د. سيد شعبان - صفحة من سيرة ابن جادو! أبي!

لايزال جلبابه معلقا على الحائط، عباءته أتدثر بها، عصاه أتوكأ عليها، هنا أنفاسه تسري مع حكمته، أستعيد كلماته، رأيتني حين طالعت وجهي في المرآة أشبهه، فنحن بعض آبائنا، مضت بي الحياة كما أحب لي أن أكون، يوم شاهدني في التلفاز أتحدث عنه سر كثيرا؛ أخبرتني أمي أنه أسند ظهره ووضع رجلا على أخرى وقال لها الآن لدي دكتور!
امتاز من أقرانه بالقوة التي لاتقف أمامها الجبال، يعلم كيف يتحصل على الرزق الحلال؛ يتحرى كسبه ولايحتاز ماليس له؛ لكنه عنيد في حقه لايتركه نهبا وإن رفعت العصي واشتبك الرجال، لايرده عن الحق متى أبصره راد ولايخوفه ذو سطوة أو سلطة؛ حدثني كيف كانت العصي تنزل على الرءوس على نوبة ري الزرع!
طفلا عرف الطريق إلى معاونة جدي الذي كان طاعن السن ذا ولد، قدر لي أن أرافقه أكثر سني عمره، أنام ملء جفوني لا أريم بابا أغلق أم ترك على مصراعيه، فالبيت والحقل بعد الله في حراسته، يوم مات كم وضعت من مزلاج!
ها أنا أبتدر عمرا ومايزال بي الحنين إليه، كان يقظا كالصقر لاتدب نملة إلا وعرف ماوراءها، منذ يومين أحضر المهدي ابن عمي لي كلبا معلما من أبو المطامير؛ لغفلة مني لم أشدد عليه وثاق رقبته، صحوت فلم أجده، رنت في أذني كلمات أبي، عتب وملاومة أن شبعت نوما وسرحت بي الشياطين والرجل لاينام، كان ينصحني بألا أشبع كلبي!
حتى لايترهل!
كتبت صفحات من حياته بلغت زهاء الثلاثين، سطرت وقائع أيامه، لكنني في هذه الصفحة مقتصر على قوته النفسية ولمحاته الإيمانية، لقد كان رجلا يحب الله ورسوله تعجبه الحكمة وتشرق به شمس الصباح مسبحا مهللا لايترك الفجر، كان يردد يافتاح ياعليم يارزاق ياكريم تسمعها أذني طفلا يحبو وأرددها معه رجلا قوي ساعده!
لزم بيت الله أكثر من خمس مرات يتمتع بالعمرة إلى البيت، جلا مكة والمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، يعترضه الأمير محمد السديري ناقما عليه بعض سرف في ماء ترك دون إحكام غلق صنبور، فيغلظ له القول؛ وكان ابن جادو لايرضى أن يمس أحد مهما كان وطنه فيرد عليه بأن التكية لما تزل موجودة وهللة يامصري عبارة تنبيء وتحدث عن مجد الآباء!
كان يحب لقاء الله، لاأدري هل طول عمره أوحشه به حنينا إليه، يذكر أمامي الخليل إبراهيم عليه السلام وحكاية ولده إسماعيل وزيارته لامرأتيه واحدة بعد أخرى وقوله لواحدة مريه فليغير عتبة بابه أو الأخرى مريه فليثبت عتبة بابه، أكان يتمثله أم تراه يعلمني وقد مات راضيا عن عتبة بابي!
يداعبها في حنو فقد عرفت طبيعته وسر شخصيته؛ توقره وتعظمه فقد كان شديد الإباء ذا أنفة لايرضى لولده غير العزة والمنعة؛ يرفع عصاه إن ثمة ضيما ويتبسط في الحديث في غير تفلت إن كانت دعابة!
يردد في صلاته واكتبنا من الشاهدين!
نعم الشاهد كان على عصر عاشه بأحواله وأحداثه بل أهواله منذ الملكية؛ يذكر الذين عرفهم بكل خير؛ لايغتاب ولاينم؛ محور شخصيته الاعجاب بالقوة يمجدها ويكره الذل يورد صاحبه الهلكة.
غير أن هذا الخانع وقد لعبت به وساوس الشيطان تعجل نبش وتسرق بيت وتدليس ورق أربى به أن يكون مهزأة الصغار تمجه حديثا وتهزأ به فاعلا وإن كان له منه سبب فهو مهرقة مني دون فحولة تعرك الرجال وتقهر الصعاب.
عرفت منه صلابته في الحق متى عرفه، لايترك حبلا وإن دق ويتسامح في كثير وإن جل، لاأكتب لأرفع نسبي ولاأزهو ببنوتي له، فتلك ثابثة لي كرم أب وعراقة انتماء لهذا الطيب الذي تعهدني فرفلت في خيره وورثت مجده؛ لست أسرد إلا ليرى الأحفاد كيف كان جدهم صالحا؛ فتلك وراثة تفوق المال على كثرته والمكانة على سموها!



1646991437413.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى