي انصهرت في تجربتي معهن في إطارٍ وحيد تحت عنوان ٍعريض اسمه الوفاء، الوفاء لأشياءٍ قد لا نلقي لها بالاً بالأخص كرجال عندما نقوم بها تلقائياً كجزءٍ من قيمنا وتربيتنا، كنصيحةٍ صادقة أو شهادةٍ داعمة ومحقة أو يدٍ تمتد بالعون في أشد اللحظات صعوبة لتظل محفورةً بعمقٍ في داخل تلك المرأة بطبيعتها التي لا تنسى..
والتي اكتشفت أنها هي كل ما أبحث عنه بعد غزو الشعر الأبيض لرأسي وجسدي وروحي، وأن الإمتياز الذي بحث عنه البشر منذ القدم وهو الخلود لا يتحقق إلا بالمرأة، لأن سنة الكون تقرن الخلود بالتاريخ، والتاريخ لا يحفظه سوى الذاكرة وما الذاكرة إلا إمرأة تحفظك بقلبها حتى الرمق الأخير ككنزٍ لا تفرط فيه ويظل حياً بحياتها.. ذلك الكيان الأنثوي الذي كان غامضاً بالنسبة لي حتى اقتربت منه بعيداً عن تناقضات المجتمع فوجدته مرآةً للكون، أحادثها كما أحادث الليل والبحر والزهر والطريق فتجيبني بما يجول في قلبي لأنها بضعة من النفس كقطرات عطرٍ منثورٍ في أرجاء الأرض، قيل فيه الكثير لكنه لم يحكي بعد.. ربما لأنها مثلنا أدمنت الصمت عما يجب أن تحكيه، وعندما تحكي لا تجد أذناً تصغي لها إلا إن كانت (شهرزاد)..
كل التحية للمرأة في يومها أينما كانت ونخص بالذكر كل امرأة مكافحة لأجلها ولأجل أحبائها، كما نحيي اللاجئات من كل البلاد على صبرهن الذي لا يلتفت إليه أحد لكنهن في قلوبنا، ونحيي المناضلات الفلسطينيات وكل أمهات وزوجات الشهداء والأسرى وكل أسيراتنا منذ طفولتهم الباكرة في سجون الإحتلال الصهيوني الغاشم..
وبينما يفكر الكثيرون فيما سيقولونه أو سيقومون بكتابته للمرأة أو عنها تباغتني أطياف ٌ من الماضي تظهر فيها جدتي بوضوح وهي تجلس على ماكينة الخياطة وسط كومةٍ من الخيوط والأقمشة للكثير من النساء اللواتي كن يودعن فرحتهن وأحلامهن عندها، وخالاتي اللواتي غادرن طفولتهن إلى حياةٍ جديدة واحدةً تلو الأخرى، وعمتي التي كانت تسكن في بيتٍ متهالك يشبه برج بيزا المائل في أحد الأحياء البسيطة في مدينة الزرقاء الأردنية، درجات سلمه المكسورة، ضوء مصباحه الخافت، تصدع جدرانه ورائحتها لازالوا يسكنون في أنفي حتى بعد رحيلها وهي من كان بيتها لا يخلو من الزوار ونساء الحي وكأنها من أعيان المدينة، تمر من أمامها ضحكاتٌ لفتياتٍ في وقت الظهيرة، كن يعدن مختالات ٍ بثياب المدرسة وضفائرهن التي كان الريح يداعبها، فيرقصن على إيقاعها الذي اختفى خلف أنغام أجهزة ٍ متطورةٍ تنسخ أحاسيس البشر وتحولها إلى هباء..
فتجمعت كصورٍ تختبأ في ألبومٍ عائلي ٍ قديم، وأعادتني إلى الكثير من المشاعر الجميلة الخجولة التي لم أكن أعرف كيف أصنفها أو أحكي عنها، لكنها كانت شالي في وحدتي، ووطني في غربتي، ونوري في عتمتي، وكانت تتفتح كالبراعم في قلبي الذي ينظر للحياة كمسرحٍ كبير ويرى أحداثها كمشاهد سينمائية يقوم بتشذيبها ليحفظها في روحه، بعيداً عن يد البشر العابثة التي لا تعرف قيمة الحكايات وجمالها وسط بحرٍ من الجمل المترهلة المستنسخة التي لا حس فيها، والتي أسترجع أبطالها كل ليلةٍ قبل أن أغفو، فتنام العين فيما يواصل القلب سهرته معهم حتى رحيلهم مع خيوط الشمس الأولى، ليكتب اعترافاً على مسؤوليته إلى من يهمه الأمر أو حتى لا يهمه عن حياته أو عن الحياة.. ليشهد أن حقيقتها هي عكس ما نراه وأن الأنثى عصبها من دون مغالاة، وبرغم أن هذا العمر الذي مشيت مشواره في طرقات ٍ مرصوفةٍ بالحيرة والأسئلة والغربة التي لا نهاية لها لم يصنع أهم محطاته ولم تكن اليد الطولى فيه سوى لنساء، وأن نقاط التحول ولحظات التغيير الجذري الثوري والتمرد كان سببها النساء، وأن من آمن بي فعلياً دون قيدٍ أو شرطٍ وكن سنداً لي دون مقابل كن من النساء، دون أن يجمعنا أكثر من الإحترام العميق والصدق والقدرة على قراءة بعضنا وتمييز أرواحنا في زحام الزيف بشكل ٍ غريب وباعثٍ على الحيرة، جعلني أعيد النظر في كل ما حولي من أشجار ٍ وطيورٍ وظواهر وأماكن لأتأكد من ذاتي ووجودي، كمن يعيد اكتشاف نفسه ويلد ذاته من جديد ليحاكي سر الوجود الذي ذاب بداخله ورآه في كل اختلاف، ورأى حقيقته مع تنوع البشر واختلاف ثقافاتهن وخلفياتهن الإجتماعية ومراحلهن العمرية وقدراتهن الفكرية والمهنية التي انصهرت في تجربتي معهن في إطارٍ وحيد تحت عنوان ٍعريض اسمه الوفاء، الوفاء لأشياءٍ قد لا نلقي لها بالاً بالأخص كرجال عندما نقوم بها تلقائياً كجزءٍ من قيمنا وتربيتنا، كنصيحةٍ صادقة أو شهادةٍ داعمة ومحقة أو يدٍ تمتد بالعون في أشد اللحظات صعوبة لتظل محفورةً بعمقٍ في داخل تلك المرأة بطبيعتها التي لا تنسى..
والتي اكتشفت أنها هي كل ما أبحث عنه بعد غزو الشعر الأبيض لرأسي وجسدي وروحي، وأن الإمتياز الذي بحث عنه البشر منذ القدم وهو الخلود لا يتحقق إلا بالمرأة، لأن سنة الكون تقرن الخلود بالتاريخ، والتاريخ لا يحفظه سوى الذاكرة وما الذاكرة إلا إمرأة تحفظك بقلبها حتى الرمق الأخير ككنزٍ لا تفرط فيه ويظل حياً بحياتها.. ذلك الكيان الأنثوي الذي كان غامضاً بالنسبة لي حتى اقتربت منه بعيداً عن تناقضات المجتمع فوجدته مرآةً للكون، أحادثها كما أحادث الليل والبحر والزهر والطريق فتجيبني بما يجول في قلبي لأنها بضعة من النفس كقطرات عطرٍ منثورٍ في أرجاء الأرض، قيل فيه الكثير لكنه لم يحكي بعد.. ربما لأنها مثلنا أدمنت الصمت عما يجب أن تحكيه، وعندما تحكي لا تجد أذناً تصغي لها إلا إن كانت (شهرزاد)..
كل التحية للمرأة في يومها أينما كانت ونخص بالذكر كل امرأة مكافحة لأجلها ولأجل أحبائها، كما نحيي اللاجئات من كل البلاد على صبرهن الذي لا يلتفت إليه أحد لكنهن في قلوبنا، ونحيي المناضلات الفلسطينيات وكل أمهات وزوجات الشهداء والأسرى وكل أسيراتنا منذ طفولتهم الباكرة في سجون الإحتلال الصهيوني الغاشم..