شاذل طاقة - قابيل في الدملماجة

-1-
كفني في البئر المهجوره
ثلجٌ قانٍ ووساديَ من حَجرِ
ومن الأغصان المقروره ..
وعظام الأمواتِ
وبقايا الآثارِ
تاريخٌ اعمى حولي ينظر مأساتي
ويعيش الاسطوره !
الريح تئِنُ بلا مطرِ
والبوم تحوم مذعوره
وأخي قابيل يفتش بين الاطمارِ
عن سر الثوارِ
عن سكين يغمدها في قلب الصوره ..
عن حبلٍ .. ينفع في شنق القمرِ ..
وأخي قابيل .. يمدّ الى (( جبل التوبة))
حَبلا ً من دمْ
ينساح ُ .. يغور ُ الى قلب التربه..
وبعيني (يونس) ينشكّ الخِنجرْ
ويطير غرابْ
ويئزُّ سحابْ
وتموت البذرة يقتلها سمٌّ أحمرْ
تذروه الريح الى جبل التوبه !..
وتوّلى آذارُ..
لم تسقِ ترابيّ أمطارُ
وانشقت أعماق الحجر
وتفجر تيّارُ ..
فبُعثتُ أمزق اسطوره
نسجتها أوهام الغجرِ
وأسائل نفسي المقبوره
عن ذاتي .. عن سرّ الصوره !..
-2-
من شكّ الخنجر في صدري ؟
من دقّ هنا مسماراً في قبري ..
في البئر المهجوره
من أغرق يونس في البحر ؟
من خضب أعراق الصخر ؟
من لّف على ساقي حبلا ً أبترْ
من احرق في قاع البئرِ
مسكا أذفر ْ ؟
من رّش على جرحي ملحا ً أحمرْ
من أشعل في قلبي صبحا ً أنورْ ؟
من غالك يا هابيل .. أخوك أم القدرُ ؟
أم افعىً هَرَبتْ مذعوره ..
من جنات ٍ لا تتفجر .. ؟
قابيل ُ .. يا قابيل ُ .. طار الغراب ْ ,
ومات هابيل ُ .. وجاف الترابْ !
يونس كان ههنا في المساء ْ
من ههنا جرّوه عبر الهضابْ
ومزقّوا عينيه .. مصّوا الدماءْ
من قلبه .. حتى استحالوا عواء
فأزدحمت على الطريق الذئابْ
تنهشه .. تنبح خضر الثيابْ
يونس مات مرة أخرى ،
وأمطرت سماؤنا الحمرا ..
جبالَ قيحٍ ودَمْ !.
😚

قابيل ُ .. يا قابيل ُ .. مات الندم ْ
ولن يعود الغرابْ
يوماً يشق الترابْ
ويحفر القبر .. ويلقي حجابْ
على ظلام العدم ْ!.
4
هابيلُ مات !
هابيلُ مات !
وأولموا في التلّ للشيطانِ
لم يبق منه ... من دم الانسانِ
من لحمه الخجلانِ
إلا فُتاتْ !
إلا فتاتْ !.
5
وانشقّ عن الموتى الكفنُ
وتدفق في قلب البئرِ
ماءٌ آسِنُ ..
ووقفتُ على قبري ,
أمتاح من الاعماق المطموره ..
من قلب البئر المهجوره
رؤيا الفجرِ ..
فانزاح عن العين الثّرّه ،
وَشَلٌ دَرِنُ ..
وتحوّطها غُصُنُ
عطشانُ الجذر الى قلب الصوره
في أفقٍ عربي الفجرِ! ..

بغداد 4/3/1961


شاذل طاقة
"الدملماجة" بئر مهجورة في ضاحية من الموصل كانت تعرف قديما بعين يونس يشرف عليها من جانب، جبل التوبة وعليه مسجد ومزار للنبي يونس (ذي النون) ، ومن الجانب الآخر آثار نينوى وآشور. ولأهل المدينة اساطير ومعتقدات عن هذه البئر غريبة، فهم يقدمون لها النذور ملحا وحناء، ويلتمسون منها الشفاء والرزق والنسل فيدقون المسامير على جدرانها ويشدون بها الخرق ويقدمون لها الافاويه والبخور..
أعلى