أبووردة السعدني - من أعلام الأزهر.. الشيخ مرتضى الزبيدي

... من الشيوخ الذين وفدوا إلى مصر وحازوا شهرة واسعة ، الشيخ مرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي ، يذكر تلميذه الجبرتي - فيما يذكر عنه - : أنه بعد أن ترك مسقط رأسه - مدينة زبيد باليمن - ارتحل إلى مكة ، ثم سار منها إلى الطائف ، وتعمق هنا وهناك في العلوم الدينية والعربية ، يروي الجبرتي عن الزبيدي قوله :" إن أحد شيوخه شوقه إلى دخول مصر ، بما وصفه له من علمائها وأمرائها وأدبائها ، وما فيها من المشاهد الكريمة " ، فاشتاقت نفسه لمصر. ..

وفد الزبيدي إلى مصر سنة 1167 /1753 ، وتتلمذ - في الجامع الأزهر - على أفاضل شيوخه : كالشهابين الملوي والجوهري وغيرهما ، فأخذ عنهم وأجازوه ، ثم انصرف إلى التدريس والتأليف ، فوضع معجمه الشهير المعروف ب "تاج العروس من جواهر القاموس " سلخ في وضعه سنين عددا ، فجاء في أربعة عشر جزءا ، ولم يشأ الزبيدي أن يخرجه للناس كما تخرج المؤلفات العادية ، بل أقام مأدبة عظيمة يوم إخراجه ، دعا إليها المشايخ وطلبة العلم ، وأظهر لهم تلك "العروس " ، وطلب منهم أن يذكروا محاسنها ومباهجها ، فتهافتوا عليها جميعا يقرظونها نظما ونثرا ، ولما فرغ محمد بك أبوالذهب - ت1189 /1775 - من بناء مسجده المعروف باسمه أمام الجامع الأزهر ، وأضاف إليه خزانة كتب كبيرة ، أقنعوه أنها لا تستكمل نفاستها إلا إذا ازدانت بهذا المعجم ، فاشتراه بمائة ألف درهم. ...
عاش الزبيدي - في القاهرة - ذائع الصيت ، يتلقاه الكبراء - من العلماء والأمراء - بالترحيب والإجلال ، واتخذ مسكنا جديدا له بسويقة " اللالا " ، التي كانت -آنذاك - عامرة بالأكابر والأعيان ، فالتفوا حوله ، وقصده طلبة العلم من شتى الأرجاء ، فكانوا يجدون في قصره الكبير نزهة ومتعة ، بالإضافة إلى ما يتزودون به من علم ومعرفة ، واستمر صيته في ذيوع حتى عرفه ملوك الإسلام في مختلف البلدان ، واعتقد فيه أهل المغرب اعتقادا زائدا ، كان إذا مر أحدهم بمصر - في طريقه إلى الحجاز - ولم يظفر بلقاء الشيخ الزبيدي ، أو لم يصله بشئ ، اعتبر حجه ليس كاملا !! ......
... ترادفت على الشيخ الزبيدي الهدايا والصلات من حكام وسلاطين العالم الإسلامي وغيرهم من الأمراء والوجهاء ، كما بعثوا إليه طيور الببغاء ، وطرائف الهند ، وأنواع العود والعنبر والعطور ، وغدا قصره يضاهي قصور الأمراء أو يزيد عليها ، واتسعت حلقته العلمية بالجامع الأزهر ، وأقام المآدب للضيوف ، وأكرم الوافدين إليه من الآفاق البعيدة والقريبة ، وتعهد كثيرا من الطلاب ، وكان يجيد اللغتين الفارسية والتركية ، لذا دعته الحكومة العثمانية لزيارة عاصمتها إستانبول ، لكنه أعتذر لكثرة ارتباطاته العلمية ....
...ظل الشيخ مرتضى الزبيدي مقيما بالقاهرة ، علما من أعلام الفكر والثقافة الإسلامية والعربية ، إلى أن وافاه أجله في الطاعون الذي حل بالقاهرة ، في شهر شعبان سنة 1205 / 1791 .....
****************************

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى