الشعراء الأميوّن ،قليلون ،ولكنهم يُثيرون الاعجاب والدهشة لما يملكونه من قدرات هائله في التعبير والتصوير ..!!
والغريب أنهم يفوقون أقرانهم المتعمقين في علوم اللغة العربية وآدابها .
والسؤال الآن :
كيف يتفوق الأميّ على الضليع بآداب اللغه وعلومها ؟
وكيف يبلغ تلك الدرجة العليا من البلاغة ؟
والجواب :
انها الموهبة الخارقة للعادة ، تقوده الى مرافئ الإبداع والإمتاع ، وتجعله يملأ العيون والأسماع ،والموهبة لاتأتي عبر الدراسة المنتظمه ، ولا تؤخذ من الاساتذة العمالقة ، وانما هي طفرة – بحسب مصطلحات قوانين الوراثة – تفعل الأعاجيب ..!!
والموهوب له قدراتُه الخاصة ، في اقتناص الألفاظ والمعاني والتقاط الصور على نحوٍ يفضي به الى ولوج واحات الفن والجمال، والعطاء الباهر ....
أبرز اولئك الشعراء الأميين هو الخبز أرزي .
ومنهم أيضا الخباز البلدي (محمد بن حمدان بن حمدان ) الذي قال عنه الثعالبي في يتيمة الدهر (ج2/201) :
(ومن عجيب شأنه انه كان أميّاً ، وشعره كلُه مُلَحٌ وتُحَفٌ ، وغُرر وطُرف ، ولا تخلو مقطوعة له من معنى حسن أو مَثَلٍ سائر )
وانّ من المحزن حقاً ، أننا قَلَّ ان نتلمس البراعات الفنيّة والأدبيه ، في نتاج من عكفوا على دراسة اللغة العربية وآدابها ،فكيف بمن لم يكابدوا تلك الشؤون ؟!
ان الأجواء والمناخات قد اختلفت كثيراً عما كانت عليه أيام الرواد الاوائل ، ولابد ان تنعكس آثار هذا الجَدْبِ على المحصلة النهائيه للأعمال الأدبيه المعاصرة .
نماذج مختارة من شعر الخباز البلدي :
قال يرد على شاتِمِه :
بالغتَ في شتمي وفي ذميّ
وما خشيتَ الشاعرَ الأميّ
جرّبْتَ في نفسِك سُماً فما
أحمدتَ تجريبكَ للســــــمّ
ويبدو انه كان يستملح ان يوصف ب (الشاعر الأميّ ) .
انّ الأميه صفة سلبية ، ولكنها حين تقترنُ بشاعرية فذّة ، تصبح شيئاً آخر يمكّن صاحبها من استملاح تلك الصفة ..!!
ثقافته القرآنيه :
ولننظر اليه كيف يوظف ثقافته القرآنيه ، بالرغم من أمّيته ، في شعره فيخاطب الذين خاب ظنه فيهم من الاخوان قائلاً :
ألا ان اخواني الذين عهدتهم
أفاعي رمالٍ لاتُقصرُ في لَسْعي
ظننتُ بهم خيراً فلمّا بلوتهم
" نَزَلْتُ بوادٍ منهم غيرِ ذي زرْعِ "
ويقول ، وقد سافر بعض أصحابه بسفينة :
سار الحبيبُ وخلّف القلبا
يُبدي العزاء ويُضمر الكربا
قد قلتُ اذ سار السفين بهم
والشوقُ ينهب مهجتي نهبا
لو أنَّ لي عزاً أصولُ به
"لأخذتُ كلَّ سفينةٍ غصبا "
هويته العقائديه
وهو لا يُخفي في شعره هويته العقائديه ، فهو إماميّ ، شديد الولاء للعتره الطاهرة من أهل البيت (عليهم السلام)
اسمعه يخاطب حبيبَه قائلاً :
تظن بأنني أهوى حبيباً
سواكَ على القطيعةِ والبعادِ
جحدتُ اذن موالاتي عليّا
وقلتُ بأنني مولى زِياد
واين الولاء للوصي من الولاء للدعيّ ؟
وهو بعد ذلك ، صاحب تجربة حياتيه ترشحه لتلقين الناس دروساً للتخلص مما يكرهون ، كل ذلك بفضل ذكائه وفطنته
يقول :
اذا استثقلتَ أو أبغْضَتَ خَلْقَاَ
وسرّك بُعْدُه حتى التنادي
فشرِّدْهُ بِقَرْضِ دُرَيْهِمات
فانَّ القرضَ داعيةُ البِعادِ
انك تستطيع ان تتخلص من الثقيل، بان تقرضه شيئاً من الدراهم ، فانك لن تعود تراه بعد ذلك ، لأنه يتحاشى لقاءك خشية المطالبة بتسديد الدين ، وبهذا يبتعد عنك ، وتستريح منه ..!!
وقد ترجمه الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات ج1 ص 330 ولكنه سمّاه (محمد بن أحمد بن حمدان ) بعد ان سمّاه الثعالبي (محمد بن حمدان بن حمدان ) – كما تقدّم –
واعتمد على صاحب اليتيمه اعتماداً كبيراً
والملاحظ أنَّ الترجمتيْن جاءتا خاليتيْن من سنة ولادة الشاعر ووفاته ، وقد ذهبت أتعابُنا سدىً ، حين بحثنا عنهما في العديد من المصادر ،ولكن دون ان نصل الى شئ محدد .
وليكن ختام المقاله قول الشاعر البلدي :
ليلُ المحبين مطويٌّ جوانِبُه
مُشمَّرُ الذيلِ منسوبٌ الى القِصَرِ
ما ذاك إلا لأنَّ الصبح نَمَّ بنا
فأطلع الشمسَ من غيظٍ على القَمَرِ
وهما يشهدان له بعلّو الكعب ، وامتلاك الأدوات الفنيه التي ترتفع بِشِعْرِه الى ذروة سامقه ،
ولا أدري هل هي صدفة عابرة ان يكون الشاعران الاميّان (الخبز أُرزي والخباز البلدي ) من مهنة واحدة أم انّ هـــذه المهنــــة تُنضج المواهــــب وتنتج الغــــرائب ؟
* الصباح
والغريب أنهم يفوقون أقرانهم المتعمقين في علوم اللغة العربية وآدابها .
والسؤال الآن :
كيف يتفوق الأميّ على الضليع بآداب اللغه وعلومها ؟
وكيف يبلغ تلك الدرجة العليا من البلاغة ؟
والجواب :
انها الموهبة الخارقة للعادة ، تقوده الى مرافئ الإبداع والإمتاع ، وتجعله يملأ العيون والأسماع ،والموهبة لاتأتي عبر الدراسة المنتظمه ، ولا تؤخذ من الاساتذة العمالقة ، وانما هي طفرة – بحسب مصطلحات قوانين الوراثة – تفعل الأعاجيب ..!!
والموهوب له قدراتُه الخاصة ، في اقتناص الألفاظ والمعاني والتقاط الصور على نحوٍ يفضي به الى ولوج واحات الفن والجمال، والعطاء الباهر ....
أبرز اولئك الشعراء الأميين هو الخبز أرزي .
ومنهم أيضا الخباز البلدي (محمد بن حمدان بن حمدان ) الذي قال عنه الثعالبي في يتيمة الدهر (ج2/201) :
(ومن عجيب شأنه انه كان أميّاً ، وشعره كلُه مُلَحٌ وتُحَفٌ ، وغُرر وطُرف ، ولا تخلو مقطوعة له من معنى حسن أو مَثَلٍ سائر )
وانّ من المحزن حقاً ، أننا قَلَّ ان نتلمس البراعات الفنيّة والأدبيه ، في نتاج من عكفوا على دراسة اللغة العربية وآدابها ،فكيف بمن لم يكابدوا تلك الشؤون ؟!
ان الأجواء والمناخات قد اختلفت كثيراً عما كانت عليه أيام الرواد الاوائل ، ولابد ان تنعكس آثار هذا الجَدْبِ على المحصلة النهائيه للأعمال الأدبيه المعاصرة .
نماذج مختارة من شعر الخباز البلدي :
قال يرد على شاتِمِه :
بالغتَ في شتمي وفي ذميّ
وما خشيتَ الشاعرَ الأميّ
جرّبْتَ في نفسِك سُماً فما
أحمدتَ تجريبكَ للســــــمّ
ويبدو انه كان يستملح ان يوصف ب (الشاعر الأميّ ) .
انّ الأميه صفة سلبية ، ولكنها حين تقترنُ بشاعرية فذّة ، تصبح شيئاً آخر يمكّن صاحبها من استملاح تلك الصفة ..!!
ثقافته القرآنيه :
ولننظر اليه كيف يوظف ثقافته القرآنيه ، بالرغم من أمّيته ، في شعره فيخاطب الذين خاب ظنه فيهم من الاخوان قائلاً :
ألا ان اخواني الذين عهدتهم
أفاعي رمالٍ لاتُقصرُ في لَسْعي
ظننتُ بهم خيراً فلمّا بلوتهم
" نَزَلْتُ بوادٍ منهم غيرِ ذي زرْعِ "
ويقول ، وقد سافر بعض أصحابه بسفينة :
سار الحبيبُ وخلّف القلبا
يُبدي العزاء ويُضمر الكربا
قد قلتُ اذ سار السفين بهم
والشوقُ ينهب مهجتي نهبا
لو أنَّ لي عزاً أصولُ به
"لأخذتُ كلَّ سفينةٍ غصبا "
هويته العقائديه
وهو لا يُخفي في شعره هويته العقائديه ، فهو إماميّ ، شديد الولاء للعتره الطاهرة من أهل البيت (عليهم السلام)
اسمعه يخاطب حبيبَه قائلاً :
تظن بأنني أهوى حبيباً
سواكَ على القطيعةِ والبعادِ
جحدتُ اذن موالاتي عليّا
وقلتُ بأنني مولى زِياد
واين الولاء للوصي من الولاء للدعيّ ؟
وهو بعد ذلك ، صاحب تجربة حياتيه ترشحه لتلقين الناس دروساً للتخلص مما يكرهون ، كل ذلك بفضل ذكائه وفطنته
يقول :
اذا استثقلتَ أو أبغْضَتَ خَلْقَاَ
وسرّك بُعْدُه حتى التنادي
فشرِّدْهُ بِقَرْضِ دُرَيْهِمات
فانَّ القرضَ داعيةُ البِعادِ
انك تستطيع ان تتخلص من الثقيل، بان تقرضه شيئاً من الدراهم ، فانك لن تعود تراه بعد ذلك ، لأنه يتحاشى لقاءك خشية المطالبة بتسديد الدين ، وبهذا يبتعد عنك ، وتستريح منه ..!!
وقد ترجمه الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات ج1 ص 330 ولكنه سمّاه (محمد بن أحمد بن حمدان ) بعد ان سمّاه الثعالبي (محمد بن حمدان بن حمدان ) – كما تقدّم –
واعتمد على صاحب اليتيمه اعتماداً كبيراً
والملاحظ أنَّ الترجمتيْن جاءتا خاليتيْن من سنة ولادة الشاعر ووفاته ، وقد ذهبت أتعابُنا سدىً ، حين بحثنا عنهما في العديد من المصادر ،ولكن دون ان نصل الى شئ محدد .
وليكن ختام المقاله قول الشاعر البلدي :
ليلُ المحبين مطويٌّ جوانِبُه
مُشمَّرُ الذيلِ منسوبٌ الى القِصَرِ
ما ذاك إلا لأنَّ الصبح نَمَّ بنا
فأطلع الشمسَ من غيظٍ على القَمَرِ
وهما يشهدان له بعلّو الكعب ، وامتلاك الأدوات الفنيه التي ترتفع بِشِعْرِه الى ذروة سامقه ،
ولا أدري هل هي صدفة عابرة ان يكون الشاعران الاميّان (الخبز أُرزي والخباز البلدي ) من مهنة واحدة أم انّ هـــذه المهنــــة تُنضج المواهــــب وتنتج الغــــرائب ؟
* الصباح