محمد السلاموني - [7] عن المنهج النقدى

[7]

إنتهيت فى الحلقة السابقة إلى التالى:
[ولإيضاح الأمر أكثر، أقول:
للعلامة اللغوية تاريخ إستعمالى، وعلى الرغم من أن "الدال" لا يخبئ تحته "مدلولا" معينا، مما يجعله أقل ارتباطا بما يدل عليه فى المعاجم اللغوية، أو قُل بأنه يتمتع باستقلالية تمنحه حرية التَّجَوُّل فى عالم المجاز، إلاَّ أن "ذكرى أو ظلال" التعريف المركزى "المعجمى" تظل عالقة به، تلك "الذاكرة، الظلال"، هى التى تمُدَّنا بإمكانية التواصل مع بعضنا البعض؛ فعلى سبيل المثال، كلنا نعرف ما تدل عليه كلمة "شجرة"؛ بما هى نوع من النبات يتميز بسمات مرئية محدَّدة... تلك الكلمة حين تنتقل إلى التعبير المجازى فى قولنا: "شجرة العائلة"، تدل على شئ آخر، هو "ما تفَرَّعت إليه العائلة ذات الأصل الواحد"، ما حدث هنا، كما نلاحظ ، هو أن "ظلال الشجرة الأصلية- المُعجمية" ظلت كامنة بداخل المجاز الذى انتقلت إليه الكلمة على الرغم من أن التعبير المجازى يتحدث عن "العائلة" وليس عن "نوع من النبات".
ما أريد التأكيد عليه هنا هو أن علاقة العلامة اللغوية بالشئ الذى تدل عليه، بقدر ما تعود "إعتباطيتها" إلى نظام اللغة المنبنى على الإختلافات، إلاَّ أن قِدَمها الإستعمالى، منح وجودها فى الذهن قوة إعتقادية لا يجب إغفالها، هى" قوة التصاقها بالشئ الذى تدل عليه"]...
والآن، ما الذى يمكن لنا استثماره والإشتغال عليه مما سبق؟
هناك مسافة شاسعة فاصلة بين "الواقع- أيا كان هذا الواقع"، و"السرد اللغوى"، ذلك أن هذا الأخير يعمل وفقا لنظام اللغة وليس وفقا لنظام الأشياء.
وهو ما يعنى أن العالم السردى- أيا كان نوعه- يظل عالما لغويا مفارقا للمادة التى يروى عنها، أى أنه ليس مقاربة لغوية أو أدبية أوجمالية... إلخ، لمادة تنتسب إلى الواقع بشكل أو بآخر؛ هو عالم لغوى، يحتشد بظلال الواقع وليس بالواقع نفسه، بحكم كون اللغة مستعملة إجتماعيا فقط ،
وبذا فبدلا من مقاربة النص السردى بالواقع، علينا مقاربته بالنصوص اللغوية السابقة عليه فقط
، أيا كانت نوعية هذه النصوص/ وسوف نرى بعد قليل أن "المُعجم اللغوى" هو المركز التعريفى للعلامات اللغوية "المفتاحية" الخاصة بالنص السَّردى .
هناك بنية خاصة بالسرد اللغوى؛ إذ يخضع فى تكوينه لمجموعة من الخصائص التقنية المميرة له؛ وتتعلق بالزمان والمكان والشخصيات... إلخ، باعتبارها نصوصا لغوية متفاعلة ومتراكبة، وبقدر ما يمتح منها النص السردى الجديد، فهى التى تمنحه الوجود- أى أنه يوجد بالنسبة إليها.
أعنى بهذا أن الكتابة السردية الجديدة، وبحكم كونها لغة، فإنما تموضع نفسها داخل العالم اللغوى بتراميه التاريخى والتراثى، وهو ما يجعل من النص السردى "نص على نصوص"، أو كتابة على كتابة"؛ إذ ينفتح على كل ما هو لغة...
أما عن "الدلالة" فمختبئة فى أعماق التربة النَّصِّية؛ وهو التى تشُد إليها جميع العناصر المكوِّنة للنص "موضوع النقد"...
كيف يستدل الناقد على "الدلالة" فى مقاربته للنص السردى إذن؟
هناك مرتكزات للنص، هى التى يتمحور حولها التتابع السردى... تلك المرتكزات ترتبط بما أطلق عليه "شوماتوفسكى"- "الحوافِز"، حيث يقول: [إن السَّنَد الغرضى للعمل يتشكل من الحوافز الممتزجة فيما بينها، على هذا النحو، يظهر المتن الحكائى كمجموعة من الحوافز، متتابعة زمنيا، وحسب السبب والنتيجة؛ كما يتجلى المبنى الحكائى كمجموعة هذه الحوافز ذاتها
، لكن "مرتِّبة" حسب التتابع الذى تلتزمه فى العمل.] ص 181
هذا والحوافز هى الموتيفات التى يتكون منها النص، وتعنى مجموعة الأخبار "السردية والصفية" التى يتكون منها، بما تتضمنه من قوة دافعة لتقدم الحدث السردى...
لكن ما يعنينى منها هنا هو الحوافز الرئيسية فقط ، أى التى تؤدى إلى تحولا مفصلية فى تطور الحدث...
تلك الحوافز تَرِد فى النَّص ككلمات، لكنها تتميز بكونها "علامات مفتاحية دالة"، رغم تشطِّيها وتبعثرها على الرُّقعة النَّصِّيَّة، إلاَّ أنها هى ما تنشَدّ إليه جميع العناصر المكوِّنة للنَّص؛ أعنى أنها تنجذب بقوة نحو "الدلالة المركزية الغائبة" الغائرة فى أعماق النَّص.
// من تجربتى الخاصة مع هذا المنهج؛ على نصوص قصصية وشعرية ومسرحية- بما فى ذلك العروض المسرحية البصرية "الخاصة بالتعبير الحركى"، تِبعا لتحويل مرتكزات العرض إلى كلمات- تَبَيَّنت لى صلاحيته القصوى فى تحليل الفنون البصرية "غير الكلامية"...
فى الحلقة القادمة سأقدم نموذجا تطبيقيا لهذا المنهج.
يتبع...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى