( احدهم يجلس وحيدا على طاولة في مطعم ، وحوله جميع الطاولات فارغة )
( يدخل النادل )
النادل : اهلا وسهلا بك سيدي .
الزبون : اشكرك جدا .
النادل : هل حددت ما تشتهي ان تأكل ؟
الزبون : هات لي قدحا من الماء .
النادل : حسنا سيدي . ( يخرج النادل )
( الزبون يخرج من جيبه جهاز الموبايل ، يحاول ان يتصل )
الزبون : نعم ، أنا أجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )
النادل : ( يدخل ) سيدي هل حددت ما تشتهي ؟
الزبون : ولكني طلبت منك قدح ماء كي اشرب !
النادل : أنت طلبت مني قدح ماء !
الزبون : نعم ، لقد طلبت منك قدح ماء .
النادل : لا ادري .
الزبون : لا تدري ماذا ، اذهب وهات لي قدحا من الماء بسرعة .
النادل : حسنا ، سيدي ، حالا .( يخرج النادل )
الزبون : (يتصل بالموبايل ) نعم ، أنا اجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )
( يدخل النادل مسرعا )
النادل : اهلا وسهلا بك سيدي .
الزبون : ماذا دهاك ايها الشاب !
النادل : لا افهم ما تقصد يا سيدي .
الزبون : لقد طلبت منك لمرتين قدحا من ماء .
النادل : (مستغربا ) أنت طلبت مني مرتين قدح ماء !
الزبون : نعم أنا طلبت منك مرتين متتاليتين قدح ماء .
النادل : ( يضحك ) لابد أنك تمزح .
الزبون : (يصرخ ) ولماذا قد امزح معك ، هل اعرفك ؟
النادل : نعم ، ربما ، انت كل يوم تأتي لتأكل في هذا المطعم .
الزبون : واذا قلت لك أنني أزور هذه المدينة للمرة الاولى في حياتي .
النادل : هل هذا صحيح ! سيدي ارجوك .
الزبون : قلت لك اذهب وهات لي قدح ماء حالا ، لقد ازعجتني جدا .
النادل : حسنا ، كما تشاء سيدي ( يخرج )
الزبون : ( يتصل بالموبايل ) نعم ، أنا أجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )
(يدخل النادل وبيده قطعة قماش ، يبدأ بتنظيف طاولة الزبون ، وهو صامتا )
الزبون : ( ينظر الى النادل باستغراب ) أين قدح الماء أيها الشاب ؟
النادل : نعم سيدي ، ماذا تقول ؟
الزبون : لقد طلبت منك الماء لثلاث مرات .
النادل : ولكني لا ادري متى طلبت الماء !
الزبون : كيف لا تدري ، ماذا تقصد ؟
النادل : سيدي ، انت جلست لتوك ، وانا اتيت الان كي انظف الطاولة فقط .
الزبون : هل تريد أن أصاب بالجنون ايها الشاب .
النادل : ابدا سيدي ، أنا أقول لك الحقيقة .
الزبون : اية حقيقة ، لقد طلبت منك الماء ثلاث مرات ، وفي كل مرة ترجع لي بدون الماء .
النادل : حسنا ، دقيقة واحدة ، وسأحضر لك قدح ماء ، اعذرني .
الزبون : لا تأتي هنا بدون قدح الماء .
النادل : لا تقلق ، ستحصل على قدح الماء الخاص بك . اكرر اعتذاري ( يخرج النادل )
الزبون : ( يتصل بالموبايل ) نعم ، أنا أجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )
( النادل يدخل مسرعا ، يذهب لطاولة الزبون ، يرتب الكراسي فيها )
النادل : لقد اشرق المطعم بحضورك سيدي .
الزبون : ( غاضبا ) هل انت مجنون يا فتى ؟
النادل : خيرا سيدي ، اتمنى ان يكون كل شيء على ما يرام .
الزبون : هل تعاني من خطب ما ؟
النادل : لماذا تقول ذلك ؟
الزبون : ممثل باهر ، انت ممثل باهر .
النادل : لا افهم ما تعني ، اخبرني ارجوك .
الزبون : انت اخبرني ، ماذا يحدث ؟
النادل : لا يحدث شيء ، انت دخلت قبل دقيقة واحدة من باب المطعم ، جلست الآن على هذه الطاولة المتميزة ، فدخلت انا النادل عليك مباشرة ، بعد ان جلست . هذا كل شيء .
الزبون : هل أنت متأكد من ذلك ؟
النادل : متأكد جدا .
الزبون : حسنا ، بدون دخول في التفاصيل ، اذهب حالا ، واجلب لي قدح ماء ، هل هذا صعب ؟ هل هو مستحيل ؟ هل ذلك يعتبر حدث جسيم ؟ أم انه مجرد قدح ، قدح ماء بسيط وسهل وبلا تعقيدات .
النادل : ابدا سيدي ، ليس هناك اسهل من جلب قدح ماء ، ولكنني لم افهم ، لماذا كل هذه المقدمة الطويلة جدا .
الزبون : لن اتحدث عن التفاصيل ، سأبقى صامتا هذه المرة ، فقط اذهب وهات قدح الماء .
النادل : ولكن انا اشعر انك غير مرتاح ، منزعج ، هل حدث ما يعكر مزاجك في هذا المطعم .
الزبون : ( يضغط على نفسه ، ويحاول ان يبتسم ) ابدا ، انا بخير .
النادل : طيب ، وهل اخترت ما ستأكل .
الزبون : يا صبر ايوب ، لا ، لم أحدد ، ليس بعد ، اريد الان قدح ماء فقط .
النادل : على راحتك تماما سيدي ، فقط استرخي ، لا تتعصب ، الامور تسير بيسر وروية ، انه قدح ماء فقط ، قدح ماء بسيط ، اذهب انا من ذاك الباب ، ثم أدخل الى المطبخ ، وبعدها اتوجه الى الثلاجة مباشرة، كي اسكب من القنينة ، ماءا ، في القدح ، الذي كان يجب أن أكون ، قد مررت بطاولة الاواني ، لكي اختار قدحا مميزا ، وأكون بالبديهة أيضا ، مررت على المغسلة لأغسله جيدا . ثم بعد ذلك ادخل من هذا الباب ، ومعي قدح الماء ، الذي ترغب به ، لتحدد بعدها ، نوع الطعام الذي تشتهي ان تتناوله ، في مطعمنا .
الزبون : ( ينظر الى النادل ) هذا بالضبط ما يجب أن يحدث . هيا اذهب الآن .
النادل : حسنا يا سيدي ( يخرج النادل )
الزبون : ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا اجلس في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )
( يدخل النادل ويذهب ليرتب بعض الطاولات ، الزبون يتابعه بنظراته )
الزبون : ( ينادي النادل ) أيها النادل ، أيها النادل .
النادل : ( وهو ينظف ) عفوا سيدي ، انا مسؤول عن التنظيف فقط ، سيأتيك النادل المسؤول عن الطلبات ، شكرا لصبرك سيدي الزبون .
الزبون : ( ينادي ) انا اسف ايها النادل ، أنا فقط اردت التحدث معك .
النادل : اسف سيدي ، هذا وقت عمل ، لا يحق لي أن اتحدث مع احد .
الزبون : هو سؤال واحد فقط ، وتستطيع ان تجيبني ، وانت مستغرق في عملك .
النادل : اذا كان الامر كذلك ، حسنا ، تفضل بالسؤال سيدي الزبون .
الزبون : هل رأيتني من قبل هنا ، في هذا المطعم .
النادل : عذرا سيدي ، وما مناسبة مثل هذا السؤال ؟
الزبون : يحدث كثيرا أن يسألنا البعض بلا مناسبات ، قد يحدث ذلك كثيرا في هذا العالم .
النادل : (يقترب من الزبون ، ليحدق به ) حسنا سيدي ، انا غير متأكد تماما .
الزبون : لم افهم الاجابة تماما ، هل يمكنك ان توضح لي الامر ؟
النادل : انا انظف هذه الطاولات ، عشرات المرات في اليوم ، وأشاهد كيف يجلس عليها ، زبائن كثيرون جدا ، ولا يمكنني ان أحفظ ، كل وجوه الزبائن ، انا صاحب ذاكرة ضعيفة ، زوجتي واولادي لم يتركوا عقلي في مكانه .
الزبون : عفوا لم اقصد ذلك ، انا اقصد اليوم . هل رأيتني اليوم ؟
النادل : اليوم !
الزبون : نعم ، اليوم ، هل شاهدتني اليوم هنا ؟
النادل : نعم .
الزبون : نعم ؟ انت تقول انك رأيتني !
النادل : نعم ، رأيتك ، فأنا أنظر اليك الان .
الزبون : (يحتار في الرد ) ماذا يمكن أن أقول لك ، حسنا ، هيا اذهب ، اذهب من هنا ، ونادي لي نادل الطلبات بسرعة .
النادل : نادل الطلبات ! أي نادل تقصد سيدي الزبون ؟
الزبون : أنت قلت انك نادل التنظيف ، وأن هناك نادل آخر للطلبات ، شخص آخر .
النادل : أنا قلت ذلك !
الزبون : نعم ، أنت قلت ذلك ، قبل قليل .
النادل : المعذرة يا سيدي ، ولكن ليس هناك نادل في المطعم سواي ، انا النادل الوحيد هنا .
الزبون : أنت النادل الوحيد !
النادل : سيدي ، هل حددت ما تشتهي أن تأكل في مطعمنا ؟
الزبون : ليس بعد ، فقط اذهب واجلب لي قدح ماء .
النادل : حسنا سيدي ، سأنهي تنظيف هذه الطاولة واذهب .
الزبون : حسنا ، ارجوك ، لا تتأخر .
النادل : ولكن الجو هنا بارد ، لماذا قدح الماء ، لماذا لا تطلب شيئا ساخنا ؟
الزبون : حسنا ، أنا أعرف أن الجو بارد ، ولكن انا عطشان ، انا بحاجة لقدح ماء ، لا شيء آخر ، هل هذا مناسب لك ؟
النادل : مناسب ، مناسب لي جدا ، حسنا سيدي ، سأذهب فورا ، لأجلب لك قدح ماء ، ارجوك لا تنزعج ابدا ، المطعم يرحب بحضرتك ، وبكل طلباتك .
الزبون : انا لست منزعج ، سأنتظر قدح الماء بفارغ الصبر .
النادل : من دواعي سروري ( يخرج )
الزبون : (يخرج الموبايل ) نعم ، أنا في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )
( يدخل النادل وبيده مجموعة ملاعق وسكاكين ، وعلى كتفه ثلاث فوط ، يتحرك مباشرة باتجاه الزبون ، يفرش احد الفوط على الطاولة ، ثم يقوم بسرعة وبخفة يد بترتيب الملاعق والسكاكين عليها ، بعدها يأخذ الفوطة الثانية ليفرشها على افخاذ الزبون ، ثم يأخذ الفوطة الثالثة ويعلقها برقبة الزبون ، ثم يخرج من جيبه مجموعة من المناشف ليضعها على الطاولة ، ثم يتحرك ليخرج .. يناديه الزبون )
الزبون : ( ينادي ) أيها النادل ..
النادل : ( يتوقف ، ثم يلتفت للزبون ) نعم سيدي .
الزبون : لو سمحت ، هل لي بقدح ماء ؟
النادل : من دواعي سروري ( يخرج النادل )
الزبون : ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا اجلس في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )
( يدخل النادل وبيده مجموعة كبيرة من الاقداح الفارغة ، ويذهب ليوزع تلك الاقداح على الطاولات ، والزبون يتابعه بعينه ، وفي نهاية المطاف ، النادل يضع آخر قدحين على طاولة الزبون )
النادل : أهلا وسهلا بك سيدي .
الزبون : شكرا جزيلا . هل تسمح لي بسؤال ؟
النادل : بكل تأكيد سيدي .
الزبون : هنا في مطعمكم .. ( يقاطعه النادل )
النادل : نعم سيدي ..
الزبون : لا تقاطعني عندما اتحدث ، هل فهمت ؟
النادل : نعم سيدي ..
الزبون : ( يصرخ ) أقول لك لا تقاطعني حين اتحدث معك ، هل هذا واضح ؟
النادل : نعم هذا واضح تماما سيدي .
الزبون : ( ينفجر صارخا ) أقول لك لا تقاطعني عندما أتحدث .
النادل : ولكنك انت الذي تسألني ، هل فهمت ، هل هذا واضح ، ومن غير اللائق ان اترك سؤالك بدون إجابة ، هذه تعتبر قلة ذوق ، شيء غير مبرر بالمرة ، لا يمكن ذلك .
الزبون : ( يصرخ ) اغلق فمك أيها النادل .
النادل : ولماذا تصرخ هكذا ! تفضل سيادتك اسأل ما شئت .
الزبون : هنا في ماخوركم .. ( يقاطعه النادل )
النادل : ماخورنا !
الزبون : نعم ماخور ، واذا لم يعجبك ، سأقوم الآن فورا ، لأوسعك ضربا ، هل هذا واضح ؟
النادل : حسنا كما تشاء ، ماخورنا ، ما به ماخورنا ؟
الزبون : في ماخوركم هذا ، اذا كان أحدهم عطشان ، ماذا يفعل ؟
النادل : في ماخورنا هذا ؟
الزبون : نعم ، في ماخوركم .
النادل : في ماخورنا ، يشرب قدحا من الماء .
الزبون : ومن أين يأتي بقدح الماء ليشرب ؟
النادل : من ثلاجة ماخورنا سيدي .
الزبون : ومن يأتي له بالماء من ثلاجة ماخوركم ؟
النادل : النادل في الماخور ، بكل تأكيد .
الزبون : ( يصرخ) إذن اذهب أيها النادل ، واجلب لي قدحا من الماء ، لقد قتلني العطش .
النادل : ولماذا تصرخ هكذا في الماخور ، قد تزعج المواخير المجاورة لماخورنا .
الزبون : ( يواصل الصراخ بصوت عال ) اذهب واجلب لي قدح ماء حالا .
النادل : حسنا ، حسنا كما تشاء ، سأجلب لك قدح الماء ، ولكن ليس قبل ان تجيبني على سؤال ، واحد ، يتيم ، وتر .
الزبون : هات واحدك ، يتيمك ، وترك .
النادل : ما هو الماخور سيدي ؟
الزبون : انت لا تعرف الماخور ؟
النادل : ولم اسمع به مطلقا ، هذه اول مرة في حياتي اسمع فيها كلمة ماخور .
الزبون : في أوج شبابك ، وحيويتك ، ولا تعرف الماخور أيها المسكين ؟
النادل : هل يجب على كل الشباب معرفة الماخور ؟
الزبون : بل يجب عليهم زيارته بشكل منتظم ، بين الحين والأخر .
النادل : هل هو شيء يشبه عيادة طبيب الاسنان ، أو ملعب كرة قدم ، او مقهى بمواصفات خاصة ؟
الزبون : بل هو مكان ، ينعش القلب ، وينطلق بالروح بعيدا ، ويسعد العين ، وينشط الدورة الدموية الكبرى ، وكذلك الصغرى . ويقوم بتنشيط الادمغة البليدة .
النادل : فعلا لقد شوقتني كثيرا لزيارة الماخور ، ولكنك لم تخبرني الى الان ما هو هذا الماخور ؟
الزبون : انه المبغى أيها النادل .
النادل : ( يصمت للحظة ) سيدي .
الزبون : نعم ، ماذا تريد ؟
النادل : أنا لم أفهم الماخور ، وتريد مني أن أفهم المغبى ؟
الزبون : إنه ليس مغبى أيها الغبي ، انه المبغى ، من البغي ، والبغي هو تجاوز الحدود ، وكلنا نحتاج الى ذلك الوقت الشاذ ، والذي نتجاوز فيه كل الحدود ، بكل ابعادها ، الاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية . هل فهمتني أيها النادل ؟
النادل : ( بغباء ) ها ؟
الزبون : مبغى ، مبغى الم تسمع يوما بالمبغى ؟
النادل : ( بجدية مبالغ فيها ) ولماذا يا سيدي ، لا يكون المبغى مشتق من الفعل ابتغى أي طلب ، ابتغِ ، ابتِغاءً ، فهو مُبتغٍ ، والمفعول مُبتغًى ، ابتغى الأجرَ وغيرَه أراده وطلبه . كان لا يبتغي في عمله سوى خير المجتمع . تصدَّق ابتغاء مرضاة الله " يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا " .
الزبون : ( بغباء ) ها ؟
النادل : ولكن يا سيدي الزبون ، أقسم لك ، رغم كل هذه الغاءات الكثيرة ، ولكنني لم أعرف ماذا تقصد بالمبغى .
الزبون : أنتم ببغاوات ترددون ما تسمعون ، وتحفظون للنجاح فقط . الماخور يعني المبغى ، والمبغى هو بيت الدعارة ؟
النادل : بيت الدعارة !
الزبون : نعم بيت الدعارة ، لا تقل لي انك لا تعرف بيت الدعارة ؟
النادل : نعم أعرفه ، البيت الذي ينام تحت سقفه ، نساء قليلات الادب .
الزبون : أعجبني وصفك لنساء بيت الدعارة ، وصف فيه أدب كثير ، وواسع .
النادل : ولكن يا سيدي الزبون ، ما كان يجب أن تنعت مطعمنا المحترم ببيت الدعارة .
الزبون : لقد نعته بالماخور فقط .
النادل : هذا مطعم محترم ولا يترك زبائنه دون قدح ماء ابدا .
الزبون : اذن هلا حركت نفسك سريعا ، وجلبت لي قدحا من الماء ، لقد تشققت شفتاي من العطش.
النادل : كما تحب سيدي ، ولكني سأجلب معي القائمة الخاصة بالطلبات .
الزبون : حسنا ، اتفقنا .
النادل : اتفقنا ! اتفقنا على ماذا ؟
الزبون : ارجوك لقد قتلني العطش .
النادل : حسنا ، كنت امزح فقط . ( يخرج النادل )
الزبون : ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا اجلس في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )
( يدخل النادل وبيده فاتورة ، يذهب مباشرة باتجاه الزبون )
النادل : انا اريد ان اعرف الان ، ما لذي يدفع شخص محترم مثلك ، الى تصرف مثل هذا .
الزبون : اي تصرف تقصد ، انا لا افهم ما تقصد بذلك !
النادل : كيف يمكن لهذا المجتمع ان يعيش بشكل طبيعي ، اذا كان انت وامثالك ، يقتلون فيه روح الحضارة والتقدم ، روح الانسانية والرقي ، روح التسامح والسلام .
الزبون : ماذا حدث لك ايها النادل ، ما لذي تتحدث عنه !
النادل : في كل مرة نحلم بغد افضل ، بعالم اكثر عفوية ، واكثر انسجام ، ولكننا ، ولشديد الاسف نصطدم في كل مرة ، بكائن طفيلي ، انتهازي ، وصولي ، يشوه هكذا حلم .
الزبون : عجيب ، هل انا فعلت كل ذلك ، لا اصدق نفسي .
النادل : وهل ترى ان ما يفعله امثالك قليل ، انتم تنهشون في جسد العالم ، تمزقون كيانه ، تخربون بناءه ، وتجلسون عليه .
الزبون : كيف نجلس عليه ، هل يمكن ان تحدد الوضع ، الذي نجلس به عليه .
النادل : لدي احساس رهيب بانك تستهزئ بي ، انت تستهزئ بي ، تسخر من كلامي ؟
الزبون : نعم ، تماما مثلما تفضلت ، انا أستهزئ بك ، واسخر منك ، واذا كان عندك اي اعتراض ، اذهب واضرب رأسك بأقرب جدار ، هل هذا واضح ، هل عندك اعتراض ؟
النادل : لا ، ولكن ليس هناك جدار مناسب لكي اضرب رأسي به .
الزبون : حسنا ، حسبت انك تعترض على كلامي .
النادل : انت لا تفهمني ، انا اعترض على اعتراضك على الفاتورة . هذا كل ما في الامر .
الزبون : وما نوع الاعتراض الذي تعترض عليه انت . هل يحق لي ان اسمع الاجابة مباشرة ، وبدون لف او دوران .
النادل : انت تعتقد ان خدمات المطعم ، ليست بالمستوى المطلوب ، لذا تقترح ان يتم الغاء البقشيش الذي يعطى للنادل ، مع فاتورة الحساب .
الزبون : اذن انت تعترض ، على اعتراضي ، على بقشيش النادل ؟
النادل : نعم بكل تأكيد ، هذا اجحاف بحق النادل المسكين ، والذي تساعده هذه الدنانير المعدودة في اسكات زوجته ، او تغطية مصاريف ابنه في المدرسة .
الزبون : انت تطلب من الزبائن ان تنصفك بالبقشيش ، ولا تريد انت ان تنصف الزبائن بقدح ماء يسد رمقهم .
النادل : مستحيل ، هذا شيء غير دقيق ، اطلاقا .
الزبون : ما هو المستحيل ، البقشيش ام قدح الماء ؟
النادل : كلاهما مستحيل ، نحن مطعم يقدم خدماته بأبهى صورة ، كيف يحدث ان نتأخر عن تقديم قدح ماء ، من ذلك ، الصقيع ، المهمل ، المتهاون ، الذي فعل ذلك !
الزبون : انت .. انت فعلت ذلك معي ، أنت الصقيع ، المهمل ، المتهاون .
النادل : وبسبب قدح ماء تافه ، انت قدمت توصية لإدارة المطعم ، للاعتراض على البقشيش !
الزبون : انا لم اقدم اي ورقة عن البقشيش .
النادل : انت من فعل ذلك ، أنا متأكد من ذلك .
الزبون : اقول لك لست انا .
النادل : ليس هناك احد سواك ، يجلس في هذا المطعم .
الزبون : ولكنني لم أفعل .
النادل : وانا ايضا لم افعل .
الزبون : انت لم تفعل ! لم تفعل ماذا ؟
النادل : أنت تقول أنك طلبت مني قدح ماء ، وانا لم احضر لك قدح الماء .
الزبون : لم تفعلها ، ولا مرة واحدة !
النادل : ولا نصف مرة .
الزبون : ولكنك النادل الوحيد في هذا المطعم !
النادل : حسنا ، سأثبت لك حالا ، انني عكس تصورك تماما .
الزبون : كيف تثبت ذلك ؟
النادل : سأذهب حالا ، واجلب لك قدح ماء ، كما طلبت .
الزبون : وانا اتحداك ، أنت غير قادر ابدا على أن تفعل ذلك .
النادل : وانا اتحداك انني سأفعل ذلك الان .
الزبون : ابدا مستحيل ، انت غير قادر على فعل ذلك مطلقا .
النادل : انت لا تعرفني ، عندما اقرر قرار ، لن تقف بوجهي ، لا السماوات ولا الارض .
الزبون : ابدا ، ابدا لن تقنعني بذلك .
النادل : سأثبت لك ذلك الان فورا ..
الزبون : لن تقدر على ذلك .
النادل : سترى ، انا ذاهب الان ( يخرج النادل )
الزبون : ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )
( ينتظر الزبون لوحده ، فترة من الزمن ، ينادي بصوت عال )
الزبون : أيها النادل ، اين انت ؟ ( لحظة ) أيها النادل ، أين قدح الماء ؟
( ينهض الزبون من مكانه ، يحاول أن يبحث عن النادل )
الزبون : لماذا تأخرت أيها النادل ؟ ( ينادي بصوت عال ) أيها النادل .
( يدخل النادل مسرعا )
النادل : ما بك ! لماذا تصرخ ، ماذا حدث لك ؟
الزبون : لا تقل لي أنك لم تراني قبل هذه المرة ، ولا تقل أنني لم أطلب منك قدح ماء مطلقا .
النادل : من أنت ؟
الزبون : لا ، أرجوك ، لا تقل أنك نسيتني مرة أخرى .
النادل : لماذا تقول ذلك ؟ هل انا نسيتك قبل هذه المرة .
الزبون : ولكننا تحدينا بعضنا ، قبل قليل .
النادل : أنا وأنت !
الزبون : أريد أن أشرب ، أنا عطشان جدا ، لا استطيع ..
النادل : نحن بخدمتك سيدي ، ماء فقط ، سأجلب لك قدح ماء حالا .
الزبون : لن يحدث ذلك ابدا .
النادل : ولماذا قد لا يحدث ذلك سيدي ، أنت في مطعم محترم .
الزبون : لأنه لا يريد أن يحدث ، لا يحدث مرارا وتكرارا .
النادل : لا يمكن أن يكون قد حدث ذلك في مطعمنا .
الزبون : لكنه حدث .
النادل : هل أنت متأكد ؟
الزبون : نعم .. متأكد جدا .
النادل : شيء غريب فعلا ، أن يحدث هذا ، في مطعم محترم !
الزبون : وبسبب ذلك ، أنا ومنذ زمن طويل ، أنا عطشان ، عطشان جدا .
النادل : وكيف برأيك أن يحدث ، وتشرب قدح الماء الخاص بك ؟
الزبون : لقد جن جنوني ، أنا الآن أفكر في حل .
النادل : وهل وجدت حلا ؟
الزبون : أنا أحاول جاهدا .
النادل : انت عطشان ، ويجب أن تشرب .
الزبون : نعم ، انت على حق .
النادل : اذا لم تجد حلا ، ربما ستبقى عطشانا الى الابد .
الزبون : أنا أبحث ، ولكن !
النادل : ولكن ماذا ؟
الزبون : قد أحتاج الى أن أذهب بنفسي الى المطبخ ، كي أشرب قدح الماء .
النادل : ولكن هذا غير مقبول مطلقا ، أنا النادل هنا ، كيف يمكن للزبون أن يدخل المطبخ !
الزبون : أنا أجري معك ، في حلقة مفرغة ، لا يريد أن يحدث لي ولك ، أن تجلب قدح الماء ، لذا من الأفضل أن أذهب أنا الى المطبخ ، لأحصل على قدح الماء .
النادل : حسنا ، اذا كان ذلك يريحك ، فنحن في خدمة الزبائن ، فأنت في مطعم محترم جدا .
( يتحرك الزبون ببطء شديد باتجاه المطبخ ، يدخل المطبخ )
( يجلس النادل على أحدى الطاولات في المطعم ، لحظة ، ثم يبحث في جيوبه ، يخرج جهاز الموبايل من جيبه )
النادل : ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )
( يدخل الزبون مسرعا ، ويتجه الى الطاولة التي يجلس عليها النادل )
الزبون : اهلا وسهلا بك سيدي .
النادل : اشكرك جدا .
الزبون : هل حددت ما تشتهي ان تأكل ؟
النادل : في البداية ، هات لي قدحا من الماء .
- ستار –
- تركيا - سامسون
- 7/3/2019