محمد السلاموني - الرواية كمؤسسة للموت الشامل

فررت من المسرح - الذى هو تخصصى الدقيق ، والذى بذلت فيه عمرى وما يزيد عن عمرى أيضا ، لا لشئ سوى لأننى أدركت أن العرب لم يعرفوا المسرح طوال تاريخهم لأنهم شعب غير مسرحى ؛ لا يتمتعون بعقلية درامية ، (هذا والعقلية الدرامية قرينة العقلية الفلسفية - يوجدان كإمتدادات ظِلِّية لمشكلة اللغة ؛ أعنى أن الدراما والفلسفة يولدان فقط عندما تتحول اللغة إلى إشكالية) ، ومعلوم أن هذا لم يحدث لدينا ... من هنا أدركت أن محاولتى أعادة النظر فيما نعرفه عن المسرح - ليتسنى لنا فهم أزمته المستحكمة ، لا طائل منها ؛ وبوضوح : لا يوجد لدينا مسرحيون حقيقيون يمكن التحاور معهم .
من هنا توقفت عن البحث فى المسرح ، وقذفت بكل ما كتبت إلى الثقب الأسود الخاص بالفضاء الآليكترونى .
أما عن الرواية - وشغفى بها قديم - فقد كنت أعتقد بأنها مؤسسة إجتماعية بحق ، لأسباب عديدة ، لعل أهمها (مقدرتها الخارقة على استيعاب التحول التاريخى من المنولوجية القديمة إلى الحوارية الحديثة ، فى أعقاب إنفجار وحدة العلامة اللغوية .) .
هذا الأمر شرحه يطول - وسأكتفى هنا بالإشارة إلى أن الرواية كانت تضمر - فى أفقها الجمالى - قدرة هائلة على إعادة تحديد الواقع؛ بما هو مواضعة ثقافية، فبينما تحاكيه (وأفهم المحاكاة باعتبارها مقاربة للوقائع المتناثرة التى نحيا فيها ومعها)، تنتج تمثيلات، تدفع بنا نحو إعادة التموضع حوله ...
هذا وتعد الرواية هى الحقل الثقافى السِّرِّى الذى تنمو فيه (الغرابة = غير المألوف)، لتحطيم (ثبوتية الجميل = المنمذج ، السائد ، الميت ...) / لكن ما حدث بالضبط هو أن الروائيين (أصحاب البست سيلر) ، أدرجوا (الغرابة) - بمنطق مكسبات الطعم الصناعية - فى إطار النموذج الجمالى السائد ، سعيا إلى قتلها .
هذا المنحى ، أفرغ الرواية من طاقتها الجمالية الثورية ، وحولها إلى أداة ناجزة لتغذية التفاهة الهائلة التى تتعاطاها الجماهير .
إنه رأس المال الذى يدفع الكثير - ليجنى الكثير أيضا - دفاعا عن إستمرارية النماذج السلطوية السائدة .
للأسف - الجميع الآن يتهافتون على كل ما يُسيل اللعاب أمام مكسبات الطعم ، دون أن يدركوا أن (التفاهة تتفشى كالسرطان) فى العقل الإجتماعى .
والآن - ماذا تبقى للرواية ؟ .
لقد تحولت إلى شاهد قبر على موتنا ، ليس موتنا الثقافى فقط ، بل موتنا الشامل .





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى