د. محمد عباس محمد عرابي - مـراثي النسـاء فـي شعر عصري ما قبل الإسـلام وصدر الإسـلام للباحث قاسم عبد

مـراثي النسـاء فـي شعر عصري ما قبل الإسـلام وصدر الإسـلام دراســـة موازنــــة رسالة تقدم بها الباحث قاســم محمـــد عبــد/إلى مجلس كلية الآداب في الجامعة الإسلامية- بغداد، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في آداب اللغة العربية تخصص (أدب إسلامي) بإشراف أ. م. د. إيمـان كمـال المهـــداوي1430هـ/2009م

المحور الأول:الإطار العام للدراسة :
  1. المقدمة وأسباب اختيار الموضوع :
بين الباحث أن الحبيب عندما يفقد حبيبهُ يسكُبُ من الدُّموع أغزرها، ومن العبرات أشجاها، ومن الهموم أشدَّها خطباً، وأعمقها حَسرةً وتَفَجُّعَاً.
فكيفَ به وهو قادرٌ على نظم إحساساته أبياتاً شعرية؟ ستكون أشعارُهُ- بلاشك- أشدَّ وقعاً على المتلقين من نزع النبال لاسيما وإنّ الشعر في عموميات تعريفهِ إدراك عاطفيٌ للحقيقة.
من هنا جاءت هذه الدراسة في دراسة مراثي النساء في شعر عصري ما قبل الإسلام و صدر الإسلام؛ ذلك لأنَّ الرثاء أصدق فنون الشعر العربي قاطبةً؛ فهو خطابٌ لحبيبٍ قد فارق الحياة.
ويقول الباحث :
وقد سُئل أعرابيُ يوماً: ما أجود الشعر عندكم؟ قال: ما رثينا بهِ آباءنا، وأولادنا؛ وذلك إنّا نقولها، وأكبادنا تحترق(1).
وإذاً وَقْفَتُنَا عندَ مراثي النِّساءِ، إِنّمَا وَقْفةٌ عندَ فَيضٍ مِنَ المشاعرِ والعواطف الصادقة؛ فقصيدةُ الرثاء في أسلوبيةِ بنائِها تحملُ ذلكَ الفيض المعبِّرُ عنِ التجربةِ الشعورية؛ فهي- قصيدة الرثاء- تُرسِّخ بأنماطها وسياقاتِها التعبيرية واقعَاً فنِّيَاً يرسمُ ملامح الواقع الاجتماعي/ الثقافي؛ فهي والحالُ هذه أكثر النصوص الشعرية- على قلة عدد مقاطعها وأبياتها- تعبيراً عن الماضي والحاضر وتطلّعاً إلى المستقبل.
الدراسات السابقة :
هناك عدة دراسات جامعية سابقة درست الرثاء عند المرأة من أهمها:
* رسالة الدكتور شاكر السعدي الموسومة بـ(شعر المرأة في القرن الأول الهجري، أغراضه، ومميزاته الفنية) وهي رسالة ماجستير مطبوعة في كتاب تناول فيها الدكتور أغراض المرأة ومن ضمنها الرثاء،
* دراسة الباحث (يوسف زيدان ناصر) الموسومة بـ(الرثاء في شعر المرأة إلى نهاية عصر صدر الإسلام)
هدف الدراسة ومنهجها :
وقف الباحث في دراسته عند مراثي النساء في العصرين عصر ما قبل الإسلام وعصر صدر الإسلام مختلفة في منهجيتها عن تلك الدراسات، وإن التقت معها في نواحٍ منهجية فنية ثابتة؛ فدراسة الباحث تهدف إلى تشكيل موازنة نقدية لأسلوبية تلك المراثي؛ إذ تتشكل تلك الموازنة في ثلاثة مستويات؛ انطلاقاً من بيئة الراثية، ومجتمعها؛ وأثرها في بناء شخصيتها وثقافتها؛ وانعكاس ذلك كلّهُ على فنية نصها الشعري ودلالاتهِ المعبرة مع الوقوف عند قدرة الراثية- من خلال نصوصها الشعرية- على نقل تجربتها الخاصّة، وفتح أفقها؛ لتكون تجارب مطروحة ذات مضمون اجتماعي عام.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق بيان لغة الراثية، وأسلوبها الفني الذي يُعد الوعاء الثقافي الذي يضُمْ حقائق أفكارها، وشدّة عاطفتها.
فالموازنة التي نقصدها تُعْنَى بِمَسْكِ أَوْجُه التشابه والاختلاف؛ إذ إنّ العقائد والبيئات أضفت ملامح جديدة جعلت المرثية الإسلامية مختلفةً عن المرثية الجاهلية في مضامينها الدينية/ الثقافية مع الحفاظ على الإطار الشكلي للمرثية.
ومن هنا تظهر الموازنة ضرورة فنيّة يجبُ الوقوف عندها؛ لبيان المسار الفني الذي اتخذته الراثية في التعبير عن حزنها الدفين صياغةً وأسلوباً.
وقد اعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي منهجاً رئيساً في بناء هيكلها.
مكونات الدراسة :
اشتملت الدراسة على تمهيد وثلاثة فصول ذكرها الباحث على النحو التالي :
التمهيد: وقف فيه الباحث فيه عند أمرين رئيسين أحدهما: الرثاء مصطلحاً وفناً والآخر أثر الرثاء في نفوس النساء.
الفصل الأول: (مراثي النساء في شعر ما قبل الإسلام) :
وقد قَدَّمْ له الباحث بتوطئة تحدث فيها عن أهمية الوقوف عند مراثي النساء في عصر ما قبل الإسلام بالإشارة إلى أهم الشواعر الراثيات، وأهم أيام العرب؛ فالرثاء في أصل فنيته بوصفه باباً من أبواب الشعر العربي يقوم على الحزن؛ تفجعاً للفراق الأبدي الذي يسببهُ الموت.
وقُسم هذا الفصل على ثلاثة مباحث على النحو الآتي:
المبحث الأول: وسم بـ(الرثاء الأسري)، وقد تضمَّن ثلاثة مطالب هي: (رثاء الأبناء)، و (رثاء الآباء)، و (رثاء الأزواج).
المبحث الثاني: وسم بـ(مراثي الإخوة)، وقد تضمن مطلبين أحدهما (مراثي الخنساء)، والآخر (مراثي شواعر أُخر).
والمبحث الثالث: وُسمَ بـ(الرثاء القبلي)، وقد تضمن مطلبين أحدهما (مراثي القبيلة)، والآخر (التوثيب والتحميس).
وأفرد الباحث (مراثي الأخوة)، على نحو مبحث منفصلٍ عن (الرثاء الأسري)؛ ذلك لأنَّ أكثر الشواعر الراثيات إنتاجاً شعرياً هي (الخنساء) وأغلب نمطية نصوصها الشعرية تمثلت في رثاء أخويها (معاوية وصخر)، وهو الأمر الذي دفع الباحث للوقوف عند هذه الشاعرة وعند بعض الشواعر الراثيات وقفة منفصلة، فالخنساء على ما لها من مكانة شعرية لم تفرد- في ضوء اطلاع الباحث لنصوصها دراسةً جامعيّة مختصةً تكتنف الملامح الأسلوبية الفنيّة لبنية نصها الشعري.
الفصل الثاني: (مراثي النساء في شعر صدر الإسلام)
واشتمل على ثلاثة مباحث هي:
المبحث الأول: وسمَ بـ(الرثاء الأسري)، وقد تضمن أربعة مطالب هي: (رثاء الأبناء)، و (رثاء الآباء)، و (رثاء الأخوة)،
و (رثاء الأزواج).
المبحث الثاني: وسم بـ(الرثاء الديني والسياسي)، وقد تَضَمَّنَ مطلبين أحدهما: (مراثي الرسول ())، والآخر (مراثي الخلفاء()). والمبحث الثالث: وسم بـ(رثاء شهداء المسلمين ورثاء قتلى المشركين)، وقد تَضَمَّنَ مَطلبين أحدهما (رثاء شهداء المسلمين)، والآخر (رثاء قتلى المشركين).
الفصل الثالث: وسمنا هذا الفصل (بالموازنة الفنيّة) وقد قسمناه على ثلاثة مباحث هي:
المبحث الأول: وسم بـ(البيئة والمجتمع)، وقد تَضَمَّنَ مطلبين احدهما (البيئة)، والآخر (المجتمع).
والمبحث الثاني: وسم بـ(التجربة الشعرية)، وقد تَضَمَّنَ ثلاثة مطالب هي: (وحدة الموضوع)، و (صدق التجربة)، و (صدق العاطفة).
والمبحث الثالث وسم بـ(اللغة والأسلوب)، وقد تَضَمَّنَ مطلبين أحدهما: (اللغة والألفاظ)، والآخر (الأسلوب).
الخاتمة :
ففي منتهى الدراسة وضع الباحث خاتمة تَضَمَّنَتْ أهمّ النتائج التي يَسَّرَ الله للباحث التوصل إليها.
المحور الثاني :نتائج الدراسة :
ذكر الباحث أنه توصل للنتائج التالية :
  1. إن التداعي الصّوري الذي انمازت به البنى التركيبية لنصوص المراثي الشعرية عند النساء ولاسيما في عصر ما قبل الإسلام؛ جاء نتيجة جودة وسبك في اعتماد الأساليب الفنية في تشكيل النص الشعري، وهو قائم على مبدأ تداخل المعاني للتعبير عن الوحدة الموضوعية للمرثية من جهة شخصية المرثي وشدة العاطفة والحق أنَّ سبب هذا التداعي راجع إلى بيئة الراثية الصحراوية فالصحراء- كما لا يخفى على أحد-ذات موسيقى متكررة النغمة إذ تبث في نفوس ساكنيها صوتاً واحداً متكرراً.
  2. لقد تكررت صورة السيف في مراثي النساء في عصر ما قبل الإسلام، وهو أمر منطقي؛ ذلك لأن السيف لا يمثل سلاحا حسب بل له دلالة خاصة تضمنت رمزية رفعت من شانه حتى يومنا هذا ولعل تكرار صورة السيف لها صلة وثيقة بنفسية الراثية بوصفه جزء مهم من شخصية البطل الفقيد أخاً أو ابناً أو أباً أو زوجاً.
  3. البيئة الصحراوية المفتوحة جعلت للراثية في عصر ما قبل الإسلام حرية تعبيرية خاصة ميزت أسلوب مرثيتها عن مراثي عصر صدر الإسلام فضلاً عن تمسك الأخيرة بتعاليم الدين الحنيف وقد تمثلت تلك الحرية في الإفادة من تشبيهات قد تبدو للوهلة الأولى مبتذلة لكنها نتيجة منطقية لتأثيرات البيئة على نسق تفكير الراثية وأسلوبية تقديم صورها والتعبير عن إحساساتها.
  4. لقد صورت مراثي النساء عصر ما قبل الإسلام العادات والتقاليد التي تقوم بها النساء في المآتم من شقٍ للجيب وضرب للخد في حين رفض الإسلام هذه الأفعال، لأنّها أفعال أقرب ما تكون للجنون، وإهانة النفس، فقد أضفى الإسلام على الرثاء النسوي قيماً جمالية موافقة للعقل والفطرة السليمة ويعد هذا تطوراً فكرياً مهماً.
  5. إنَّ الإسلام عقيدةً وسلوكاً أثر في نفوس الناس بشكل جذري فالتطور الحاصل في نفسية الراثية الجاهلية جعلها مطمئنةَ النفسِ؛ فلم تعد تفكر إلاَّ في الله "عزَّ وجل"؛ فلا تدعو غيره، ولا تشكو إلاّ إليه بعد أنْ كانت مصابة بنوع من الاضطراب النفسي زاد من حرقتها ولوعتها حتى وصلت بها الحالة إلى الشتم والسب والإرباك الفكري.
  6. لقد اشتركت الراثيات في الأعم الأغلب وفي العصرين في اعتماد أسلوب المقايسة؛ للتعبير عن العاطفة الحزينة التي حرقّت أكبادهن لوعةً وجوى ولطالما كان ذلك الانفعال العميق يترجم على شكل صور شعرية متلاحقة تجسيداً للتجربة الشعورية الصادقة.
  7. إنًّ الوحدة الموضوعية في مراثي الشواعر ناتجة من الوحدة النفسية التي تحس بها الشاعرة حال فقدها لأحد ذويها؛ لذا نجد توافقاً كبيراً بين مراثي العصرين في هذه الخاصية؛ إذ جاءت مراثي النساء في عصر صدر الإسلام على منوال المراثي في عصر ما قبل الإسلام إلا أننا نلحظ أنَّ المراثي في عصر صدر الإسلام قد اتجهت نحو وحدة الموضوع بشكل أكبر؛ استجابة لواقع الجديد الذي أختطه القرآن الكريم وهذا ما جسدته مراثي النساء للرسول ().
  8. إنَّ المراثي الشعرية في عصر صدر الإسلام لا ترقَ إلى درجة مراثي النساء في عصر ما قبل الإسلام في الكشف عن حقيقة تجربتها، وعمق تلك التجربة؛ وذلك راجع- فيما يبدو- إلى القدرة التعبيرية التي إنمازت بها الراثية الجاهلية عن الراثية المسلمة بسبب تمسك الأخيرة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
  9. نلحظ أن أكثر مراثي النساء لأولادهن الصغار عبارة عن مقطوعة شعرية قصيرةُ الَّنفَسِ يتجلى فيها الحزن واضحاً؛ لقرب عهد الراثية بموت من ترثيه.
  10. المتأمل في مراثي النساء في العصرين يلحظ أن التنوع العاطفي يكثر في مراثي النساء في عصر ما قبل الإسلام؛ فقد سخرت الشاعرة الجاهلية جميع الأغراض الشعرية لخدمة غرض الرثاء.
  11. لقد حفلت مراثي النساء في العصرين بكثير من الألفاظ التي جاءت متوافقة وموضوع الرثاء؛ فالبكاء ؛ والدموع، والأرق، والموت، والمصيبة، والحزن ألفاظ عامة لا يمتاز بها عصر دون غيره علماً أنَّ لفظة (البكاء) ومشتقاتها تكاد تطغى على سائر المراثي النسائية في العصرين.
  12. أن مراثي النساء في عصر صدر الإسلام انمازت بألفاظ سهلة واضحة لينة بعيدة عن الأغراب والتعقيد بعكس لغة مراثي النساء في عصر ما قبل الإسلام ويعود ذلك إلى تأخر لغة العصر- صدر الإسلام- بأسلوب القرآن الكريم.
  13. انمازت مراثي عصر ما قبل الإسلام عن تلك في عصر صدر الإسلام في القدرة على إبراز المعاني والأفكار ذات الصلة بالموت والخسارة والفجيعة ووصف الأحزان بأسلوب تعبيري تمتعت به الشاعرة.
  14. لقد اكسبت المضامين الجديدة المعانقة للمفاهيم الإسلامية مراثي النساء تطوراً كبيراً في الشكل والمضمون وعمق الوحدة بينهما؛فصارت صورة تعبيرية عن القصيدة الدعوية أي: انّها دخلت في ضمن إطار مفهوم الالتزام بالمبدأ.
  15. لقد شهدت مراثي النساء لشهداء المسلمين حالة جديدة كانت قليلة جداً قبل الإسلام وتمثلت في الرثاء من دون صلة القربى بل قد يكون الذي يرثونه اليوم عدواً بالأمس فضلاً عن انتقال الرثاء عن المنظور الفردي إلى المنظور الجماعي.


(1) المحاسنُ والمساوئ، تصنيف الشيخ إبراهيم بن محمد البيهقي: 346، دار صادر، بيروت، 1970.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى