تهامة رشيد - لدي كنزة حمراء وجزدان أسود

عندما قرأت لأحدى الشاعرات (وأنا أيضاً)،تذكرت نفسها،
فهي أيضا كذلك وحيدة،تدخل باب الجامعة الذي لم يوضع بعد
ففي سنوات دراستها كانت الجامعة قيد الإنشاء
و"قيد الإنشاء "هذه جملةتعلّمتها حديثا في محاضرات تخص الإنشاءات المدنية بأشكالها
لبست بلوزتها الحمراء الوحيدة،لقد مضت أشهر الخريف ونصف الشتاء وهي ترتديها،لكن هذه المرة ستلبسها دون جاكيت؛
ففي شباط روائح الصيف،وأدخلت رجليها على عجل ببنطال جينز مطاطي(ضيق ومرسوم على جيباته الخلفيه قلبان أحمرا اللون)...
كانت نحيلة القوام بما يكفي ليليق بها أي لباس.
وعند محاولتها الخروج من باب البيت كادت تبكي.
لم يتذكرها احد، اليوم هو عيد الحب وفرصة ليقول لها أحد الزملاء أنه يحبها او يهديها دبدوبا أبيض مو ضروري يكون احمر.
لكن كل هذه الجامعة المليئة بالشباب بحيث تشبه خلية نحل لم تراها. كان يجب ان تتحول لنحلة تطن بأذن أحدهم ،وليرمها بعيدا ميتة مكسورة لكنها ستلسعه مرة، وهذا يكفيها.
هل يحتاج الحب موتا؟
لم تكن تؤمن بالاعياد ولم تعلم بقصة القديس فالانتين.
كل ماراته محاولة فنية (يتيمة)لأختها الصغيرة في مدرسة الفنون وهي رسم على الزجاج بمادة لامعة
والرسم عبارة عن جملة (هابي فالانتاين) بالانجليزية وليس فالنتين كما يلفظها الفرنسيون.
وحول هذه الجملة غصن مزهر يورود حمراء وصفراء وعصفورين يتبادلان نظرات وله.
وأظهرت لاختها انها غير مهتمة لهذا العيد.
كم تمنت البكاء،هل أنا قبيحة لدرجة عدم لفت النظر؟
ام عمي الشباب عني؟
كانت جميلة بالعموم...
لكنها غير متكلفة ولا تملك ثيابا جيدة.
مجتهدة ومعدلها جيد بالفصل الاول من سنتها الجامعية الأولى...
لم يأخذوا الكثير من المحاضرات يومها ...
جلست في الفسحة أمام مدرج الطب حيث يأخذ طلاب الهندسة المدنيةمحاضراتهم في السنتين الاوليتين هنا،ويرتاح المتعبون مثلها،في هذه الفسحة فمصروفهم لايسمح لهم بارتياد مقصف الهمك الرخيص بين كل محاضرتين،وطبعا دخول كافتيريا المدني،الخاصة بكليتها أصعب بكثير فالاسعار هناك مضاعفة.
وهكذا تلمست جزدانها الاسود الجديد عدة مرات أمام زميلاتها ..
لتسألنها أخيرا:هل هذا هدية عيد الحب؟
وتجيب بزهو:نعم،وبعد فترة صمت تكمل:أهداني إياه البابا.
وهنا نصف الحقيقة،حين عادت للبيت دون هدية ،سألها أبوها:أليس لديك هدية في عيد الحب؟
فدمعت عيناها،حينها ذهلت وهو يفاجئها بهذا الجزدان.
وقررت الذهاب للدوام رغم أن محاضرات هذا اليوم غير مهمة،بمعنى أنها لاتحضرها عادة.
وتتذكر الآن حسراتها،وتستغرب كيف ستصد العاشقين عن باب قلبها بعد سنتين فقط من ذلك التاريخ.
هناك أنثى وحيدة دوما لا تتركها تغرق في وحدتها، سيدي الشاب، تقدّم منها،لقد تربّت على الخجل.
ولا تعرف كيف تشير إليك.
لكن سلوى وجدت من يسلي وحدتها،وكانت ترتاد المقصف حين توفر خمس ليرات أو عشر في جيبها،
لتسمع موسيقى يعزفها الجميل فيصل عمران،على جيتاره،
وعندما يراها جالسة وحدها، يشغل موسيقاه،ويصب القهوة سريعا،ويقدمها لها...
في المرات الاول اعتذرت،فهي لاتحب القهوة ،ولا تملك في الغالب ثمنها،وتحت إصراره على الضيافة كانت تقبل (او تطلب شايا)وتسأله عن الموسيقى.
ليشرح لها شغفه بالموسيقى وكيف يعزف،وكرهه للصوت البشري.
يسألها عن محاضرانها وينوه بأن الدراسة في المقصف ممنوعة بقرار إتحاد الطلبة...
لكنه يسمح لها،تحت تاثير ضحكتها،ولا تستطيع أن تشرح له، عدم وجود مكان في بيتهم الصغير للرسم والقراءة ،رغم جهود أخيها ووعده بشراء طاولة لها، وقد وفى بذلك بعد سنتين.
لكنها الآن مضطرة للرسم هنا والدراسة.
كان زملاءها على وشك الوصول ،فاعتذر فيصل ورجع لمكانه خلف البوفيه.
كم كان جميلا وقت صداقتهما،أصبحت تاتي باكرا
تساعده في الترتيب ،وتحضير المشروبات، تحسب له الغلة.
يسمعها اجمل الالحان.
وبعد نهاية المحاضرات تساعده بالجرد اليومي،هي وعدد من صديقاته.
وذات يوم زارته في منزله ،وتعرفت بزوجته وولديه
حدثت نفسها
فيصل كنت فنانا بامتياز.،وصديقا بامتياز
فقدت عنو انك بعدها ...
أتمنى أن تكون بخير

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى