لو أنَّ الموت لم يدْفعني إلى البكاء
لرأيتُ الزوارق
تُبْحر في تيار الحياة
لسمعتُ أغاني الأسى
في أدغال ضاع فيها الطريق
لوقت طويل
حيث تختلط آثار أقدام رجال
بآثار أقدام رجال آخرين.
أنتظرُ على طرف الطريق
أسمع أغنية تردد:
"الموت أفضل، الموت أفضل".
أقف على طرف الطريق
وأتفحصه
إن الموت أفضل،
إن الموت أفضل.
لو أن الموت لم يدفعني إلى البكاء
لرأيتُ المراكب
لعثرتُ على الطريق
ولسمعتُ أغاني الأسى.
تنضفرُ الأرض في إيقاع يتناغم
مع أرواحكم، يداعبها التاريخ
والجغرافيا القاسية
إنها مشهد طبيعيٌّ يفوق الوصف غير أنه يصرخ
مصدراً رنيناً واضحاً كقرع الطبول
بعد الحصاد.
نكوّم الصخور على المصاطب
نحمل القماش المتين
كي نغطي مواقد أمنا.
تعالوا الآن، أيها المحظوظون
تعالوا إلى مهرجان الذرة واللحوم
إلى أروع وليمة في البلاد،
تعالوا الآن،
عشيقاتكم يخلعن ثيابهن
أفخاذهن تلمع كسكاكين ذهبية
وهن جاهزات للعناق،
لخصوبة وقت الحب.
بمن أستجير؟
لمن أروي آلامي؟
أيها الأقرباء
لم تمنحنا أشجار الصحراء الغذاء
قبل وقت طويل من هجوم الجفاف.
إلى من ألجأ
لمن أروي آلامي؟
يقول البعض:
أخبرْ الأم العنزة
إنها أيضاً من الأقرباء
وأخت أساسية لعشيرتك
لكنني لا أستطيع أن أخبرها
لأنها ليست هنا.
أغاني الأسى
عاملتْني دزوغبيس ليزا بهذه الطريقة
قادتْني بين أشواك الغابة
فكانت العودة مستحيلة
والتقدم إلى الأمام صعباً جداً.
إن شؤون هذا العالم كبراز الحرباء
إذا دعستَ عليه
تبقى آثاره عالقة عليك حتى ولو نظفته.
أنا في زواية بعيدة في العالم
لا أجلسُ في صفٍّ مع البارزين
غير أن المحظوظين
يجلسون في الوسط وينسون
أنني في الزاوية الأبعد من العالم
كل ما أستطيع فعله هو أن أزداد بعداً وأنسى.
يا أبناء شعبي،
كنتُ في مكان
إذا استدرتُ فيه إلى جهة يضربني المطر
وإذا سلكت جهة أخرى تحرقني الشمس.
إن حطب هذا العالم
هو للجسورين فحسب
لهذا لا يستطيع الجميع الوصول إليه.
ليس العالم جيداً لأحد
غير أنكم سعيدون جداً بمصيركم.
وا أسفاه! لقد عاد المسافرون
وكانوا جميعهم مُثْقلين بالديون.
لقد دهاني أمرٌ
الأوضاع لا تُحتمل،
وأنا عاجز عن البكاء
لا أولاد لي
كي يطلقوا النار من البندقية بعد موتي
ولا بنات كي يندبن حين أغلق فمي.
ضعتُ في برية
كبيرة يسميها الرجال الحياة.
ضربني المطر
وجرحتني جذور الأشجار الناتئة كالسكاكين الحادة.
يجب أن أذهب إلى الغيب وأستريح.
لا أقرباء لي ولا أخوة
شنّ الموت حرباً على ديارنا.
لم يعد منزل كيبتي الكبير قائماً
لا شيء ينتصب إلا السياج المحطم
الذين لم يتجاسروا على النظر في وجهه
خرجوا كرجال.
كانت كبرياؤهم رائعة.
لينتبه الذين غادروا من قبل:
لقد عاملوا ذريتهم بشكل سيئ.
من أجل ماذا هذا العويل؟
أحدٌ ما فارق الحياة. أغوسو نفسه
وا أسفاه! لقد لدغتني أفعى
ذراعي اليمنى مكسورة
والشجرة التي أتكئ عليها ساقطة.
إذا ذهبتَ يا أغوسو
أخبرْ النيديفو والكبيتي والكوف
أنهم ارتكبوا بحقنا الشرور
أخبرهم أن منزلهم يتداعى
وأن النمل الأبيض أكل أشجار السياج
وأن المطارق تلعنهم.
اسألهم لماذا يتسكعون هناك
بينما نعاني ونأكل الرمل
فيما الغربان والعقبان
تحوم فوق أسيجتنا المحطمة
ويدنّس الغرباء أرضنا.
أنشودة الحرب
سأنامُ في قماشٍ قطنيٍّ أبيض
لقد باغتت الحرب أبناء الرجال
يجب أن أنام في قماش قطني أبيض
ليتقدم الفتيان
ليتقدم كابلي وأبناء قومه
دعوا بنادق البيض تدوّي
نحن نتقدم إلى الأمام
سننام جميعاً في قماش قطني أبيض.
حين نبدأ،
ستهتز الأرض،
ستنشب الحرب داخل أكواخنا
سيتراجع الجبناء
ويعيشون في المنازل مع النساء
سيفقد الذين سيقتربون من زوجاتنا
ونحن بعيدون في المعركة
قرباتهم حين نعود.
أين سُمع من قبل
أن ثعباناً لدغ فتى
أمام أمه؟
لقد باغتْتنا الحرب
رحاها تدور داخل أكواخنا
وأبناء الرجال سيخوضونها
دعوا بنادق البيض تدوّي
ولا يهمنا إن غمرنا دخانها
فنحن نقاتلهم كي نموت.
سنسقط في ساحات الوغى
ولن نفضّل الموت في مكان آخر،
ستهلك بنادقنا وسكاكيننا المشحوذة معنا
سنموت في ساحات الوغى.
البحر يلتهم الأرض في الوطن
في الوطن،
فاض البحر على البلدة،
تدحرجت أمواجه داخلة وخارجة من أمكنة الطبخ،
جامعة الحطب من المواقد
ومعيدة له في الليل.
التهم البحر الأرض في الوطن.
جاء في أحد الأيام في منتصف الليل،
دمّر الجدران الإسمنتية
حمل الدجاج
وآنية الطبخ والمغارف بعيداً.
التهم البحر الأرض في الوطن،
كان محزناً سماع العويل
وصيحات النسوة النادبات
وهن يصلّين لجميع الآلهة اللواتي يعبدنها
كي تحميهنّ من البحر الغاضب.
كانت أكو تقف في الخارج
حيث كانت تتوضّع آنية طبخها،
مع ولديها اللذين يرتجفان من البرد،
يداها على صدرها
وتبكي نادبة.
لقد أهملها أسلافُها
وهجرتْها آلهتها.
كان صباح أحد بارداً
والعاصفة غاضبة
والدجاجات والعنزات تصارع في المياه
الغاضبة للبحر القاسي
التي كانت تزأر على الشاطئ
وتصدر عنها إجهاشات وأنين عميق ومنخفض
الطنين الأبدي للبحر.
لقد سرق مقتنياتهم.
فقدت أدينا حلّيها
التي كانت مهرها وفرحها،
في البحر الذي يأكل الأرض في الوطن،
يأكل الأرض كلها في الوطن.
الدائرة الأولى
-١-
هنا، على الأرض المسطحة للأسى،
غرابان يتنازعان على بقايا حفلة رأس السنة. من زنزانتي،
أرى عالماً بارداً وقاسياً.
-٢-
إذاً هذا هو الخرّاج الذي
يؤلم الأمة:
السجون والتعذيب وسفك الدماء
والجوع.
يوماً ما سينفجر،
ولا بد أن ينفجر.
-٣-
حين سمعتُ أنهم أخذوك
تساءل بقيتنا الذين ظلوا طلقاء
أين ستكون
وفي أي كابوس سيلمع نجمك؟
في تلك الليلة سمعتُ الأنين
وتساءلتُ: طفلُ منْ هذا الذي يضيع الآن
في أقبية القمع؟
ثم ظهرتَ طويلاً وبعينين داميتين.
كانت هذه أول مرة أبكي فيها.
-٤-
كان أكثر ما أمقتهُ هو الليالي الطويلة
وأصواتٌ تأتي من خلف القضبان
الوهج الباكر للفجر قبل
أن توقظني خطواتُ الحارس،
الرغبة بالقفز والتمدد
والتثاؤب متوقعاً
عودة أخرى إلى المنزل في الظلام
والتي يتبين أنها مستحيلة.
حين اقتادوني في السيارة إلى البلدة
محشوراً بينهم
وفوهات بنادقهم تضغط على أضلاعي
لم أعرف أبداً من قبل أن لشعبي هذه الوجوه الحزينة،
كان شعبي في غاية الحزن في مساء ليلة رأس السنة،
في غاية الحزن!
--------------------------------------------
* كوفي أَوونَر (ولِدَ جورج كوفي نييديڤو أَوونَر-وليامز؛ 13 مارس 1935 – 21 سبتمبر 2013) (بالإنجليزية: Kofi Awoonor) كان شاعراً غانياً ومؤلفاً تجمع أعماله تقاليد الشعر لشعبه، الإوي الأصليين، والرمزيات المعاصرة والدينية لرسم صورةٍ لأفريقيا خلال إنهاء وتفكيك الاستعمار. بدأ الكتابة باسم جورج أوونَر-ويليامز
ونُشِر له أيضاً باسم كوفي نييديڤو أوونَر. دَرّس الأدب الأفريقي في جامعة غانا، وكان الأستاذ أوونَر ممَن قُتَلوا في هجوم سبتمبر 2013 في سوق ويستغيت التجاري في نيروبي، كينيا، حيث كان مشاركاً في مهرجان ستوريموجا.
وُلِد جورج كوفي نييديفو أوونَر-وليامز قرية ويتا في منطقة فولتا(en) في ماكان يسمى حينها الساحل الذهبي(en) في غانا حالياً. كان الأكبر من أصل 10 أطفال في العائلة. ينحدر عن طريق أعمامه من عائلة أوونَر-وليامز من سلالة السيراليون الكريولية. تَعلّم في مدرسة أتشيموتا ومن بعدها أكمل في جامعة غانا والتي تخرّج منها عام 1960. في الجامعة كتب أول كتاب شعريّ له 'اِستجلاء' Rediscovery المنشور في 1964. كبقية أشعاره، استجلاء متجذّر في الأشعار الأفريقية الشفهية، ثم فإن أعماله المبكرة استلهمت بغناء وأبيات شعبِه، الإوي الأصليين، ونشر لاحقاً ترجمات لأعمالِ ثلاثةٍ من مغنين الرثاء من شعب الإوي (حرّاس الكلمة القدُس: أشعار الإوي، 1973). أدار أوونَر شركة أفلام غانا وساهم في تأسيس مسرح غانا، ليكون لهذا دور كبير في تنمية فنون المسرح والدراما في الدولة. كان أيضاً محرّراً في المجلة الأدبية أوكييمي Okyeame ومحرّراً مساعداً في مجلة ترانزشن.درَس الأدب في كلية لندن الجامعية (ماجستير، 1970), وكتب في أثناء إقامته في إنجلترا عدة مسرحيات إذاعية للبي بي سي وبدأ حينها باستخدام الاسم كوفي أوونَر.قضى بدايات السبعينات في الولايات المتحدة يدرُس ويدرّس في جامعة ستوني بروك (المسماة حينها سَني في ستوني بروك) حيث حصل على الدكتوراة في 1972.
كتب في أثناء إقامته في الولايات المتحدة هذه الأرض, يا أخي(en و'ليلة دَمِي'، نُشِر كلا الكتابين في 1971.
عاد أوونَر إلى غانا في 1975 كرئيس قسم اللغة الإنجليزية في جامعة كيب كوست. اُعتُقل في غضون أشهر لمساعدته جندياً مشتبه لمحاولته بإسقاط الحكومة العسكرية وسُجِن بدون محاكمة؛ أُطلِق صراح أوونَر لاحقاً عندما خُفِفت عقوبته في أوكتوبر 1976.
تحكي المجموعة 'البيت قرب البحر' عن الوقت الذي قضاه في الحبس. أصبح ناشطاً سياسياً بعد سَجنه وأكمل الكتابة عمّا غير-أدبي.عَمِل أوونَر سفيرَ غانا للبرازيل من 1984 إلى 1988 قبل توليه منصب سفير دولته لدى كوبا. وكان أوونَر ممثل غانا الدائم للأمم المتحدة من 1990 إلى 1994 حيث رأس اللجنة المعنية بمناهضة الفصل العنصري. كان أيضاً رئيس مجلس الدولة وهو بدوره المجلس الاستشاري الرئيسي لرئيس غانا الذي خدم أوونَر فيه من 2003 حتى 2013.
موته
كان أوونَر ممن قُتِلوا في 21 من سبتمبر 2013 في هجوم في سوق ويستغيت التجاري في نيروبي. كان حينها في كينيا مشاركاً في مهرجان ستوريموجا وهو بدوره احتفال مدته أربعة أيام بالكتابة والتفكير والقصّ حيث كان سيؤدي عرضاً أدبياً ليلة وفاته. كتب ابن أخيه ني باركِس الذي حضر نفس المهرجان الأدبي عن مقابلتهما للمرة الأولى ذاك اليوم. أكدّت الحكومية الغانية وفاة أوونَر في اليوم التالي. أُصيب ابنه، أفيتسي أوونَر، الذي رافق أباه لكنه أُخرِج من المستشفى بعدها. نُقِلت رفات أوونَر من نيروبي إلى أكرا، غانا في 25 من سبتمبر 2013.أُحرِقت جثته ودُفِنت في مكان معين في بلدته ويتا في منطقة الڤولتا، ولم يكن هناك أي حداد أو نياح في جنازته كما كتب في وصيته قبل مماته.
أعماله
شعر
• استجلاء وقصائد أخرى (1964) • ليلة دَمِي (1971) – قصائد تستطلع جذور أوونر وتأثير الحكم الأجنبي على أفريقيا.
• البيت قرب البحر (1978) • وعد الأمل: قصائد جديدة ومختارة (مطبعة جامعة نبراسكا وأماليون، 2014)
الرواية
• هذه الأرض، يا أخي "This Earth, My Brother" (1971) – مزيج يجمع بين رواية وقصيدة تمثيل أدبي لأساطير الإوي ونظرتهم.
• أتى الرحّال أخيراً "Comes the Voyager at Last" (1992)
دراسات
· صدر الأرض: دراسة لتاريخ أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وثقافتها (1975)، مطبعة أنكور (ردمك 0-385-07053-5) · غانا: تاريخ سياسي من قبل أوروبا حتى الوقت الحاضر (1990) · المأزق الأفريقي: المقالات الكاملة (2006)، ناشري سب-ساهاران،
فهم وتأويل أعماله
يقال أن أوونَر كتب عدداً وفيراً من أشعاره وكأنه يتصورمنيته، لكنه كاتبٌ فذّ وبارع، كاتبٌ يسعى مثابراً للإتيان بأصوله وثقافته في قصائده كإستعارته مفردات من لهجة الإوي المحلية. بصفته متعبّداً شغوفاً ومتمرساً لديانته وتقاليدها، مما يعني أنه كان من النوع المهتم بماهو أثري، هذه ظاهرة نادرة وأكثر ندرة في حالة من تلقى درجة عالية من التعليم. هذا الوعي –لا لأنه كفرد من النوع الأثري فحسب، بل لأن الثقافة بأكملها كانت تعاني من تبعثر وتشوّش– قد يظهر عبر قصائده بطريقة توحي للوهلة الأولى بأنه يكتب عن قرب موته وفنائه. بجانب العزاء الشخصي و الثقافي، ندد أوونَر متبصراً ما يعتبره شبح التأثير الغربي المنحطّ (من فلسفة دينية واجتماعية واقتصادية) على تاريخ الشعوب الأفريقية وثرواتها عامة. كان ينتقد أيضاً الحماسة الطائشة التي تبَنى بها الأفارقة أنفسهم هكذا أمور ثم لاحقاً استخدام ما اعتبره إهانةً للنفس تجاوزت تبديد الهوية الثقافية، فكان يبني كتاباته ليرى تلك الأمور من خلال عيون ثقافته الإيوية.
لرأيتُ الزوارق
تُبْحر في تيار الحياة
لسمعتُ أغاني الأسى
في أدغال ضاع فيها الطريق
لوقت طويل
حيث تختلط آثار أقدام رجال
بآثار أقدام رجال آخرين.
أنتظرُ على طرف الطريق
أسمع أغنية تردد:
"الموت أفضل، الموت أفضل".
أقف على طرف الطريق
وأتفحصه
إن الموت أفضل،
إن الموت أفضل.
لو أن الموت لم يدفعني إلى البكاء
لرأيتُ المراكب
لعثرتُ على الطريق
ولسمعتُ أغاني الأسى.
تنضفرُ الأرض في إيقاع يتناغم
مع أرواحكم، يداعبها التاريخ
والجغرافيا القاسية
إنها مشهد طبيعيٌّ يفوق الوصف غير أنه يصرخ
مصدراً رنيناً واضحاً كقرع الطبول
بعد الحصاد.
نكوّم الصخور على المصاطب
نحمل القماش المتين
كي نغطي مواقد أمنا.
تعالوا الآن، أيها المحظوظون
تعالوا إلى مهرجان الذرة واللحوم
إلى أروع وليمة في البلاد،
تعالوا الآن،
عشيقاتكم يخلعن ثيابهن
أفخاذهن تلمع كسكاكين ذهبية
وهن جاهزات للعناق،
لخصوبة وقت الحب.
بمن أستجير؟
لمن أروي آلامي؟
أيها الأقرباء
لم تمنحنا أشجار الصحراء الغذاء
قبل وقت طويل من هجوم الجفاف.
إلى من ألجأ
لمن أروي آلامي؟
يقول البعض:
أخبرْ الأم العنزة
إنها أيضاً من الأقرباء
وأخت أساسية لعشيرتك
لكنني لا أستطيع أن أخبرها
لأنها ليست هنا.
أغاني الأسى
عاملتْني دزوغبيس ليزا بهذه الطريقة
قادتْني بين أشواك الغابة
فكانت العودة مستحيلة
والتقدم إلى الأمام صعباً جداً.
إن شؤون هذا العالم كبراز الحرباء
إذا دعستَ عليه
تبقى آثاره عالقة عليك حتى ولو نظفته.
أنا في زواية بعيدة في العالم
لا أجلسُ في صفٍّ مع البارزين
غير أن المحظوظين
يجلسون في الوسط وينسون
أنني في الزاوية الأبعد من العالم
كل ما أستطيع فعله هو أن أزداد بعداً وأنسى.
يا أبناء شعبي،
كنتُ في مكان
إذا استدرتُ فيه إلى جهة يضربني المطر
وإذا سلكت جهة أخرى تحرقني الشمس.
إن حطب هذا العالم
هو للجسورين فحسب
لهذا لا يستطيع الجميع الوصول إليه.
ليس العالم جيداً لأحد
غير أنكم سعيدون جداً بمصيركم.
وا أسفاه! لقد عاد المسافرون
وكانوا جميعهم مُثْقلين بالديون.
لقد دهاني أمرٌ
الأوضاع لا تُحتمل،
وأنا عاجز عن البكاء
لا أولاد لي
كي يطلقوا النار من البندقية بعد موتي
ولا بنات كي يندبن حين أغلق فمي.
ضعتُ في برية
كبيرة يسميها الرجال الحياة.
ضربني المطر
وجرحتني جذور الأشجار الناتئة كالسكاكين الحادة.
يجب أن أذهب إلى الغيب وأستريح.
لا أقرباء لي ولا أخوة
شنّ الموت حرباً على ديارنا.
لم يعد منزل كيبتي الكبير قائماً
لا شيء ينتصب إلا السياج المحطم
الذين لم يتجاسروا على النظر في وجهه
خرجوا كرجال.
كانت كبرياؤهم رائعة.
لينتبه الذين غادروا من قبل:
لقد عاملوا ذريتهم بشكل سيئ.
من أجل ماذا هذا العويل؟
أحدٌ ما فارق الحياة. أغوسو نفسه
وا أسفاه! لقد لدغتني أفعى
ذراعي اليمنى مكسورة
والشجرة التي أتكئ عليها ساقطة.
إذا ذهبتَ يا أغوسو
أخبرْ النيديفو والكبيتي والكوف
أنهم ارتكبوا بحقنا الشرور
أخبرهم أن منزلهم يتداعى
وأن النمل الأبيض أكل أشجار السياج
وأن المطارق تلعنهم.
اسألهم لماذا يتسكعون هناك
بينما نعاني ونأكل الرمل
فيما الغربان والعقبان
تحوم فوق أسيجتنا المحطمة
ويدنّس الغرباء أرضنا.
أنشودة الحرب
سأنامُ في قماشٍ قطنيٍّ أبيض
لقد باغتت الحرب أبناء الرجال
يجب أن أنام في قماش قطني أبيض
ليتقدم الفتيان
ليتقدم كابلي وأبناء قومه
دعوا بنادق البيض تدوّي
نحن نتقدم إلى الأمام
سننام جميعاً في قماش قطني أبيض.
حين نبدأ،
ستهتز الأرض،
ستنشب الحرب داخل أكواخنا
سيتراجع الجبناء
ويعيشون في المنازل مع النساء
سيفقد الذين سيقتربون من زوجاتنا
ونحن بعيدون في المعركة
قرباتهم حين نعود.
أين سُمع من قبل
أن ثعباناً لدغ فتى
أمام أمه؟
لقد باغتْتنا الحرب
رحاها تدور داخل أكواخنا
وأبناء الرجال سيخوضونها
دعوا بنادق البيض تدوّي
ولا يهمنا إن غمرنا دخانها
فنحن نقاتلهم كي نموت.
سنسقط في ساحات الوغى
ولن نفضّل الموت في مكان آخر،
ستهلك بنادقنا وسكاكيننا المشحوذة معنا
سنموت في ساحات الوغى.
البحر يلتهم الأرض في الوطن
في الوطن،
فاض البحر على البلدة،
تدحرجت أمواجه داخلة وخارجة من أمكنة الطبخ،
جامعة الحطب من المواقد
ومعيدة له في الليل.
التهم البحر الأرض في الوطن.
جاء في أحد الأيام في منتصف الليل،
دمّر الجدران الإسمنتية
حمل الدجاج
وآنية الطبخ والمغارف بعيداً.
التهم البحر الأرض في الوطن،
كان محزناً سماع العويل
وصيحات النسوة النادبات
وهن يصلّين لجميع الآلهة اللواتي يعبدنها
كي تحميهنّ من البحر الغاضب.
كانت أكو تقف في الخارج
حيث كانت تتوضّع آنية طبخها،
مع ولديها اللذين يرتجفان من البرد،
يداها على صدرها
وتبكي نادبة.
لقد أهملها أسلافُها
وهجرتْها آلهتها.
كان صباح أحد بارداً
والعاصفة غاضبة
والدجاجات والعنزات تصارع في المياه
الغاضبة للبحر القاسي
التي كانت تزأر على الشاطئ
وتصدر عنها إجهاشات وأنين عميق ومنخفض
الطنين الأبدي للبحر.
لقد سرق مقتنياتهم.
فقدت أدينا حلّيها
التي كانت مهرها وفرحها،
في البحر الذي يأكل الأرض في الوطن،
يأكل الأرض كلها في الوطن.
الدائرة الأولى
-١-
هنا، على الأرض المسطحة للأسى،
غرابان يتنازعان على بقايا حفلة رأس السنة. من زنزانتي،
أرى عالماً بارداً وقاسياً.
-٢-
إذاً هذا هو الخرّاج الذي
يؤلم الأمة:
السجون والتعذيب وسفك الدماء
والجوع.
يوماً ما سينفجر،
ولا بد أن ينفجر.
-٣-
حين سمعتُ أنهم أخذوك
تساءل بقيتنا الذين ظلوا طلقاء
أين ستكون
وفي أي كابوس سيلمع نجمك؟
في تلك الليلة سمعتُ الأنين
وتساءلتُ: طفلُ منْ هذا الذي يضيع الآن
في أقبية القمع؟
ثم ظهرتَ طويلاً وبعينين داميتين.
كانت هذه أول مرة أبكي فيها.
-٤-
كان أكثر ما أمقتهُ هو الليالي الطويلة
وأصواتٌ تأتي من خلف القضبان
الوهج الباكر للفجر قبل
أن توقظني خطواتُ الحارس،
الرغبة بالقفز والتمدد
والتثاؤب متوقعاً
عودة أخرى إلى المنزل في الظلام
والتي يتبين أنها مستحيلة.
حين اقتادوني في السيارة إلى البلدة
محشوراً بينهم
وفوهات بنادقهم تضغط على أضلاعي
لم أعرف أبداً من قبل أن لشعبي هذه الوجوه الحزينة،
كان شعبي في غاية الحزن في مساء ليلة رأس السنة،
في غاية الحزن!
--------------------------------------------
* كوفي أَوونَر (ولِدَ جورج كوفي نييديڤو أَوونَر-وليامز؛ 13 مارس 1935 – 21 سبتمبر 2013) (بالإنجليزية: Kofi Awoonor) كان شاعراً غانياً ومؤلفاً تجمع أعماله تقاليد الشعر لشعبه، الإوي الأصليين، والرمزيات المعاصرة والدينية لرسم صورةٍ لأفريقيا خلال إنهاء وتفكيك الاستعمار. بدأ الكتابة باسم جورج أوونَر-ويليامز
ونُشِر له أيضاً باسم كوفي نييديڤو أوونَر. دَرّس الأدب الأفريقي في جامعة غانا، وكان الأستاذ أوونَر ممَن قُتَلوا في هجوم سبتمبر 2013 في سوق ويستغيت التجاري في نيروبي، كينيا، حيث كان مشاركاً في مهرجان ستوريموجا.
وُلِد جورج كوفي نييديفو أوونَر-وليامز قرية ويتا في منطقة فولتا(en) في ماكان يسمى حينها الساحل الذهبي(en) في غانا حالياً. كان الأكبر من أصل 10 أطفال في العائلة. ينحدر عن طريق أعمامه من عائلة أوونَر-وليامز من سلالة السيراليون الكريولية. تَعلّم في مدرسة أتشيموتا ومن بعدها أكمل في جامعة غانا والتي تخرّج منها عام 1960. في الجامعة كتب أول كتاب شعريّ له 'اِستجلاء' Rediscovery المنشور في 1964. كبقية أشعاره، استجلاء متجذّر في الأشعار الأفريقية الشفهية، ثم فإن أعماله المبكرة استلهمت بغناء وأبيات شعبِه، الإوي الأصليين، ونشر لاحقاً ترجمات لأعمالِ ثلاثةٍ من مغنين الرثاء من شعب الإوي (حرّاس الكلمة القدُس: أشعار الإوي، 1973). أدار أوونَر شركة أفلام غانا وساهم في تأسيس مسرح غانا، ليكون لهذا دور كبير في تنمية فنون المسرح والدراما في الدولة. كان أيضاً محرّراً في المجلة الأدبية أوكييمي Okyeame ومحرّراً مساعداً في مجلة ترانزشن.درَس الأدب في كلية لندن الجامعية (ماجستير، 1970), وكتب في أثناء إقامته في إنجلترا عدة مسرحيات إذاعية للبي بي سي وبدأ حينها باستخدام الاسم كوفي أوونَر.قضى بدايات السبعينات في الولايات المتحدة يدرُس ويدرّس في جامعة ستوني بروك (المسماة حينها سَني في ستوني بروك) حيث حصل على الدكتوراة في 1972.
كتب في أثناء إقامته في الولايات المتحدة هذه الأرض, يا أخي(en و'ليلة دَمِي'، نُشِر كلا الكتابين في 1971.
عاد أوونَر إلى غانا في 1975 كرئيس قسم اللغة الإنجليزية في جامعة كيب كوست. اُعتُقل في غضون أشهر لمساعدته جندياً مشتبه لمحاولته بإسقاط الحكومة العسكرية وسُجِن بدون محاكمة؛ أُطلِق صراح أوونَر لاحقاً عندما خُفِفت عقوبته في أوكتوبر 1976.
تحكي المجموعة 'البيت قرب البحر' عن الوقت الذي قضاه في الحبس. أصبح ناشطاً سياسياً بعد سَجنه وأكمل الكتابة عمّا غير-أدبي.عَمِل أوونَر سفيرَ غانا للبرازيل من 1984 إلى 1988 قبل توليه منصب سفير دولته لدى كوبا. وكان أوونَر ممثل غانا الدائم للأمم المتحدة من 1990 إلى 1994 حيث رأس اللجنة المعنية بمناهضة الفصل العنصري. كان أيضاً رئيس مجلس الدولة وهو بدوره المجلس الاستشاري الرئيسي لرئيس غانا الذي خدم أوونَر فيه من 2003 حتى 2013.
موته
كان أوونَر ممن قُتِلوا في 21 من سبتمبر 2013 في هجوم في سوق ويستغيت التجاري في نيروبي. كان حينها في كينيا مشاركاً في مهرجان ستوريموجا وهو بدوره احتفال مدته أربعة أيام بالكتابة والتفكير والقصّ حيث كان سيؤدي عرضاً أدبياً ليلة وفاته. كتب ابن أخيه ني باركِس الذي حضر نفس المهرجان الأدبي عن مقابلتهما للمرة الأولى ذاك اليوم. أكدّت الحكومية الغانية وفاة أوونَر في اليوم التالي. أُصيب ابنه، أفيتسي أوونَر، الذي رافق أباه لكنه أُخرِج من المستشفى بعدها. نُقِلت رفات أوونَر من نيروبي إلى أكرا، غانا في 25 من سبتمبر 2013.أُحرِقت جثته ودُفِنت في مكان معين في بلدته ويتا في منطقة الڤولتا، ولم يكن هناك أي حداد أو نياح في جنازته كما كتب في وصيته قبل مماته.
أعماله
شعر
• استجلاء وقصائد أخرى (1964) • ليلة دَمِي (1971) – قصائد تستطلع جذور أوونر وتأثير الحكم الأجنبي على أفريقيا.
• البيت قرب البحر (1978) • وعد الأمل: قصائد جديدة ومختارة (مطبعة جامعة نبراسكا وأماليون، 2014)
الرواية
• هذه الأرض، يا أخي "This Earth, My Brother" (1971) – مزيج يجمع بين رواية وقصيدة تمثيل أدبي لأساطير الإوي ونظرتهم.
• أتى الرحّال أخيراً "Comes the Voyager at Last" (1992)
دراسات
· صدر الأرض: دراسة لتاريخ أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وثقافتها (1975)، مطبعة أنكور (ردمك 0-385-07053-5) · غانا: تاريخ سياسي من قبل أوروبا حتى الوقت الحاضر (1990) · المأزق الأفريقي: المقالات الكاملة (2006)، ناشري سب-ساهاران،
فهم وتأويل أعماله
يقال أن أوونَر كتب عدداً وفيراً من أشعاره وكأنه يتصورمنيته، لكنه كاتبٌ فذّ وبارع، كاتبٌ يسعى مثابراً للإتيان بأصوله وثقافته في قصائده كإستعارته مفردات من لهجة الإوي المحلية. بصفته متعبّداً شغوفاً ومتمرساً لديانته وتقاليدها، مما يعني أنه كان من النوع المهتم بماهو أثري، هذه ظاهرة نادرة وأكثر ندرة في حالة من تلقى درجة عالية من التعليم. هذا الوعي –لا لأنه كفرد من النوع الأثري فحسب، بل لأن الثقافة بأكملها كانت تعاني من تبعثر وتشوّش– قد يظهر عبر قصائده بطريقة توحي للوهلة الأولى بأنه يكتب عن قرب موته وفنائه. بجانب العزاء الشخصي و الثقافي، ندد أوونَر متبصراً ما يعتبره شبح التأثير الغربي المنحطّ (من فلسفة دينية واجتماعية واقتصادية) على تاريخ الشعوب الأفريقية وثرواتها عامة. كان ينتقد أيضاً الحماسة الطائشة التي تبَنى بها الأفارقة أنفسهم هكذا أمور ثم لاحقاً استخدام ما اعتبره إهانةً للنفس تجاوزت تبديد الهوية الثقافية، فكان يبني كتاباته ليرى تلك الأمور من خلال عيون ثقافته الإيوية.