مرت على العراق جماعات ثقافية كثيرة ومهمة، منها جماعة كركوك التي رسخت أسماء مهمة في سماء الشعر العراقي: سركون بولص وفاضل العزاوي وصلاح فائق وجان دمو، وقد تركت هذه الجماعة بصمات واضحة في سيرورة قصيدة النثر العراقي، وكذلك جماعة (الشعر ٦٩) وهي مجلة كانت متوجهة لتأسيس جماعة شعراء الحداثة والمغايرة: سامي مهدي وخالد علي مصطفى وفوزي كريم وفاضل العزاوي، وكانت مدعومة من المؤسسة الحكومية آنذاك لكنها لم تفلح فتوقفت، ثم جماعة أصوات عالية التي أسست نهجا سرديا مغايرا ضد المؤسسات الثقافية الحكومية: شوقي كريم وعلي حميد عودة وعبد الستار البيضاني وحسن متعب الناصر وكاتب هذه السطور، وبعدها ظهرت جماعة تضاد التي شكلت اتجاها سرديا تراثيا رافضة مصطلح القصة القصيرة الغربي والبناء التقليدي للحكاية واستبدلت اسم القصة القصيرة بمسمى آخر هو (المرأى) كنص عراقي يعتمد في بنائه على الثيمة التراثية المقصية من قبل النظام آنذاك، وقد تركت إرثا سرديا واضحا فضلا عن المقدمات التنظيرية، تكونت هذه الجماعة من: شوقي كريم وعبد الرضا الحميد والمرحوم اسماعيل عيسى بكر وكاتب هذه السطور، وأعتقد أن سبب تأسيس هذه الجماعات يعود إلى اشتراك في الرؤى التأسيسية للاجناس الادبية من شعر وقصة ورواية، حين تتوافق أسماء من أجيال واحدة لتتفق على تأسيس مفاهيم جديدة ورؤى بنائية لقصيدة وسرد يغاير السائد كما أن هناك جماعة (قصيدة شعر) تكونت من الشاعر عارف الساعدي والشاعر نوفل ابو رغيف مع آخرين معهم وكذلك (جماعة الرصيف) و (الشعر الكونكريتي) الذي أسس له الشاعر الراحل علي الطائي وكان وحده يقود هذا النوع من الشعر وينظر له، ولهذا تجد في معظم بلدان العالم هناك جماعات ثقافية انبثقت من ازمات مجتمعية ومن حروب وحصارات وثورات طلابية وشبابية وثقافية عامة لانها ايقنت ان التاريخ اسير لدى جهات تابعة للحكومات؛ ولهذا فلن تقول الا ما يتوافق مع منهج تلك الحكومة، لذلك كله تحملت هذه الجماعات مهمة توثيق السيرة الثقافية للبلد فضلا عن التركيب البنيوي للنصوص، فهي من جهة تقدم نصا فنيا مغايرا ومن جهة أخرى توثق مجرى الاحداث من وجهة نظرها بكل امانة ووضوح وبلا تبعية او تزلف لأحد الا لضميرها الوطني والثقافي، واليوم حين نستعرض ما أنجزه المشهد الثقافي العراقي نجد ثمة شذرات وتكتلات لشباب بلا ملامح ولا منهج يقودهم الى منجز يعطي زخما للنص سواء الشعري ام السردي، وهناك محاولات لتأسيس مجلات شعرية كمجلة (بيت) التي يترأس تحريرها الشاعر حسام السراي، ومجلة (مسقى) التي تدعمها مكتبة عدنان ويحررها الشاعر الشاب ايهاب شغيدل وزملاؤه، واعتقد ثمة ملامح للقصائد المنشورة في هاتين المجلتين تنبئان بحداثة جديدة رغم كل التحديات التكنولوجية التي احاطت بهؤلاء الشباب، من هنا فإن أية محاولة لترميم الصدع الثقافي سيكون بمثابة قارب انقاذ للثقافة العراقية من غرقها المحتمل في بحر التفاهة والسطحية، ولن أكون متشائما أبدا فثمة بوادر إنقاذ مقبلة ربما كانعكاس لثورة تشرين التي ستكون بحاجة اكيدة الى سيرة ثقافية وشعرية تدعمها وتؤرخ ليومياتها لتحررها من القيود المفروضة عليها.