مؤمن سمير - شاعرٌ مقتول وشِعرٌ ماكر

كثيراً ما تخيلتُ الموت والشِعر صنوان، فالأول ظِلٌ جامحٌ لا يرضى إلا بأن يكبر ويبتلع صاحبه وغايته الوحيدة والسامية هي أن ينجيه من أوهام الخلود الكاذب والثاني بمثابة انتصار على الواقع وكشفه بالخيال الذي هو الوجه الآخر للعملة، مخفي ومتواري وواضح، سري وغائب وحاضر كذلك طول الوقت.. وبهذا المنطق، يضمن الشعر لصاحبه مشاركةً فادحة وقوية في اللعبة الأزلية بين الموت والحياة، وكلما أبدع الشاعر الحقيقي تضطرب اليقينيات التي ثبَّتها البشر عن الزمن وحركة التاريخ وما إلى ذلك وبهذا يكتسب الوجود أبعاداً أخرى تنفخ في كل قيمة لتُخرج تجلياتها وأسرارها للعلن.. لا أدري إذن هل ضحك الشعراء الذين قتلتهم أشعارهم على الموت وظلوا بنفس صورهم الأخيرة أحياء ينظرون للفناء نظرة كلها سخرية وثقة أم أن الشِعر في الحقيقة هو الذي استخدم الموت والشعراء والزمن لينتصر لقيمه الجمالية في النهاية، ليقول بجلاء فاز الفن على التاريخ.. إن مكر الشعر هنا ظاهر وسابغ لهذا فقد قرر أن يخترع أسباباً ووقائع تتسبب بشكل مباشر في تصديقنا وتسهيل تلقينا لفعل القتل لكنها في نفس الآن، وقائع تسمح دائماً بأن تتحول إلى أساطير وحكايات تجمع الناس حول سيرة رجل قال الشعر ودفع ثمناً عظيماً هو روحه في سبيل أن يتسلل إلى أرواح الأجيال ويصير أيقونة لتمرد الإنسان على القَدَر واليقين لصالح الجمال.. هل أطلَّت بالفعل أخت ملك الحيرة عمرو ابن هند على المجلس فسرى الشعر على لسان طرفة بن العبد مما تسبب في قتله وهل لم يملك المتنبي إلا قتال فاتك بن أبي جهل الأسدي حتى قُتل بسبب بيته الشعري الشهير وهل تسببت قصيدة أبونخيله في خلع عيسى بن مهدي من الخلافة ومن ثَمَّ قتله وهل من المتيقن أن هجاء بشار بن برد للخليفة المهدي و غزل وضاح اليمن في أم البنين زوجة الوليد بن عبد الملك هو الدافع لقتلهما؟ الإجابة قد تكون نعم من ناحية ما يرويه الرواة، ولا من زاوية مكر الشِعر الذي لاعَبَ الموت وخسر جولات عدة لكن اختبار الزمن أكسبه انتصاراً دائماً وحاسماً ومستمراً وله بريق المجاز ووهج البلاغة..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى