كمال خليل - انا وشاعر مصر العظيم زكى عمر (الف رحمة ونور عليه)

بالضبط فى يوم 11فبراير عام 1973 وحوالى الساعة السابعة مساء تم القبض على انا وابن عزبة اولاد علام (استاذى ومعلمى ) احمد محمد شرف الدين (الف رحمة ونور عليه) من مظاهرة طلابية بميدان الجيزة ضمت مايقرب من 6 آلاف طالب من طلاب جامعة القاهرة وطلاب مدرسة السعيدية الثانوية ..خرجت المظاهرة من ساحة جامعة القاهرة الساعة 12 ظهرا وظلت بميدان الجيزة وامام الشركة الشرقية للدخان والسجائر حتى بعد القبض علينا ..المهم رحنا على مبنى لاظوغلى بتاع مباحث امن الدولة وصباحا رحلونا للنيابة وفى المساء تم ترحيلنا لسجن القناطر الخيرية ووضعنا فى زنزانة مع 3طلاب آخرين ..اخبرنا الزملاء بما حدث واخبار المظاهرة الطلابية والحركة الطلابية بشكل عام ..صعد الزملاء على نافذة الزنزانة وابلغوا الزملاء فهاج السجن وماج وتعالت الهتافات ..كان السجن يضم اكثر من 70 طالب من جامعات مصر وشعراء ومثقفين ..انتقل السجن من حالة احباط ويأس الى فرح شديد لقد ظن الزملاء ان الحركة ضعفت بالخارج وان الموضوع تم فضه لكن بعد الاخبار ووصولنا للسجن ادركوا ان الحركة مازالت بقوتها وان هناك مظاهرة ضخمة يعد لها وستكون يوم 21 فبراير القادم فى يوم الطالب العالمى ..دبت الحياة داخل الزنازين وانا واحمد رحنا فى نوم عميق من شدة التعب والارهاق.
فى الصباح صحونا وعند الظهر جاء الزملاء لى بجردل بلاستك وقالولى روح الحمام وخذ ماء ساخن عشان تستحم ..اليوم يوم الحموم وبنروح الحمام عشرة زملاء وبعدهم عشرة آخرين وهكذا ..خدت الجردل ورحت الحمام لقيت عشرة عيون متجاورة وكل عين يفصلها قاطوع عن العين الاخرى وكل واحد منا يخش يستحم فى عين ..فى البداية انا كنت مكسوف اقلع هدومى وازاى هااستحمى بالشكل ده ..القطوع غير مرتفع ..ييجى كده لحد صدرك ..وتبفى شايف زميلك اللى بيستحمى جنبك ..وكمان مفيش باب .. ظللت متردد لفترة وبعدين قلت لنفسى ياحبيبى انت فى سجن مش فى عزبة ابوك ..ودخلت العين وقلعت واخدت أكب الميه السخنة واستحمى ..وكانت اجمل حمومة فى التاريخ اجمل من الحماية اللى كانت امى بتحميها لى ليلة العيد..عارف ياصديقى ايه سر الجمال فى هذه الحماية :
الشخص الذى كان فى العين المجاورة لى كان شاعر مصر العظيم زكى عمر ودار بيننا اجمل حديث ..قال لى : فرحتنا ياكمال بالاخبار الجميلة اللى انت جايبها انت واحمد شرف ..واخذت احكى له عما يحدث فى الخارج وخطة الشغل وان احنا 8 طلاب هاربين ومتفقين على خطة واحدة وهمه هيكملوا بعدى و...و...و...والصابون والمياه ينساب فوق رؤوسنا ..والتفت اليه وقلت له : انا ماعرفتش اسم حضرتك ..قالى :انا زكى عمر شاعر من المنصورة ..وهنا صرخت بعلو صوتى : انا حافظ كل اشعارك ..عندى ديوان لحضرتك..واخذت اقفز فى الحمام : يانهار أبيض ياجدعان انا محبوس مع زكى عمر ..احمدك يارب ..اشكرك ياحكومة يابنت الكلب ... خلصت الحماية ونشفت ولبست هدومى وانتظرته خارج الحمام ..ولما خرج أخدته بالحضن وقعدت اسمعه شعره اللى انا حافظه :
صدق صوت الشارع.. والشارع أصدق صوت ان قال.... ادينى برودة ياخال... ادينى بارودة وسيبنى ...داأنا قلبى فى وقت الشدة يهد جبال ...
خد منى البيت العالى... وادينى خنادق.... خد منى البيت العالى.. وادينى بنادق... خد مالى وكل عيالى ...دا نفسى ولو مرة اكون البادىء................
للقصة بقية نكملها بعدين ..الف رحمة ونور على روح زكى عمر ..وعلى روح صديق الطفولة احمد شرف
أعلى