انت عيدي.. حاولت أن أجمع في كلمتين كل ما وددت أن تشعريه ذات يوم بعد سيل الحب الذي أمطرتك به، وأذكره اليوم بخجل.. بكل تفاصيله، نقطةً نقطة.. تسري في وريدي فتحرقه كجلسة علاجٍ كيميائي لمرضى السرطان، أحدق بطرف عيني في المرآة بألم، وأرى بعضاً من ملامحي التي تغيرت كثيراً وزادت شحوباً واضطراباً، أشيح بوجهي عنها وأمشي بخطواتٍ متثاقلة نحو فراشي.. لا أجيب على هاتفي الذي نسيت نغمته، وأتحدث هامساً خلف بابي الذي لا يطرقه أحد مع أي عابر سبيلٍ دون أن يراني، أتسلل تحت جنح الظلام كأي بومةٍ تستمد قوتها من عباءة الليل، أخشى نظرات التساؤل وكلمات المجاملة الموجعة أكثر من الحقيقة.. هل أنت مريض؟،
كنت أجيب بالنفي.. ذلك النفي الذي أتعبني تأكيده وأنا أعلم كما يعلمون أنني أكذب، لكن هذه المرة دون أدنى شعورٍ بالذنب، فوخزات الألم المتعاقبة في الروح والجسد خدرتني حتى بت أستغرب نبضاتي، أعيش في الماضي الذي نسيت أن أعيشه وأحلم بعودته بعد أن أخذته الريح مع الضحكات والأغنيات، ورسمته لوحةً باكيةً على جدران غرفتي تذكرني بأمنياتٍ بريئة خبأتها خوفاً من الزمن فأكلتها عثة الأحلام وخيانة الأحبة وخذلان الأصدقاء، أولئك الذين تمنيتهم، تبنيتهم بكل ما فيهم وأحببتهم بعيوبهم، وكان صوتهم في أذني كالساكسوفون يشعرني بالدفىء والحب والحنين والطمأنينة التي قادتني مكبلاً إلى زنزانتي.. حبسي الإنفرادي ومنفاي الإختياري المتشبع بالذكريات والصمت الذي يخترقه في خيالي نداءٌ يقول.. زيارة..
التفتت كثيراً نحو مصدر الصوت فلم أجد أحداً، تماهيت مع غربتي والتصقت بوحدتي، بين ألبومات الصور والرسائل القديمة، مع فناجين القهوة المتراكمة وأشرطة المسكنات المبعثرة كعصىً أستند عليها أو كرسيٍ متحرك يتعلق قلبي بعجلاته التي تشبه عجلات القطار وتشبه دوران الزمن بسرعةٍ نعجز عن فهمها، لا يعزيني سوى نافذتي التي أتنفس منها نسيم الشوارع المسائي وإيقاع السيارات العابرة حتى ساعات الصباح الأولى، ألاحظ المارة طوال الليل فأفرح للعاشقين وأذكر أنني حلمت يوماً أن أكون مثلهم، وفاجأني اغداق أحبتي على (أحبتهم) مالم يفكروا في أن يمنحوني بعضه رغم (حبهم) لي، فألغيت الكثير مما أحب وألغيت وجودي لأذوب في حالة وجدٍ صوفية تفنى في الحبيب، جمدت نفسها ل(تكونه) هو، لتتقمصه وتعيشه، فتتنفس برئتيه وترى بعينيه وتحكي بلسانه حتى التلاشي.. وغدوت طيفاً بلا ظل يعانق الأكوان، يبوح للطيور ويظهر في حضرة الأطفال، يتسلق الأشجار ويضحك عالياً كلما حملته نسمةً إلى الأعلى فوق أرجوحةٍ خاليةٍ في حديقةٍ مهجورة.. سقطت عندما شعرت بغرقها في ذات ُعباد الذات حيث لا شاطىء ولا قارب ولا طوق نجاة..
ومن غرق روحٍ تغرس أظافرها في لحم الحياة لتظل على قيدها.. ولد شخص ٌ آخر في لحظة وعيٍ لا إسم لها، بدون أوراق أو جواز سفر، ولد في لحظة التخلي عنه وولد مجدداً عندما أدرك ذلك، رفض إحراق تاريخه وأبى اجتثاث ذكرياته فوضعها أمامه كي لا ينسى ما عاشه، ألقى بأشرطة المسكنات من ذات النافذة التي انتظر بجوارها عودة من خانوه طويلاً، نهض بصعوبة فركل عصاه وكرسيه المتحرك.. وصرخ محدقاً في مرآته.. لم أعد مريضاً.. لم أعد خائفاً.. لقد نجوت بأعجوبة، والنجاة ولادة جديدة تستحق الإحتفاء بها كعودة مفقودٍ ظننا أنه ارتحل إلى حضن المجهول..
خالد جهاد..
كنت أجيب بالنفي.. ذلك النفي الذي أتعبني تأكيده وأنا أعلم كما يعلمون أنني أكذب، لكن هذه المرة دون أدنى شعورٍ بالذنب، فوخزات الألم المتعاقبة في الروح والجسد خدرتني حتى بت أستغرب نبضاتي، أعيش في الماضي الذي نسيت أن أعيشه وأحلم بعودته بعد أن أخذته الريح مع الضحكات والأغنيات، ورسمته لوحةً باكيةً على جدران غرفتي تذكرني بأمنياتٍ بريئة خبأتها خوفاً من الزمن فأكلتها عثة الأحلام وخيانة الأحبة وخذلان الأصدقاء، أولئك الذين تمنيتهم، تبنيتهم بكل ما فيهم وأحببتهم بعيوبهم، وكان صوتهم في أذني كالساكسوفون يشعرني بالدفىء والحب والحنين والطمأنينة التي قادتني مكبلاً إلى زنزانتي.. حبسي الإنفرادي ومنفاي الإختياري المتشبع بالذكريات والصمت الذي يخترقه في خيالي نداءٌ يقول.. زيارة..
التفتت كثيراً نحو مصدر الصوت فلم أجد أحداً، تماهيت مع غربتي والتصقت بوحدتي، بين ألبومات الصور والرسائل القديمة، مع فناجين القهوة المتراكمة وأشرطة المسكنات المبعثرة كعصىً أستند عليها أو كرسيٍ متحرك يتعلق قلبي بعجلاته التي تشبه عجلات القطار وتشبه دوران الزمن بسرعةٍ نعجز عن فهمها، لا يعزيني سوى نافذتي التي أتنفس منها نسيم الشوارع المسائي وإيقاع السيارات العابرة حتى ساعات الصباح الأولى، ألاحظ المارة طوال الليل فأفرح للعاشقين وأذكر أنني حلمت يوماً أن أكون مثلهم، وفاجأني اغداق أحبتي على (أحبتهم) مالم يفكروا في أن يمنحوني بعضه رغم (حبهم) لي، فألغيت الكثير مما أحب وألغيت وجودي لأذوب في حالة وجدٍ صوفية تفنى في الحبيب، جمدت نفسها ل(تكونه) هو، لتتقمصه وتعيشه، فتتنفس برئتيه وترى بعينيه وتحكي بلسانه حتى التلاشي.. وغدوت طيفاً بلا ظل يعانق الأكوان، يبوح للطيور ويظهر في حضرة الأطفال، يتسلق الأشجار ويضحك عالياً كلما حملته نسمةً إلى الأعلى فوق أرجوحةٍ خاليةٍ في حديقةٍ مهجورة.. سقطت عندما شعرت بغرقها في ذات ُعباد الذات حيث لا شاطىء ولا قارب ولا طوق نجاة..
ومن غرق روحٍ تغرس أظافرها في لحم الحياة لتظل على قيدها.. ولد شخص ٌ آخر في لحظة وعيٍ لا إسم لها، بدون أوراق أو جواز سفر، ولد في لحظة التخلي عنه وولد مجدداً عندما أدرك ذلك، رفض إحراق تاريخه وأبى اجتثاث ذكرياته فوضعها أمامه كي لا ينسى ما عاشه، ألقى بأشرطة المسكنات من ذات النافذة التي انتظر بجوارها عودة من خانوه طويلاً، نهض بصعوبة فركل عصاه وكرسيه المتحرك.. وصرخ محدقاً في مرآته.. لم أعد مريضاً.. لم أعد خائفاً.. لقد نجوت بأعجوبة، والنجاة ولادة جديدة تستحق الإحتفاء بها كعودة مفقودٍ ظننا أنه ارتحل إلى حضن المجهول..
خالد جهاد..