زكي عمر - جاد الباز

جاد الباز ..
بلديَّاتي
شاعر - لكن زي حالاتي
الفقر ، أهو نفس الفقر
و القهر ، كمثل القهر
لكن .. عفواً
أنا ليَّا وظيفة ، بترمي عليَّا عشرة جنيه في الشهر
مِتْوظَّف .
أمضي حضور الصبح ، يوماتي
و اقبض آخر الشهر ، المبلغ
يعني .. ممكن - يعني - مثلاً :
ممكن .. أقولك : هات .. تعطيني
ممكن جداً
عمر الفار ما ح يلعب ، داخل عِبَّك أبداً
ممكن - برضه - اشكِّكْ ، م البقال على حِسّ وظيفتي
أدخل أي مكان .. ببطاقتي
ممكن .. ممكن جداً ،
لكن صاحبي - جاد الباز - مش ممكن .
جاد الباز ..
"عامل نَصْبَة" في قهوة
عامل قهوة : و شاي و كراوية و حلبة
تدخل .. تقعد ع الترابيزة ، تسقَّف
ييجي الصوت من آخر ركن بينزف
- حاضر ، جااااي
تحدف رجلك ، فوق التانية .. و تطلب ،
قرفة ، كاكولا ، معسل ، سحلب
زي ما تطلب .
- حاجة بسيطة ، بتحصل كل ساعات اليوم المقرف
قبل الشمس - يا فندي - لبعد المغرب
بعد المغرب ؟ .. يعني ، قبل الشمس بساعة
أكل العيش ، مش نوم و مياعة ..
و البنتين في القاعة ، جواعة ..
- واحد شاي
- حااااضر جااااي
- واحد شيشة و واحد سحلب
- حاضر ، طيب
جاد الباز ، في القهوة ، مكهرب
ما من مهرب
- حاجة بسيطة ، بتحصل كل ساعات اليوم المتعب
جاد الباز ..
من ست سنين ، كان زي القرش الماسح
لا يعرف يقرا جواب ، أو يكتب
لم دقَّت إيد الفرصة ، الباب
و لا ناغِشْ إيده كتاب .
- من فين ؟ .. و الجوع ، سيَّاف ..
بيمد دراعه ، و يقصف عمر الضحكة و اللبلاب .
جاد الباز ..
و لإن الجوع ، رسماله ،
نَطَّتْ قولة : "آه" على طرف لسانه
هزت كل كيانه
نَفَختْ عرش البيت - القَشّ - و خرجت
صَحِّت كل جيرانه
لقوا - جاد الباز - بيقول مواله
لقى جاد الباز - الناس - سامعاه
مشدودة - الحارة - لقوله
زعَّق ، شدّ حبال الصوت .. و اتْمطَّعْ ، قال :
سَألِتْ كل زياين القهوة ، سؤال :
- فين الشاي ؟
كتم الزعقة - في صدره - و .. جاااي
- حاضر ، جااااااي
جاد الباز ، طول عمره .. بييجي ،
بس اللقمة بتيجي ازاااااي ؟ ..
جاد الباز ..
( ... و كلام بِيْجُرّ كلام )
بعد ما فتح القهوة ، الصبح .. و رشّ شوية مية في حلْق الباب
فتح "الراديو" و سمع .. "العتبة جزاز"
- مش دي يا جاد الباز
لِفّ بإيدك ، دوّر
خرجت - م الراديو - "على الله ..
شوف شغلك ، و اللاقي على الله ،"
- غيَّر ..
لِفّ . . و دَعْبِس ، فَتِّشْ ، دوَّر
" إنسى الدنيا ، و ريَّح بالك ..
اوعى تفكر في اللي جرالك ."
- اوعى تفكر ؟
يلعن ديك اليوم الأغبر
فايدته إيه في الراديو ، مؤشر ؟
" ماحلاها عيشة الفلاح ..
متهني ، و باله مرتاح "
- يخرب بيتك ..
" حبك نار .. مش عايز أطفيها ..
و لا اخليها دقيقة تفوتني ، ماحسش بيها "
- يحرق صوفك .
جاد الباز ، اتعكْنِنْ جداً
زَرْجِنْ
حط الجاز في " وابور الجاز "
ولَّع ، زَعْبِبْ ، هَبِّبْ ، دَخَّن ..
غِلَتْ الميَّة و حط الشاي
- حاضر ، جااااي
جاد الباز ..
( .. و كلام القهوة ، حباله طوال )
واحد من رُوَّاد القهوة ، اتكلم ، قال :
- لِشْتراكية و بس .. يا هُوه
لشتراكية ، رغيفها حلال .
نَقَرتْ طبلة ودنه - الكلمة - اسْتفسر ،
- خير ؟
كيف .. و ازاي ؟ فهمني يا خال ..
يومها ، اتغيَّر جاد الباز
حس بأنه ، ما عادش صغيَّر
أصبح أكبر ..
أوسع من دكان القهوة .. و أوسع ،
من جلابيته الزرقا .. و أوسع ،
من برَّاد الشاي
أصبح ، يعشق بكره ، الجاي
بعد ما كان ، بِيْروح لصديقه ، زميله " فؤاد "
مِنشان يكتب له الشعر بتاعه ، بإيده .. عاد
يكتب شعره - بنفسه - و يقرا .. و عاد
زي اللِّبلِبْ ، جاد
.. و ماتسألونيش : ازاي اتعلم جاد ؟
.. و ماتسألونيش :: ازاي ؟


٢٤ ديسمبر ١٩٧٢
أعلى