تُعد رقصة “الكدرة” واحدة من أشهر الأشكال الفنية الشعبية في الصحراء، أفرزتها شروط سوسيو ثقافية متنوعة، وتعتمد بالأساس خطاب الجسد موضوع الإيماءة ومركز الرؤية ومصدر الحركة في الفضاء، وتقدمه في أهم تمفصلاته وتمظهراته ضمن سياقات كوريغرافية كثيرة ومتنوعة ومتكاملة، وداخل حوار جماعي يعج بالكلمة والنغمة والحركة والقول الشعري.
سويدي تمكليت، رئيس مركز الصحراء للدراسات والأبحاث الميدانية بآسا، قال لهسبريس إن “الأبحاث المنجزة حول الكدرة هي في النهاية أبحاث وصفية تجترّ بعض المعطيات المشتركة والشائعة في الأوساط”، وزاد موضحا: “الكدرة تعبير أدبي وشعبي مخصوص، لأنه يتمركز في الناحية الشمالية للصحراء، في اتجاه الشريط الشرقي، أي تقريبا من أعلى منطقة طاطا ومحاميد الغزلان حتى حدود المجال الجغرافي لطانطان، وهو مجال ذو طبيعة جغرافية تتميز بوجود نتوءات ومرتفعات جبلية. كما أن مجال تمركز “الكدرة” تدبّ فيه الحياة البدوية المرتبطة أساسا برعي الأغنام والماعز، بالإضافة إلى تمركز عشائر وإثنيات مختلطة ومتنوعة”.
“ذلك التمايز، إلى جانب طبيعة الخصوصية الجغرافية، كان له انعكاس كبير جدا على بلورة هذه الظاهرة الفلكلورية، وهي خصوصية تمتحها من هذا المحيط ومقوماته. وبخصوص الإيقاع فهو يمتح من وقع أثر حوافر الماعز، فالسامع إلى الترنيمة أو الجرفة الإيقاعية للإناء المنقور (الكدرة) يجد تشابها وتماثلا كبيرا بينه وبين وقع حوافر الماعز على الأرض، بالإضافة إلى كون شكل التحلق حول هذا الإناء ممتح من شكل زرائب الماعز والأغنام”، يقول المتحدّث ذاته.
وعن بعض مظاهر تأدية هذه الشكل الفني، قال بشأنها الدكتور سويدي تمكليت: “اصطفاف ممارسي وراقصي “الكدرة”، وأشكال الوقوف على الركبتيْن، والتلويح باليدين، والتمايل يُمنة ويسرة، ووضع اليد نُصب الحاجبيْن، والصراخ والتهويل، كلها أمور تُعبّر عن أحوال هؤلاء المستقرين في هذا المحيط، لأنه مجال يتميز بخصوصيات الغارة والحرب والتناحر والترقب والرصد للخصوم، فالرقصة تحاول في النهاية التعبير عن أحوال هذا المحيط، وعن مجمل التفاعلات الحاصلة فيه”.
وأضاف تمكليت: “طبعا، في هذه الرقصة، نجد أن الكدرة، وهو الوعاء المصنوع من الطين، دلالة على الأرض، والارتباط والتعلق بها، أما الجلد الذي يُغطي فوهة هذا الإناء فهو من مستخلص من جلد الماعز؛ وبالتالي يمكن القول إن الكدرة تعبير عن حياة مربي الماعز والغنم”.
وفي المجال الصحراوي دائما، أردف الباحث سويدي، “نجد رقصة “الطبل” مقابل رقصة “الكدرة”، “الطبل” ترتبط بمربي قطعان الإبل، فمن حيث الشكل فهو ليس مغلقا دائريا، شبيها بمراح الإبل ومرابضه، وأيضا هو يتخذ شكل سنام الجمال، ويُضرب بأكفاف اليدين، وبالتالي هذا الصوت وهذا الإيقاع ممتحّ من أثر أخفاف الإبل على الأرض. إذن الشكل العام المفتوح لأداء رقصة “الطْبل” يدل على الجغرافيا المنبسطة الممتدة، لكون الشريط الممتد ما وراء طانطان في الاتجاه الغربي حتى نهاية ما وراء واد الذهب منبسطا مفتوحا”.
“وبمقارنة الظاهرتين، يمكن أن نفهم أثر التمايز الجغرافي في بلورة بعض أشكال التعبير في ثقافة الصحراء، وجميع هذه الأشكال هي انعكاس لشروط الواقع البيئي وتفاعلات الإنسان معا. وعن المؤدين لرقصة الكدرة، تتمركز على لعب الرجال، وتكون المرأة حاضرة بدلالات مختلفة، وليست من أجل تأثيث المجال أو الرقصة أو إظهار مفاتنها، وإنما نراها ملتصقة التصاقا قويا بالإيقاع الصادر من النقر على إناء الكدرة، وبالتالي تحاول أن تعبر عن انشغالات وتمثلات صورية في ذهن المجتمع؛ وما دامت ترقص داخل هذه الحلقة فهي محط اهتمامهم، فيما الرجال يحمونها ويذودون عنها”، يورد المصدر ذاته.
ويستطرد الباحث في الثقافة الحسانية وموروثاتها الشعبية، سويدي تمكليت: “أما تلك التعابير الجسدية وأشكال الرقص في الكدرة فتقتبس من النعامة، إذ إن تغطية الرأس والتلويح باليدين والكتفين أشكال تحاول أن تقلد فيها النعامة. أما رقصة ‘الطبل’ فهي تعبير تؤديه النسوة، على خلاف الكدرة، والرجل يكون من أجل الرفع من منسوب أدائهن وإظهار صوت جهوري، يضفي رونقا على الأداء. أما على مستوى الكلمات فـ’الكدرة’ لها “نظام عروضي وشعر خاص، إذ تقوم على ثلاثة مستويات تمثل مدارج تطور الإيقاع؛ وهي مقامات، الأولى تسمى ‘حمّاية’، بطيئة، وبعدها يأتي مقام شبه سريع، أما الثالث فيسمى “التهوهي”، وهو سريع جدا”.
“تؤدى ‘الكدرة” باللسان الحساني أو العربي، وفي الغالب اللسان الحساني اللهجي. كما نُشير إلى أن هذا التعبير الفني يلعب دورا حماسيا في شحذ العزائم والتحريض، وقد استُعمل أيضا في بعض المراحل التاريخية كأداة إشعال الفتنة والحروب بين المجموعات القبلية والعشائرية؛ فكان سببا في نشوب بعض الحروب في المجال الشمالي للصحراء”، يزيد الباحث ذاته.
أما عن العلاقة الرابطة بين ‘الكدرة” والخيمة فهي “كتلك العلاقة بين الزريبة والخيمة، فهي تكاملية تفاعلية تواصلية وطيدة جدا، ومرت بمرحلتين؛ الأولى زمن البداوة، وكانت تؤدى في الخيمة وفي ‘إفريك’، أو تجمعات مفتوحة في ليالي الأسمار ‘الكراير’، أما المرحلة الثانية فهي التي تصدح فيها وتدب في الدواوير والمداشر زمن الاستقرار”.
واعتبر المتحدّث أن “تقلص عدد الرحل واكتساح الحضارة بعناصرها الجديدة الموسيقية والترفيهية جعل التعاطي وانتشار رقصة الكدرة يسير في اتجاه الانكماش والانحصار، إذ لا تؤدى اليوم إلا في بعض المناسبات العائلية وبعض المواعيد الاحتفالية الخاصة، وصارت تتمركز في مكان معزول عن المجال الحضري”.
وأمام ما يتهدّد هذا الموروث الثقافي وهذا الشكل التعبيري الخاص بمجال الصحراء، يرى الدكتور سويدي أن الوقت حان “لتُحفظ الكدرة وتوثق وتثمّن، من خلال تسجيل وتدوين كل المتون التي تردّد في هذه “الحمّاية”، إلى جانب تصنيفها تراثا شعبيا إنسانيا له عمق حضاري، يحمل هوية ثقافية بكل مقوماتها العامة والمشتركة، تنحصر في مجال شاسع وممتد؛ كما ينبغي أن توجّه إليها الأنظار، قصد الدراسة وإعادة تأملها وإعادة تشكيل فهمنا لمكنوناتها، بالإضافة إلى إحياء وإعادة الاعتبار إليها، عبر عقد مهرجان وطني أو جهوي، كاحتفالية سنوية تلمّع إليها النظر وإلى الممارسين لها وتجميعهم”.
سويدي تمكليت، رئيس مركز الصحراء للدراسات والأبحاث الميدانية بآسا، قال لهسبريس إن “الأبحاث المنجزة حول الكدرة هي في النهاية أبحاث وصفية تجترّ بعض المعطيات المشتركة والشائعة في الأوساط”، وزاد موضحا: “الكدرة تعبير أدبي وشعبي مخصوص، لأنه يتمركز في الناحية الشمالية للصحراء، في اتجاه الشريط الشرقي، أي تقريبا من أعلى منطقة طاطا ومحاميد الغزلان حتى حدود المجال الجغرافي لطانطان، وهو مجال ذو طبيعة جغرافية تتميز بوجود نتوءات ومرتفعات جبلية. كما أن مجال تمركز “الكدرة” تدبّ فيه الحياة البدوية المرتبطة أساسا برعي الأغنام والماعز، بالإضافة إلى تمركز عشائر وإثنيات مختلطة ومتنوعة”.
“ذلك التمايز، إلى جانب طبيعة الخصوصية الجغرافية، كان له انعكاس كبير جدا على بلورة هذه الظاهرة الفلكلورية، وهي خصوصية تمتحها من هذا المحيط ومقوماته. وبخصوص الإيقاع فهو يمتح من وقع أثر حوافر الماعز، فالسامع إلى الترنيمة أو الجرفة الإيقاعية للإناء المنقور (الكدرة) يجد تشابها وتماثلا كبيرا بينه وبين وقع حوافر الماعز على الأرض، بالإضافة إلى كون شكل التحلق حول هذا الإناء ممتح من شكل زرائب الماعز والأغنام”، يقول المتحدّث ذاته.
وعن بعض مظاهر تأدية هذه الشكل الفني، قال بشأنها الدكتور سويدي تمكليت: “اصطفاف ممارسي وراقصي “الكدرة”، وأشكال الوقوف على الركبتيْن، والتلويح باليدين، والتمايل يُمنة ويسرة، ووضع اليد نُصب الحاجبيْن، والصراخ والتهويل، كلها أمور تُعبّر عن أحوال هؤلاء المستقرين في هذا المحيط، لأنه مجال يتميز بخصوصيات الغارة والحرب والتناحر والترقب والرصد للخصوم، فالرقصة تحاول في النهاية التعبير عن أحوال هذا المحيط، وعن مجمل التفاعلات الحاصلة فيه”.
وأضاف تمكليت: “طبعا، في هذه الرقصة، نجد أن الكدرة، وهو الوعاء المصنوع من الطين، دلالة على الأرض، والارتباط والتعلق بها، أما الجلد الذي يُغطي فوهة هذا الإناء فهو من مستخلص من جلد الماعز؛ وبالتالي يمكن القول إن الكدرة تعبير عن حياة مربي الماعز والغنم”.
وفي المجال الصحراوي دائما، أردف الباحث سويدي، “نجد رقصة “الطبل” مقابل رقصة “الكدرة”، “الطبل” ترتبط بمربي قطعان الإبل، فمن حيث الشكل فهو ليس مغلقا دائريا، شبيها بمراح الإبل ومرابضه، وأيضا هو يتخذ شكل سنام الجمال، ويُضرب بأكفاف اليدين، وبالتالي هذا الصوت وهذا الإيقاع ممتحّ من أثر أخفاف الإبل على الأرض. إذن الشكل العام المفتوح لأداء رقصة “الطْبل” يدل على الجغرافيا المنبسطة الممتدة، لكون الشريط الممتد ما وراء طانطان في الاتجاه الغربي حتى نهاية ما وراء واد الذهب منبسطا مفتوحا”.
“وبمقارنة الظاهرتين، يمكن أن نفهم أثر التمايز الجغرافي في بلورة بعض أشكال التعبير في ثقافة الصحراء، وجميع هذه الأشكال هي انعكاس لشروط الواقع البيئي وتفاعلات الإنسان معا. وعن المؤدين لرقصة الكدرة، تتمركز على لعب الرجال، وتكون المرأة حاضرة بدلالات مختلفة، وليست من أجل تأثيث المجال أو الرقصة أو إظهار مفاتنها، وإنما نراها ملتصقة التصاقا قويا بالإيقاع الصادر من النقر على إناء الكدرة، وبالتالي تحاول أن تعبر عن انشغالات وتمثلات صورية في ذهن المجتمع؛ وما دامت ترقص داخل هذه الحلقة فهي محط اهتمامهم، فيما الرجال يحمونها ويذودون عنها”، يورد المصدر ذاته.
ويستطرد الباحث في الثقافة الحسانية وموروثاتها الشعبية، سويدي تمكليت: “أما تلك التعابير الجسدية وأشكال الرقص في الكدرة فتقتبس من النعامة، إذ إن تغطية الرأس والتلويح باليدين والكتفين أشكال تحاول أن تقلد فيها النعامة. أما رقصة ‘الطبل’ فهي تعبير تؤديه النسوة، على خلاف الكدرة، والرجل يكون من أجل الرفع من منسوب أدائهن وإظهار صوت جهوري، يضفي رونقا على الأداء. أما على مستوى الكلمات فـ’الكدرة’ لها “نظام عروضي وشعر خاص، إذ تقوم على ثلاثة مستويات تمثل مدارج تطور الإيقاع؛ وهي مقامات، الأولى تسمى ‘حمّاية’، بطيئة، وبعدها يأتي مقام شبه سريع، أما الثالث فيسمى “التهوهي”، وهو سريع جدا”.
“تؤدى ‘الكدرة” باللسان الحساني أو العربي، وفي الغالب اللسان الحساني اللهجي. كما نُشير إلى أن هذا التعبير الفني يلعب دورا حماسيا في شحذ العزائم والتحريض، وقد استُعمل أيضا في بعض المراحل التاريخية كأداة إشعال الفتنة والحروب بين المجموعات القبلية والعشائرية؛ فكان سببا في نشوب بعض الحروب في المجال الشمالي للصحراء”، يزيد الباحث ذاته.
أما عن العلاقة الرابطة بين ‘الكدرة” والخيمة فهي “كتلك العلاقة بين الزريبة والخيمة، فهي تكاملية تفاعلية تواصلية وطيدة جدا، ومرت بمرحلتين؛ الأولى زمن البداوة، وكانت تؤدى في الخيمة وفي ‘إفريك’، أو تجمعات مفتوحة في ليالي الأسمار ‘الكراير’، أما المرحلة الثانية فهي التي تصدح فيها وتدب في الدواوير والمداشر زمن الاستقرار”.
واعتبر المتحدّث أن “تقلص عدد الرحل واكتساح الحضارة بعناصرها الجديدة الموسيقية والترفيهية جعل التعاطي وانتشار رقصة الكدرة يسير في اتجاه الانكماش والانحصار، إذ لا تؤدى اليوم إلا في بعض المناسبات العائلية وبعض المواعيد الاحتفالية الخاصة، وصارت تتمركز في مكان معزول عن المجال الحضري”.
وأمام ما يتهدّد هذا الموروث الثقافي وهذا الشكل التعبيري الخاص بمجال الصحراء، يرى الدكتور سويدي أن الوقت حان “لتُحفظ الكدرة وتوثق وتثمّن، من خلال تسجيل وتدوين كل المتون التي تردّد في هذه “الحمّاية”، إلى جانب تصنيفها تراثا شعبيا إنسانيا له عمق حضاري، يحمل هوية ثقافية بكل مقوماتها العامة والمشتركة، تنحصر في مجال شاسع وممتد؛ كما ينبغي أن توجّه إليها الأنظار، قصد الدراسة وإعادة تأملها وإعادة تشكيل فهمنا لمكنوناتها، بالإضافة إلى إحياء وإعادة الاعتبار إليها، عبر عقد مهرجان وطني أو جهوي، كاحتفالية سنوية تلمّع إليها النظر وإلى الممارسين لها وتجميعهم”.