محمد السلاموني - الإسلام والتاريخ الثقيل...

لستُ مضادا للإسلام أو لغيره من الأديان، فقط أتساءل عن الكيفية التى أمكن بها للشعوب المسلمة أن تقطع كل هذا الزمن؛ بينما تحمل فوق كاهلها كل تلك المفاهيم المقدسة "المُلَغَّمَة"، التى لم تكف لحظة واحدة عن الإنفجار فيها هى نفسها وفى غيرها...؟.
المسكوت عنه فى حياتنا أكثر مما يتصَوَّر أحد، ولاشك أننا بحاجة إلى أجيال تلو أجيال تلو أجيال، ليتسنى لنا منحه صوتا، ويقول...
غير أننى أتساءل، ولعلنى لا أستطيع إلاَّ أن أتساءل:
لاشك أن هناك، فى ثنايا التاريخ الإسلامى، أناس شجعان، قرَّروا أن يمنحوا أصواتهم للمسكوت عنه، ليتكلم من خلالهم... لست قلقا من المواقف التى اتخذتها السلطة الدينية منهم، لأن تلك السلطة هى السلطة السياسية والإقتصادية، هى نفسها، مرتدية عباءة الدين... ما يقلقنى حقيقة، هو أن كل تلك التلفيقات التى تأسس عليها الخطاب الدينى، والتى تم السكوت عنها، كان الإنسان المسلم، البسيط والعادى، هو من يدفع أثمانها الباهظة عادة...
كيف أمكن لهذا الإنسان ألاَّ يُدرِك أنه يخوض فى وحل الوجود كى يصل إلى الجحيم، بينما هم "رجال السلطة" يرفلون فى نعيم الدنيا ويحجزون لأنفسهم أفخم القصور فى أرقى أحياء الجنة
؛ إلى جوار الأنبياء والرُّسُل؟.
/ لازلت أذكر ذلك الإنتحارى المسلم الذى تم القبض عليه "قبل تنفيذ العملية وقتل الناس"، وكيف أنه كان "يُحكِم تغليف أداة ذكورته؛ صونا لها من التَّلَف"... ؟!.
ياله من عقل غريب!!.
يقتل نفسه ويقتل الناس طمعا فى غنائم "الحور العين"، التى أوعَدَه بها الرَّب؟!.
ما يدهشنى حقا، هو أن هذا المسلم "الحَفريَّة"، لم يتهافت عليه العلماء المتخصِّصون فى حقول علمية عديدة "لا سيما الجينيَّة منها"، لدراسته باعتباره "عِيِّنة بدائية حَيَّة"؟.
لماذا يعملون على الجثث القديمة فقط ؛ التى احتفظ بها الزمن فى الجليد والمقابر والكهوف... أليس هذا الرجل "المسلم" وأمثاله أحق بجهودهم العلمية؟!.
بيد أننى أريد الحديث عن الكيفية التى يُجَرِّد بها "الإيمان بمقدَّس ما" الإنسان من إنسانيته ويحوِّله إلى وَحش... أعنى أن "الإيمان"؛ ذلك المُغرِق فى القِدَم، يظل هو نفسه؛ فى تحالُفه - كمُعتَقد- مع الخرافة، قائما فوق الزمن، ومساويا لنفسه على طول الخط ؛ "إيمان البدائى هو نفسه إيمان غير البدائى" ...
المعتقدات الدينية تتأسس على "التابو"؛ وهذا الأخير يعنى "ممنوع اللمس"...
نعم، الأديان "أرضية، سماوية" لا تأتى لتبيح المُباح، بل لتمنع جزءا من المُباح، فيما تُنَظِّم كيفية استعمالاتنا للمباح...
ما الذى يمنعه الإسلام؟.
"الزِّنا"... أى العلاقات الجنسية التى يمارسها الناس خارج ما شَرَّعه هو...
الفقراء- من لا يستطيعون الزواج- يصومون، ويحُولون بين أنفسهم وبين إشباع الغريزة الجنسية... لكن "الرغبة" تظل قائمة.
ما يحدث للرغبة الجنسية هو أن المسلم الفقير يُرجئ إشباعها إلى يوم الدين، حيث الوعد بالجنة والحور العين... لكن الرغبة لا تَفْهَم ما تَنُصّ عليه العقيدة، ولأن العقيدة نفسها تفهم هذا تماما، وتفهم أن [الرغبة الجنسية هى رغبة فى الجسد الآخر]- ولأن الجنس مرتبط بالحياة الدنيا وباستمرار تلك الحياة فى الوجود، تعمِد العقيدة إلى تحويل تلك الرغبة فى "الجسد- الحياة" إلى النقيض الذى هو "الموت"؛ موت "الجسد- الحياة"؛ ليظل للإيمان "الروحى" معنى "السِّمو والتعالى والرِّفْعَة"...
المؤمن لا يميت جسده فقط "فالشهادة فى سبيل الله"، لا سيما فى الحروب، تعنى موته وموت الآخر. موت المؤمن فى سبيل الله، تضحية يتحوَّل بها جسده إلى "أُضحِيَة" (وهو ما يذكِّرنا بالقرابين القديمة)، لكنه هنا يضَحِّى بنفسه، بينما يحاول "قتل الآخر- غير المؤمن، أو المؤمن غير المُعتَرَف بإيمانه"- مع ملاحظة أن "جسد الآخر" يتحوَّل إلى "أُضحِيَة" أيضا؛ كأجساد الحيوانات تماما.
الجنس والقتل "الحياة والموت":
تلك المُقايَضة، التى أشرت إليها توا؛ مقايضة "جسد الجنس" بـ "جسد القتل"، هى مقايضة الحياة الدنيوية المؤقَّتة "التى يملكها المؤمن" بـ "الموت- كحياة أبدية، فى جنة الخُلد"... قتل الذات هنا يرتبط بقوة بقتل الآخر- إنه الجسد الذى يُدْفَع الآن "فى الدنيا" ليربَح حياة ثانية، أبدية، فى المستقبل.
الرغبة الجنسية هى الرغبة فى الحياة، لكنها تتحول عن طريق الموت من "رغبة مؤقتة، عابرة" إلى "رغبة فى الخلود- المطلق، والنعيم المطلق، حيث القوة الجنسية المطلقة... "
الخيال- الجنة:
المسلمون يُحَرِّمون التصوير والتمثيل... ويرفضون الصور والتماثيل، وهو مايعنى - أنثروبولوجيا- أن "السِّحر" لم يتحول لديهم إلى "فن"... من هنا كانت "الجنة- الإسلامية"؛ حيث "لا عين رأت"، هى الصورة الوحيدة التى يَجِد المسلم فى رَسْمِها فى مخيِّلته؛ وكما نلاحظ، فهى تَتَسِع لجميع المتخيَّلات الممكنة، دون أن تسَعَها المخَيِّلة.
إنها "جنة" تفيض عن الخيال- أى تمتنع عليه وتتمَدَّد فوقه، لأن الخيال صور تتكون من إعادة تركيب العناصر البيئية... أى أن "صورة الجنة" لا تًمُتَّ بصلة لما هو دنيوى.
تلك "الجنة" هى موضوع الرغبات المسلمة كلها.
هذا والإنسان هو المهووس بالصور "تماثيل، لوحات، فوتوغرافيا، أفلام"، لأنه يعرف أنه عابر... يتحدث علماء "الميديولوجيا- الوسائط" عن العلاقة التاريخية الوثيقة بين الموت
والصور، ذلك أن الموت نفسه "رؤية الجثة" صورة- كما يقول باشلار... لكنه صورة تتناسل منها صور أخرى- لازالت تُزَيِّن الكهوف القديمة وأبدت الحضارات القديمة شغفا فائقا بها...
فيما عدا "الجزيرة العربية"، فعدا "الأصنام" لم يقل لنا التاريخ أن عرب الجزيرة عرفوا الصور المرئية... من هنا كان شغفهم بالشِّعر "كصور لغوية"- وكى لا أطيل أكثر، أقول: الإنسان العربى أو "الأعرابى" أطلق العنان لخياله، وصنع عالما من لغة، انعكست فيه جميع معتقداته وعاداته وتقاليده وأحلامه وحرماناته أيضا...".
إنه إنسان فقير، لذا اتَّسعت مُخَيِّلته... فكان شاعرا، هذا وما الآلهة إلاَّ رموز أبدَعها الشُّعراء- كما يقول "نيتشه- فى زراديشت"- والجنة كذلك...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى