المتنبي فتى العرب الاول ، والشاعر الذي لا يوازيه شاعر آخر ، لا في القديم ولا في الحديث ، ذو شخصية متميزة ، لم نعهدها من شاعر آخر ، وربما لم نعهدها من شخص آخر .
كان المتنبي يترفع عن الحديث الذي لا يدور حول المجد والبطولة ، فقد أمضى كل حياته مشغولا بهما ، ولم يعط الجوانب الحياتية العادية اهتماما يذكر ، فلم تكن الخمرة ، ولا المراة ، ولامتع الحياة الأخرى تستهويه ، كان حلمه السلطة و المجد و التفرد .
لم يكن مجيئه إلى بلاط سيف الدولة رخيصا ، وإنما بشروط أملاها عليه ، وقبلها سيف الدولة الأمير ذو المكانة العظيمة في عصره . وامضى هناك عشر سنوات تقريبا ،
كانت غنية جدا ، وهي المرحلة الأهم في حياة كل من المتنبي وسيف الدولة ، الاخير كان قد حقق فيها كثيرا من النجاحات العسكرية والسياسية ، و المتنبي كتب اروع قصائده فيها ، حيث انخرط مع سيف الدولة في اهم معاركه ، وخاصة ضد الروم .
* * * * * *
لاتذكر المصادر إلا اليسير جدا عن حياة المتنبي الاسرية ، فلا نعرف شيئا عن زوجته ولا عن أولاده ، إلا ابنه ( محسد) الذي قاتل مع والده في دير العاقول ، وقتل معه .
الكاتب المصري الشهير ( محمود محمد شاكر) الذي امضى خمسين عاما في دراسة المتنبي ، توصل فيها إلى كشف حقائق كانت غامضة تتصل بنسب المتنبي ، وبعلاقة الحب الخفية والعميقة التي نشات بين أبي الطيب و (خولة ) العازبة اخت سيف الدولة ، وقد استند إلى قصيدته حارة المشاعر التي ابن المتنبي فيها خولة ، وبدا فيها حزينا ومتألما إلى حد بعيد ، ومطلعها :
يا اخت خير اخ يابنت خير أب
كناية بهما عن اشرف النسب
أجل قدرك ان تسمي مؤبنة
ومن يصفك فقد سماك للعرب
لا يملك الطرب المحزون منطقه
ودمعه وهما في قبضة الطرب
ولا توجد اخبار مؤكدة تشير إلى العلاقة الصامتة بينهما ، وترى بعض الروايات أنهما التقيا مرة ، وطلبت إليه ان يسمعها بعضا من شعره الغزلي ، وقد فوجئت بخجله منها، وفي ذلك اللقاء نفى ان يكون له شعر في اية امراة ، وأن ماقاله في الغزل ليس سوى ما يقتضيه النسيب في مقدمة قصائده .
وقد يتبادر إلى الذهن أسئلة حائرة : كيف يمكن لشخص مثل المتنبي يمتلئ رجولة وبطولة ولا تسحره لغة العيون الجميلة لدى بعضهن ، ولا تلك القدود التي تتمايل غنجا و دلالا ، ولا الرقة والنعومة التي تفيض منهن ، فتجعل أي رجل ينحني مهما كابر واستكبر ، وهو كشاعر شهير محط إعجابهن .
هناك من يرى أن سيف الدولة لم يكن معارضا لذلك . ولكن المعارضة القوية كانت من جانب الشاعر المعروف أبي فراس الحمداني ، وهو ابن عم سيف الدولة ، وبينهما علاقة مصاهرة ، إذ لم يكن مرتاحا للمتنبي ولا لمكانته الشعرية المتميزة لدى سيف الدولة ، وبسبب هذه الغيرة كان يهاجمه دائما ، ويرى انه شديد الإدلال على سيف الدولة ، حتى أوغر صدره على المتنبي . ومن المرجح ان ابا فراس كان على علم بعلاقة المتنبي بخولة ، وقد عارض ذلك بشدة ، ولعل وراء هذه المعارضة موقفه الارستقراطي الذي ينظر إلى المتنبي نظرة دونية ، لكونه من طبقة متواضعة ، لا تتناسب مع الاسرة الحمدانية ذات المكانة الرفيعة جدا في ذلك العصر . وربما أحس المتنبي ان مكيدة ما تدبر له بعد محاولة اغتياله من بطانة سيف الدولة ، فاختار الرحيل ، حاملا خيبته ومرارته ، وتاركا وراءه حبيبته الأثيرة إلى المجهول .
وفي مصر أمضى اربع سنوات مليئة ب المرارة والخيبة وفراق الأحبة ، ويحتمل ان تكون خولة مقيمة في قلبه ، ولا نعرف إن كان هناك تواصل بينهما ، ولكنه كان شبه سجين لدى كافور ، إلى ان تمكن من الهرب بشجاعة منقطعة النظير .
لدى المتنبي شعر غزلي يفوق أي شعر آخر ، ولكنه ليس خاصا بامرأة معينة ، وكأنه كان يشعر ان هذا الغرض الشعري يقتضي ان يبدع فيه ، ولو تكلفا .و منه :
لعينيك مايلقى الفؤاد وما لقي
وللحب مالم يبق منه وما بقي
وكذلك قوله :
وعذلت اهل العشق حتى ذقته
فعجبت كيف يموت من لا يعشق
ومنه قوله :
تذلل لها واخضع على القرب والنوى
فما عاشق من لايذل ويخضع
ولكن إذا ما قورن هذا الجانب بجوانب أخرى من شعره ، فإن المشاعر هنا تبدو باهتة ، وباردة ، وخالية من حرارة الحب الذي تنبض به قلوب العشاق الحقيقيين .
* * * * *
وسيختلف هذا الامر جذريا حين سمع بخبر وفاة خولة ، فقد انفجر باكيا ، ولم يكن قادرا على حبس دموعه الغزيرة ، وقد تحول إلى شخص آخر ، ضعيف الصلة بنفسه قبل وفاتها . وقد تكررت كلمة البكاء عدة مرات في القصيدة ، وكأن مناحة كبيرة حصلت :
لايملك الطرب المحزون منطقه
ودمعه، وهما في قبضة الطرب
غدرت ياموت كم افنيت من عدد
بمن اصبت وكم أسكت من لجب
ومعنى الطرب ( بكسر الراء) هنا الحزين ، وهو الذي لايستطيع ضبط دموعه وهو في أوج حزنه .
اللحظة الحرجة والفاضحة إذن كانت حين سمع المتنبي بخبر وفاة خولة ، فلم يصدقه في البداية ، وأمل ان يكون الخبر كاذبا ، ولكن حين تأكد صدقه انفجر بالبكاء وغص به ، وذكرها كناية لاتصريحا ، بقوله فعلة ، على وزن خولة :
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
كأن (فعلة) لم تملأ مواكبها
ديار بكر و لم تخلع و لم تهب
وكان الشخص الذي استحضره المتنبي بعد
خولة اخاها سيف الدولة الذي كان آنذاك يمر بأصعب الظروف ، وموت خولة ليس إلا احد هذه الظروف ، ويتساءل المتنبي بحرقة : فإذا كان العراق الذي كان فيه المتنبي قد خيم عليه ليل حزين وطويل ، فكيف سيكون ليل اخيها في حلب ؟! وانا هنا حزين القلب كسير الفؤاد ، تهطل دموعي بغزارة دون ان تتوقف :
أرى العراق طويل الليل مذ نعيت
فكيف ليل فتى الفتيان في حلب
يظن ان فؤادي غير ملتهب
وأن دمع جفوني غير منسكب
وراحت أمنيات المتنبي في تلك اللحظة تتتالى : في هذا الكون شمسان هما، الشمس الحقيقية ، وخولة ، طلعت الاولى بعد ليله الطويل ، ولكن خولة غابت ، وكم سيكون سعيدا لو تبادلت الشمسان :
فليت طالعة الشمسين غائبة
وليت غائبة الشمسين لم تغب
وليت عين التي آب النهار بها
فداء عين التي زالت ولم تؤب
وفي سياق هذا الشجن ، تقف مناقبها منتصبة أمام عينيه ، فليس هناك شبيه لها ابدا بين النساء ولا بين الرجال ، وهو حين يتذكر فعالها الحميدة لا يستطيع مقاومة دموعه ، إنه الحب الذي لايأتي عبثا ، بل إن له اسبابه ودواعيه :
فما تقلد بالياقوت مشبهها
و لا تقلد بالهندية القضب
ولا ذكرت جميلا من صنائعها
إلا بكيت ، ولا ود بلا سبب
* * * * * *
المتنبي ظهر في هذه القصيدة شخصية مختلفة . وهو الامر الذي دفع نقادا ودارسين للإشارة إلى حبه لخولة . وفي تأبينه لها أكثر من سبب ، وأكثر من دلالة على أنه كان محبا لها ، ولكنه الحب الكبير الذي ربط بين قلبين استطاعا إخفاء مشاعرهما لأسباب كثيرة ،
وكان كل منهما يحرص على الآخر بشدة .
ولهذا كان وقع وفاة خولة على قلبه قاسيا جدا ، فبدا جريح العواطف ، مثقلا بجراحه التي كابدها بمرارةالمحب ، المتألم المصدوم بما هو غير متوقع .
ترى هل كانت الخيبات التي تتالت في حياته اضعفت من كبريائه ، وهو في بداية العقد السادس من عمره ؟ أم ان عامل السن هو الذي جعله يتخلى عن بعض ماكان يباهي به في شبابه ، فصار أكثر واقعية ؟
ولكن : إذا تجاوزنا هذه المحنة التي أثرت عليه في الأعماق ... فإنه فيما بعد عاد إلى مناقبه الأولى دون مهادنة ، وكانت طريقة موته الحزينة والمؤثرة شاهدا على عمق المبادئ التي حملها ولم يتخل عنها ، وهو ما يجعلنا نحترمه كثيرا ، ونرى فيه فتى العرب الأول .
لم تطل حياة ابي الطيب كثيرا بعد وفاة خولة ، وما هي إلا سنتان فقط حتى مات ميتة لا تليق بهذا الشاعر ، والفارس ،والكبير في حبه ، ومع ذلك لم يجبن ولم ينهزم ، وظل يقاتل حتى قتل ، وهو العام الذي توفي فيه صديقه الكبير سيف الدولة الحمداني .
[HEADING=2]د. احمد مبارك الخطيب[/HEADING]
كان المتنبي يترفع عن الحديث الذي لا يدور حول المجد والبطولة ، فقد أمضى كل حياته مشغولا بهما ، ولم يعط الجوانب الحياتية العادية اهتماما يذكر ، فلم تكن الخمرة ، ولا المراة ، ولامتع الحياة الأخرى تستهويه ، كان حلمه السلطة و المجد و التفرد .
لم يكن مجيئه إلى بلاط سيف الدولة رخيصا ، وإنما بشروط أملاها عليه ، وقبلها سيف الدولة الأمير ذو المكانة العظيمة في عصره . وامضى هناك عشر سنوات تقريبا ،
كانت غنية جدا ، وهي المرحلة الأهم في حياة كل من المتنبي وسيف الدولة ، الاخير كان قد حقق فيها كثيرا من النجاحات العسكرية والسياسية ، و المتنبي كتب اروع قصائده فيها ، حيث انخرط مع سيف الدولة في اهم معاركه ، وخاصة ضد الروم .
* * * * * *
لاتذكر المصادر إلا اليسير جدا عن حياة المتنبي الاسرية ، فلا نعرف شيئا عن زوجته ولا عن أولاده ، إلا ابنه ( محسد) الذي قاتل مع والده في دير العاقول ، وقتل معه .
الكاتب المصري الشهير ( محمود محمد شاكر) الذي امضى خمسين عاما في دراسة المتنبي ، توصل فيها إلى كشف حقائق كانت غامضة تتصل بنسب المتنبي ، وبعلاقة الحب الخفية والعميقة التي نشات بين أبي الطيب و (خولة ) العازبة اخت سيف الدولة ، وقد استند إلى قصيدته حارة المشاعر التي ابن المتنبي فيها خولة ، وبدا فيها حزينا ومتألما إلى حد بعيد ، ومطلعها :
يا اخت خير اخ يابنت خير أب
كناية بهما عن اشرف النسب
أجل قدرك ان تسمي مؤبنة
ومن يصفك فقد سماك للعرب
لا يملك الطرب المحزون منطقه
ودمعه وهما في قبضة الطرب
ولا توجد اخبار مؤكدة تشير إلى العلاقة الصامتة بينهما ، وترى بعض الروايات أنهما التقيا مرة ، وطلبت إليه ان يسمعها بعضا من شعره الغزلي ، وقد فوجئت بخجله منها، وفي ذلك اللقاء نفى ان يكون له شعر في اية امراة ، وأن ماقاله في الغزل ليس سوى ما يقتضيه النسيب في مقدمة قصائده .
وقد يتبادر إلى الذهن أسئلة حائرة : كيف يمكن لشخص مثل المتنبي يمتلئ رجولة وبطولة ولا تسحره لغة العيون الجميلة لدى بعضهن ، ولا تلك القدود التي تتمايل غنجا و دلالا ، ولا الرقة والنعومة التي تفيض منهن ، فتجعل أي رجل ينحني مهما كابر واستكبر ، وهو كشاعر شهير محط إعجابهن .
هناك من يرى أن سيف الدولة لم يكن معارضا لذلك . ولكن المعارضة القوية كانت من جانب الشاعر المعروف أبي فراس الحمداني ، وهو ابن عم سيف الدولة ، وبينهما علاقة مصاهرة ، إذ لم يكن مرتاحا للمتنبي ولا لمكانته الشعرية المتميزة لدى سيف الدولة ، وبسبب هذه الغيرة كان يهاجمه دائما ، ويرى انه شديد الإدلال على سيف الدولة ، حتى أوغر صدره على المتنبي . ومن المرجح ان ابا فراس كان على علم بعلاقة المتنبي بخولة ، وقد عارض ذلك بشدة ، ولعل وراء هذه المعارضة موقفه الارستقراطي الذي ينظر إلى المتنبي نظرة دونية ، لكونه من طبقة متواضعة ، لا تتناسب مع الاسرة الحمدانية ذات المكانة الرفيعة جدا في ذلك العصر . وربما أحس المتنبي ان مكيدة ما تدبر له بعد محاولة اغتياله من بطانة سيف الدولة ، فاختار الرحيل ، حاملا خيبته ومرارته ، وتاركا وراءه حبيبته الأثيرة إلى المجهول .
وفي مصر أمضى اربع سنوات مليئة ب المرارة والخيبة وفراق الأحبة ، ويحتمل ان تكون خولة مقيمة في قلبه ، ولا نعرف إن كان هناك تواصل بينهما ، ولكنه كان شبه سجين لدى كافور ، إلى ان تمكن من الهرب بشجاعة منقطعة النظير .
لدى المتنبي شعر غزلي يفوق أي شعر آخر ، ولكنه ليس خاصا بامرأة معينة ، وكأنه كان يشعر ان هذا الغرض الشعري يقتضي ان يبدع فيه ، ولو تكلفا .و منه :
لعينيك مايلقى الفؤاد وما لقي
وللحب مالم يبق منه وما بقي
وكذلك قوله :
وعذلت اهل العشق حتى ذقته
فعجبت كيف يموت من لا يعشق
ومنه قوله :
تذلل لها واخضع على القرب والنوى
فما عاشق من لايذل ويخضع
ولكن إذا ما قورن هذا الجانب بجوانب أخرى من شعره ، فإن المشاعر هنا تبدو باهتة ، وباردة ، وخالية من حرارة الحب الذي تنبض به قلوب العشاق الحقيقيين .
* * * * *
وسيختلف هذا الامر جذريا حين سمع بخبر وفاة خولة ، فقد انفجر باكيا ، ولم يكن قادرا على حبس دموعه الغزيرة ، وقد تحول إلى شخص آخر ، ضعيف الصلة بنفسه قبل وفاتها . وقد تكررت كلمة البكاء عدة مرات في القصيدة ، وكأن مناحة كبيرة حصلت :
لايملك الطرب المحزون منطقه
ودمعه، وهما في قبضة الطرب
غدرت ياموت كم افنيت من عدد
بمن اصبت وكم أسكت من لجب
ومعنى الطرب ( بكسر الراء) هنا الحزين ، وهو الذي لايستطيع ضبط دموعه وهو في أوج حزنه .
اللحظة الحرجة والفاضحة إذن كانت حين سمع المتنبي بخبر وفاة خولة ، فلم يصدقه في البداية ، وأمل ان يكون الخبر كاذبا ، ولكن حين تأكد صدقه انفجر بالبكاء وغص به ، وذكرها كناية لاتصريحا ، بقوله فعلة ، على وزن خولة :
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
كأن (فعلة) لم تملأ مواكبها
ديار بكر و لم تخلع و لم تهب
وكان الشخص الذي استحضره المتنبي بعد
خولة اخاها سيف الدولة الذي كان آنذاك يمر بأصعب الظروف ، وموت خولة ليس إلا احد هذه الظروف ، ويتساءل المتنبي بحرقة : فإذا كان العراق الذي كان فيه المتنبي قد خيم عليه ليل حزين وطويل ، فكيف سيكون ليل اخيها في حلب ؟! وانا هنا حزين القلب كسير الفؤاد ، تهطل دموعي بغزارة دون ان تتوقف :
أرى العراق طويل الليل مذ نعيت
فكيف ليل فتى الفتيان في حلب
يظن ان فؤادي غير ملتهب
وأن دمع جفوني غير منسكب
وراحت أمنيات المتنبي في تلك اللحظة تتتالى : في هذا الكون شمسان هما، الشمس الحقيقية ، وخولة ، طلعت الاولى بعد ليله الطويل ، ولكن خولة غابت ، وكم سيكون سعيدا لو تبادلت الشمسان :
فليت طالعة الشمسين غائبة
وليت غائبة الشمسين لم تغب
وليت عين التي آب النهار بها
فداء عين التي زالت ولم تؤب
وفي سياق هذا الشجن ، تقف مناقبها منتصبة أمام عينيه ، فليس هناك شبيه لها ابدا بين النساء ولا بين الرجال ، وهو حين يتذكر فعالها الحميدة لا يستطيع مقاومة دموعه ، إنه الحب الذي لايأتي عبثا ، بل إن له اسبابه ودواعيه :
فما تقلد بالياقوت مشبهها
و لا تقلد بالهندية القضب
ولا ذكرت جميلا من صنائعها
إلا بكيت ، ولا ود بلا سبب
* * * * * *
المتنبي ظهر في هذه القصيدة شخصية مختلفة . وهو الامر الذي دفع نقادا ودارسين للإشارة إلى حبه لخولة . وفي تأبينه لها أكثر من سبب ، وأكثر من دلالة على أنه كان محبا لها ، ولكنه الحب الكبير الذي ربط بين قلبين استطاعا إخفاء مشاعرهما لأسباب كثيرة ،
وكان كل منهما يحرص على الآخر بشدة .
ولهذا كان وقع وفاة خولة على قلبه قاسيا جدا ، فبدا جريح العواطف ، مثقلا بجراحه التي كابدها بمرارةالمحب ، المتألم المصدوم بما هو غير متوقع .
ترى هل كانت الخيبات التي تتالت في حياته اضعفت من كبريائه ، وهو في بداية العقد السادس من عمره ؟ أم ان عامل السن هو الذي جعله يتخلى عن بعض ماكان يباهي به في شبابه ، فصار أكثر واقعية ؟
ولكن : إذا تجاوزنا هذه المحنة التي أثرت عليه في الأعماق ... فإنه فيما بعد عاد إلى مناقبه الأولى دون مهادنة ، وكانت طريقة موته الحزينة والمؤثرة شاهدا على عمق المبادئ التي حملها ولم يتخل عنها ، وهو ما يجعلنا نحترمه كثيرا ، ونرى فيه فتى العرب الأول .
لم تطل حياة ابي الطيب كثيرا بعد وفاة خولة ، وما هي إلا سنتان فقط حتى مات ميتة لا تليق بهذا الشاعر ، والفارس ،والكبير في حبه ، ومع ذلك لم يجبن ولم ينهزم ، وظل يقاتل حتى قتل ، وهو العام الذي توفي فيه صديقه الكبير سيف الدولة الحمداني .
[HEADING=2]د. احمد مبارك الخطيب[/HEADING]
Войдите на Facebook
Войдите на Facebook, чтобы общаться с друзьями, родственниками и знакомыми.
www.facebook.com